الماسونية حكمة الشرق وفلسفة الغرب
الماسونية حكمة الشرق وفلسفة الغرب

شادي طلعت في السبت ٠٥ - يوليو - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 
هذا المقال بداية للحديث في أكثر الأمور الشائكة في مصر، والعالم العربي، والإسلامي، إنه الدخول في المحظور، فقد تم تصويره أنه بيت الأشباح، وما دخله إلا شيطان أو متآمر. 
 
تلك هي نصائح العجائز، الذين سارو على بطونهم كالثعابين، خشية أن تُقطَف رؤوسهم بسيوف المستبدين. 
 
حديثنا عن الماسونية، وسأذكر الحقائق، والتاريخ، ولن أكترث لجاهل، أو فاسد، أراد حجب الحقيقة عن الناس. 
 
وبداية :
لفهم الماسونية، فيما بين الغموض التاريخي، والطرح التحليلي المعاصر، فإنني سأعود لأسرار كهنة فرعون، وأسير حتى التحولات السياسة العالمية لوقتنا الحالي. 
 
ولكن سأقتصر في هذه السطور على ملامح الماسونية، والماسونيين. 
 
ففي عالم يغلفه الغموض، وتحيط به الشكوك، والأساطير، تبرز الماسونية كأحد أكثر التنظيمات تأثيراً، وإثارة للجدل في التاريخ الحديث. 
 
وتعود الجذور الفكرية للماسونية إلى العصور الوسطى، وتحديداً إلى نقابات البنّائين الحجريين الذين شيدوا الكاتدرائيات، والقصور الكبرى في أوروبا.
 
ولكن التأسيس الرسمي لما يُعرف اليوم بــ (الماسونية الحديثة) كان في عام 1717م في (لندن)، مع إنشاء أول محفل ماسوني علني.
 
ومع مرور الوقت، تحولت الماسونية من نقابة مهنية إلى تنظيم فلسفي رمزي، يعتمد على رموز البناء مثل :
(الفرجار - المسطرة - الحجارة غير المصقولة)، وذلك لتمرير أفكار التنوير، والحرية، والأخوة، والعقلانية.
 
وتُعد مصر القديمة مصدر إلهام عميق لــ الماسونية، فهي تتشارك معها في عدة أمور منها :
 
أولاً الرموز :
كالعين التي ترى كل شيء (عين حورس)، والهرم، والمسلة، والكتابات الرمزية.
ثانياً الطقوس:
حيث تشترك بعض طقوس الإنتقال الماسونية، مع طقوس الكهنة في معابد مصر القديمة، وهي طقوس تنقل الإنسان من ذاته القديمة إلى (النور).
ثالثاً الفكر الغنوصي : 
أي البحث عن النور الداخلي، والمعرفة السرّية، وهو ما يشبه (السر المقدس) في كهنوت مصر القديمة.
 
وقد تبنّت المحافل الماسونية هذه الرموز وفسّرتها بوصفها تمثّل الحكمة القديمة، والخلود، والصعود الروحي.
 
ورغم غموض نشأة الماسونية، فإن ارتباطها برموز الحضارة المصرية القديمة، وعلاقتها بالثورات الكبرى، والتحولات الجيوسياسية، يجعلها في موضع البحث، والسؤال دائماً. 
 
أما عن الأشخاص الماسونيين المعروفين : 
فقد كان الماسونيون أصحاب فكر تنويري حقيقي، وقد حصلوا على تقدير شعوبهم، ومجتمعاتهم، وكُتبَت أسماؤهم بأحرف من نور في كُتب التاريخ، فقد ساهموا بإحداث التغيير في مجتمعاتهم إلى الأفضل. 
 
وأمثلة المصلحين الماسونيين كثيرة وعديدة، ليس في الدول الديمقراطية فقط، بل حتى في دول العالم الثالث مثل : مصر، والعالم العربي. 
 
وأول المصلحين الماسونيين هو :
(جورج واشنطن) .. عاش من 1732 - 1799 وكان : أول الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية، وأول رئيس لها في الفترة من 1789 - 1797.
وقد انضم إلى (المحفل الماسوني) في سن مبكرة، وحضر احتفالات ماسونية علنية،  وكان معلناً لماسونيته بكل فخر واعتزاز.  
وبلغ اعتزازه بــ الماسونية لدرجة أنه قد وضع حجر الأساس للعاصمة الأميركية (واشنطن) بطقوس ماسونية.
 
وليس (جورج واشنطن) وحده الذي كان (ماسونياً)، وإنما كان معه من الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية كل من :
 
1- بنجامين فرانكلين .. عاش من 1706 - 1790 وكان : أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، وكاتباً، وطابعاً، وفيلسوفاً، وسياسياً، ومدير مكتب بريد، وعالماً، ومخترعاً، ورجل فكاهة، وناشطاً مدنياً، ورجل دولة، ودبلوماسياً. 
 
2- جيمس مونرو .. عاش من 1758 - 1831 وكان : أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، ورئيس أمريكا في الفترة من 1817 - 1825.
 
وكان مع (جورج واشنطن) من دعائم الثور الأمريكية كل من (الماسونيين) أيضاً كل من :
 
1- بول ريفير .. عاش من 1735 -  1818 وكان : أحد الوطنيين في الثورة الأمريكية، والشخصية التي اقتبسها (هنري وادسورث لونغفيلو) في قصيدته الشهيرة (بول ريفير) 1861. 
 
2- جون هانكوك .. عاش من 1737 -  1793 وكان : أحد قادة بوسطن، خلال الأزمة التي أدت إلى إندلاع حرب الاستقلال الأمريكية في 1775م.
 
وذلك يشير إلى أن الفكر التنويري، الذي حملته (الماسونية)، كان حاضراً في تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية.
 
أيضاً قامت (الثورة الفرنسية) على مبادئ الماسونية العالمية، إذ يُعتقد أن الماسونية لعبت دوراً فكرياً غير مباشر في التمهيد لها في عام 1789. 
فالكثير من مفكري الثورة، مثل (فولتير) و (جان جاك روسو)، إما كانوا (ماسونيين) أو انهم قد تأثروا بأفكار التنوير التي نشرتها المحافل الماسونية.
 
حيث كانت الشعارات الأساسية للثورة الفرنسية : (حرية، مساواة، أخوّة) متطابقة مع الشعارات الماسونية.
 
وكان للماسونية أيضاً علاقة بالتحولات الجيوسياسية في أوروبا من خلال نشر الفكر الليبرالي، والعقلاني الذي ساهم في التالي : 
 
1- إسقاط الملكيات المطلقة.
2- نشر الدساتير الحديثة.
3- تأسيس جمهوريات بدلاً من الأنظمة الوراثية.
 
وقد تأثرت غالبية دول أوربا بالفكر الماسوني مثل : إيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، والبرتغال ... الخ.
 
أما أبرز الشخصيات المصرية، والعربية، والإسلامية المنتمين إلى الماسونية سنجد منهم تلك الأسماء الرنانة. 
 
أولاً/ من الماسونيين المصريين نجد :
 
1- المفكر/ رفاعة الطهطاوي .. عاش من 1801 - 1873 وكان : أحد رواد الفكر التنويري في مصر، ورائد حركة الترجمة، والصحافي، والمؤرخ، والفيلسوف. 
 
2- المفكر الإسلامي/ محمد عبده .. عاش من 1849 - 1905 وكان : أحد دعاة النهضة، والإصلاح في العالم العربي، والإسلامي. 
 
3- الزعيم/ سعد زغلول .. عاش من 1859 - 1927 وكان : زعيم ثورة 1919 في مصر.  
 
4- محمد فريد .. عاش من 1868 - 1919 وكان : حقوقي، وسياسي مصري، وله أكبر الأثر في وضع أساس حركة النقابات، فأنشأ أول نقابة للعمال سنة 1909، كما أنشأ أول اتحاد تجاري. 
 
5- الزعيم/ مصطفى كامل .. عاش من 1974 - 1908 وكان : مؤسس الحزب الوطني، وأحد المنادين بتأسيس الجامعة الإسلامية.
 
ثانياً/ من الماسونيين العرب نجد :
 
الأمير/ عبد القادر الجزائري .. عاش من 1808 - 1883 وكان : قائد المقاومة الشعبية ضد الإحتلال الفرنسي في الجزائر. 
 
ثالثاً/ من الماسونيين الإسلاميين نجد :
 
- المفكر الإسلامي/ جمال الدين الأفغاني .. عاش من 1838 - 1897 وكان :  مؤسس حركة الحداثة الإسلامية. 
 
* وكانوا هؤلاء المصلحين المصريين، والعرب، والمسلمين، يرون في الماسونية منبراً للحرية، في مواجهة الإستبداد الديني، والسياسي.
 
فما حقيقة، وسابقة أعمال (الماسونية) التي جعلتها تجذب مفكرين، وعلماء من المسلمين لينضموا إليها، ويمكننا في هذا الصدد أن نعول على توافر أربعة أمور وهي .. 
 
الأمر الأول : 
الماسونية ليست ديانة، ولا طائفة، ولا تدعو للإلحاد أو الكفر، بل إنها تشترط الإيمان بـ (إله واحد) ومن ينضم للماسونية، يقدم أولاً تعهدات أخلاقية. 
 
الأمر الثاني :
(للماسونية) تاريخ طويل من دعم حرية الفكر، والعدالة، والكرامة الإنسانية، وهي أفكار يجتمع عليها كُل الشباب الحالم، وكُل من أراد الإصلاح.
 
الأمر الثالث :
ليست الماسونية مجرد أفكار فقط، بل لها بصماتها في أعمال البر، ومساعدة الفقراء، وقد أنفقت مليارات على أعمال الخير من دون مقابل.
 
إن الماسونية في وقتنا الحالي تنفق ما يقارب 2 مليار دولار سنوياً على التعليم، والصحة، ودعم المجتمعات.
- كما أنها تدير مستشفيات مجانية في أميركا.
- أيضاً تموّل الماسونية منحاً دراسية، ومراكز أبحاث.
 
الأمر الرابع :
شهد بانفتاح (الماسونية) مفكرون من ديانات، وثقافات متعددة.
 
في النهاية :
 
الماسونية، في جوهرها، دعوة أخوية إلى التحرر من الجهل، ومحبة الإنسانية، وتقديس العقل. 
 
وقد تشكّلت الماسونية عبر القرون، من مزيج من حكمة الشرق، وفلسفة الغرب، وأسرار الحضارات القديمة.
 
وبين من يراها قوة نور، ومن يتهمها بالظلام، تظلّ الحقيقة في العين الباحثة عن المعرفة، وليس في الاتهام السهل.
 
وعلى الله قصد السبيل
 
شادي طلعت
 
#شادي_طلعت
#الماسونية_حكمة_الشرق_وفلسفة_الغرب_وأسرار_الحضارات_القديمة