شهدت العلاقة بين الرئيس الأمريكي/ دونالد ترامب، ورجل الأعمال/ إيلون ماسك، تحولاً جذرياً من التعاون إلى الخلاف، مما أثار اهتمام واسع في الأوساط السياسية، والإقتصادية، حول الأرباح، والخسائر التي قد تترتب على هذا النزاع سواء للعالم أو لكلا الطرفين.
في البداية نؤكد على حقيقة :
لطالما كان (إيلون ماسك) ، شخصية مثيرة للجدل في المشهد السياسي الأمريكي، حيث تداخلت مصالحه الإقتصادية مع سياسات الإدارات المختلفة، سواء الديمقراطية أو الجمهورية.
وكانت علاقاته مع الإدارات الديمقراطية في مسيرته، أكثر انسجاماً مع السياسات الديمقراطية، خاصة فيما يتعلق بالطاقة النظيفة، والتكنولوجيا المتقدمة.
وتحديداً خلال فترة إدارة الرئيس/ باراك أوباما، حيثُ استفادت شركات (إيلون ماسك) تسلا، وسبيس إكس، من الدعم الفيدرالي للطاقة المتجددة، وقدمت إدارة الرئيس/ أوباما، حوافز للسيارات الكهربائية، وتطوير الطاقة النظيفة، مما ساعد شركة (تسلا) على النمو السريع وهي في مراحلها المبكرة.
كما أن سياسات المناخ التي تبناها الديمقراطيون كانت تتماشى مع رؤية ماسك في تطوير حلول مستدامة للطاقة.
ثُم شهدت السنوات الأخيرة تحول في موقف (إيلون ماسك) تجاه الديمقراطيين، حيث بدأ في انتقاد بعض سياساتهم، خاصة تلك المتعلقة بالتنظيم الحكومي، والتدخل في الإقتصاد.
كما انتقد بعض السياسات الديمقراطية التي اعتبرها مُعرقلة للإبتكار، والتقدم التكنولوجي.
ومع مساندة (إيلون ماسك) للمرشح الجمهوري (دونالد ترامب) تمكن الحزب الجمهوري من التغلب على خصمه الديمقراطي، وبعد أن أصبح (ترامب) رئيسُ لأمريكا، دَعَمَ (ماسك) ومنحه دوراً في الحكومة، حيث ترأس (ماسك) وزارة كفاءة الحكومة، وهي وزارة مستحدثة تهدف إلى تقليل الإنفاق الحكومي.
إلا أنه ومع هذا القُرب من الإدارة الأمريكية، بدأ (إيلون ماسك) في انتقاد سياسات (ترامب) الإقتصادية، خاصة مشروع قانون (الضرائب، والإنفاق)، الذي وصفه بأنه "جريمة مقززة" قد تؤدي إلى زيادة العجز الفيدرالي.
وفي الوقت ذاته تعرض (إيلون ماسك) لسلسلة انتقادات واسعة بسبب دوره في إدارة (ترامب)، وتعرضت شركته (تسلا)، لموجة من الإحتجاجات، ودعوات لمقاطعة منتجاتها، بسبب ارتباطه بالإدارة الجمهورية، مما دفعه في النهاية إلى تقليل مشاركته في الحكومة الأمريكية.
أما عن الأسباب المعلنة للخلاف بين ماسك و ترامب، فهي النقاط التالية :
1- مشروع قانون الإنفاق :
حيث اعترض (ماسك) على مشروع القانون الذي يتضمن تخفيضات في برامج الطاقة، والصحة، لأنه سيؤثر سلباً على شركته (سبيس إكس)، والتي تستفيد من دعم أمريكي كبير، وتتجاوز قيمة العقود والتمويل الحكومي 38 مليار دولار أمريكي، منها 22.6 مليار دولار مخصصة لبرامج الفضاء.
ولدى (إيلون ماسك) عقود حكومية أخرى مثل : برنامج أرتميس، لوكالة ناسا الفضائية، إذ تعتبر (سبيس إكس) مورِداً لنظام الهبوط البشري (HLS)، وكذلك عقود (إطلاق فضائي للأمن القومي)، وعقود لخدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية (ستارلينك) التي تستخدمها وكالات حكومية، وعقود مع وزارة الدفاع، تشمل إطلاق فضائي للأمن القومي.
2- إلغاء الدعم للسيارات الكهربائية :
حيث بلغ عدد السيارات الكهربائية في أمريكا عام 2024 ما يتجاوز أربعة ملايين سيارة كهربائية، وقد أثار قرار (ترامب) بإلغاء الدعم الفيدرالي للسيارات الكهربائية، غضب (ماسك) أيضاً، نظراً لتأثيره المباشر على مبيعات شركة (تسلا)، حيث أن قيمة الإعفاء الضريبي الفيدرالي هي 7500 دولار لمشتري السيارات التي تعمل بالكهرباء، أي أن الدعم وصل إلى ما يزيد عن 30 مليار دولار حتى عام 2024، كما أمر (ترامب) بوقف تمويل محطات شحن السيارات الكهربائية، والتي كان مخصص لها من قانون البنية التحتية 7.5 مليار دولار، وذلك لبناء شبكة من محطات الشحن العامة في جميع أنحاء البلاد.
3- اتهامات شخصية :
حيثُ اتهم (ماسك) الرئيس/ ترامب بالظهور في ملفات جيفري إبستين، مما زاد من حدة التوتر بينهما، وهذا الإتهام خطير، فالمتهم في هذا الملف بالكاد أنه بلا شرف أو أخلاق.
4- التعيينات الحكومية :
حيث دعم (ماسك) مرشحين لمناصب عليا، مما أثار استياء (ترامب).
أرباح وخسائر ماسك وترامب، قبل وبعد الخلاف :
إيلون ماسك : كانت مكاسبه من علاقته بالرئيس/ ترامب، تتمثل في التأثير السياسي فقط، حيثُ تمتع بنفوذ قوي، جعله يساهم في تشكيل بعض السياسات الإقتصادية، والتكنولوجية.
أما الخسائر المتوقعة لـ إيلون ماسك بعد الخلاف، فتتمثل في عدة تحديات منها :
أولاً/ إلغاء العقود الحكومية، وهذا ما هدد به (ترامب) بوقف التعاملات التجارية مع شركات (ماسك)، مما سيؤثر على مشاريع سبيس إكس الفضائية.
ثانياً/ انخفاض قيمة الأسهم : شهدت أسهم شركة (تسلا) انخفاضاً حاداً بنسبة 14% بعد تصريحات (ترامب)، مما أدى إلى خسائر مالية ضخمة.
ثالثاً/ التأثير السياسي السلبي :
قد يجد ماسك نفسه في مواجهة مع الإدارة الأمريكية، مما يحد من قدرته على التأثير في السياسات المستقبلية.
أما عن وضع دونالد ترامب ..
فقد كانت مكاسب (ترامب) من علاقته بـ (ماسك) من عدة جوانب وهي :
1- الدعم المالي : حيثُ أنفق ماسك ما لا يقل عن 288 مليون دولار لدعم حملة ترامب، والجمهوريين.
2- الترويج الإعلامي : إذ ساهم (ماسك) في تعزيز صورة (ترامب) كرئيس داعم للابتكار والتكنولوجيا.
3- التأثير الاقتصادي : دعم (ماسك) بعض سياسات (ترامب) الإقتصادية، مما عزز شعبية الرئيس بين المستثمرين، ورجال الأعمال.
أما عن الخسائر المتوقعة للرئيس/ ترامب بعد الخلاف، فإنها تتمثل في مواجهة عدة تحديات منها :
- فقدان الدعم المالي : حيثُ سيتوقف (ماسك) عن دعم حملات (ترامب) والحزب الجمهوري، مما سيؤثر على مواردهم الإنتخابية.
- الإنتقادات العلنية : ستتسبب مهاجمة (ماسك) لسياسات (ترامب)، خاصة فيما يتعلق بالضرائب والإنفاق الفيدرالي، بإضعاف موقف الرئيس/ ترامب سياسياً.
- التأثير الاقتصادي السلبي : سيؤدي الخلاف إلى تراجع ثقة المستثمرين في سياسات (ترامب)، مما سيؤثر على الأسواق المالية.
في ظل هذا النزاع، هناك عدة أطراف ستستفيد :
1- المنافسون السياسيون : قد يستغل الديمقراطيون هذا الخلاف لإضعاف موقف ترامب، والحزب الجمهوري في الانتخابات القادمة.
2- شركات التكنولوجيا المنافسة : ستستفيد شركات مثل : أمازون، ومايكروسوفت، وغيرهما من تراجع نفوذ ماسك في واشنطن.
3- المستثمرون في الأسواق المالية : قد يؤدي التقلب في أسهم (تسلا) إلى فرص استثمارية جديدة للمضاربين في السوق.
من الخاسر الأكبر من الخلاف ماسك أم ترامب :
إيلون ماسك : قد يتعرض لخسائر مالية كبيرة إذا ألغت الحكومة عقودها مع شركاته، والتي تقدر بمليارات الدولارات.
