الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى (5 / ج 21 ) : كتاب ( الفقه الوعظى )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٧ - سبتمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى (5 / ج 21 ) : كتاب ( الفقه الوعظى )  

نستكمل الحديث ..

يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان :

ملاحظة

وصلت ثرثرة إبن الجوزى في هذا الموضوع حوالى 6770 كلمة . نختصرها رفقا بالقارىء .

قال :

( ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في الأسفار والسياحة  

 قد لبس إبليس على خلق كثير منهم فأخرجهم إلى السياحة لا إلى مكان معروف ولا إلى طلب علم وأكثرهم يخرج على الوحدة ولا يستصحب زادا ويدعي بذلك الفعل التوكل فكم تفوته من فضيلة وفريضة وهو يرى أنه في ذلك على طاعة وأنه يقرب بذلك من الولاية وهو من العصاة المخالفين لسنة رسول الله .  وأما السياحة والخروج لا إلى مكان مقصود فقد نهى رسول الله عن السعي في الأرض في غير أرب حاجة.  أخبرنا .. أن رسول الله قال : " لا زمام ولا خزام ولا رهبانية ولا تبتل ولا سياحة في الإسلام . "  وروى أبو داود في سننه من حديث أبي أمامة أن رجلا قال يا رسول الله إئذن لي في السياحة فقال النبي  : "  إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله  .

 قال المصنف رحمه الله :..وقد ذكرنا فيما تقدم من حديث ابن مظعون إنه قال يا رسول الله إن نفسي تحدثني بأن أسيح في الأرض فقال النبي له : " مهلا يا عثمان فإن سياحة أمتي الغزو في سبيل الله والحج والعمرة . "  

نقد مالك الصوفية في السياحة  : وأما الخروج على الوحدة، فقد نهى رسول الله أن يسافر الرجل وحده فأخبرنا ..  أن النبي قال : " الراكب شيطان والاثنان شيطانان والثلاثة ركب ". أخبرنا .. عن أبي هريرة قال : لعن رسول الله راكب الفلاة وحده .

المشي في الليل  :

 وقد يمشون بالليل أيضا على الوحدة ، وقد نهى النبي عن ذلك . وأخبرنا .. قال النبي : " لو يعلم الناس ما في الوحدة ما سار أحد وحده بليل أبدا. " قال ..  عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله :  أقلو الخروج إذا هدأت الرجل فإن الله تعالى يبث في خلقه ما شاء ."

 قال المصنف رحمه الله:

 وفيهم من جعل دأبة السفر.  والسفر لا يراد لنفسه.  قال النبي " السفر قطعة من العذاب فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله . "

التعليق

كانت السياحة وسيلة للتواصل بين أوائل الصوفية ، ثم جعلوها دينا يتميزون به .

وصف السائحين والسائحات يأتي قرآنيا مرادفا للعبادة والتفاعل بالخير في المجتمع والتقوى . نفهم هذا من قول ربنا جل وعلا :

1 ـ ( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ(112) التوبة )

2 ـ (  عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا(5)التحريم ).

هذا مخالف للسياحة في الدين الصوفى . وإبن الجوزى وافقهم على هذا المصطلح ، وردّ عليهم ليس بما قلنا قرآنيا ، ولكن بأحاديث مصنوعة . أي هي مبارزة بالأحاديث .

ومن الطبيعى أن تتلوّن هذه الشريعة الصوفية ( السياحة ) بما زعموه بالتوكل . وهذا ما ذكره ابن الجوزى في الموضوع التالى ، وأجهد نفسه بذكر أقاصيصهم والرد عليها .

يقول :

 ذكر تلبيسه عليهم في دخول الفلاة  ( الصحراء )بغير زاد  

 قال المصنف رحمه الله :

قد لبس على خلق كثير منهم فأوهمهم أن التوكل ترك الزاد . وقد بينا فساد هذا فيما تقدم ، إلا أنه قد شاع هذا في جهلة القوم . وجاء حمقى القصاص يحكون ذلك عنهم على سبيل المدح لهم به ، فيتضمن ذلك تحريض الناس على مثل ذلك وبأفعال أولئك ومدح هؤلاء لهؤلاء ، ففسدت الأحوال وخفيت على العوام طرق الصواب.

 والاخبار عنهم بذلك كثيرة ، وأنا أذكر منها نبذة :  

 أنبأنا .. .. قال : " خرجت حاجا فلما توسطت البادية إذا أنا بغلام صغير فقلت يا عجبا بادية بيداء وأرض قفراء وغلام صغير. فأسرعت فلحقته فسلمت عليه ثم قلت يا بني إنك غلام صغير لم تجر عليك الأحكام . قال يا عم قد مات من كان أصغر سنا مني . فقلت وسع خطاك فإن الطرق بعيد حتى تلحق المنزل. فقال يا عم علي المشي وعلى الله البلاغ ، أما قرأت قوله تعالى : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا .  فقلت له مالي لا أرى معك لا زادا ولا راحلة؟  فقال يا عم زادي يقيني وراحلتي رجائي . قلت سألتك عن الخبزوالماء قال يا عم أخبرني لو أن أخا من إخوانك أو صديقا من أصدقائك دعاك إلى منزله أكنت تستحسن أن تحمل معك طعاما فتأكله في منزله فقلت أزودك فقال اليك عني يا بطّال ( أي يا باطل ) هو يطعمنا ويسقينا . قال فتح : فما رأيت صغيرا أشد توكلا منه ولا رأيت كبيرا أشد زهدا منه ...

