التحرر من خرافات القطيع

رضا البطاوى البطاوى في الإثنين ٢٥ - أغسطس - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

التحرر من خرافات القطيع
صاحب المقال هو الباحث عن الحقيقة المنسية وفى بداية كلامه طالبنا أن نتحرر من خرافات القطيع فقال :
"علينا أن نتحرر من خرافات القطيع، ومن كل من يزعمون أنهم "باحثون" وهم في الحقيقة يكررون الأكاذيب وينشرون الوهم باسم القداسة."
والخرافة الأولى التى أوجب علينا التحرر منها هو أن نعتقد أن الوحى هو قول الرسول وليس قول الله وهو قوله :
"فكل ما في المصحف هو قول الرسول الذي أُرسل إلينا بلسان قومه، والفاعل في النص هو الرسول لا الله مباشرة. نحن لم نسمع الله يتكلم، بل سمعنا الرسول يتلو تعاليم الله. فكلام الله ليس أصواتًا أو موجات، بل هدايات ومعانٍ . وما اعتاد الناس أن يرددوه من عبارات مثل "قال تعالى" ليس إلا اصطلاحًا تراثيًّا رسّخ أوهامًا وازدواجيات في فهم الوحي."
وكرر الباحث عن الحقيقة المنسية كلامه فقال :
"فالقول في المصحف قول الرسول، لكنه في الوقت نفسه كلام الله بالمعنى الشرعي: أي ان ما يقوله الرسول هو قول الرسول بينما الكلام ليس كلام الرسول بل تعاليم الله وعندما نقول كلام الله لا يعني أن الله هو من تلفض ونطق بذالك من فمه بل الرسول من نقل لنا ذالك فالوجود بأكمله ملي بالرسل وعلينا أن نقرأ كل شي يوحى إلينا مفاهيم ونتدبرها لأنها كلام الله وكلمات الله أي تعاليم الله فممكن حشرة توحي لك مفاهيم وعلوم لم تسمعها من عالم كبير لأن تعاليم الله في الوجود بأكمله وحي الله."
ولمناقشة الكلام نقول :
أولا الوحى كله كلام رسول وحيد وليس رسل متعددين وهو:
جبريل فهو من أوحى للرسل(ص) الكتاب بصوته هو حسب لغة كل رسول بشرى كما قال تعالى :
" إنه لقول رسول كريم ذى قوة عند ذى العرش مكين مطاع ثم آمين"
ثانيا :
أثبت الله أن الوحى قوله ولكنه لم يقل أن قوله أصوات أو ترددات أو غير هذا فقال مثلا :
" ومن أصدق من الله حديثا "
وقال :
" ومن أصدق من الله قيلا "
وقال :
" ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون "
وقال :
" إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون "
ومن ثم لا مجال لنفى أن الوحى قول أى حديث أى كلام الله ولكن بمعنى :
مراد الله وهو :
حكمه
كلام الله :
أ-كيف يكلم الله خلقه ؟
يكلم الله خلقه بطريقين هما :
-الوحى وهو أن يوصل المراد للمخلوق عبر وسيط لا يتكلم دوما أمام الخلق وسمى الله هذا الكلام من وراء حجاب ومن ذلك كلامه لموسى (ص) عبر الشجرة التى لا تتكلم بكلام الناس أمامهم أبدا حيث قال بسورة النساء "وكلم موسى تكليما "وسمى كلامه لموسى (ص)وحيا فقال بسورة طه "وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى " وفى تكلم الشجرة قال بسورة القصص"فلما أتاها نودى من شاطىء الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنى أنا رب العالمين "والنداء هنا من مكان هو شاطىء الواد الأيمن من الشجرة والله لا يحل فى مكان ومن ثم فالمتكلم هو الشجرة التى لا تتكلم لغات الناس التى يسمعونها.
ولو اعتبرنا قولهم وهو أن الله كلم موسى(ص)والنبى(ص)فقط مباشرة صادقا فنحن نكذب القرآن الذى يقول أنه نادى آدم (ص)وزوجته بقوله فى سورة الأعراف "فناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة "وإبراهيم(ص)فى قوله "وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا "وغيرهم ونداء الله هنا مثل نداء موسى(ص)"نودى " و"وناديناه من جانب الطور "
وأما احتجاجهم بأن اللقاء لا يكون إلا مواجهة كلاما بكلام ولا يوجد فى آيات تكليم موسى(ص)ما يدل على لقاء الله وإنما يدل على الميقات وهو الموعد المحدد الأربعين يوما مصداق لقوله تعالى بسورة الأعراف "وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة "
زد على هذا أن الله يكلم الكفار أى يناديهم مصداق لقوله تعالى بسورة القصص "ويوم يناديهم فيقول أين شركائى الذين كنتم تزعمون "
-إرسال رسول للمخلوق كى يعلم ما يريد الله منه كإرسال جبريل (ص)للرسل (ص)وفى الطريقين قال بسورة الشورى "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحى بإذنه ما يشاء ".
