الاحتضار في الإسلام
الاحتضار هو ساعة خروج النفس من الجسم التى أخرها خروجها من الحلقوم كما قال
علاماتُ الاحْتضار:
بالطبع علامات الاحتضار لمن رأى أحدهم يموت:
الأولى انسحاب النفس من أول أصابع القدمين تدريجيا حتى تصل للحلقوم وهو أخر جزء تخرج منه النفس
الثانية هى :
النظر حيث يشخص البصر لأنه ينظر ساعتها إلى ثوابه أو عقابه كما قال تعالى :
"فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ"
وذكر الفقهاء علامات مثل :
اسْترْخاء الْقدميْن، واعْوجاج الأْنْف، وانْخساف الصُّدْغيْن، وامْتداد جلْدة الْوجْه .
مُلازمةُ أهْل الْمُحْتضر لهُ:
قطعا لا يمكن لأحد ان يلازم المحتضر لأنه لا يعرف موعد أو مكان موته كما قال تعالى :
" وما تدرى نفس بأى أرض تموت "
فإن تصادف وإن حدث موت أحدهم والإنسان قاعد استغفر للميت أو لمن يموت كما قال تعالى :
" واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات "
ما يفْعلُهُ الْمُحْتضرُ:
قطعا المحتضر لا يقدر ساعة الموت على عمل أى شىء غير أن يتكلم في سره وإن قدر على النطق استغفر لنفسه والمفترض في المسلم أن يحاول أن يكون ميتا على طاعة الله ومن ضمنها إحسان الظن
وطلب الاحسان بالظن ساعة الموت لن يسمعه من يموت لأنه يكون منعزلا تماما عمن حوله فهو يرى ثوابه أو عقابه كما قال تعالى :
"الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ"
وقال :
"الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"
وأما الأحاديث التى استشهد الفقهاء بها مثل :
عنْ جابرٍ قال:
" سمعْتُ النّبيّ (ص)يقُول قبْل موْته بثلاثٍ لا يمُوتنّ أحدُكُمْ إلاّ وهُو يُحْسنُ الظّنّ باللّه تعالى
وخبر الشّيْخيْن قال اللّهُ تعالى: أنا عنْد حُسْن ظنّ عبْدي بي، فلا يظُنُّ بي إلاّ خيْرًا.
حديث أنسٍ أنّ النّبيّ (ص)دخل على شابٍّ وهُو بالْموْت، فقال: كيْف تجدُك؟ قال: واللّه يا رسُول اللّه إنّي أرْجُو اللّه، وإنّي أخافُ ذُنُوبي، فقال رسُول اللّه صلّى اللّهُ عليْه وسلّم: لا يجْتمعان في قلْب عبْدٍ في مثْل هذا الْموْطن إلاّ أعْطاهُ اللّهُ ما يرْجُو وأمّنهُ ممّا يخافُ"
فلا يوجد أى دليل فيها على هذا الطلب ساعة الموت
وُجُوبُ الإْيصاء بأداء الْحُقُوق لأصْحابها :
قطعا المحتضر لا يقدر ساعة الموت على عمل أى شىء غير أن يتكلم في سره وإن قدر على النطق استغفر لنفسه ومن ثم لا يقدر على التوصية إلا ساعة موته بفترة طالت أو قصرت وليست في دقائق الاحتضار حيث تخرج النفس
وأى حديث يقول أن من يموت يقول في دقائق الاحتضار كلاما كثيرا مسموعا عن أى شىء فكله كذب إلا في موت الفجاءة فإنه قد يتكلم في موضوع ويسقط فجأة
ومن تلك الأحاديث الكاذبة عنْ أبي بُرْدة قال: أوْصى أبُو مُوسى حين حضرهُ الْموْتُ، قال: إذا انْطلقْتُمْ بجنازتي فأسْرعُوا بي الْمشْي، ولا تتْبعُوني بمُجمّرٍ، ولا تجْعلُوا على لحْدي شيْئًا يحُول بيْني وبيْن التُّراب، ولا تجْعلُوا على قبْري بناءً وأُشْهدُكُمْ أنّي بريءٌ منْ كُل حالقةٍ أوْ سالقةٍ أوْ خارقةٍ قالُوا: سمعْت فيه شيْئًا؟ قال: نعمْ منْ رسُول اللّه (ص) .
وحديث سعْد بْن أبي وقّاصٍ قال: كُنْتُ مع رسُول اللّه في حجّة الْوداع، فمرضْتُ مرضًا أشْفيْتُ منْهُ على الْموْت، فعادني رسُول اللّه (ص)فقُلْتُ: يا رسُول اللّه إنّ لي مالاً كثيرًا، وليْس يرثُني إلاّ ابْنةٌ لي، أفأُوصي بثُلُثيْ مالي؟ قال: لا. قُلْتُ: بشطْرمالي؟ قال: لا. قُلْتُ: فثُلُثُ مالي؟ قال: الثُّلُثُ، والثُّلُثُ كثيرٌ، إنّك يا سعْدُ إنْ تدعْ ورثتك أغْنياء خيْرٌ لك منْ أنْ تدعهُمْ عالةً يتكفّفُون النّاس .