دونالد ترامب : قد يفقد دعماً مالياً، وسياسياً من (ماسك) والذي كان يعدُ من أكبر داعمي الحزب الجهوري في حملة 2024، على المستويين الرئاسة، والكونجرس.
كلا الطرفين إذاً مُعرَضُ لخسائر كبيرة، فسوف يتأثر (ماسك) مالياً بشكل أكبر، بينما سيخسر ترامب والحزب الجمهوري دعماً سياسياً مهماً.
في النهاية :
يبدو أن (إيلون ماسك) قد تحول إلى موقف أكثر استقلالية، حيث أصبح ينتقد كلا الحزبين الجمهوري، والديمقراطي، عندما تتعارض سياساتهم مع مصالحه الشخصية، والتجارية.
ويبدو أن النزاع بين (ماسك وترامب) قد يتصاعد أكثر، خاصة مع تهديد (ترامب) بإلغاء العقود الحكومية، ورد (ماسك) عليه، بدعوات لعزل الرئيس الأمريكي، هذا التصعيد قد يؤدي إلى خسائر كبيرة لكلا الطرفين، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.
وهنا يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان هذا الخلاف مجرد مناوشة سياسية، أو أنه سحابة صيف ستمضي بمحاولات الصلح الهادفة إلى إنهاء النزاع، والقضاء على أسبابه ..
أم أن هذا الخلاف سيؤدي إلى تغييرات جوهرية في المشهد الاقتصادي، والسياسي الأمريكي.
وعلينا أن نعي جيداً وألا ننسى أن (إيلون ماسك) ليس مجرد رجل أعمال، بل هو حالة لا تتكرر إلا مرة في كل قرن، فهو قادر على صناعة حزب جديد لقيادة أمريكا في المستقبل، كما سبق وأشار، وقادر أيضاً على إضعاف أكبر حزبين حالياً في أمريكا الجمهوري والديمقراطي.
وللحقيقة وللتاريخ : لولا دَعم إيلون ماسك لـ دونالد ترامب، لما أصبح رئيس لأمريكا، ولولا دعم (ماسك) للحزب الجمهوري لما فاز في انتخابات الكونجرس.
إن الأيام القادمة ستكشف المزيد عن تداعيات هذا الصراع بين اثنين من أكثر الشخصيات نفوذاً في العالم، وكلاهما ليس بالسهل أو الهين.
إنه صراع بين أسد وذئب، على منطقة نفوذ، وكلاهما طامح لفرض سيطرته.
بيد أن الواقع يقول : أن الذئب لا يقنع بالتبعية، حتى وإن كانت للأسد ملك الغابة.
وعلينا أن لا ننسى أن قوة (دونالد ترامب) مستمدة من منصبه كرئيس، ولكن .. الرئاسة مرحلة ستنتهي، أما (إيلون ماسك) فقوته تنبع من عقله، وإبداعه قبل قوة ماله الذي لا حدود له.
ورغم حدة الخلاف، إلا أن السياسة الأمريكية تشهد تحالفات متغيرة، فإذا وجد الطرفان مصلحة مشتركة، قد تحدث مصالحة مستقبلية، لكن في الوقت الحالي، يبدو أن الخلاف مستمر، وقد يتصاعد.
ورؤيتي الأخيرة :
أظهَرْ الخلاف فيما بين ترامب وماسك، تعقيدات العلاقة بين السياسة، والاقتصاد في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعكس صراع المصالح بين الحكومة ورجال الأعمال.
وهناك ما هو خفي من الأسرار لا نعلمه حتى تاريخه، فقد قبل إيلون ماسك، دعم دونالد ترامب، في الإنتخابات، وهو على علم مسبق بنواياه تجاهه، وتجاه شركاته ..
وهذا ما يجعلني أظن أن (إيلون ماسك) قد حقق هدفه من قربه من (ترامب) وسواء تصالح معه أم ناصبه العداء فيما بعد، فقد حصل على ما كان يريد، وانتهى الأمر.
والقادم سيجعل كُل حلفاء أمريكا يميلون إلى التعامل مع (إيلون ماسك) بإعتباره أحد صناع القرار في أمريكا اليوم وغداً، لأن دونالد ترامب إن كان يمثل الحاضر اليوم، إلا أنه سيكون خارج نطاق حسابات الغد.
وعلى الله قصد السبيل
شادي طلعت
#شادي_طلعت
#ايلون_ماسك_دونالد_ترامب_أبعاد_الصراع