ب-كلام الله لا ينفد :
إن كلام الله وهو مرادات الله لا تنتهى على الإطلاق فلو أن ما فى الأرض من شجر تحول لأقلام للكتابة وتحولت مياه البحر لمداد أى حبر أى مظهر لكتابة كلام الله ومن بعد البحر تحولت مياه سبعة أبحر – والرقم سبعة رمز لأى عدد أكبر- لمداد لنفد المداد وفنت الأقلام وما انتهى كلام الله وفى هذا قال تعالى بسورة لقمان "ولو أنما فى الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله "وقال بسورة الكهف "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا ".
ج-ثبات كلام الله :
كلام وهو مرادات الله تتميز بأنها ثابتة لا يقدر أحد على تبديلها وتغييرها والدليل قوله تعالى بسورة الأنعام "ولا مبدل لكلمات الله "وقوله بسورة الإسراء "فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ".
د- ماهية كلام الله :
كلام الله هو مرادات الله هى أحكام الله وهو ليس ألفاظ تنطق لأن الله ليس مثل الخلق ينطق ألفاظ والقرآن هو كلام الله بمعنى أحكام الله أى مرادات الله ولكنه ليس ألفاظ نطقها الله –لأن الله لا ينطق مثل الخلق- وإنما هو ألفاظ نطقها الروح الأمين جبريل(ص)مصداق لقوله بسورة النجم "إن هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى ذى مرة فاستوى "وقوله بسورة التكوير "إنه لقول رسول كريم ذى قوة عند ذى العرش مكين"
هـ-القرآن كلام الله :
القرآن هو كلام أى حكم الله المنزل وفى هذا قال تعالى بسورة المائدة "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "و"والظالمون "و "والفاسقون "و"ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون "إذا فالقرآن هو حكم الله أى مراد الله وإرادات الله هى نفسه ومن ثم فالقرآن كإرادة ليس مخلوق وأما ألفاظ القرآن بمعنى كلماته المنطوقة أو الملفوظة أو المكتوبة فهى مخلوقة لأن قائلها هو جبريل لقوله بسورة التكوير "إنه لقول رسول كريم ذى قوة عند ذى العرش مكين "وقوله بسورة النحل "قل نزله روح القدس من ربك بالحق "وما دام جبريل (ص)مخلوق فكلامه ومنه القرآن مخلوق والخالق هو الله فالله خلقه وخلق عمله الذى هو هنا القرآن وفى هذا قال تعالى بسورة الصافات "والله خلقكم وما تعملون "والقرآن بمعنى الألفاظ المنطوقة أو المكتوبة هناك أدلة كثيرة على أنه مخلوق منها :
- أنه نطق لقوله تعالى بسورة النجم "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى "والنطق من الخلق مخلوق .
-أنه نزل على عدة مرات زمنية مصداق لقوله تعالى "وقرآنا فرقناه على مكث "فتفريقه على أزمان فى النزول يعنى أنه مخلوق لأن الخالق لا يتجزأ مكانيا أو زمانيا .
-أنه نزل فى زمن هو شهر رمضان فى ليلة القدر مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة "شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن " وقوله بسورة القدر "إنا أنزلناه فى ليلة القدر "
-أن الله سمى القرآن منزل والخالق وهو الله لا ينزل ولو كان القرآن الملفوظ أو المكتوب غير مخلوق ما نزل لأن الله لا ينزل فى الأماكن
-أن القرآن مسطور أى مكتوب والمكتوب مخلوق لأن له ساطر أى كاتب وفى هذا قال تعالى بسورة الإسراء "كان ذلك فى الكتاب مسطورا"
-أن الوحى نزل فى أزمان مختلفة فمنه القرآن نزل فى عهد النبى(ص)والكتب الأخرى نزلت قبله مصداق لقوله بسورة النساء "والكتاب الذى نزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل "وقوله بسورة القصص "الذين أتيناهم الكتاب من قبله "وقوله بسورة الأحقاف "قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى "وقوله بسورة هود"ومن قبله كتاب موسى"ونزولهم فى أزمان مختلفة يعنى كونهم مخلوقين بألفاظ جبريل (ص)والرسل(ص)لأن الخالق لا يتواجد فى أزمان دون أزمان .
