الرد على مقال الوهم الخرافي في فهم "القَسَم" القرآني

رضا البطاوى البطاوى في السبت ٢٤ - مايو - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً

الرد على مقال الوهم الخرافي في فهم "القَسَم" القرآني
كتب يحيى شهوان مقالا بعنوان :
الوهم الخرافي في فهم "القَسَم" القرآني: إساءة تأويلية للذات الإلهية المنزهة"
وفى بداية المقال زعم أن ما جاء في أول بعض السور مثل الشمس والليل وسواهم ليس قسما من الله بمخلوقاته وإنما الخطأ في تفسير ذلك من قبل المفسرين فقال :
من أكبر الأخطاء التأويلية التي تسربت إلى الوعي الجمعي الإسلامي بفعل الموروث التفسيري، هي اعتقاد أن الله يقسم بمخلوقاته، كما هو ظاهر في سور مثل الفجر، الشمس، التين، البلد وغيرها. هذا الفهم التراثي لا يُسيء فقط إلى جوهر الخطاب القرآني، بل يُلصق بالذات الإلهية صفات بشرية، كمن يحاول أن يُقنعنا أن الله تعالى يحتاج إلى "الحلفان" ليؤكد ما يقول! وهذا من التقديس الزائف الذي يفضي إلى **تصورات خرافية تُجرد الله من كماله وتنزهه"
وهو كلام الهدف منه تنزيه الله عن الحاجة للحلفان كما قال وقطعا الله لا يحتاج لشىء كما معروف وهذا الهدف يكون سليما من قبل الكاتب لو أنه هناك دليل من القرآن يقول أنه بحاجة للحلفان ولكن الحلف ليس للحاجة وإنما الحلف يكون مقصودا به قول الحقيقة أو مقصودا به قضاء سؤال السائل أو حتى مقصودا به أهداف سوء كما في أقسام المنافقين
وقد قام يحيى شهوان بما ظن أنه برهنة على وجهة نظره فقال :
"نقض فرضية "القسم الإلهي":
هل يحتاج الله لأن يقسم؟
هل يُعقل أن يُشبَّه الله بالإنسان الذي يُقسم ليؤكّد كلامه خشية تكذيب الآخرين؟
هل القسم يُعزز الحقيقة عند العاقل أم أن الحقيقة قائمة بذاتها لا تحتاج دليلاً خارجها؟
إن العقل السليم، المستنير بروح القرآن، يُدرك أن:
الله لا يُقسم، بل يُقَسِّم يبيّن، يوزع، يُفرّق بين الأشياء، ويدعو العاقل إلى النظر في هذه التقسيمات الكونية والفكرية والوجدانية."
هذا كلام لا يستقيم مع نص كتاب الله فيحيى شهوان يفترض أن الله يقسم لحاجة عند المفسرين والحقيقة أن الله يقسم حقا بنص القرآن كما قال :
" فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه قسم لو تعلمون عظيم "
فهنا يؤكد الله على أنه يقسم
بالطبع كلمة لا ليست نفى وإنما لا الإثبات وهى التى استخدمتها النملة المحذرة في قوله تعالى:
"حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"
فلا هنا لا تنفى التحطيم وإنما تؤكده لأنهم لن يروا والمراد لن يشعروا بالنمل تحت أقدامهم
إذا الله أقسم بمخلوقاته ولكن لم يقسم لحاجة كما يتخيل يحيى أن المفسرين زعموا أنه يقسم لحاجة والمقصود لنقص عنده سبحانه وتعالى
الله يقسم من أجل نفع الناس
وقال في الدليل الثانى :
"الجذر "ق س م" لسانيًا:
* الجذر "ق س م" لا يعني الحلف أو اليمين بذاته، بل يدل على:
* التفريق المنظّم.
* التوزيع العادل.
* التمييز الدقيق بين عناصر مختلفة.
منه:
قسّم الشيء: فرّقه بأجزاء مدروسة.
القسمة**: توزيع الحصص.
قَسيم: من يتشارك في شيء مقسوم.
قسّام: من يُميز بين الحقوق وهذا ما ينسجم تمامًا مع السياقات القرآنية التي سُميت جهلا بـ"آيات القسم"."
هل يوجد أى دليل من القرآن على ما قاله شهوان في كلامه ؟
لا يوجد
وفى سبيل هذا الكلام اللغوى تناسى يحيى شهوان أن الله أثبت أن كلمة القسم بمعنى الحلف به فقال :
" تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ"
هنا الشهود يقسمان بالله والمراد يحلفان بالله وهو ما لم يذكره يحيى في تقسيمه اللغوى
وهو يناقض أن الله جعل قسم المنافقين المتكرر أيمان أى حلفانات فقال :
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ"
ويناقض أن الله جعل قسم الكفار المتكرر أيمان فقال :
"وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ"
وقال :
"وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ"
وقال :
" وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا"
وهذا إثبات لكون القسم بالله يمين أى حلف
الدليل الثالث في رأى يحيى شهوان هو تفسيره العميق في رأيه وفيه قال :
فَهم عميق للآيات المزعومة "قسمًا":
﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ﴾ [الفجر:1-5]
* هذه ليست أقسامًا، بل:
* عرض لتقسيمات كونية وزمانية: فجْر، ليل، وتر، شفع...
* دعوة للعقل المتحجّر ("ذِي حِجْرٍ") أن يتفكر في هذه السنن والانقسامات المنظّمة.
* "هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ": أي هل ترى في هذا العرض **تقسيماً واضحًا يدل على حكمة؟** وليس "حلفًا"!"