  أخبرنا ..  سمعت أبا عبد الله بن خفيف قال خرجت من شيراز في السفرة الثالثة فتهت في البادية وحدي وأصابني من الجوع والعطش ما أسقط من أسناني ثمانية وانتثر شعري كله .

  أخبرنا ..  أبو حمزة الصوفي قال اني لا أستحي من الله أن أدخل البادية وأنا شعبان وقد اعتقدت التوكل لئلا يكون شبعي زادا تزودته .   ..     

 سياق ما جرى للصوفية في أسفارهم وسياحاتهم من الأفعال المخالفة للشرع :

 أخبرنا .. قال سمعت أبا حمزة يقول سافرت سفرة على التوكل فبينما أنا أسير ذات ليلة والنوم في عيني إذ وقعت في بئر فرأيتني قد حصلت فيها فلم أقدر على الخروج لبعد مرتقاها فجلست فيها فبينما أنا جالس إذ وقف على رأس البئر رجلان فقال أحدهما لصاحبه نجوز ونترك هذه البئر في طريق المسلمين السابلة والمارة فقال الآخر فما نصنع قال فبدرت نفسي أن أناديهما فنوديت تتوكل علينا وتشكو بلاءنا إلى سوانا فسكت فمضيا ثم رجعا ومعهما شيء فجعلاه على رأسها غطوها به فقالت لي نفسي أمنت طمها ولكن حصلت فيها مسجونا # فمكثت يومي وليلتي فلما كان الغد ناداني شيء يهتف بي ولا أراه تمسك بي شديدا فمددت يدي فوقعت على شيء خشن فتمسكت به فعلاها وطرحني فوق الأرض فاذا هو سبع فلما رأيته لحق نفسي من ذلك ما يلحق من مثله فهتف بي هاتف وهو يقول يا أبا حمزة استنقذناك من البلاء بالبلاء وكفيناك ما تخاف بما تخاف..  

  وقد أخبرنا .. سمعت مؤملا المغابي يقول كنت أصحب محمد بن السمين فسافرت معه ما بين تكريت والموصل فبينا نحن في برية نسير إذ زأر السبع من قريب منا فجزعت وتغيرت وظهر ذلك على وجهي وهممت أن أبادر فأفر فضبطني وقال يا مؤمل التوكل ههنا ليس في المسجد الجامع    .. أخبرنا  .. قال خرجنا في سياحة فنمنا في موضع فيه سباع فلما نظر إلي رآني لم أنم طردني وقال لا تصحبني بعد هذا اليوم .

  أخبرنا .. سمعت حسنا أخا سنان يقول كنت أسلك طريق مكة فتدخل في رجلي الشوكة فيمنعني ما أعتقده من التوكل أن أخرجها من رجلي فأدلك رجلي على الأرض وامشي .  أخبرنا  .. قال  ..: حج الدينوري اثنتي عشرة حجة حافيا مكشوف الرأس وكان إذا دخل في رجله شوك يمسح رجله في الأرض ويمشي ولا يتطاطىء إلى الأرض من صحة توكله  

   أخبرنا  ..قال  : خرجت في وسط السنة إلى مكة وأنا حدث السن في وسطي نصف جل وعلى كتفي نصف جل فرمدت عيني في الطريق وكنت أمسح دموعي بالجل فأقرح الجل الموضع فكان يخرج الدم مع الدموع فمن شدة الإرادة وقوة سروري بحالي لم أفرق بين الدموع والدم وذهبت عيني في تلك الحجة ،وكانت الشمس اذا أثرت في بدني قبلت يدي ووضعتها على عيني سرورا مني بالبلاء  ...

  وقد روي لنا في ذهاب عين هذا الرجل ما هو أظرف مما ذكرنا ، فأخبرنا  .. عن أبي بكر الدقاق قال استضفت حيا من العرب فرأيت جارية حسناء فنظرت إليها فقلعت عيني التي نظرت بها اليها ..  وقد روي عن بعض عابدات الصوفية مثل هذا ...أخبرنا  .. قال أخبرتني شعوانة انه كان في جيرانها امرأة صالحة فخرجت ذات يوم إلى السوق فرآها بعض الناس فافتتن بها وتبعها الى باب دارها فقالت له المرأة أي شيء تريد مني قال فتنت بك فقالت ما الذي استحسنت مني قال : عيناك فدخلت إلى دارها فقلعت عينيها وخرجت إلى خلف الباب ورمت بها اليه وقالت له خذهما فلا بارك الله فيك   ...    