-أن الناس يتصرفون فى القرآن والذى يتصرف فيه الناس ليس خالق وإنما مخلوق لأن الخالق هو المتصرف فمن تصرفات الناس فيه التلاوة مصداق لقوله تعالى بسورة "وأنتم تتلون الكتاب"والكتم والإخفاء مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب "وقوله بسورة المائدة "مما كنتم تخفون من الكتاب "والوراثة مصداق لقوله بسورة فاطر "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا "والتحريف مصداق لقوله بسورة المائدة "يحرفون الكلم من بعد مواضعه "
-أن الله سمى القرآن حديث أى ألفاظ لها معنى فقال بسورة الزمر "الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها "
- أن القرآن منزل بلسان الرسول (ص)مصداق لقوله تعال بسورة "فإنما يسرناه بلسانك "وهو كان يحرك لسانه به مصداق لقوله بسورة القيامة"لا تحرك به لسانك لتعجل به "فالحركة باللسان مخلوقة وكذا كل الرسل (ص) مصداق لقوله بسورة إبراهيم "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه "فالوحى هو بلسان الأقوام وهم الناس ومن ثم فهو مخلوق لأن الألسنة مخلوقة مصداق لقوله تعالى بسورة الروم "ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم "
-أن القرآن مكون من أجزاء بدليل كلمات منه ومن القرآن فى قوله تعالى بسورة يونس "وما تتلو منه من قرآن "وقوله بسورة المزمل "فاقرءوا ما تيسر منه "
-أن القرآن موجود فى مكان هو مكان الكتاب المكنون أى اللوح المحفوظ والموجود فى مكان لابد أن يكون مخلوق مصداق لقوله تعالى بسورة الواقعة "إنه لقرآن كريم فى كتاب مكنون "وقوله بسورة البروج "بل هو قرآن مجيد فى لوح محفوظ " وقوله بسورة الزخرف "وإنه فى أم الكتاب "
-أن القرآن فيه حكاية كلام الكفار مثل كلام فرعون وملك مصر فى عهد يوسف (ص)فهل كلامهم غير مخلوق ؟قطعا مخلوق لأنه لو كان غير مخلوق ففرعون وغيره من الكفار هم الله وهو ما لا يقوله عاقل
-أن القرآن مذكور فى زبر وهى كتب الأولين ومن ثم فهو مخلوق لأنه موجود فى كتب سابقة وفى هذا قال تعالى بسورة الشعراء "وإنه لفى زبر الأولين "
وقد ناقض الباحث فوله عن كون الرسول هو الكتاب في قوله :
"لقد صنع التراث صورة لوحيَين: وحيًا لله في المصحف، ووحيًا آخر منسوبًا للرسول في كتب الحديث. وهكذا انقسمت الطاعة بين "قال تعالى" و"قال الرسول". لكن لو قرأنا النص بوعي لوجدنا أن الرسول نفسه هو "الكتاب" الذي أُرسل إلينا، وأن القول في المصحف قوله، بإذن الله، لا قول جبريل ولا الملأ الأعلى.
فالآيات صريحة:
﴿إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولࣲ كَرِیمࣲ﴾ [الحاقة: 40]
﴿وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَاعِرࣲۚ قَلِیلࣰا مَّا تُؤۡمِنُونَ﴾ [الحاقة: 41]
﴿وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنࣲۚ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ [الحاقة: 42]."
وعاد فقد أن الرسول هو التالى للوحى الناطق به حيث قال :
#فالرسول هو الذي يتلو الوحي، وهو الذي ينطق النصوص. وهو الذي لاينطق عن الهوى لانه وحي يوحى الينا مفاهيم وليس النبي الذي لا ينطق عن الهوى فالنبي ليس وحي من السماء نزل بل يوحى إليه والرسول هو صاحبنا أي نحن في صحبته بشكل مستمر "
والكتاب أساسا لا ينطق ولا يتلوا فكيف يكون هو نفسه الرسول؟
ويكرر نفس الخطأ فيقول:
"لكن لو فهمنا النصوص على حقيقتها وآمنا بأن الرسول نفسه هو الكتاب الذي أُرسل إلينا، لعلمنا أنّ القول في هذا المصحف هو قول الرسول نفسه الذي أُرسل إلينا بلسان قومه، وليس بلسان عربي مبين وليس قول جبريل ولا قول الملأ الأعلى، وتلك مجرد خرافات. "
وهنا يخرف الباحث نافيا كون الكتاب قول جبريل(ص) مع إثبات الله ذلك في قوله :
"ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إنه هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى فدنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى"
وقوله :
" إنه لقول رسول كريم ذى قوة عند ذى العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون ولقد رءاه بالأفق المبين وما هو على الغيب بضنين وما هو بقول شيطان رجيم"
فهنا لا يمكن نفى تعليم جبريل لمحمد(ص) ولا اقترابه منه حتى كان بينه وبينه قدر شبرأو أقل ولا يمكن نفى رؤية محمد(ص) لجبريل(ص)
ما أثبته الله في كتابه لا يمكن نفيه وإنما يمكن التعبير عنه بتعبيرات غير ما اخترع البشر فقول الله هو مراده أى حكمه دون أن يكون صوتا أو ترددا وقول جبريل (ص) صاحب الوحى فهو الصوت الذى سمعه كل الرسل كخاتم النبيين(ص) وردده خلفه حتى نهاه الله عن التسميع خلفه فقال :
"لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه"