خاتمة كتاب ( الفقه الوعظى )

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٩ - أكتوبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

خاتمة كتاب ( الفقه الوعظى )

1 ـ هناك ما سميته الفقه النظرى ، وهو بعيد الصلة عن الواقع التاريخى المُعاش ، ومبنى على إفتراض إن الشخص إذا فعل كذا فالحكم كذا . بدأ هذا بكتاب ( الأم ) للشافعى ، ووصل ذروته بكتاب القاشانى الحنفى : ( بدائع الصنائع ) ، ثم إنحطّ الى دركات التخلف في عصور التقليد بدءا من العصر المملوكى ووصل الى القاع في العصر العثمانى .

وفى عصور التخلف هذه ساد القول بأكاذيب مضحكة مثل:

 ( الإجماع : أجمعت الأمة على كذا ) ، أي تم تجميع الأمة من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ والشباب ومن الشرق والغرب والشمال والجنوب ومع إختلاف الزمان واللسان فإنحشروا في مكان واحد ( مثل إستاد القاهرة )، وأجمعوا على قول واحد. وإذا كانوا قد أجمعوا على كل شيء فلماذا انقسموا الى سُنّة وشيعة وصوفية ؟ ولماذا انقسم السنيون الى مذاهب وانقسم الشيعة الى طوائف وانقسم الصوفية الى طُرُق وطرائق ؟ وكان أكثر ما يغيظنى هو تكرار جملة ( إختلف فيها العلماء ) ربما في كل صفحة من كتاب الفقه المقرر علينا في الثانوى الأزهرى . وكنت أقول : إذا كانوا قد إختلفوا في كل شيء  فأين ( أجمعت الأمة على كذا )؟ أم أن هؤلاء ( العلماء ) ليسوا من الأمّة ؟ . أم إنهم ( إتّفقوا على الاختلاف ، وإتفقوا على ألّا يتفقوا ؟ .).

 و هناك اسطورة : ( المعلوم من الدين بالضرورة ) ، وكنت وأنا طالب في الثانوى الأزهرى أقولها ( المعلوم من الدين بالضروطة ).! وكنت أتساءل إذا كان معلوما بهذا الشكل وبالضرورة فلماذا لا يحددون عدده ولماذا لا يتفقون عليه؟ . كان الفقه المقرر علينا في التعليم الأزهرى في الستينيات من نتاج هذه المرحلة المتخلفة . وكان يحظى بإحتقارى وأنا طالب وقتها ، وكنتُ أسميه ( فقه النصف الأسفل ).

على أي حال فإن الفقه النظرى مع كونه بعيد الصلة عن حياة الناس فهو مقياس لعقلية الفقهاء ـ شأن الأحاديث المُفتراة والتي لا شأن لها بالنبى محمد عليه السلام ، وهى نتاج ثقافى لعقلية من صنعها ، على إفتراض أن لهم عقلية .!

2 ـ في أثناء الإعداد لرسالة الدكتوراة عن ( أثر التصوف في مصر العصر المملوكي ) تعين أن أقرأ وبصورة نقدية كل ما تمت كتابته في العصر المملوكى ، وهو العصر الذى شهد إعادة كتابة المؤلفات السابقة بعد تدمير المغول لبغداد . لم يقتصر على مجرد التدوين بل الشرح والتلخيص . شمل البحث والتنقيب كتب التاريخ والتصوف والأحاديث والفقه والأدب والأمثال وكتابات الرحالة والوثائق ، وعثرت على نوعية جديدة من الكتابات الفقهية ، فقهاء ينتقدون ما يجرى في عصرهم ، فيكتبون حقائق تاريخية إجتماعية وإقتصادية مسكوتا عنها . بدأت الدهشة بكتاب المدخل لابن الحاج وهو أروعها ، ثم كتابات الشعرانى ، وهو من مخضرمى العصرين المملوكى والعثمانى . كتابات مختلفة عن الفقه النظرى المألوف ، فسميته ( الفقه الوعظى ). ولأن منهج البحث في رسالة الدكتوراة كان يستلزم البحث في المؤلفات السابقة في التصوف وتاريخ العصر العباسى الثانى فقد كان حتما قراءة كتب ابن عربى والغزالى وابن الجوزى ، وتعرفت على الفقه الوعظى لابن الجوزى والغزالى .