  أخبرنا  .. سمعت أبا سعيد الخراز يقول دخلت البادية مرة بغير زاد فأصابتني فاقة فرأيت المرحلة من بعد فسررت بوصولي ثم فكرت في نفسي أني شكيت وأني توكلت على غيره فآليت أن لا أدخل المرحلة إلا أن حملت اليها فحفرت لنفسي في الرمل حفرة وواريت جسدي فيها إلى صدري فسمعت صوتا في نصف الليل عاليا يا أهل المرحلة إن لله وليا حبس نفسه في هذا الرمل فالحقوه فجاء جماعة فأخرجوني وحملوني إلى المرحلة .  

  أخبرنا  .. قال لي جعفر الخلدي : وقفت بعرفة ستا وخمسين وقفة منها إحدى وعشرون على المذهب فقلت لأبي إسحق وأي شيء أراد بقوله على المذهب فقال يصعد إلى قنطرة الناشرية فينفض كمية حتى يعلم أنه ليس معه زاد ولا ماء ويلبى ويسير  ..

وأنبأنا أبو زرعة طاهر بن محمد بن طاهر قال أخبرني أبي عن بعض الصوفية أنه قدم عليه من مكة جماعة من المتصوفة فقال لهم من صحبتم فقالوا حاج اليمن فقال أوه التصوف قد صار إلى هذا أو التوكل قد ذهب انتم ما جئتم على الطريقة والتصوف وإنما جئتم من مائدة اليمن إلى مائدة الحرم ثم قال وحق الأحباب والفتيان لقد كنا اربعة نفر مصطحبين في هذا الطريق نخرج إلى زيارة قبر النبي على التجريد ونتعاهد بيننا أن لا نلتفت إلى مخلوق ولا نستند إلى معلوم فجئنا إلى النبي ومكثنا ثلاثة أيام لم يفتح لنا بشيء فخرجنا حتى بلغنا الجحفة ونزلنا وبحذائنا نفر من الأعراب فبعثوا إلينا بسويق فأخذ بعضنا ينظر إلى بعض ويقول لو كنا من أهل هذا الشأن لم يفتح لنا بشيء حتى ندخل الحرم فشربناه على الماء وكان طعامنا حتى دخلنا مكة . ..

  اخبرنا  ..قال : بلغني أن أبا شعيب المقفع وكان قد حج سبعين حجة راجلا أحرم في كل حجة بعمرة وحجة من عند صخرة بيت المقدس ودخل بادية تبوك على التوكل فلما كان في حجته الأخيرة رأى كلبا في البادية يلهث عطشا فقال من يشتري حجة بشربة ماء قال فدفع إليه إنسان شربة ماء فسقى الكلب ثم قال هذا خير لي من حجي لأن النبي قال في كل ذات كبد حراء أجر.  اخبرنا .. قال سمعت الوجهي يقول سمعت أبا علي الروزباري يقول كان في البادية جماعة ومعنا أبو الحسين العطوفي فربما كانت تلحقنا القافلة ويظلم علينا الطريق وكان أبو الحسين يصعد تلا فيصبح صياح الذئب حتى تسمع كلاب الحي فينبحون فيمر على بيوتهم ويحمل إلينا من عندهم معونة . قلت وإنما ذكرت مثل هذه الأشياء ليتنزه العاقل في مبلغ علم هؤلاء وفهمهم للتوكل وغيره ويرى مخالفتهم لأوامر الشرع وليت شعري كيف يصنع من يخرج منهم ولا شيء معه بالوضوء والصلاة وإن تخرق ثوبه ولا إبرة معه فكيف يفعل وقد كان بعض مشايخهم يأمر المسافر بأخذ العدة قبل السفر  .  فأخبرنا  .. كان إبراهيم الخواص مجردا في التوكل يدقق فيه وكان لا تفارقه إبرة وخيوط وركوة ومقراض فقيل له يا أبا إسحاق لم تجمع هذا وأنت من كل شيء فقال مثل هذا لا ينقض التوكل لأن الله تعالى فرض علينا فرائض والفقير لا يكون عليه إلا ثوب واحد فربما يتخرق ثوبه وإن لم يكن معه إبرة وخيوط تبدو عورته فتفسد عليه صلواته وإن لم يكن معه ركوة تفسد عليه طهارته وإذا رأيت الفقير بلا ركوة ولا إبرة ولا خيوط فاتهمه في صلاته . )

التعليق

1 ـ هذه أكاذيب مُضحكة في دين التصوف المبنى على الكذب والإفتراء . وهو لا يختلف في أكاذيبه عن دين السنة الذى يؤمن به إبن الجوزى . لذا نراه يضع لهذه الأكاذيب إسنادا ، ( حدثنى فلان عن فلان ،، أخبرنا فلان عن قال ، ويتردد قوله ( بلغنى ) وليس مهما من أبلغه . فالأتباع يسمعون ويصدقون بلا ذرة عقل .

2 ـ ومع إن أبن الجوزى يحكى عن عصره فإن ما قاله عن الصوفية لا يزال ساريا في مجتمعات التصوف في عصرنا ، فالشيطان لم ولن يقدم إستقالته . ويوم القيامة سيقول جل وعلا : (  أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ(60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(64)يس ).

ودائما : صدق الله العظيم

شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )

  https://www.youtube.com/@DrAhmedSubhyMansourAhlAlquran