البعض يسخّر القانون حول إهانة الإسلام لتسوية خلافاته الشخصية
مسيحيو باكستان يعانون من تمييز اجتماعي وديني
بول بهاتي وزير الوئام الوطني |
يقول الوزير المسيحي الوحيد في باكستان إن الاتهامات المتكررة بإهانة الإسلام التي توجه الى المسيحيين في هذا البلد على غرار قضية الفتاة ريمشا لا تنبع عن مشكلة محض دينية، بل تكشف أيضًا أن نظام الطبقات الاقطاعي القديم لم يغب تمامًا عن هذا المجتمع.
إسلام آباد: عند جادة تقع على اطراف العاصمة الباكستانية إسلام أباد، يقوم عناصر من وحدة مكافحة الارهاب الباكستانية مدججين بالرشاشات وفرقة من الشرطة بحماية منزل بول بهاتي، وزير الوئام الوطني، الذي عين في هذا المنصب خلفًا لشقيقه شهباز، بعدما قتله متطرفون العام الماضي آخذين عليه تأييده لاصلاح قانون حول اهانة الدين.
وطرأت أزمة حادة فجأة قبل عشرة أيام على الوزير المسيحي الوحيد في هذا البلد الذي يعد 97% من المسلمين، حين اوقفت فتاة مسيحية من حي شعبي في إسلام آباد تدعى ريمشا يقول مسلمون إنها احرقت أوراقًا كانت مكتوبة عليها آيات قرانية.
وتلقى بعد ذلك مسيحيون من سكان الحي تهديدات من مسلمين غاضبين لوحوا بشن اعمال عنف ضدهم بعد صلاة الجمعة. وقال بهاتي إنه في ذلك اليوم لو ساهم الائمة ايضاً في اثارة مشاعر المصلين في خطبهم "لكان من الممكن أن تقع غوجرا أخرى"، في اشارة الى قرية قام مسلمون متطرفون بقتل سبعة مسيحيين فيها العام 2009 بعد انتشار شائعات حول مسألة اهانة الدين الاسلامي.
وكشف الوزير أنه سارع الى الاتصال بالائمة لتهدئة الخواطر. وتضاعفت في السنوات الاخيرة قضايا اهانة الاسلام، من غوجرا الى قتل شهباز بهاتي وحاكم البنجاب سلمان تيسير المؤيد بدوره لاصلاح القانون حول اهانة الاسلام العام 2011، مرورًا بقضية اسيا بيبي المسيحية التي حكم عليها بالاعدام العام 2010.
ويقول بهاتي: "هناك من يستغل القانون حول اهانة الاسلام"، الذي يجيز عقوبة الاعدام بحق من يدان باهانة النبي محمد والسجن المؤبد لمن يحرق آية قرآنية. ويعتبر الليبراليون أن البعض يستغل هذا القانون فيسخره لتطرفه الديني من خلال اطلاق اتهامات كاذبة، أو لتسوية خلافاته الشخصية.
ويقول بهاتي إن "جميع هذه القضايا لا تقتصر على الدين وحده، هناك عامل على ارتباط بالطبقات. والدليل أن الاكثر فقرًا وتهميشًا هم الذين يستهدفون في غالب الاحيان"، مشيرًا الى ان هؤلاء الفقراء والمهمشين "مسيحيون".
وليس من باب الصدفة أن يكون مسيحيو باكستان البالغ عددهم حوالي ثلاثة ملايين شخص هم في معظم الاحيان فقراء ويزاولون المهن الاكثر هشاشة وصعوبة، فهم يتحدرون من ادنى طبقة في نظام الطبقات السابق الذي كان يسود باكستان.
المسيحيون تلقوا تهديدات بعد أزمة الفتاة ريمشا |
ووضع افراد هذه الطبقة السفلى الذين كانوا يعانون من التمييز والفقر جعلهم اكثر تجاوبًا من سواهم مع المبشرين، الذين كانوا يأتون من الشرق الاوسط ثم من اوروبا. ومع قيام باكستان وانشقاقها عن الهند عام 1947 لم يتبدل هذا الوضع.
ويلفت الوزير الى أنه حتى اليوم "يقول بعض المسلمين إنهم يرفضون تناول الطعام في انية يستخدمها مسيحيون"، مشيراً الى أنهم لا يسمحون لأنفسهم بابداء موقف كهذا في الولايات المتحدة أو اوروبا. ويوضح أن "المسيحيين ضحايا يسهل استهدافهم".
لكن الواقع أن المسيحيين ليسوا وحدهم ضحايا العنف في باكستان حيث باتت الحركات السنية المتطرفة تهاجم بشكل متزايد مثلاً الاقليتين الاحمدية والشيعية اللتين عانتا اكثر من المسيحيين من اعمال العنف الطائفية في الاشهر الاخيرة.
وحصدت اعمال العنف الناتجة من قضايا اهانة الدين منذ 1990 في باكستان 18 مسيحيًا و16 مسلماً (من السنة والشيعة)، واثنين من اتباع المذهب الاحمدي وهندوسيًا، بحسب اللجنة الوطنية للعدل والسلم التي تجمع اساقفة باكستان الكاثوليك. وجميعهم قتلوا في عمليات تصفية خارج اطار القضاء فيما لم ينفذ القضاء مرة عقوبة اعدام صادرة في هذا السياق.
وفي مواجهة هذه الهجمات يقول بهاتي إنه "ينبغي تشجيع التسامح وتحسين وضع الاكثر فقراً وتعليمهم،" سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين " لكن المسألة لن تتم في شهر أو شهرين، إنه مشروع طويل الامد".