الرجل هنا يقول أن هذه تقسيمات زمانية وكونية فقسم تعنى توزيع الكون والزمن لأجزاء وهو ما يخالف أن التقسيم يكون في شىء واحد ويكون غير متكرر فلو اعتبرنا المذكور زمان فقد خرج منه الشفع والوتر ونجد أن الله تعالى عن ذلك قد كرر التقسيم بالليل مرتين ليال عشر والليل وهو أمر لن يكرره متعلم في سطر واحد لأنه سيكون في تلك الجال جاهل
وقال في تقسيره العميق :
﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ [التين:1-3]
* ليست أقسامًا، بل **نماذج لتجارب بشرية متمايزة**:
* التين = لذة مؤقتة، نضوج سريع.
* الزيتون = استدامة ونور.
* وَطُورِ سِينِينَ = مراحل عقلية. تُعرض لتُشكل **حُجة عقلية** أمام الإنسان ليتفكر ويستنبط.
* البلد الأمين = مجتمع يتسم بالأمن الفكري.
الله لا يُقسم بها، بل **يستعرضها كأنماط من "التقسيمات النفسية والمعرفية"**، لتُدرك الحقيقة من خلال التنوع."
الرجل ينكر حتى التفسير القرآنى للزيتون وأنه شجر يخرج منه الدهن والصبغ للأكلين وهو قوله تعالى :
"وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ"
وحتى ينكر أن الطور مكان لها جوانب كما في قوله تعالى:
"وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا"
وحتى ينكر ان الطور مكان كان في أحد جوانبه نار كما في قوله تعالى :
"سَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا"
ونجده ابتعد عن أقسام سور الشمس والليل لأنه ستثبت أنه هو من يخرف فلن يستطيع تفسير الشمس بغير الشمس والقمر بغير القمر
وتابع يحيى شهوان براهينه التى ليست براهيم فذكر آيات تدل على القسم بمعنى التوزيع فقال :
" الجذر "ق س م" في سياقات قرآنية تدعم المعنى:
* ﴿أَنَّا قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف: 32]
واضح أنه يعني "وزعنا"، لا "أقسمنا".
* ﴿وَإِذَا قُسِمَتْ نَسُوا حَظَّهُم﴾ [الأعراف: 165]
أي حينما وُزعت الأدوار، لا "أُقسمت".
قطعا الرجل تغافل تماما عن آيات القسم جهد الأيمان والتى ذكرنا بعضا منها لأنه لا تساعده على ما ذهب إليه
وكما تحدث في أول المقال عن خطورة الفهم التراثى عاد فكرر نفس الكلام فقال :
خطورة الفهم التراثي:
1. إضفاء طابع بشري على الإله**: يجعل الله بحاجة للتوكيد والتعزيز، وهو الغني عن العالمين.
2. تحويل الآيات من دعوات للتفكر إلى شعائر شكلية تُتلى دون تدبر**.
3. تقديس المخلوقات بزعم أن الله "أقسم بها" مما فتح الباب للوثنيات المعنوية والرمزية. و تلك المخلوقات كانت تقدس من بعض الامم تاريخيا"
وهو نفس الفهم الخاطىء لنقد التراث فالتراث يكون خاطئا إذا كانت هناك أدلة حقيقية وليس لى أعناق الكلام ليتوافق مع الرأى
وعاد لقول نفس السبب عن سبب تأليف المقال وهو تنزيه الله كما قال أيضا في أول المقال فقال :
" لماذا ساد هذا الفهم الخاطئ؟
بسبب الخضوع للتراث الروائي والنقلي بدون تفكيرعلى حساب التأمل اللساني.
* **سذاجة لسانية** حالت دون النظر في دلالات الجذر الأصلية.
* **نقل مفاهيم الحلف البشري** إلى النص الإلهي دون تنزيه اي تجسيد الاله."
وكلامه عن اللسان أو عن اللغة كلام يتعارض مع حقيقة واقعة وهى أن الكتب اللغوية كتبت بعد نزول القرآن بقرون وليس قبله ومن ثم لا يمكن أن تكون دليلا يصلح الاستدلال به في تفسير القرآن وإنما القرآن يفسر بالقرآن وحده
المصيبة أن أول كتاب نحوى لغوى في اللغة العربية هو كتاب لم يكتبه عربى وإنما فارسى وهو كتاب الكتاب لسيبويه
قطعا هذا يتعارض مع المثل أهل مكة أدرى بشعابها ومع هذا صار الفارسى أدرى بالعربية من أهلها وصار إماما لنحاتها
وكرر في الخلاصة ما قاله في أول المقال عن أن الله لا يحلف فقال :
"الخلاصة:
ليس في القرآن "حلفان" من الله، بل فيه **تقسيمات عقلية وكونية**، تُعرض على الإنسان ليتفكر. الجذر "ق س م" لا يبرر أبدًا فرضية القسم، بل يُظهر نظامًا وتفريقًا دقيقًا في سنن الله.
حين نفهم القَسَم بمعناه الحقيقي، ننزه الله عن الحلف، ونعيد للقرآن هيبته كخطاب عقلي لا شعائري، تربوي لا تراثي، يُربي العقل لا يُغلفه بالخرافة."
قطعا أثبتا من القرآن خطأ ما ذهب إليه يحيى شهوان وأن القسم لا يقسم بالله لحاجة والمقصود لنقص عنده تعالى عن ذلك علوا كبيرا وإنما يقسم بمخلوقاته من أجل صالح وهو نفع البشر لعلهم يستمعون القول فيتبعونه