هي كلمة حق في زمن عَز فيه الإنصاف، وأصبح الإنكار جزاء الإحسان، والإجحاف نصيب المتفانين في البنيان.
ذاك الفريق/ كامل الوزير، رجل تصدى لمسئوليات شاقة، ومهام لا يجيد خوضها إلا من صقلت عزيمته في موقد الانضباط، ومحيت من قلبه الرغبة في التواكل أو الإحباط.
ما تولى وزارة النقل قبله أحد، إلا وانهالت عليه السهام من كل حدب وصوب، وما أكثر النقاد، وما أقل الفاهمين.
وقبل أن أشرع في الحديث عن (كامل الوزير)، لا يفوتني أن أقدم واجب العزاء في رحيل اللاعب البرتغالي (ديوغو جوتا)، الذي وافاه الأجل في حادث سير أليم بأسبانيا، يوم 3 يوليو 2025.
لقد كان رحيله فاجعة لعشاق الكرة، وخسارة للرياضة العالمية.
لكن، أتراهم يطالبون في إسبانيا بإقالة وزير النقل هناك، السيد ( أوسكار بونتي سانتياغو) ..
أم أن المحاسبة لا تطالهم، كما تطال "كامل الوزير"، كلما تعثرت مركبة، لسبب ما، هو بريء منه.
لقد كتبت هذا المقال، لا مدحاً، ولا نفاقاً، بل دفاعاً عن رجل إذا عُرضت عليه المشقة، تقدم، وإذا احتدم العمل، تزاحم.
كامل الوزير، ذاك الذي تخرج من الكلية الفنية العسكرية عام 1980، قسم هندسة الإنشاءات، لم يتسلق المناصب مجاملة، بل شق طريقه بعرق الجبين، وولاء الميدان.
منذ أن تولى إدارة المهندسين العسكريين في عام 2011، حتى أصبح رئيساً للهيئة الهندسية للقوات المسلحة في ديسمبر 2015، لم يعرف الكلل، بل كان للإنجاز رفيقاً، وللمشروعات عماداً.
وإليكم بعضاً من بصماته، لا أقوالاً تنسى، بل أفعال تبنى :
1- قناة السويس الجديدة (أُنجزت في عام واحد).
2- هضبة الجلالة، شاهقة فوق الرمال.
3- محور روض الفرج، أوسع جسر عابر للنيل.
4- الحي الحكومي، في العاصمة الإدارية الجديدة.
5- المتحف المصري الكبير، الذي يحاكي حضارة السبعة آلاف عام.
6- تطوير العشوائيات، كمثلث ماسبيرو، والوراق .. الخ، حتى صارت أحياء تليق بكرامة الإنسان.
7- مشروع تطوير البحيرات، لإحياء الثروات المنسية.
وفي وزارته... لغة الأرقام لا تكذب :
فمنذ توليه وزارة النقل في مارس 2019، لم يكن وزيراً جالساً خلف مكتب، بل مهندساً في قلب الموقع.
أولاً : بالنسبة للطرق والكباري :
- أنشأ 7000 كم، من الطرق الجديدة.
- طور 10000 كم، من الطرق القائمة.
- نفذ 945 كوبري، ونفق، من أصل 1000 مخطط.
- أنشأ 18 محوراً على النيل من أصل 35.
ثانياً : فيما يخص السكك الحديدية :
- طور 124 محطة من أصل 133.
- أطلق خطة تحديث الإشارات، والجرارات بتكلفة 200 مليار جنيه.
- أطلق مشروع القطار الكهربائي السريع بطول 2000 كم.
فهل بعد كل هذا، يلام الرجل .. وهل يحاسب من يسير فوق الأشواك ليشق لنا طريقاً ممهداً ..
كامل الوزير .. ليس مجرد اسم في سجل الوظائف، بل رمز للانضباط العسكري، وذراع الرئيس الأيمن في تنفيذ المهام العسيرة.
لذا لم يكن غريباً أن يتمسك به الرئيس/ عبد الفتاح السيسي، لأنه يرى فيه قائداً لا يعرف التراجع، ومهندساً يتقن بناء الأحلام.
بل إن (كامل الوزير) تفاوض بنفسه لتقليل تكلفة بعض الصفقات الكبرى، كصفقة الجرارات الأمريكية، فأين من يجادله ..
ومع ذلك، لا ننكر أن فترته شابها بعض الإخفاقات، أهمها :
حوادث الطرق، والقطارات، وتأخر نسبي في تطوير الإشارات، وارتفاع أسعار التذاكر.
ولكن، هل نحمله وحده كل العثرات، وهل نغض الطرف عن الآفة الأخطر، وهي آفة (السائقين المتعاطين).
حيث تشير الدراسات إلى أن 72٪ من السائقين المتوفين في الحوادث، كان في دمائهم أثر لمواد مخدرة، تبدأ بمخدر الحشيش وتنتهي بالترامادول.
ويُظهر العلم أن السائق المتعاطي أكثر عرضة للحوادث القاتلة بخمسة أضعاف مقارنة بغيره.
فمن المسؤول إذاً، هل هو الوزير، أم ذلك السائق الذي يسوق مركبته بيد، والموت بيد أخرى.
لو كانت العقوبة رادعة، تغلظ على المتعاطي لتصل إلى السجن المؤبد، لما تكررت تلك المشاهد الدامية.
ولو فرض الإعدام على كُل تاجر مخدرات كما يُفعل في القتلة، لانصلح حال البلاد، والعباد.
قد يقول البعض : إن كامل الوزير، يفتقر للتواصل العاطفي مع الناس في الأزمات، كما في حادثة (كمسري القطار)، أو حادثة الطريق الإقليمي في يونيو 2025.
ولكن، هل يلام من تربى في مدرسة الجندية، التي تعترف بالفعل، لا بالكلام ؟ إنه رجل مواقع لا منابر، رجل إنجاز لا استعراض.
في النهاية :
إن الفريق/ كامل الوزير، ليس كغيره من الوزراء، بل هو رجل المهام الصعبة، وصاحب التاريخ الحافل، واليد البيضاء في مجال النقل، والبناء.
وإن كنا نريد خفض الحوادث، فالحل لا يكون بإقالة الوزير، بل بمحاسبة المفسدون في الأرض، ممن أحالوا المركبات إلى مقابر متحركة، والمخدرات إلى زاد الطريق.
قال الله تعالى :
"إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"، المائدة : 33 صدق الله العظيم.
فما جدوى الحياة لمفسدٍ في الأرض، إلا أن يكون ذلك مخططاً للإنحدار بالبلاد نحو الهاوية.
وعلى الله قصد السبيل
شادي طلعت
#شادي_طلعت
#كامل_الوزير_رجل_المهام_العسيرة_والعجائب_اليسيرة