بعد رفض جامعة الازهر لمناقشة الرسالة لمدة ثلاث سنوات تم الوصول لحلّ وسط هو حذف ثلثى المكتوب والاقتصار على الثُّلُث فقط دون تغيير فيه . ثم فيما بعد أصدرت المحذوف من الرسالة في كتب منشورة هنا . وجاء الوقت ـ في الشيحوخة ـ  لنشر هذا الكتاب عن الفقه الوعظى .

3 ـ وأقول إن كتابات الفقهاء الحنابلة أسوأ من كتابات الغزالى في الفقه الوعظى . وعموما فكل منهم ينتقد غيره من موقع الخصومة ، ولا ينتقد نفسه . ولكن تميز الحنابلة في فقههم الوعظى بمنح أنفسهم مهمة إنقاذ غيرهم من ( تلبيس إبليس ) كما فعل إبن الجوزى ، أو من ( مكائد الشيطان ) كما زعم إبن القيم ، بينما هم عملاء لابليس والشيطان ، ويتقولون على الله جل وعلا ودينه ورسوله ما لم يتفوّه به إبليس في حواره مع ربه جل وعلا حين عصاه .

لدينا في الفقه الوعظى ثلاثة من أعلام الحنابلة ؛ أكثرهم كذبا هو ابن الجوزى ، وأكاذيبه تتعدى الى رواياته التاريخية في تاريخ ( المنتظم ) حتى فيما ينقله عن السابقين كالطبرى وغيره ، وفيما يكتبه في تاريخ عصره إفتخارا بنفسه ، وفيما يفتريه من أحاديث ( نبوية وقدسية ) ثم يكتب في الاحاديث الموضوعة .ّ!! وعلى نهجه سار السيوطى في كتبه ورسالاته  الكثيرة ، وقد تعرضنا لسرقاته من السابقين ، ووجدت انه لا يستحق أن أذكره مجددا في هذا الكتاب ، فهو ناقل عن غيره ، ثم فيما يكتبه بنفسه هو جاهل جهول . أقول هذا بكل إنصاف ، وقد راجعت كل مؤلفاته المخطوط منها والمنشور وما تم تحقيقه . ولا زلت أتعجّب ممّن يكتب عنه باعجاب مأخوذا بشهرته وكثرة مؤلفاته ( أو منحولاته ) . ولا عجب ، فنحن في عصر السطحية وصعاليك البحث . وكلما تصعلكت وتسطّحت زدت شهرة . يكفى أن إبن تيمية لا يزال يحظى بالتقديس ، ولا يزال إلاها عند السلفية ، وهو بمؤلفاته الوعظية الدموية يفتى بقتل الناس جميعا ، ثم يردد أكاذيبه فقهاء السلف في عصرنا الكئيب مثل سيد سابق وابى بكر الجزائرى والجزرى . الميزة الكبرى للغزالى وأولئك الحنابلة أنهم يثبتون بمؤلفاتهم الوعظية الإصلاحية أن المحمديين هم شرُّ أمّة أُخرجت للناس .!!

أخيرا  

ليس مدحا في الذات ، هو مجرد وصف تقريرى محايد : أننى الذى أكتب في الإصلاح بمنهج قرآنى وببحث تاريخى متعمق ، ثم لا أزعم انى أملك الحقيقة المطلقة ، بل أؤكد ان ما أقوله هو وجهة نظر تقبل النقد والتصحيح . كل ما أتمناه أن يجعلنى رب جل وعلا من الشهداء على قومى يوم الدين .

أحسن الحديث :

قال جل وعلا : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا(41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا(42)النساء )

ودائما : صدق الله العظيم

شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )

  https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran

اجمالي القراءات 344