وإنما الوصايا تكون ساعة الموت قبل خروج النفس ولكنها لا تكون في دقائق خروج النفس حيث لا يقدر أحد على الكلام إلا نادرا
التّوْبةُ إلى اللّه:
التوبة إلى الله تكون في أى وقت من الحياة إلا ساعة الموت كما قال تعالى :
"إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا"
تصرُّفاتُ الْمُحْتضر ومنْ في حُكْمه:
يقال في الفقه :يجْري على تصرُّفات الْمُحْتضر ومنْ في حُكْمه ما يجْري على تصرُّفات الْمريض مرض الْموْت منْ أحْكامٍ، إذا كان في وعْيه، وهو كلام ليس معقولا لأن المحتضر في دقائق موته لا يقدر على أى تصرف فكل ما يقدر عليه هو أن يتكلم في سره أو ينطق كلمات قليلة جهرا
ما يُسنُّ للْحاضرين أنْ يفْعلُوهُ عنْد الاحْتضار:
قطعا ما يقدر الحاضرون وقت الاحتضار فعله ليس ما تخيله الفقهاء كالتالى :
أوّلاً: التّلْقينُ:
8 - ينْبغي تلْقينُ الْمُحْتضر: " لا إله إلاّ اللّهُ " لقوْل الرّسُول صلّى اللّهُ عليْه وسلّم: لقّنُوا موْتاكُمْ لا إله إلاّ اللّهُ. .
ثانيًا: قراءةُ الْقُرْآن:
9 - يُنْدبُ قراءةُ سُورة (يس) عنْد الْمُحْتضر، لما روى أحْمدُ في مُسْنده عنْ صفْوان، قال: " كانت الْمشْيخةُ يقُولُون: إذا قُرئتْ (يس) عنْد الْموْت خُفّف عنْهُ بها. وأسْندهُ صاحبُ مُسْند الْفرْدوْس إلى أبي الدّرْداء وأبي ذرٍّ، قالا: قال رسُول اللّه (ص): ما منْ ميّتٍ يمُوتُ فتُقْرأُ عنْدهُ يس إلاّ هوّن اللّهُ عليْه.
ثالثًا: التّوْجيهُ:
10 - يُوجّهُ الْمُحْتضرُ للْقبْلة عنْد شُخُوص بصره إلى السّماء، لا قبْل ذلك، لئلاّ يُفْزعهُ، ويُوجّهُ إليْها مُضْطجعًا على شقّه الأْيْمن اعْتبارًا بحال الْوضْع في الْقبْر؛ لأنّهُ أشْرفُ عليْه . وفي توْجيه الْمُحْتضر إلى الْقبْلة ورد: أنّ النّبيّ (ص)لمّا قدم الْمدينة سأل عن الْبراء بْن معْرُورٍ. فقالُوا: تُوُفّي وأوْصى بثُلُث ماله لك، وأنْ يُوجّه للْقبْلة لمّا احْتُضر. فقال النّبيُّ صلّى اللّهُ عليْه وسلّم: أصاب الْفطْرة، وقدْ رددْتُ ثُلُث ماله على ولده، ثُمّ ذهب فصلّى عليْه، وقال: اللّهُمّ اغْفرْ لهُ وارْحمْهُ وأدْخلْهُ جنّتك، وقدْ فعلْت . قال الْحاكمُ: ولا أعْلمُ في توْجيه الْمُحْتضر إلى الْقبْلة غيْرهُ.
وفي اضْطجاعه على شقّه الأْيْمن قيل: يُمْكنُ الاسْتدْلال عليْه بحديث النّوْم، فعن الْبراء بْن عازبٍ عن النّبيّ (ص)قال: إذا أتيْت مضْجعك فتوضّأْ وُضُوءك للصّلاة، ثُمّ اضْطجعْ على شقّك الأْيْمن، وقُل: اللّهُمّ إنّي أسْلمْتُ نفْسي إليْك. . . إلى أنْ قال: فإنْ متّ متّ على الْفطْرة وليْس فيه ذكْرُ الْقبْلة.
رابعًا: بل حلْق الْمُحْتضر بالْماء:
11 - يُسنُّ للْحاضرين أنْ يتعاهدُوا بل حلْق الْمُحْتضر بماءٍ أوْ شرابٍ، وأنْ يتعاهدُوا تنْدية شفتيْه بقُطْنةٍ لأنّهُ رُبّما ينْشفُ حلْقُهُ منْ شدّة ما نزل به فيعْجزُ عن الْكلام. وتعاهُدُهُ بذلك يُطْفئُ ما نزل به من الشّدّة، ويُسهّل عليْه النُّطْق بالشّهادة .
خامسًا: ذكْرُ اللّه تعالى:
12 - يُسْتحبُّ للصّالحين ممّنْ يحْضُرُون عنْد الْمُحْتضر أنْ يذْكُرُوا اللّه تعالى، وأنْ يُكْثرُوا من الدُّعاء لهُ بتسْهيل الأْمْر الّذي هُو فيه، وأنْ يدْعُوا للْحاضرين، إذْ هُو منْ مواطن الإْجابة؛ لأنّ الْملائكة يُؤمّنُون على قوْلهمْ قال رسُول اللّه صلّى اللّهُ عليْه وسلّم: " إذا حضرْتُمُ الْمريض، أو الْميّت، فقُولُوا خيْرًا، فإنّ الْملائكة يُؤمّنُون على ما تقُولُون فتعيّن عليْهمْ ذلك، أخْذًا منْ قاعدة النّصيحة الْواجبة. وهذا الْحال منْ أهمّها ."
وكل هذا ليس عليه دليل من القرآن فما يفعله الحاضرون هو :
الاستغفار للميت وهو لا ينفعه ما لم يكن مسلما عند الله فالتلقين لا يفيد بشىء فقد نطق فرعون الشهادة ودخل النار كما قال تعالى :
"وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ"
فالمهم أن يموت الميت على طاعة الله وهى دينه وأما بل ريقه فهو أمر لا يفيده بأى شىء لأنه إما مقدم على الجنة حيث الارتواء العظيم أو مقدم على النار حيث العطش الشديد
وأيضا توجيه للقبلة أو عدم توجيه لها لا يفيد بأى شىء فالمفيد للميت هو عمله كما قال تعالى :
"وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"
ما يُسنُّ للْحاضرين أنْ يفْعلُوهُ عنْد موْت الْمُحْتضر:
سن الفقهاء أن يعمل الحاضرون الموت التالى :
"إغْماض عيْنيْه، والدُّعاء لهُ، وشدّ لحْييْه بعصابةٍ عريضةٍ تُشدُّ في لحْييْه للأْسْفل وتُرْبطُ فوْق رأْسه، لأنّهُ لوْ تُرك مفْتُوح الْعيْنيْن والْفم حتّى يبْرُد بقي مفْتُوحهُما فيقْبُحُ منْظرُهُ، ولا يُؤْمنُ دُخُول الْهوامّ فيه والْماءُ في وقْت غُسْله، ويُليّنُ مفاصلهُ ويرُدُّ ذراعيْه إلى عضُديْه ثُمّ يمُدُّهُما، ويرُدُّ أصابع يديْه إلى كفّيْه ثُمّ يمُدُّها، ويرُدُّ فخذيْه إلى بطْنه، وساقيْه إلى فخذيْه ثُمّ يمُدُّهُما . ويقُول مُغْمضُهُ: " باسْم اللّه، وعلى ملّة رسُول اللّه صلّى اللّهُ عليْه وسلّم. اللّهُمّ يسّرْ عليْه أمْرهُ، وسهّل عليْه ما بعْدهُ، وأسْعدْهُ بلقائك، واجْعل ما خرج إليْه خيْرًا ممّا خرج منْهُ ". ..وعنْ شدّاد بْن أوْسٍ: قال: قال رسُول اللّه صلّى اللّهُ عليْه وسلّم: إذا حضرْتُمْ موْتاكُمْ فأغْمضُوا الْبصر. وإنّ الْبصر يتْبعُ الرُّوح. وقُولُوا خيْرًا، فإنّهُ يُؤمّنُ على ما قال أهْل الْميّت. "
وسيان أغمضت العين أم لم تغمض فالواجب هو تغطية الجسم بما يغطى جسمه وهو الكفن الذى هو ملابسه التى كان يلبسها في حياته وليس غيرها من احضار نسيج جديد وتكفينه به
وأما ما يقال فهو الاستغفار للميت
كشْفُ وجْه الْميّت والْبُكاءُ عليْه:
قطعا كشف وجه الميت وتقبيله عملية سواء حدثت أم لم تحدث هى لا تغير شىء وإنما يفعلها الناس تعبيرا عن محبتهم للميت وقد أجازها الفقهاء بناء على أحاديث مثل :
عنْ جابر بْن عبْد اللّه قال: لمّا قُتل أبي جعلْتُ أكْشفُ الثّوْب عنْ وجْهه أبْكي، ونهوْني، والنّبيُّ (ص)لا ينْهاني، فأمر به النّبيُّ (ص)فرُفع فجعلتْ عمّتي فاطمةُ تبْكي. فقال النّبيُّ صلّى اللّهُ عليْه وسلّم: تبْكين أوْ لا تبْكين، ما زالت الْملائكةُ تُظلُّهُ بأجْنحتها حتّى رفعْتُمُوهُ.
وهو حديث لم يحدث لأن الملائكة لا تنزل الأرض لتظليل الميت لكونها في السماء كما قال تعالى :
"قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا"