تجميع جزء أول من القسم الثانى من كتاب الشريعة الاسلامية
الباب الأول : مقدمات
الفصل الأول :
الاجتهاد الاسلامى فى التدبر القرآنى وفى الاسلام والكفر والعبادات
مقدمة :
الكلام هنا عن الاجتهاد فى التطبيق فى الدولة الاسلامية وفى السلوك الفردى للمؤمن المتقى ، وأيضا عن إجتهاد العلماء المسلمين المؤمنين بالله جل وعلا ربّا وإلاها لا شريك معه وبالقرآن الكريم وحده حديثا .هذا يدفعنا الى :
أولا :
مؤهلات المتدبر للقرآن الكريم
لا بد أن يكون لديه :
1 ـ معرفة كافية باللسان العربى وأساليبه وما يسمى بالبلاغة ، وإختلاف اللسان القرآنى عن الذى أسموه ( اللغة العربية ) و ( النحو ) ، وإختلاف المصطلحات القرآنية عن الشائع من مصطلحات السابقين والمعاصرين .
2 ـ معرفة كافية بتاريخ المحمديين من الفتوحات العربية ، وما تأسّس عنها من أديان أرضية ، بقى منها التشيع والسنة والتصوف ، وما أنتجوه من علوم تطعن فى القرآن الكريم والاسلام مثل الحديث والتفسير والنسخ بمعنى الحذف والتأويل ..كل الأديان الأرضية الشيطانية تتفق فى تقديس البشر من أنبياء وأولياء وأئمة وأحبار ورهبان ، وتقديس الحجر من تماثيل وقبور . هذا مع إختلاف المسميات . وبالنسبة للمحمديين فهناك إختلافات بينهم ، فالتصوف أكثر مسالمة وأفظع فى عقائده وإنحلاله ، والسنة أكثر تسلطا ، والتشيع يختلف إن كان فى موقع القوة كان كالسنة ، وإنكان فى موقع ضعف لجأ للتقية . ثم هناك إختلافات فى شرائع المحمديين يطول شرحها . ولا بد للمتدبر القرآنى الإلمام بهذا كله ، لأنهم ينسبون أنفسهم الى دين الله جل وعلا ، بما يستلزم تبرئة الاسلام من أقاويلهم وشرائعهم .
3 ـ معرفة معقولة بتاريخ الأمم السابقة وآثارهم المكتشفة لفهم أفضل للقصص القرآنى .
4 ـ معرفة معقولةبما وصل اليه العلم الحديث ومكتشفاته للوصول الى فهم أفضل للإشارات العلمية فى القرآن الكريم .
5 ـ معرفة لمنهج القرآن الكريم فى الاشارات العلمية وفى التشريع وفى القصص وفى العبادات الجديد منه والمتوارث ، وفى الحوار مع المشركين ..
ولا بد أن يتبع :
ثانيا : منهج التدبر القرآنى
لنا كتاب منشور هنا عن ( كيف نفهم القرآن الكريم ).
https://ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?main_id=41
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=327169
1 ـ بإيجاز : هو نفس المنهج الذى يتبعه أى باحث حقيقى . لا يبدأ برأى مسبق يريد نفيه أو إثباته فينتقى ويتجاهل ويؤول الآيات القرآنية لتوافق غرضه . بل يدخل على القرآن يبتغى الهداية والمعرفة ولديه إستعداد لأن يضحى بأى فكرة يظهر مخالفتها للقرآن الكريم . ثم عليه أن يتتبع الايات الخاصة بالموضوع فى سياقها المحلى فى الآية وما قبلها وما بعدها وفى سياقها العام فى القرآن الكريم كله ، والآيات الشبيهة والقريبة منها . هذا بالطبع يستلزم أن يكون القرآن الكريم حاضرا بقوة فى ذاكرته . وسيظهر له إختلاف معنى بعض الكلمات القرآنية الى درجة التناقض ، والسياق هو الفيصل . ومنه دور حروف ( الجر ) فى تغيير معنى الكلمة . ومثلا فهناك ( آمن ب ) عن الايمان العقيدى و( آمن ل ) عن الايمان السلوكى بمعنى الأمن والأمان .ومنه قوله عن النبى محمد عليه السلام( يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (61) التوبة )، والفعل ( صرف ) إذا لحقه (عن ) يختلف معناه بدونها ، والأمثلة كثيرة ، منها فى سورة الأنعام فقط : ( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)،( وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ )(105)).ولنا مئات المقالات فى ( القاموس القرآنى ) تثبت هذا ، بالاضافة الى ( علوم القرآن ) و ( القرآن والواقع الاجتماعى ) .
2 ـ هذا سيصل بالباحث المتدبر للرأى الحق فيما يسمى بالترادف . الترادف فى القرآن الكريم يدخل فى البيان القرآنى والتفصيلات القرآنية التى نزلت على علم ( الأعراف 52) . ومن الترادف ما يكون ب ( واو العطف ) ( الأنبياء 48 ) ومنه ما يكون بدونها ( الحشر 22 :24 ) وهو موضوع يحتاج للكثير من الاجتهادات . ولنا كتاب أشار لبعض ذلك عن القرآن الكريم وعلم النحو .
3 ـ مهما بلغ علم الباحث المتدبر للقرآن الكريم فهو يقول رأيا قابلا للرد والتعديل ، أى ما يقوله ليس دينا بل رأى بشرى .وهو يتأكّد كلما بحث وإكتشف من جواهر القرآن أنه لا يزال على ساحل المعرفة بالقرآن الكريم الذى إتخذه المحمديون مهجورا .
ثالثا : الاجتهاد فى الأساس
1 ـ ونقصد به تحديد مفاهيم الاسلام والايمان والكفر والشرك من حيث السلوك والاعتقاد. وكتبنا فى هذا كثيرا وبلا ملل ، لأنه منذ الفتوحات العربية ساد إتهام من يُراد الهجوم عليه بالكفر ، وجعل الاعتداء والغزو والاحتلال والقتل والسبى والسلب جهادا إسلاميا بالتناقض مع تشريع القتال الدفاعى فى الاسلام . وحتى وقتنا هذا لا يزال الاعتداء على المُسالمين من الملل الأخرى ( جهادا إسلاميا ). ليس فقط فيما فعلته داعش وأخواتها، بل تأسّست دول على هذا الإفك مثل الدولة السعودية . وكتبنا فى الوهابية والسعودية الكثير . ولا يزال مجال الاجتهاد مفتوحا فى الرد على فقهاء الدم .
2 ـ ويترتب على هذا قضية التكفير للمخالف فى الدين : التكفير سائد فى الدين الإلهى وفى الأديان الأرضية . هو فى الدين الالهى وعظ سلمى ، فالقرآن الكريم ينذر من كان حيا من الناس : ( ابراهيم 52 ) ، ( يس 69 : 70 ). أما فى الأديان الشيطانية ـــ وبدرجات مختلفة ـــ يتعرض المخالف فى الدين الى الإكراه فى الدين والمحاكمات والقتل . نحن نجتهد فى توضيح حقائق الاسلام ، ونستشهد بآيات التكفير لمن يقول كذا أو يفعل كذا . نقول هذا وعظا ، وإيمانا منّا بالحرية الدينية المطلقة فى التشريع الاسلامى فنحن نحترم حق الآخر فى أن يقول لنا مثل ما نقول له ، يكفّرنا كما نكفّره ، ويدعونا لدينه كما ندعوه لديننا . أكثر من ذلك أننا لا نتبرأ من شخصه ، بل من أفعاله وأقواله :( الشعراء 214 : 215 )، فقد يتوب وينوب.
هنا يكون الاجتهاد فى تجلية حقائق الاسلام من الأساس ,
رابعا : الاجتهاد فى العبادات .
وفيها قضايا مفتوحة للاجتهاد
إقامة الصلاة
1 ـ كانت قريش والعرب يتبعون ملة ابراهيم فيما عدا إخلاص الدين حنيفا لله جل وعلا ، لذا تكرر الأمر بإتّباع ملة ابراهيم حنيفا . وكانت قريش تؤدى الصلاة المتوارثة بكيفيتها ومواقيتها مع طغيانها وتجارتها بالدين وصدّها عن الاسلام . أى صلواتهم كانت مجرد حركات وصفها رب العزة جل وعلا بالمُكاء والتصدية ( الأنفال 35 ). وهناك كثرة من الأسئلة التى وجهها الصحابة للنبى ــ ومنها المكررــ وكانت تتنزل الاجابات عليها من رب العزة قرآنا، ولكن لم يكن منها إطلاقا سؤال عن كيفية ومواقيت الصلاة، لأن الصلاة متوارثة ومتواترة ومعروفة ، وليست فيها مشكلة . المشكلة كانت فى الصلاة والعبادات أنها كلها وسائل للتقوى ( البقرة 21 ، 183 ، 196 : 197 ) ، وبهذه التقوى تكون إقامة الصلاة ( العنكبوت 45 )، ولم يأت فى القرآن الكريم مطلقا ( صلُّوا ) بل كان الأمر ب ( إقامة الصلاة ) والمحافظة عليها . وبدونها تكون الصلاة دافعا للعصيان ومحرّضا عليه ، كما حدث مع صحابة الفتوحات والفتن ، إذ كانوا يؤدون الصلاة وهم يتقاتلون . ولا يزال هذا سائدا لدى الارهابيين من الوهابيين وأصنافهم. ولنا كتاب عن الصلاة الشيطانية والصلاة الاسلامية .
منكرو الصلوات فى عصرنا
منذ أن قمنا بجهادنا فى التنوير الاسلامى إنفجرت فى وجوهنا الألغام ، ولكن قمنا بتعبيد الطريق لمن يسير بعدنا ، فلقد تم فضح الأديان الأرضية للمحمدين ، وأصبح من الممكن الهجوم على البخارى وأمثاله ، خصوصا مع جهل الشيوخ الفاضح . أغرى هذا كثيرين بالدخول فى مجال الكتابة الدينية دون إعداد علمى وثقافى ودون معرفة بمنهج القرآن الكريم فى العبادات .جعلوا أنفسهم قرآنيين ، فتشوهت بهم صورتنا لأنهم الأعلى صوتا , بعضهم يتمتع بجهل شديد بالقرآن الكريم لا يدانيه سوى جُرأته على الاسلام . نتكلم عن منكرى الصلوات الخمس ، ممّن يجعلها ثلاثا ، ومن ينكرها كلها زاعما الاكتفاء بقراءة القرآن الكريم ، وقد لا يقرأ القرآن الكريم . هؤلاء لم يكونوا من قبل من المُصلّين ( المدثر 43 ) وهى على قلوبهم كبيرة ثقيلة ( البقرة 45 )، ولا يستطيعون الاصطبار على تأديتها خمس مرات فى اليوم :( طه 132 ) ، فهى صلاة مفروضة موقوته حتى فى أوقات الخوف ( البقرة 238 : 239) ( النساء 101 : 102 ) . لذا جعلوا دينهم فى إنكار الصلاة . موعدنا معهم أمام الواحد القهار جل وعلا يوم الدين ( الزمر 46 ).
السنة القمرية وشهورها
1 ـ كانت العرب فى الجاهلية تؤدى الحج فى الأشهر الحُرم وكانت معلومة لديهم بهلال الشهر القمرى ،( البقرة 189 ، 197 )، كانت معروفة حتى وهم يقومون بالنسىء أى تبديل شهر حرام بغيره ( التوبة 36 : 37 ) . وكانت بداية التقويم القمرى بإفتتاح الشهر الأول من الأشهر الحُرُم وهو شهر ذو الحجة ،والذى فيه يوم الحج الأكبر أى إفتتاح موسم الحج ، والذى يستمر أربعة أشهر متتابعة ( التوبة 1 : 5 ). ومن شهر ذى الحجة كانت كلمة ( حجج ) تعنى اعواما ( القصص 27 ).
2 ـ جاء الخليفة الفاسق عمر بن الخطاب فألغى ذلك بما أسماه التقويم الهجرى ، وجعل بدايته شهر المحرم . والفتوحات والتى قام بها سلفه أبو بكر بدأت بالأشهر الحرم واستمرت دون توقف، تنتهك حرمتها . وحتى الفتنة الكبرى والحروب الأهلية لم تتوقف فى الأشهر الحرم ، وحتى الآن .
3 ـ بالحكم الاستبدادى للخلفاء أصبح الحج مهمة رسمية ، ينحصر فى وقت محدد وبحماية جيش يحمى قوافل الحج من هجمات الأعراب . وساد من وقتها حصر الحج فى بضعة أيام ، الى جانب منع غير المحمديين من تأدية مناسك الحج ، وهو للبشر المسالمين جميعا ( البقرة ) ( الحج 25 : 27). وبالمناسبة فالسبب أيضا هو الخليفة الفاسق عمر بن الخطاب الذى أجلا أهل الكتاب من الجزيرة العربية بمن كان فيهم من المؤمنين الصالحين الذين أثنى عليهم رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم .
4 ـ وصل الأمر فى دول الاستبداد للمحمديين الى التحكم فى تحديد الأشهر القمرية برؤية الهلال ، واصبح هذا وظيفة رسمية ، من أجلها تجاهلوا التقويم الفلكى الذى نبغ فيه علماء أفذاذ ( مسلمون ) فى القرون الوسطى . تحديد الشهر القمرية بالرؤية خضع للهوى والخلط ، ولنا فى هذا كتاب عن الصيام وشهر رمضان . وأسّس هذا مشكلة حالية : هل شهر رمضان المذكور فى القرآن الكريم هو نفسه الذى نصومه الآن ؟. وتدافع هذا وذاك ينفى ، وتناسوا أن الحساب الفلكى ( والمشار اليه فى القرآن الكريم ) هو الحكم والفيصل ، وأنه حتى لو كان الحساب خاطئا فيكفى أن يتعارف الناس على أن هذا الشهر هو رمضان ليكون رمضان. وفى النهاية فصوم رمضان هو كسائر العبادات وسيلة للتقوى . ولقد تحول شهر رمضان الى موسم للإكثار من الطعام والعصيان .
الصدقات والزكاة المالية
الاجتهاد هنا فى تحديد المستحقين فى الصدقات الفردية ، وفى الصدقات الرسمية فى الدولة الاسلامية . وتوقيت إخراجها ، ومقدارها . والرّد قرآنيا على خزعبلات الأديان الشيطانية . وفعلنا هذا فى كتابنا عن الزكاة .
قراءة القرآن الكريم والذكر
تحوّل القرآن الكريم الى أنشودة يسمع فيها الناس صوت المنشد ( أو القارىء ) دون فهم للقرآن الكريم نفسه . وتحول ذكر الله جل وعلا والدعاء له الى لهو ولعب وأغانى .وفى دين التصوف يتحول الذكر الى رقص ومجون وشذوذ .
أخيرا
المحمديون ورذائل الأمم السابقة
1 ـ رذائل الأمم السابقة المذكورة فى القصص القرآنى والتى أهلكهم الله جل وعلا بسببها يمارسها المحمديون ، ليس مجرد عصيان ، بل يجعلونه دينا . ومن شاء فليقرأ لنا كتاب ( أثر التصوف فى الانحلال الخلقى فى المجتمع المصرى المملوكى ) ، وهومنشور هنا .
2 ـ هذا يستوجب علينا الاجتهاد فى تنقية حقائق الاسلام وتبرئته من أديان المحمديين الأرضية الشيطانية .
التعليقات(2)
وجهة نظر
وجهة نطر فيما جاء في مقالكم عن مؤهلات المتدبر للقرآن الكريم
لنستذكر أولًا الآيات التالية:
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ﴿المؤمنون: ٦٨﴾
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴿محمد: ٢٤﴾
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴿النساء: ٨٢﴾
هنا تستهجن الآيات عدم تدبر الناس للقرآن وتفترض إمكانية التدبر، وهذا منذ نزول القرآن، أي قبل اختراع الحديث وتأليف المجلدات. أنا أرى أن تدبر القرآن يحتاج لمؤهلين: اللسان العربي وهذا طبعًا غير موجود عند كل إنسان، ثم العقل، هذه الطاقة التي منحها الله لكل البشر (عمومًا). المشكلة أن هذه الطاقة موضوعة في خزنة عليها أقفالها. الناس في عهذ الرسول كانوا إذا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا. الـ "مسلمون" اليوم يرددون نفس الكلام.
شكرا استاذ بن ليفانت وأقول:
نحن فى هذا متفقان.
وأرى أن معظم الصحابة لم يكن لديهم الوقت الكافى للتدبر القرآنى ، والذى لم يكن مهمة النبى الرسول نفسه لأن مهمته كانت التبليغ للقرآن الكريم ، بالاضافة لكونه القائد للدولة.
الفصل الثانى :
مجال الاجتهاد
أولا :
إجتهاد التطبيق
1 ـ حيث يوجد النص القرآنى الذي يأمر بشيء أو ينهى عن شيء فلابد من الاجتهاد في تطبيق ذلك النص. وحتى في القوانين الوضعية فإنها تتحدث عن حالة ما وتحتاج إلى القاضى لكى يطبق هذه المادة القانونية على الشخص الماثل أمامه. والقاضى يجتهد في تطبيق نصوص القانون على القضية محل البحث ، ثم تقوم الجهة المختصة بالتطبيق وإنفاذ القانون .
2 ـ على أن كتاب الله جل وعلا لا يخاطب قاضياً فقط، وإنما يخاطب كل مؤمن وهذه إحدي الفروق الأساسية بين القرآن الكريم والقوانين الوضعية التى تتجه دائماً إلى السلطة المنوط بها تنفيذ القانون. القرآن الكريم يتجه للإنسان يأمره وينهاه ويجعل المساءلة أمام الله في أغلب أحكامه. وإذا تحقق هدف القرآن الكريم في تنمية الإحساس بالتقوي والتعامل المباشر مع الله ومحاسبة النفس قبل ان يحاسبها الله جل وعلا فقد تضاءل دور المحاكم القانونية وتناقصت المنازعات بين الناس، ولكي يتم هذا فالخطوة الأولى تبدأ من الناس إيماناً صحيحًا بالله جل وعلا دون تقديس لبشر أوحجر ، ورغبة حقيقية في الهداية وبعدها تأتى الهداية من الله عزّ وجلّ ، وهو القائل : ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (17) محمد ) (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ) ً (76) مريم ) ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) العنكبوت ) ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ) (9)يونس ) . وهذه هى الحالة النفسية التى ينبغى أن يكون عليها المؤمن وهو يقوم بتطبيق شرع الله جل وعلا في نفسه وأهله، وفي الآخرين إذا كان حاكماً.
ثانيا : الاجتهاد الشخصي للمؤمن:
القرآن الكريم يتوجه أساساً في الخطاب إلى شخص المسلم بطريق مباشر ويجعله حكماً على نفسه في تقدير الأمور الشرعية الخاصة به أو التى قد يكن فيها متعاملاً مع الآخرين.
1 ـ فهو في تعامله مع والديه إذا حاولا إرغامه على الكفر ينفذ قوله جل وعلا : ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) العنكبوت )( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) لقمان ) . فهو يصاحبهما في الدنيا معروفا، وليس من اختصاص القانون أن يرسم أبعاد هذه العلاقة بين الابن المؤمن ووالديه، فالمؤمن نفسه هو الذي يرسم هذه العلاقة وهو يعلم أن الله جل وعلا هو الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، وهو جل وعلا وحده الذى لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء .
2 ـ وإذا أراد التعدد في الزوجات ينظر في قوله ربه سبحانه وتعالى: ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا (3) النساء ) . لا حدّ أقصى فى تعدد الزوجات ، فالزواج أصلا بالتراضى ولا إكراه فيه ، وللزوجة المتضررة أن تفتدى نفسها من زواج لا تريده ، ولها حقوق كزوجة وكمطلقة ، وكل ذلك جاء تفصيله فى كتاب لنا منشور مقالاته هنا عن تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السُنّى الذكورى . ولكن فيما يخصُّ موضوعنا هنا فالتعدد جاء ليس أمرا واجب النفاذ ـ بل تشجيعا على القسط فى اليتامى ، بأن يكون هذا التعدد زواجا بأرملة لها أطفال أيتام يحتاجون لأسرة وأبّ ، ثم يكون العدل بين الزوجات ، وكل ذلك بتقدير القلب المؤمن ، ولا تستطيع السُّلطة الحاكمة ـ مثلا ـ تقدير العدالة المنتظرة ، فهذا أمر شخصي بحت مرجعه للمؤمن.
3- وفي إعطائه للصدقة يكون له تقديره الشخصي لمستحق الصدقة . قال جل وعلا : ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) الذاريات ) .السائل ( المتسول ) يُفصح عن نفسه بالسؤال . أما من هو المحروم ومدى حرمانه ، وهل محتاج للطعام أو الكساء أو الدواء أو السكن او لبعض هذا أو كل هذا . المؤمن الذى يخشى ربه جل وعلا هو الذى يقدر ذلك وينفّذه . أيضا هو الذى يحدد مقدار الصدقة فيكون معلوما لديه ، ففي إعطائه الصدقة يحدد المقدار الذي يخرجه من ماله في سبيل الله جل وعلا ، ويكون هذا القدر حقاً معلوماً لديه في ماله لله جل وعلا القائل : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) المعارج ). وهو الذى يعرف ويتعرف على الذي يسأل بتعفف ولا يسأل الناس إلحافا والذى يتخذ من السؤال حرفة، ويعطي هذا وذاك احتراماً للأمر القرآنى بإعطاء السائل ولكن لا يساوى في العطاء بين السائل المحترف والسائل المحتاج العفيف. قال جل وعلا : (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) البقرة ). لاحظ ( وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ).!
وكذلك يفعل في تقديره للأحق بالعطاء من بين الأقارب واليتامى وغيرهم المذكورين في قوله ربى سبحانه وتعالى: ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة ). لاحظ : ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ).
وفى مقدار الزكاة المالية الفردية الشخصية يراعى التوسط في هذه النسبة كما يراعى التوسط في نفقاته والتزاماته، فمن صفات عباد الرحمن ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67) الفرقان ). وهو الذى يحدّد ويراعى ( العفو ) أو الزائد عن نفقاته ، قال جل وعلا : ( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) البقرة ). فى نفقاته الشخصية والعائلية لأسرته يتوسط ، فلا يبخل ولا يسرف حسب الدخل الذى يحصل عليه . قال ربى جل وعلا : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (29) الاسراء ).
4- يقول ربى جل وعلا : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) الاعراف ) . الإسراف في اللباس والطعام والشراب مسألة نسبية بحسب المستوى الاقتصادي، فالفقير إذ أنفق ما معه في شراء بدلة أنيقة باهظة الثمن كان إسرافاً، بينما إذا اشتراها شخص ميسور لم يكن ذلك إسرافا بالنسبة له. والموظف من الطبقة المتوسطة ليس مفترضا له أن يستأجر تاكسيا بينما مُتاح له وسائل المواصلات العادية . وهنا نذكّر بموضوع ( العفو ) الذى سبقت الاشارة اليه .
5 ـ ما سبق ليس فوق طاقة الانسان . فالانسان لديه الضمير أو ( الأنا العليا ) أو ( النفس اللّوّامة ) التى تنهاه عن الهوى ، وإذا إستجاب واصلح من نفسه فاز بالجنة . قال ربى جل وعلا : ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) النازعات ) . ومهما بلغ جحود نفسه وعصيانها فهو فى قرارة نفسه ( بصير بنفسه ) .وما أروع قول ربى جل وعلا : ( بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) القيامة )
ثانيا : إتساع مجال التشريع البشرى المستمد من القرآن الكريم
1 ـ يلاحظ أن آيات التشريع القرآنى محدودة ومحددة ، فهي أقل من مائتى آية أى ما يعادل 1/30 من القرآن الكريم. مع ذلك فقد اكتفي رب العزة بهذه الآيات وبها اكتمل الدين وتمت نعمة الإسلام بتمام القرآن ( المائدة 3 ) . وليس ممكنا بعد هذه الآية أن يقال أن كتب الفقهاء وتخاريفاتهم تكمل نقصاً في القرآن الكريم، فتعالى الله جل وعلا أن ينزل لنا كتاباً ناقصاً يحتاج لاجتهاد البشر في تكميله.!..ويلاحظ أن آيات التشريع القرآنى فيها الكثير من التفصيلات، وهى على قلتها فيها التكرار للتأكيد وللرد على التساؤلات.
2 ـ وذلك يعنى أن أحكام القرآن تركت هامشاً للحركة الإنسانية في الاجتهاد والتطوير، وهذا الاجتهاد فى سنّ القوانين الاسلامية لا بد أن يكون متمشيا مع مقاصد التشريع الاسلامى خصوصا العدل والقسط والتيسير ورفع الحرج وحفظ الحقوق .
3 ـ إن القرآن الكريم بأكمله وبما فيه من دعوى لإخلاص العقيدة وقصص وأخلاق وتشريعات لا يصل في حجمه إلى أحد الكتب في فرع واحد من فروع القانون الوضعي ومع ذلك فتشريعات القرآن الكريم كافية كاملة مفصلة.. فكيف يتأتى هذا؟
والجواب بسيط، فإنه بالإضافة إلى الأحكام الجديدة التى جاء بها القرآن الكريم والتى تستلزم اجتهاداً في تطبيقها كما هي فإن في القرآن الكريم مواضع كثيرة يرجع فيها للعُرف السائد أو للمعروف المتعارف عليه على أنه الأفضل والأجدى والأصلح، بالاضافة إلى تقنين المشورة في كل ما يستدعى التشاور،وسنعرض للشورى والمعروف لاحقا . وبذلك يتسع المجال للاجتهاد المباح وذلك هو التشريع الذى أذن الله جل وعلا به : قال جل وعلا عن التشريعات غيرالاسلامية : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) (21) الشورى ).
4 ـ ثم ، إنّ القرآن الكريم لم يأت في فراغ، ولم تبدأ دعوة الإسلام من الصفر، كان العرب يعرفون أن الله هو خالق السماوات والأرض . إقرأ الآيات الكريمة التالية و تدبر أن الخطاب فيها للنبى ( ولئن سألتهم ) وأن التاكيد من الله جل وعلا على أنهم ( ليقولن الله ) :
( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) ( 61 ) العنكبوت )، ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ( 36 ) العنكبوت )،
( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ( 25 ) لقمان ) ، ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ( 38 ) الزمر )،
( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ ( 9) الزخرف ) ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) الزخرف )
وأيضا : ( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِالسَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ (89) المؤمنون )
وحتى كانوا في عبادتهم وتقديسهم للأولياء، فإنهم ــ مثل أكثرية المحمديين اليوم ـ يفعلون ذلك لأنها تقربهم لله زلفى" (23/84: 89، 29/61، 39/3).
والعرب كانوا يعرفون ملة إبراهيم ولكن خلطوها بتحريفات شركية لذا أمر الله رسوله باتباع ملة إبراهيم النقية (2/130، 135، 4/ 125 ، 6/161 ، 16/123).
الفصل الثالث
: الشورى
أولا : عن الشورى في الإسلام
1 ـ قال جل وعلا : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد ). أؤسل الله جل وعلا الرسل بالكتب الالهية ليقوم الناس ـ من رجال ونساء ـ بتحقيق القسط . إن لم يتحقق فالبديل أنزله الله جل وعلا أيضا الى كوكب الأرض ، وهو الحديد ، وهو أداة الصراع . يعنى إما إقامة القسط وإما فتن وحرب وسفك الدماء . والقسط أنواع ، ومنه القسط السياسى ، أى حق المشاركة فى السُّلطة للجميع . وهى الشورى الاسلامية ، والتى تعنى بمفهوم عصرنا الديمقراطية المباشرة ، ويشارك فيها جميع المواطنين رجالا ونساءا.
2 ـ الشورى في عقيدة الاسلام:
2 / 1 ـ الله جل وعلا هو وحده الذي لا يسال عما يفعل ، قال جل وعلا : (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) الأنبياء ) ، الاستبداد هو نوع من ادعاء الالوهية ، فالمستبد لا يتصوّر أن يسائله أحد ، وهى نفسية الفرعون الذى أعلنألوهيته ، ولذا فالمستيد يعلن ألوهيته صراحة أو ضمنا . والله جل وعلا كرّر قصة فرعون فضحا لنفسية المستبد .
2 / 2 : والمستبد يرفع نفسه فوق النبي الذي كان مأمورا بالشورى ، لأنه كان يستمد سلطته من الناس ، وهو الذى كان يأتيه الوحى الالهى ، وجاء له فيه : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران ) والشاهد هنا : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) فقد جعله الله لينا هينا معهم ولم يجعله فظا غليظ القلب ، لأنه لو كان فظا غليظ القلب لانفضوا من حوله . وماذا يحدث لو انفضوا من حوله ؟ لن يكون له سلطان ولن تكون له دولة ، وما كان حاكما مطاعا ، اذا فاجتماعهم حوله هو الذي اقام له دولة وجعل له سلطة ، وقبل ذلك كان في مكة مضطهدا ، واذا انفضوا عنه عادت اليه قصة الاضطهاد والمطاردة . اذن هم مصدر السلطة له باجتماعهم حوله ، ويكفي ان الله سبحانه وتعالى هو الذي جعله لينا هينا مع الناس حتى تجتمع عليه قلوب الناس ، وحذره من ان يكون فظا غليظ القلب حتى لا ينفضوا من حوله ، وامره ان يعفو عنهم وان يستغفر لهم وان يشاورهم في الأمر ، لأنهم شركاؤه في الأمر ولأنهم مصدر سلطته وكيان دولته واسباب عزته وقوته . وهكذا فإن امر الله تعالى له بالشورى تأكيد على استمدادية السلطة من الناس ، الذين اجتمعوا حول النبي . أى بتعبير عصرنا ( الأٌّمّة مصدر السلطات ) .
3 ـ الشورى ضمن العبادة الاسلامية:
3 / 1 : أوضح القرآن الكريم في آياته المكية صفات المجتمع الاسلامي والدولة الاسلامية قبل ان يقيم المسلمون دولتهم في المدينة . يقول جل وعلا في سورة ( الشورى ): (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) الشورى ) . والمعنى ان المجتمنع المسلم له متاع الحياة الدنيا ، وله ايضا ما عند الله تعالى من متاع الآخرة التى هى خير وأبقى . ولكى يستحق هذا المجتمع خير الدنيا والآخرة معا فلابد أن يتصف بعدة صفات هى الأيمان والتوكل على الله تعالى واجتناب الكبائر والفواحش ، والعفو عند المقدرة ، وطاعة الله تعالى والاستجابة له ، واقامة الصلاة واقامة الشورى والزكاة والعزة او الانتصار عندما يقع عليهم بغى او عدوان.وتلك الصفات يمكن تقسيمها الى صفات ايمانية وصفات اخلاقية وعبادات ، فالصفات الايمانية هى قوله تعالى " للذين آمنو وعلى ربهم يتوكلون " ، والذين استجابوا لربهم " والصفات الأخلاقية " والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش واذا ما غضبوا هم يغفرون " ، : والذين اذا اصابهم البغي هم ينتصرون " . اما العبادات فهى الصلاة والشورى والزكاة او قوله تعالى " واقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون.
3 / 2 : جاءت الشورى فريضة بين أشهر فريضتين من فرائض الاسلام وهما الصلاة والزكاة ، وهى المرة الوحيدة التى جاء فيها فاصل بين الصلاة وايتاء الزكاة معا وبالترتيب وبدون فاصل بينهما ، وهى المرة الوحيدة التى جاء فيها ذكر الشورى مع الصلاة والزكاة ليؤكد رب العزة على أنها فرض تعبدي مثل الصلاة والزكاة وبنفس الملامح .فاذا كانت الصلاة فرض عين لازما واجبا فكذلك الشورى، واذا كانت الصلاة واجبة على كل مسلم ومسلمة وجوبا ذاتيا وشخصيا وعينيا فكذلك الشورى ، واذا كانت الصلاة واجبة في كل الأحوال في السفر والحضر وفي الصحة والمرض وفي السلم وفي الحرب فكذلك الشورى.
3 / 3 : ليس فى الشورى الاسلامية ( إستنابة ) أو انتخاب لمن يمثل الشعب وينوب عنه . وهذا هو السائد الآن فى أغلب الديمقراطيات ، وتجعل أصحاب الثروات هم الذين يحكمون ويوجهون الحكم لمصلحتهم . وتوجد إستثناءت فى دول إسكندنافيا تمارس الديمقراطية المباشرة ، وتقترب من الشورى الاسلامية ، وتجمع بين القسط السياسى ( الشورى ) والقسط الاجتماعى .
4 ـ تطبيق فريضة الشورى في دولة النبى عليه السلام
4 / 1 : لأنها فريضة كالصلاة فقد كان المسجد للصلاة والشورى . إلا إن عقد مجالس الشورى كان عندما يستلزم الأمر ، فيكون النداء بالاجتماع .وفى البداية كان بعضهم يتكاسل أو يتسلل من الاجتماع ، أو يقدم للنبى أعذارا وهمية فنزل قول الله جل وعلا : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(64)) النور ). ـ وبعد هذا التهديد والوعيد عرف المسلمون قيمة الشورى فكانوا لا يتخلفون عن حضور مجالسها بدليل ان الآيات المدنية التالية فيما بعد لم يأت فيها عتاب او تهديد يخص ذلك الموضوع .
4 /2 : كان منافقو المدينة اصحاب النفوذ القبلي السابق في يثرب وظلوا بعدها أثرى أهلها . ومن خلال حديث القرآن الكريم عن المنافقين نعرف كثرة أموالهم وأولادهم وضخامة اجسامهم ( التوبة 55،85،75،78 ، المنافقون 4 ) ، وقد كرهوا ان يكون الأمر شورى ومشاعا بين جميع المسلمين ، وأن يزاحمهم ( عوام المسلمين ) فى الحديث فى مجالس الشورى ، وغاظهم أن النبى يعطيهم حقهم فى الكلام فاتهموا النبي بأنه ( أُذُن ) ، ونزلت آية قرآنية تدافع عنه ، يقول جل وعلا : (وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) التوبة ).
4 / 3 : الا ان ممارسة الشورى نفسها اقامت للمسلمين دورات تدريبية رفعت من مستواهم السياسي وفى نفس الوقت اظهرت استغلال المنافقين للمواقف وكيدهم وتآمرهم ، وتأكد هذا بدخول المسلمين في عمليات قتالية دفاعية ، كانت هى الفيصل في تحديد الولاء للدولة ، اذ ان المنافقين تكاسلوا عن الدفاع عن الوطن والعشيرة في مواقف فاصلة كغزوة الأحزاب بل وظهر تآمرهم مع العدو ، ونزل القرآن يحكى ذلك كله بالتفصيل مما اضطر المنافقين الى سياسة جديدة ، فبعد ان كانوا يتعاملون مع المؤمنين بالاستكبار والتعالى ، كما يظهر في السور المدنية الأولى ، اصبحوا فى أواخر ما نزل يؤكدون للمؤمنين بالايمان المغلظة والحلف الكاذب بالله انهم مؤمنون مخلصون : ( التوبة 56 : 57 ، 96 ) ، وفى البداية حاولو إلإشال مجالس الشورى بالتشويش عليها بالمشاورات السرية ، أو ( التناجى ) وجاء هذا فى سور المجادلة ( 7 : 13 ) . ولم يأت فى أواخر ما نزل فى المدينى شىء عن وجود هذا التناجى .
5 ـ آلية الشورى
5 / 1 كان القرار للأغلبية ، ولم يكن المنافقون أغلبية ، فتضاءل دورهم إلا فى المكائد ، والتى ذكرها رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم مع وصفهم بالكفر، فضاعت مكانتهم . كانوا يطمعون في ان يكونوا أهل الحلّ والعقد ، ولكن لم يعرف عصر الرسول عليه السلام هذا المصطلح" أهل الحل والعقد" . بل كان فيها ( أولو الأمر )
5 / 2 : ( أولو الأمر) الأمر ليس إعطاء أوامر ، فصاحب الأمر والنهى هو رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم . ( الأمر )هنا هو الشأن أو الموضوع . وأولو الأمر هم المختصون بالموضوع أو الشان المطروح للنقاش . وجاء هذا مرتين ، قال جل وعلا : 5 / 2 / 1 : ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83) النساء ). فالكلام هنا عن المنافقين واشاعاتهم ، والقرآن يدعو الى تبليغ الأمر الى المتخصصين أو اولى الأمر الذين هم الأقدر على الاستنباط.
5 / 2 /2 : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(59) ). فى قوله جل وعلا (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) فإن المُطاع واحد ، هو الله تعالى في كتابه الذى نزل على رسوله ، وبعد موت النبى فالمتخصصون كل في شأن او أمر لهم حق الطاعة في اطار طاعة الله ورسوله ، اى القرآن الكريم، واذا أفتى أولو الأمر بما يستوجب النزاع فلنحتكم الى الكتاب لأن الكتاب هو الرسالة وهو الرسول.والمهم انه في الأمور التى تستدعى التخصص فالمرجع فيها لأولى الأمر أو أولى الأختصاص ، اما في الامور العامة فهى مطروحة امام المسلمين جميعا في مجالس الشورى.
5 /3 ـ يبقى الـتأكيد على أن ( أولى الأمر ) هو وصف للمتخصّص صاحب الخبرة فى ( الأمر ) أو ( الشأن ) المطروح ، وهذا الوصف يشمل الرجل والمرأة . ويستلزم هذا أيضا التذكير بأن الشورى الاسلامية تساوى بين الرجل والمرأة فالخطاب القرآنى بالذين آمنوا هو للرجل والمرأة ، وكل الأوامر التشريعية القرآنية لهما معا ما لم يرد تخصيص لأحدهما ، وهذا كان يحدث فى الأحوال الشخصية من زواج وطلاق .. أما ما عداها من اوامر تعبدية وإجتماعية وسياسية فكانت للجميع البالغين ، خصوصا وأن الدولة الاسلامية كيان تعاقدى قانونى بين الأفراد ، جاء التعبير القرآنى عنه بالبيعة ، ونزل فى القرآن أمر عن بيعة النساء باعتبارهن جزءا من هذه الدولة :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) الممتحنة ).
أخيرا
بهذه الشورى يكون الاجتهاد فى سنّ قوانين إسلامية وفى تطبيقها وتطبيق التشريعات القرآنية . وخصوصا فيما يخصُّ العُرف والمعروف .
الفصل الرابع
: المعروف والشريعة الاسلامية
أولا :
1 ـ (المعروف) قيمة أخلاقية إنسانية عالمية ، هى بقية الفظرة التى فطر الله جل وعلا الناس عليها، ومهما تكاثفت على النفس عوامل التعرية اللاأخلاقية فإن القيمة الأخلاقية للمعروف تظل متقدة في باطن الشعور، يراها الأب المدخن حين ينهى ابنه عن التدخين لأن التدخين (منكر) وغير( معروف)، ومهما شاعت الرذيلة في قوم فإن الضمير الأخلاقي لديهم لا يزال يعتبر الزنا رذيلة.
2 ـ هذا الحس الأخلاقي المتوارث فينا والذي فطرنا الله عليه أمر به القرآن الكريم فأصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عبارات القرآن المأثورة.
ثانيا :
لذلك فإن المعروف من الكلمات القرآنية الشائعة ، ومنها الموضوعات التالية :
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر : قال جل وعلا :
1 ـ فى التناجى بين الناس : ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) النساء )
2 ـ عن البشارة بالنبى محمد فى التوراة والانجيل : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (157) الاعراف )
3 ـ فى صفات المؤمنين بالقرآن الكريم والمجتمع والدولة الاسلامية :( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104) آل عمران )، ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) (110) آل عمران ).( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (112) التوبة )، ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ ) (41) الحج ).
4 ـ فى الفرق بين المؤمنين والمنافقين فى المدينة فى دولة الاسلام حيث حرية الدين والدعوة : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (67) التوبة )
( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) التوبة )
5 ـ ( قول ) المعروف . قال جل وعلا :
5 / 1 : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) النساء )
5 / 2 : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) النساء )
5 / 3 : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) الاحزاب )
ثالثا :
مستويان للمعروف
والمعروف له مستويان :
3 / 1 : الثابت : وهو ما (يتعارف الناس ) على أنه عدل وقسط .
3 / 2 : المتغير وفق ظروف الزمان. وهذا عند التطبيق على مستوى الدولة ومستوى الفرد . ومثلا ، فإذا كان العرب في عصر نزول القرآن الكريم قد (تعارفوا ) على أن دية القتيل ألف بعير فإن ذلك (المعروف) لديهم لا يصبح بالضرورة تقليداً لدينا إذ يمكننا أن نقدر الدية بعشرات الألوف من الجنيهات المصرية.. وإذا كان (معروفاً) في العصور الوسطى أن تقدر نفقة الزوجة في العدة بالويبة والصاع فإن المكيال المتعارف عليه في عصرنا هو الكيلو.. وفي كل الأحوال ذلك المعروف الفرعي يخضع للقيمة الأخلاقية الكبرى للمعروف الذي يتعارف عليه الناس في كل عصر على أنه الأفضل والأحسن .
3 ـ وسبقت الإشارة الى محدودية الآيات التشريعية فى القرآن الكريم بما يعنى ترك مساحات واسعة للتقنين ، وهنا يكون للمعروف دوره ، بما يعطى حرية الحركة للتطور الإنساني ، وتأكيد صلاحية الشريعة الاسلامية لكل زمان ومكان .
رابعا :
مجالات المعروف فى الشريعة الاسلامية
في الزواج والأحوال الشخصية:
1 ـ الزواج (عرف) تعارف عليه بنو آدم ولا يزال الصيغة الشرعية التى يباركها دين الله مهما اختلفت الظروف الزمانية والمكانية ومهما اختلفت الصيغ والتقاليد. ومن الفقهاء من نظر للإسلام وتراث المسلمين على أنه الذى يقنن كل التشريعات والذي يلغى كل تشريعات الجاهلية، وأولئك لم يسألوا انفسهم هل كان زواج محمد بن عبد الله من خديجة قبل الوحى زواجاً صحيحاً أم باطلاً ؟، لقد تزوج محمد قبل أن يكون رسولاً بخديجة زواجاً صحيحاً شرعياً وكذلك فعل أبوه وأهله وفقا للعرف أو المعروف السائد فيما اصطلح على تسميته بالجاهلية.
2 ـ وفى تفصيلات القرآن الكريم التشريعية نلاحظ :
وصف الزواج بالمعروف فى تشريعات الأرملة وحقها فى الزواج :
1 ـ ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (234) البقرة )
2 ـ ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ) (240) البقرة )
فى تفصيلات الأحوال الشخصية
خطبة النساء ( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) (235) البقرة ). تطبيق هذا أمر شخصى ،والله جل وعلا هو الرقيب عليه .
نكاح ملك اليمين ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ )(25) النساء ). الأجر أى الصداق والمهر ،ويكون بالمعروف المتعارف عليه وقتها .
حقوق الزوجة : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) (228) البقرة ).
معاشرة الزوجة
( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء ).التطبيق هنا بيد الزوج ، لذا يأتى وعظه بالخير الكثير لو عاشر بالمعروف زوجة يكرهها
حقوق الزوجة المطلقة فى فترة العدة :
1 ـ ( وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا ) 231 ) البقرة ).الاحتفاظ بالزوجة لإضرارها جريمة .
2 ـ ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (2) الطلاق ). تعيين الشهود وظيفة القاضى .
متعة المطلقة بعد فراقها بيت الزوجية ، ويقررها القاضى بالمعروف المتعارف عليه
( لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) البقرة )
( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) البقرة )
حق المطلقة فى الزواج بعد إنتهاء عدتها والفراق والتسريح
( وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) 232 ) البقرة ).تحريم ( عضل المرأة ) أى منعها من الزواج بعد طلاقها البائن . والتراضى هو أساس عقد الزواج ،وهوبالمعروف .
فى الرضاعة
( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) (233) البقرة ) . الزوج ( السابق أو الحالى أو من ينوب عنه ) عليه تكلفة الرضاعة .وهذه التكلفة يحددها القاضى على أساس دخل الزوج .وفصال الرضيع وفطامه يكون بالتراضى والتشاور. وإستئجار مرضعةلا بأس به .وذلك برعاية القاضى المختص وفق المعروف . ونتدبر كلمة : (رزقهن)، فلا تحديد هنا لمقدار المبلغ و مقدار الحبوب أو نوعية العملة المتداولة من دينار أو دولار، وإنما قال بإيجاز وإعجاز "وعلى المولود له رزقهن" ليشمل كافة شئون المعيشة، وقوانين المجتمع تحدد حد الكفاية ومهمة القاضى تحديد وضع الزوجة ومدى احتياجها.
( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) الطلاق ). هنا تفصيلات أكثر توضح دور الدولة ، فالقاضى المختص يعقد مجلسا للتشاور فى تطبيق المعروف المتعارف عليه حسب ظروف المُطالب بدفع التكاليف .
في الحقوق المالية:
الوصية للورثة : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة ). أى أن الوصية مفروضة ومكتوبة على كل مسلم حضرته الوفاة، فعليه أن يوصى للأحياء من الوالدين والأقربين وفقاً للمتعارف عليه بحيث لا يضيع حق الورثة . وهذا فى ضوء مراقبة الدولة ، وهذا ما تشير اليه الآيتان التاليتان : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) البقرة)
دية القتيل : هنا دور الدولة فى التحديد وفى التنفيذ . قال جل وعلا يخاطب مجتمع المؤمنين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ) (178) البقرة ) . تقدير الدية يكون بالمتعارف عليه في الكم والكيف مع تأديتها بإحسان، والمفروض أن قوانين المجتمع الجنائية هى التى تنظم ذلك.
حقوق اليتيم الوارث . الدولة هى التى تعين الوصى على ماله الى أن يبلغ الرشد ، وهى التى تعقد له إختبارا تتأكّد فيه من رشده ، وهى التى تحاسب الوصى . كل ذلك بالمعروف. قال جل وعلا : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) النساء )
معاملة الوالديين : قال جل وعلا : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ) (15) لقمان ). التطبيق هنا مسئولية شخصية ، لا دخل للدولة فيها .
فى بيعة النساء للنبى محمد عليه السلام . قال له ربه جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) الممتحنة ). نلاحظ :
1 ـ دخول الدولة الاسلامية يكون بعقد ومبايعة ، والتنفيذ مسئولية شخصية .
2 ـ الخطاب جاء ل ( النبى ) وهو شخص محمد عليه السلام فى حياته وتعاملاته ، ولم يأت بصفة ( الرسول ) الذى تكون طاعته مرتبطة بطاعة الله جل وعلا . لذا فإن طاعة النبى هنا ليست مطلقة ، بل فى حدود المعروف ( وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ).
3 ـ هذا يؤكد على حقيقيتين :
3 / 1 : لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق جل وعلا .
3 / 2 : المعروف الاسلامى ضمن الشرع الاسلامى .
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )
المؤمنون والكافرون والمنافقون.
حفظكم الله جل وعلا وبارك بعمرك وعلمك دكتورنا المحترم. يقول الله جل وعلا عن المؤمنين إنهم أولياء بعض وكذلك الكافرين أولياء بعض. إلا المنافقين قال بعضهم من بعض. فهل لها تدبر من قبلكم جزاكم الله خيرا.
شكرا جزيلا استاذ حمد ، وجزاك الله جل وعلا خيرا، وأقول:
هنا المؤمنون والكافرون يشتركون فى صفة واحدة هى العلانية والوضوح ، أما المنافقون فهم كما وصفهم الله جل وعلا: ( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ ) (143) النساء ). هم لا يثقون بأحد ، بعضهم من بعض فى صفة الخداع والتلون . فى موضوع الولاء ـ يعنى أن تكون مع هذا الجانب ضد ذلك الجانب ــ هم فيه كاذبون ، أما المؤمنون فهم يوالون بعضهم بعضا ، وهم مأمورون بذلك لأن الكافرين يوالى بعضهم بعضا ضد المؤمنين. قال جل وعلا: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) الأنفال) .
الفصل الخامس :
حدود الاجتهاد فى الشريعة الاسلامية ( الميراث مثالا )
الميراث جاءت تشريعاته فى سورة النساء :
ونتدبرها كالآتى :
أولا :
قبل توزيع الميراث
قال جل وعلا : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8). إعطاؤهم مرتبط بحضورهم قسمة التركة بين الورثة . وهم ( أولو القربى ) أى الأقارب الذين لا يرثون ، الأقارب الوارثون هم ( الأقربون ). واليتامى ، والمساكين ، أى أفقر الفقراء . هنا توصيف لا شأن له بالايمان أو بالعنصر أو الذكورة والأنوثة . المقدار الذى ينالونه وكيفية توزيعه يرجع للورثة .
تنفيذ الوصية وسداد الديون : تردد فى تقسيم الميراث فى آيتى 11 ، 12 من سورة النساء قوله جل وعلا : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ )،( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ )، ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ).
تنفيذ الوصية قبل توزيع الميراث ، وقد تعرضنا له من قبل .
سداد الديون فرض واجب . وهو من أصل التركة . نفترض أن التركة ألف جنيه ، والديون 600 جنيه تصبح التركة 400 جنيه فقط يتم توزيعها على الورثة . فماذا إذا كانت الديون ألف جنيه والتركة ألف جنيه ، هنا لا يرث الورثة شيئا . ماذا إذا كانت التركة ألف جنيه والديون (1600 ) جنيه ، هنا يكون على الورثة سداد ( 600) جنيه ، يدفعها الورثة بقدر حصتهم فى الميراث . نفترض أنهم ابن وبنت يرثان ( الابن ضعف البنت ) ، وهو نفس الحال فى سداد الديون ، يدفع الابن ( 400 ) وتدفع البنت ( 200 ).
ميراث اليتيم
تعرضنا له من قبل من حيث تعيين وصى على أمواله ومحاسبته ، ويظل هذا حتى يبلغ اليتيم أشُدّه ، فيعقد له إختبار ، إذا ظهر رشده أصبح متصرفا فى ماله ، وإذا ثبت أنه سفيه يعود المال الى الدولة تستثمره ، ومن أرباحه يعطى ما يكفيه من مصاريف وكسوة. قال جل وعلا : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماًوَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً(6).
يلفت النظر هنا كلمتا ( أموالكم ) فى حالة السفية : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) و ( أموالهم ) فى حالة اليتيم الذى ثبت رشده : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) ( فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) فالمال يؤول لمن ثبت رشده . ويا حسرة على كوكب المحمديين حيث يتحكم السفهاء فى أموال الدولة لأن المستبد يرى نفسه الدولة .
يلفت النظر أيضا قوله جل وعلا فى إعطاءمن حضر القسمة : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ ) . إرزقوهم منه أى من أصل التركة . أما عن مال اليتيم السفية : ( ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا ) . أرزقوهم فيها أى من خلال إستثمارها .
فى توزيع التركة قال جل وعلا : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7). هنا الورثة هم الأقربون والزوجين والوالدان الأحياء . تعبير ( الأقربون ) متحرك ، فعند الكلالة أى عدم الولد يكون الأقربون هم الأخوة . وجاء ذكر الكلالة مرتين فى نفس السورة : ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ )، ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176).
ثم التوزيع : ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12).
ثم ختم التشريع بقوله جل وعلا : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) النساء ). عقوبته الخلود فى النار من يحرم وارثا من حقه ، كثّر هذا الحق أو قلّ. هذا يعنى أنه لا اجتهاد في الأنصبة المحددة من النصف والربع والثُمن و....
أخيرا : الاجتهاد فى ( الردّ والعول ):
توزيع التركة ينتهى الى واحد من ثلاث : إتفاق الفروض مع الأصل الذى هى واحد صحيح ، وليست هنا مشكلة . المشكلة فى ( الرد ) وفى ( العول ) . إن زادت الفروض على الواحد الصحيح ، فهو ( العول ) ، وإن نقصت الفروض عن الواحد الصحيح ويتبقى من التركة جزء ، فهذا هو الرد . ونعطى تفصيلات:
أولا : أن تتفق الأسهم مع الأصل ، فالأصل واحد صحيح ينقسم الى كسور ،أو أسهم ، والأسهم لأصحاب الفروض والعصبة تنتهى الى واحد صحيح. أمثلة :
1 ـ ( الورثة : أب + أم + بنات ) : للاب السدس ، وللأم السدس ، وللبنات الثلثان . المجموع واحد صحيح .
2 ـ :( الورثة : زوجة وأم وابن .) للزوجة الثمن ، وللأم السدس ، والباقى للابن . المجموع واحد صحيح.
3 ـ ( الورثة : زوج + أب + اولاد وبنات ) للزوج الربع ، وللأب السدس ، والباقى للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين. المجموع واحد صحيح.
4 ـ الورثة اولاد وبنات ( يقتسمون كل التركة للذكر مثل حظ الأنثيين ). المجموع واحد صحيح.
5 ـ الورثة ( أخ وحيد ) يرث التركة كلها. المجموع واحد صحيح.
ثانيا : ( الرد ) أى أن يتبقى جزء من التركة. . أمثلة :
1 ـ ( زوجة + بنات ) للزوجة الثمن ، وللبنات الثلثان .تنقسم على 24 سهما . الزوجة 3 ، البنات 16 سهما ، أى 19 سهما من 24 سهما ،ويبقى ما مقداره 5 على 24 .
2 ـ ( زوجة + أم ) : للزوجة الربع ، وللأم الثلث : أى 7 على 12 . ويبقى 5 على 12 .
3 ـ ( زوج + أب ) للزوج النصف ، وللأب الثلث ، أى 5 على 6 . ويبقى السدس.
4 ـ ( أب + أم ) لهما الثلثان ويبقى الثلث.
5 ـ ( بنتان فقط ) لهما الثلثان ويبقى الثلث .
6 ـ ( زوجة + بنت ) للزوجة الثمن وللبنت النصف ، أى 5 على 8 . ويبقى 3 على 8 .
7 ـ ( والدان + زوجة + بنت ) الوالدان لكل منهما السدس ، للزوجة الثمن ، وللبنت النصف . والمجموع 23 على 24 ، ويبقى واحد على 24 .
ثالثا : كيفية التصرف فى الرد ( بقية التركة )
1 ـ الأصل أن الثروة مللك للمجتمع ، وهى للفرد الوارث الذى يُحسن القيام على نصيبه، فلو ثبت انه سفيه يتم تعيين وصى على تنمية ثروته . وبالتالى فلو بقى جزء من التركة فهو يعود الى ( بيت المال ) فى بند خاص يتم الصرف منه على مستحقى الصدقة الرسمية ، طبقا لقوله جل وعلا : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)( التوبة ). هنا توزيع الصدقات فريضة ( فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )، وهو نفس قوله جل وعلا فى "فريضة الميراث":( فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) (النساء) فالميراث وتوزيع الصدقات كلاهما فريضة من الله جل وعلا / وبالتالى فإن ما يفيض من فريضة الميراث يتم ( ردُّه ) الى فريضة توزيع الصدقات . وتنفق الدولة من هذا فى إنشاء بيوت لاستضافة ابناء السبيل ، وكفالة الأيتام وأطفال الشوارع والأرامل ، ومستشفيات لعلاج غير القادرين، وفى رعاية للفقراء والمساكين بالدعم العينى فى السلع الأساسية أو بمرتبات ..الخ ..
2 ـ وتفرض بعض الدول ضريبة على التركات.والأولى أن يكون هذا فى حالة ( الرد ) أى أن يئول الباقى من الميراث الى خزينة الدولة، للإنفاق منها على الرعاية الاجتماعية .
رابعا : العول :
عكس الرد ، أى زيادة الأنصبة ( الفروض ) عن الواحد الصحيح ، ويحدث عند إجتماع الوالدين والزوج/ الزوجة والبنات . الأمثلة :
1 ـ والدان + زوج + بنت : للوالدين الثلث ، وللزوج الربع ، وللبنت النصف . الأسهم هنا 12 ، للوالدين 4 ، وللزوج 3 ، وللبنت 6 . والمجموع يزيد على الواحد الصحيح ، أى 13 على 12 . هنا يكون الحل باعتبار الأسهم 13 . ويكون للوالدين 4 ، وللزوج 3 ، وللبنت 6 .
2 ـ والدان + زوج + بنتان : للوالدين الثلث ، وللزوج الربع ، وللبنتين الثلثان . الأسهم 12 . للوالدين 4 ، وللزوج 3 ، وللبنتين 8 . والمجموع يزيد على الواحد الصحيح ، اى 15 على 12 . الحل بإعتبار الأسهم 15 . للوالدين 4 ، وللزوج 3 ، وللبنتين 8 .
3 ـ والدان + زوجة + بنات : للوالدين الثلث ، وللزوجة الثمن ، وللبنات الثلثان . الأسهم 24 . للوالدين 8 ، وللزوجة 3 ، وللبنات 16 . والمجموع يزيد على الواحد الصحيح أى 27 على 24 . والحل باعتبار الأسهم 27 : للوالدين 8 ، وللزوجة 3 ، وللبنات 16 .
4 ـ والدان + زوج : للوالدين الثلثان ، وللزوج النصف . الأسهم هنا 6 ، للوالدين 4 ، وللزوج 3 . أى يزيد المجموع عن العدد الصحيح : 7 على 6 . والحل باعتبار الأسهم 7 : للوالدين 4 ، وللزوج 3 .
التعليقات(2)
ادعوا الله تبارك وتعالى أن يبارك بعمرك وعلمك ويجزيك خير الجزاء بالدنيا والآخره دكتورنا المحترم ، حقيقة لأول مره أجد إجابه كافيه وشامله للمواريث وقسمتها الشرعية، والذي لفت نظري إن مايتبقى من الميراث تأخذه الدوله مثال رقم (٥،٤،٣). ويوزع على الفقراء والمساكين وغيرهم من المستحقين ولكن لا اعتقد إن هذا مطبق في أغلب الدول لدينا حسب ما اعرف دكتور أحمد هل في هذه الحاله ماهو الحل الأمثل للورثه خاصه وهناك خلاف حول هذا الأمر. مع خالص التقدير لكم.
جزاك الله جل وعلا خيرا استاذ حمد ، واقول:
للأفراد الوثة التبرع به للفقراء والمرضى ودور رعاية الأطفال . وكم تمتلىء المستشفيات بالمحتاجين . المهم ان يكون ذلك إبتغاء مرضاة الله جل وعلا.
الفصل السادس:
الخاص والعام:
أولا :
تشريع خاص بالنبى محمد عليه السلام فى حياته
هناك تشريع خاص بالنبي (عليه السلام) وزوجاته ذكره القرآن الكريم ضمن تفصيلاته التى غطت كل شيء وفق تنظيم محكم أتى عن علم . قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) الاعراف ) . ومن الطبيعى أن هذه التفصيلات التشريعية الخاصة بالنبي نأخذها نحن نوعاً من التاريخ التشريعى نظراً لارتباطها بظروفها الزمانية والمكانية التى انتهت بوفاة النبي (عليه السلام).
نعرض لها :
1 ـفقد كان للنبي أن يتزوج بلا صداق وهذه خصوصية له دون المؤمنين. قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) الأحزاب ) .
1 / 1 : من هذا التشريع الخاص نتعرف على تشريع عام فى قوله جل وعلا :( خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ). هنا إشارة الى وجوب دفع الصداق للزوجة الحرة والزوجة المملوكة . وجاء هذا سابقا فى سورة النساء ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) . يعنى هذا أن مالك ( الجارية ) إذا أراد أن يتزوجها فبعقد وبصداق. ونتذكر أن صحابة الفتوحات إرتكبوا إسترقاق النساء والدخول بهن إغتصابا حتى فى أرض المعركة .
1 / 2 : وقوله جل وعلا : ( وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ) تنفى أكاذيب الملعون إبن إسحاق فى السيرة زعمه أن النبى سبى صفية بنت حى بن أخطب واستخلصها لنفسه ودخل بها فى أرض المعركة . وجويرية . هنا نعلم أنه عليه السلام كانت تأتيه هدايا من الجوارى ، وهذا معنى ( وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ) . ومعلوم أن الفىء هو ما يفىء للمسلمين سلميا وبلا قتال .
2 ـ وبينما كان تحرى العدالة مطلوباً من الزوج في تعامله مع زوجاته فإن ذلك لم يكن الحال مع النبي يقولسبحانه وتعالى له : ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَين َ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51)الأحزاب ) .
3 ـ وفى المقابل لم يكن للنبي أن يتزوج فوق زوجاته ولم يكن له أن يبدل واحد منهن بأخرى. قال له جل وعلا : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (52) الاحزاب ). ( وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ) يعنى لم يكن هناك نقاب .
تشريعات خاصة بنساء النبى :
تحريم نكاحهن :
1 ـ هن كُن أمهات المؤمنين فى حياتهن . قال جل وعلا : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (6) الاحزاب )
2 ـ ولذلك كان يحرم على المؤمنين الذين عايشوا النبي وشهدوا حياة زوجاته أن ينكحوا أمهات المؤمنين قال جل وعلا : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) الاحزاب ) . التحريم هنا يقع على مجرد عقد النكاح .
مضاعفة الثواب ومضاعفة العقاب
فالتى تعمل صالحاً منهن لها اجر مضاعف، والتى ترتكب الفاحشة لها عقاب مضاعف . قال جل وعلا :( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً (31) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) الاحزاب ) .
وبعضهن لم يكُنّ على المستوى المطلوب ، وجاءت الاشارة لهذا فى سورة التحريم فى قوله جل وعلا : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً (5) )
ونعلم أن عائشة خالفت الأمر الالهى القائل : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) فخرجت من بيتها لا لتذهب الى السوق بل لتقود جيشا فى أول حرب أهلية بين الصحابة ، هى موقعة الجمل . والتى قُتل فيها عشرات الألوف ، معظمهم حول الجمل الذى كانت تركبه . عليها لعنة الله جل وعلا .!
تشريع خاص ببيوت النبى وبالتعامل مع نسائه
قال جل وعلا يخاطب المؤمنين فى عصر النبى محمد عليه السلام : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53)إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54) لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55) الاحزاب ).
نلاحظ :
1 ـ النهى يعنى أن هذا كان يحدث فنزل الوحى الالهى ينهى عنه ، وهذا يشمل حديثهم مع نساء النبى فى قوله جل وعلا : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (54) )
2 ـ ثم جاء الإستثناء مع أمرهن بتقوى الله جل وعلا الذى هو شهيد على كل شىء : ( لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55).
3 ـ وقد قال جل وعلا لهن : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) الأحزاب ). أى إن كُنّ متقيات فلا يتعاملن مع الصحابة بما لا يليق بهن . لأن من الصحابة من فى قلبه مرض ، وهذا يعلمه الله جل وعلا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور .
4 ـ ولهذا نزل الأمر بأن يكون الخطاب بينهن وبين الأغراب من خلال حجاب أو (ستارة ) قال جل وعلا : ( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) وهنا إتهام مبطن لقلوبهن وقلوبهم .
الحشمة فى الزّى
قال جل وعلا للنبى محمد فى خطاب مباشر: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) الأحزاب ). أى أن يأمر زوجاته وبناته ونساء المؤمنين بعدم كشف سيقانهن . نستشف أن بعضهم كان يترّصّد النساء وهنا خارجات لقضاء الحاجة ، ومن تخرج غير محتشمة فهى دعوة تشجعهم على الفسق بها . وسبق النهى لأمهات المؤمنين بالحشمة فى قوله جل وعلا : ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ).
عدم جهرهم بالقول فى حضرة النبى :
وحرم الله جل وعلا على المؤمنين في عصر النبي أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته وأن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض وحذرهم من أن ذلك يؤدى إلى إحباط أعمالهم: . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) الحجرات ) .
ثانيا :
الخاص والعام في تشريع القرآن:
الأطفال :
قال جل وعلا فى تشريع عام :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) النور ). ليس الحديث هنا عن صلاة الظهر وصلاة العشاء ، فالصلاة كانت متواترة بمواقيتها وحركاتها . ولكن عن أوقات إستئذان الأطفال ليلا وعند القليلولة .
تشريع خاص بالمرأة:
1 ـ الرجل عليه أن يدفع الصداق وأن يقوم بالانفاق على الزوجة . المساواة بينهما فيها إجحاف بالرجل . لذا ففي الميراث تأخذ المرأة نصف الرجل ما عدا ميراث الكلالة للزوج أو الزوجة . قال جل وعلا : ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) النساء ) .
2 ـ وللرجل القوامة على المرأة، والله هو الذى خلق الرجل والمرأة وهو الأعلم بما خلق والأصلح في التشريع لهما، والقوامة لا تعنى التسلّط لأنه ينافى الأمر بمعاشرة الزوجة حتى لو كرهها الزوج :( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء ) . وهناك حدود لقوامة الرجل بما يمنع نشوز الزوجة وهدمها بيت الزوجية . قال جل وعلا : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (34) النساء ) . وقدرعرضنا لهذا بالتفصيل فى كتابنا عن تشريعات المرأة . ومقالاته منشورة هنا.
3 ـ وفي الشهادة يقول سبحانه وتعالى: ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ) ( 282 ) البقرة ) . وهذا التشريع مرتبط بالخوف من وقوع المرأة فى النسيان . إذا لم يكن هناك خوف أو كانت الشهادة مكتوبة موثقة فهى كالرجل .
التعليقات(3)
وجهة نظر
وجهة نظر في ما جاء عن شهادة الرجل والمرأة
اعتماد شهادة امرأتين بدلًا من شهادة رجل جاء في الآية 282 من سورة البقرة وفي سياق التداين، أي في المسائل المالية، والأحرى أن ندرس وضع الرجل والمرأة في المسائل المالية، فلماذا يمكن أن تضل المرأة ولا يضل الرجل. وما يلفت النظر أن هذا التفريق جاء فقط في هذه المسألة، ففي ارتكاب المرأة الفاحشة وجب وجود أربعة شهود (ما يعني امرأة أو رجل) النساء 15، وفي الوصية هناك شاهدان (المائدة 106)، في رمي المحصنات أربع شهداء (النور 4)، في رمي الأزواج بعضهم لبعض تعتبر شهادة المرأة والرجل بأربع شهادات (النور 4-9)، في مسألة الإفك أربع شهداء (النور 13)، في الآية 2 من سورة الطلاق لا يوجد عدد معين للشهود. من اللافت للنظر أن في مسألة الزنى (النور 2) لم يأت ذكر لشهود بالمرة، ما يؤكد أن المقصود هنا هو تعاطي الزنى وليس "عملية زنى واحدة"، وإثبات تعاطي الزنا (هذا يعني تكرارة) ليس بالسهولة الممكنة عبر أقوال شهود.
شكرا استاذ بن ليفانت وأقول:هذا أمر تشريعى يخضع لقاعدة تشريعية هو تحقيق العدل فى المعاملات المالية. إذا أمكن تحقيق العدل بشهادة إمرأة واحدة فلا داعى لإمرأتين . هذه وجهة نظرى . وقد كتبتها من قبل.
الفصل السابع :
القاعدة والاستثناء
أولا : فى الطفولة وبلوغ الرشد
1 ـ يبدأ التكليف للإنسان ببلوغه الحلم وحينئذٍ يعامل معاملة الرجل . فالطفولة مرحلة استثناء مؤقت وإذا بلغ اليتيم الحلم كان له أن يدير أمواله بنفسه إذا لم يكن سفيهاً . قال جل وعلا : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) (6) النساء ) . وتكرر النهى عن أكل مال اليتيم وهو في مرحلة الطفولة قبل أن يبلغ التكليف والمسئولية ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ )(152) الانعام ) وأيضا ( 34) الاسراء ). وفي قصة موسى مع العبد الصالح قال عن الجدار : ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) الكهف ) ، أى أنه أقام الجدار حتى يظل الكنز في مأمن إلى أن يصل اليتيمان على مرحلة الرجولة والمسئولية .
2 ـ البلوغ هو بداية مرحلة التكليف والمسئولية، وهى مرحلة أساس في حياة كل إنسان بقوله سبحانه وتعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً (5) الحج ) ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) غافر )
ثانيا : المسئولية فى التكليف
والمسئولية في التكليف تستلزم حرية الإرادة والاستطاعة وهما القاعدة وبدونهما يكون الاستثناء..
1 : أما عن الاستطاعة فإن الله جل وعلا ما جعل علينا في الدين من حرج . قال جل وعلا : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(78) الحج ) والله جل وعلا ـــ وهو الأعلم بماخلق ــ قد شرع للنفس البشرية ما هو في طاقتها . قال جل وعلا : ( لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا ) (233) البقرة )وأيضا ( (286) البقرة )، ( (152) َ الأنعام )( (42) الاعراف ) ( (62)المؤمنون ) . وما في وسع الإنسان يعنى ما في طاقته المالية والجسمانية وسائر إمكاناته . قال جل وعلا : ( لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا ) (7) الطلاق ).
2 : وحرية الارادة مجالها أوسع ، واذا تكلمنا عليها فقد اسقطنا السفيه والمجنون اذ لم يبلغا مرحلة التكليف العقلى والمكلف قد يقع فى الخطأ غير المقصود الذى يقترب من النسيان ومن يقع فيه يدعو ربه قائلا " ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) (286) البقرة )
ثالثا : حقوق الله جل وعلا وحقوق البشر بين التعمد وغيره
1 : ومن الخطأ غير المقصود ما يقترب من معنى الجهالة وهى قلة السن والخبرة وطيش الشباب وذلك ما نفهمه من قوله جل وعلا :
1 / 1 :( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (18) النساء ) .
1 / 2 : ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) الانعام )
1 / 3 : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) النحل )
2 : وفي حقوق الله جل وعلا فإنه جل وعلا غفور رحيم لمن يخطئ عن غير عمد أو بجهالة . قال جل وعلا : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) الأحزاب ) .أما في حقوق البشر فلابد من المؤاخذة، فإذا قُتل مؤمن خطأً فلن نبحث عن نية القاتل هل كان متعمداً أم بلا قصد، ولكن عليه أن يحرر رقبة مؤمنة وأن يدفع الدية، والله تعالى يعلم سريرته وإذا كان متعمداً ارتكاب الجريمة فجزاؤه الخلود في جهنم مع غضب الله ولعنته: . قال جل وعلا : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) النساء ).
3 ـ والتعمد من علم القلوب الذي لا يطلع عليه إلا علام الغيوب لذا يدخل في نطاق التعامل الخاص بين العبد وربه، والله تعالى سيحاسب العبد على سريرته ، قال جل وعلا :( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) الاسراء ) ، :( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ) (284) البقرة ) ..
4 ـ وربنا جل وعلا توعّد اثنين على إرادتهما السوء مجرد الإرادة بدون فعل – فكيف بالفعل ، وهما من يريد ويحب إشاعة الفاحشة بين المؤمنين . قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)( 19) النور ) ، والذي يريد المعصية في الحرم . قال جل وعلا : (ِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج )
5 ـ والمؤمن إذا تعمد قتل الصيد في الحرم فعليه فدية. قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95) المائدة) .
6 ـ وإذا حنث في يمين متعمدا فعليه فدية . قال جل وعلا : ( لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ)(89) المائدة ) .
7 ـ الاضطرار يبيح المحظور . قال جل وعلا : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) البقرة ) ، وأيضا ((3) المائدة )، ( (119) الانعام )، ( (145) الانعام ) ( (115) النحل ). وذلك لأن الاضطرار يسقط حرية الارادة.
8 ـ وكذلك الإكراه :
8 / 1 : إذا أرغم رجل جاريته على فعل الفحشاء فليس عليها عقاب بل يغفر الله لها . قال جل وعلا : ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) النور ) "
8 / 2 : وإذا أكرهوا مؤمناً على قول كفر فإن الله غفور رحيم قال جل وعلا : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) النحل )".
رابعا :الاستثناءات
شرعها الله جل وعلا عند العذر وفى الظروف القاهرة التى تنال من الاستطاعة وحرية الإرادة .
1 ـ فالأعمى والأعرج والمريض وأولو الضرر ليس عليهم حرج في الاستئذان وفي النهوض للجهاد . قال جل وعلا :( لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) (61) النور ) ( لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) ً (17) الفتح )( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) النساء ) .
2 ـ و يضاف لهم الفقراء والمستضعفون قال جل وعلا :( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92) التوبة )
3 ـ ويقول جل وعلا عن من تكاسل عن الهجرة مع قدرته ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (99) النساء ) .
وأشياء أخرى :
1 ـ و لا بد حين تأدية صلاة الخوف من التمسك بالسلاح إلا حين الضرورة . قال جل وعلا : ( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ) (102) النساء )
2 ـ وفي الصيام يباح الفطر حين السفر وعند المرض وعند عدم الطاقة على الصيام . قال جل وعلا :( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) (184) (185)البقرة ).
3 ـ وفي الحج يجوز حلق الرأس أثناء الإحرام في حالة المرض أو التضرر ضمن تسهيلات أخرى. قال جل وعلا ::( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) (196) البقرة )
4 ـ وفي الطهارة يباح التيمم عند المرض أو تعذر وجود الماء. قال جل وعلا : ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً (43) النساء ) ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) المائدة ) .
5 ـ ويمكن التخفف من قيام الليل في حالة المرض أو التعب والإرهاق في النهار بسبب السعي في الرزق أو القتال.. . قال جل وعلا : ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ) (20) المزمل )
6 ـ وأثناء السفر وعند عدم العثور على كاتب يكتب الدين يقول جل وعلا : ( وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ) (283) البقرة ) .وقد يتطوع المسلم بعدم الاستفادة من الرخصة الممنوحة له تقرباً لله جل وعلا . ففى الآية السابقة: ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ) (283) البقرة ). أى حين يأمن الطرفان بعضهما فلا داعى للرهان المقبوضة أو التأمين مثلاً ،
أى أن هناك خيارات في تشريع القرآن يختار بينها المؤمن الأنسب له وإذا كان حريصاً على رضى ربه
فهو مع الأحسن ..وهذا موضوع قادم .
الفصل الثامن:
الحسن والأحسن
أولا :
1 ـ الناس على ثلاثة أقسام عند الاحتضار ويوم القيامة : السابقون المقربون ، وأصحاب اليمين ، وهما أهل الجنة ، قم اصحاب الشمال وهم أهل النار . قال جل وعلا فى سورة الواقعة :
1 / 1 ـ عن الاحتضار( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) )
1 / 2 ـ عن يوم القيامة ( إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتْ الأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسّاً (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً (6) وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (25) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً (37) لأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَ (40) وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44))
2 ـ أصحاب اليمين هم الذين أذنبوا ثم تابوا وأنابوا ، وتقبّل الله جل وعلا توبتهم ، ويغفر لهم يوم الدين ، يوم الحساب . فالتوبة فى الدنيا ، والغفران فى الآخرة .
3 ـ وفى سورة التوبة تفصيل عن الكافرين فى بداية السورة ، ثم عن المنافقين الصرحاء والذين مردوا على النفاق ،، ومنهم المُرجأ أمرهم الى الله جل وعلا ، إمّا أن يتوب عليهم وإما أن يعذّبهم تبعا لعلمه جل وعلا وحكمته، وأصناف المؤمنين فى المدينة قبيل موت النبى محمد عليه السلام ، منهم السابقون المقربون ، ومنهم أصحاب اليمين. قال جل وعلا : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)) .
3 ـإنه إختيار ومشيئة للفرد ، أن يكون من السابقين المقربين أو من أصحاب اليمين أو من المكذبين الضالين . أنت الذى تحدد موقعك يوم القيامة ، وربك جل وعلا لا يظلم أحدا ، وهو جل وعلا لا يريد ظلما للعالمين .
4 ـ نرى هذا فى الشريعة الاسلامية . مطروح فيها الحسن والأحسن ، الحسن لمن يريد أن يكون من أصحاب اليمين ،والأحسن لمن يبتغى أن يكون من السابقين المقربين .
5 ـ منهج القرآن الكريم يقوم على التسابق في الخير ابتغاء مرضاة الله جل وعلا القائل :
5 / 1 :( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران)
5 / 2 : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) الأنبياء )
5 / 3 :( إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) المؤمنون ).
5 / 4 : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) الحديد ) .
5 / 5 :( كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ (26) المطففين )
6 ـ ولنتذكر ان القرآن الكريم موصوف بالأحسن ، وجدير بمن يستمع لأحسن الحديث أن يلتزم بأحسن الطاعات والقرآن يرشده في ذلك. قال جل وعلا :
6 / 1 : ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (18) الزمر )
6 / 2 : ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) الزمر )
6 / 3 : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ (3) يوسف )
6 / 4 : ( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) الفرقان ) . القرآن الكريم فيه أحسن تفسيره .
ثانيا :
نعطى أمثلة قرآنية فى العبادات :
1 ـ الصوم : يصوم إذا كان على سفر أو في مرض لا يؤثر فيه الصيام ، وقد يقدم الفدية أيضاً تطوعاً : ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) البقرة ).
2 ـ الحج :
2 / 1 : لا يكتفي باجتناب ما حرمه الله وإنما ينشغل أيضاً بتقوى الله جل وعلا : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197) البقرة ).
2 / 2 : وفي مناسك الحج والعمرة يتطوع بالطواف حول الصفا والمروة . قال جل وعلا : ( إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) البقرة )
3 ـ الصدقة : قد يظهرها ليتأسى به غيره ولكن الخير أن يخفيها حتى لا يجرح شعور المحتاج. قال جل وعلا : ( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) البقرة ) .
3 ـ يقول جل وعلا لمن أسرف على نفسه ثم جاءت الفرصة للتوبة : ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ (59) الزمر ). فالذي يتوب بعد الإسراف في المعصية عليه أن يعوض ما سبق بالتسابق في الطاعة ، وأن يتبع الأحسن.
فى التعامل بين الناس
1 ـ يقول جل وعلا في حالة المدين العاجز عن السداد : ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) البقرة ). فالله جل وعلا يخيّر صاحب الدين ( الدائن ) بين شيئين أحدهما حسن وهو الانتظار إلى وقت يكون فيه المدين المعسر ميسوراً، والآخر هو التصدق عليه بالتنازل عن الدين كله أو بعضه وهذا هو الأحسن . ولو كان لمؤمن يعلم لأختار الأحسن، فهو الخير له . هذا فى تشريع يخص موضوع الربا المحرم ، وهو ربا الصدقة ، أى أن يأتيك فقير محتاج له حق فى الصدقة، فتعطيه بدل الصدقة قرضا ربويا . لنقرا الآيات الكريمة فى سياقها . قال جل وعلا : ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281) البقرة )
2 ـ ويحرم الاقتراب من مال اليتيم إلّا بالتى هى أحسن . قال جل وعلا :( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (152) الانعام ) ( الاسراء 34 ).
4 ـ وفى الدعوة الى الاسلام وفى الجدال قال جل وعلا :
4 / 1 :( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت )
4 / 2 ـ ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل )
4 / 3 : ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) العنكبوت )
5 ـ وفى الكلام وفى السلام وردّ السيئة قال جل وعلا :
5 / 1 :( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (53) الاسراء )
5 / 2 : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (83)البقرة )
5 / 3 : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) (86) النساء )
5 /4 : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) (96) المؤمنون )
ولكن هل يلغى تشريع الأحسن التشريع الحسن ؟ بالطبع لا . لأنها خيارات أمام المؤمن.
الفصل التاسع :
الحقيقى والمجاز
مقدمة
هناك اسلوب مجازى فى القرآن الكريم فى الحديث ع نرب العزة جل وعلا واحوال الآخرة وفى الوعظ . وفى القرآن الكريم اسلوب علمى تقريرى ، ومنه التشريعات الاسلامية .والذى يجتهد فى معرفة التشريع الاسلامى عليه ان يعى هذا جيدا ، خصوصا وان بعض الكلمات القرآنية تأتى مجازا ، وتأتى باسلوب تقريرى علمى . ونعطى مثالا بكلمتى : ( المرض ) و (الأعمى )
أولا : المرض
جاءفى القرآن الكريم على نوعين : المرض الحسى البدنى الجسدى ، والمرض المعنوى بمعنى الضلال والكفر و النفاق والانحلال .
المرض الحسى الجسدى فى التشريع جاء ضمن الأعذار المقبولة فى تأدية العبادات:
1 :ـ الافطار فى رمضان:قال جل وعلا : ( أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (( البقرة 184 ) (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )( البقرة 185)
2 : فى الحج : ـ تقديم الفدية عند حلق الرأس فى حالة الاحرام بالحج أو العمرة:
( وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ) ( البقرة 196 )
3 : فى التيمم بدلا من الغسل والوضوء:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) ( النساء 43 ) ، و ( المائدة 6 )
4 : التخفف من حمل السلاح عند قصر الصلاة وقت الخوف : (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ ) ( النساء 102 )
5 : عدم الخروج للجهاد : ( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ ) ( التوبة 91 )، ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) ( الفتح 17 )
6 : التخفف من قيام الليل:( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) (المزمل 20)
7 : التخفف من الآداب الاجتماعية:( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ )( النور 61 )
المرض المعنوى ( الضلال والكفر و الشرك )
هنا يأتى المرض مرتبطا بالقلب ، والقلب فى مصطلحات القرآن الكريم هو النفس والفؤاد والصدر، وليس تلك العضلة التى تضخ الدماء فى الأوردة و الشرايين . وبالتالى فالمرض هنا يعنى الضلال و الكفر والنفاق والرغبة فى الزنا بحيث لا يراعى ذلك الشخص حرمة البيوت التى يدخلها.
ونعطى أمثلة:
1 ـ عن المنافقين الذين يخفون الكفر و يتظاهرون بالايمان يقول جل وعلا (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ ) هذا عن تصرفاتهم فى الخداع، ومنبع هذا الخداع هو ما وقر فى قلوبهم من ضلال وكفر ، أو مرض بالتعبير القرآنى ، وبالتالى فلن يزيدهم الله تعالى إلا كفرا ومرضا ، يقول جل وعلا : ( فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً) (البقرة 10 )
2 ـ ويأتى الوصف بالمرض القلبى مرادفا للمنافقين معطوفا عليه عطف بيان ، مما يفيد التوضيح والبيان والتأكيد على أن المرض القلبى من لوازم النفاق ومن ملامح المنافقين النفسية ، يقول جل وعلا : ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ) ( الانفال 49 ) فالمتحدثون هنا ليسوا طائفتين بل هم طائفة واحدة جمع بينهم وجود مرض الضلال فى نفوسهم وقلوبهم وعقائدهم.
3 ـ ويقول جل وعلا عن أدوار المنافقين وطوائفهم وقت محنة حصار المدينة فى غزوة الأحزاب : (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ) ( الأحزاب 60 ). هم هنا اقتربوا من الخط الأحمر ، فكان لا بد من تحذيرهم ، فلهم حق المعارضة ولكن ليس الى درجة التآمر والتحالف مع العدو الذى يحاصر المسلمين.
4 ـ ونفس الحال حين تحالفوا مع اليهود و النصارى فى اعتداءاتهم على المسلمين ، وهنا إشارة الى وقائع حربية أهملتها ما تسمى بالسيرة النبوية ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ )( المائدة ـ 52 ). تكرر النهى للمؤمنين عن التحالف مع العدو المعتدى على المؤمنين ، ولكن لم يطع المنافقون لأن فى قلوبهم مرضا.
5 ـ وعن موقفهم من القرآن كان الضلال أو المرض المستقر فى قلوبهم يجعلهم يسخرون من نزول القرآن وقت نزول آياته ومعرفة وهداية المسلمين بها ، ونزل قوله جل وعلا يرد عليهم : ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) ( التوبةـ 125 )
6 ـ وبعضهم كان يرتعب عندما يسمع بنزول آية تأمر بالقتال ، ويأتى تصويرهم فى هذه الحالة فى قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ) ( محمد 20 )
7 ـ وكانوايرفضون الاحتكام الى القرآن الكريم ، و يرفضون المجىء للرسول عليه السلام إلا إذا كان لهم الحق فى تلك المنازعات والخصومات ، يقول جل وعلا : ( أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ( النور 50 ).
8 ـ ويأتى وصف الكافرين المشركين عموما بالمرض القلبى أو قسوة القلب بحيث يخلو من مسام يدخل منها ضوء الهدى . وتأتى تلك القسوة فى القلب أو ذلك المرض فى القلب بسبب الايمان بالحديث الشيطانى المعروف الان بالسنة النبوية ،فلا يمكن أن يجتمع الايمان بالقرآن مع الايمان بتلك الأحاديث ، ولا يمكن الايمان بنقيضين ينفى أحدهما الاخر ، فتلك الأحاديث يلقيها الشيطان ليصادر أمنية النبى فى هداية الناس جميعا ، ويأذن الله تعالى بوجودها وكتابتها ونسخها فى نسخ وتدوينها فى كتب وطباعتها فتستمر فتنة واختبارا ، من يتبعها يكفر بالقرآن ويتبع سبيل الشيطان ، ويصاب قلبه بالمرض والضلال ، يقول جل وعلا عن الأحاديث الشيطانية ودورها فى تاريخ كل نبى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ثم يقول جل وعلا عن دورها فى فتنة وضلال الناس حين تجعلهم قاسية قلوبهم مريضة بالضلال والظلم والتفرق : ( لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ) ( الحج ـ 53 )
9 ـ ويقول جل وعلا عن ( سقر ) وهو اسم لجهنم : : (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ ) ويقول عن عدد الملائكة القائمين بها : ( عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ) ثم يقول عن هذا العدد : (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا )( المدثر 31 ). يهمنا هنا قوله جل وعلا : (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ ) فهنا عطف بيان بالواو ن يفيد أن الكافرين هم الذين فى قلوبهم مرض.
10 ـ ويأتى المرض القلبى بمعنى شهوة الزنا حين تسيطر على قلب إنسان فيطمع فى الزنا بكل إمرأة يراها أو يتكلم معها، يقول جل وعلا : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) ( الاحزاب 32 )
الشفاء المعنوى ( الهداية )
1 ـ القرآن الكريم هو وصفة الهداية الناجحة من المرض القلبى المعنوى او الضلال ، ولكن ليس كل الناس يرغبون فى هذا الدواء ، فمعظم الناس يصدّ عنه راغبا عنه وليس راغبا فيه ، ولذلك لا يستفيد منه إلا المؤمنون به ، أى فمع أنه شفاء لعموم الناس إلا إن المنتفعين بهذا الشفاء هم المؤمنون وحدهم ، إذ يكون القرآن الكريم لهم هدى للصدور ورحمة يوم القيامة . ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) (يونس 57 )
2 ـ بل أكثر من ذلك ، فبعض الذى يرفض الشفاء القرآنى يحاول التلاعب بآياته فيزداد بهذا التلاعب مرضا على مرض ، وخسارا على خسار ، وبالتالى يكون القرآن الكريم شفاء ورحمة للمؤمنين به ، وفى نفس الوقت يكون خسارا على الذين يحرفون معانيه ويلحدون فى آياته ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا )( الاسراء 82 ) أى إن القرآن شفاء للمؤمنين وعمى على من لا يؤمن به . هذا وهذا يقرؤه ، ولكن هذا يزداد به إيمانا وذاك يزداد به عمى وضلالا : يقول جل وعلا : ( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ) (فصلت 44 ).
ثانيا :
العمى
يأتى فى القرآن الكريم على حقيقته ويأتى مجازا .
: (العمى ) المادى بالاسلوب العلمى التقريرى يأتى فى التشريع وفى القصص.
فى التشريع القرآنى : بالاسلوب العلمى التقريرى دون مجاز ، وقد جاء على حقيقته بمعنى العمى المادى فى تشريع الأعذار ، فى :
1 ـ التفاعل الاجتماعى الذى لا حرج فيه على الأعمى والأعرج والمريض : (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) )( النور:61)
2ـ القتال : (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) الفتح:17)
2 ـ كما جاء أيضا فى القصص،فى سورة (عبس )حيث نقرأ عن أعمى ضرير لا يرى ويريد الهداية فعبس النبى فى وجهه :(أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى)عـبـس:2).
الاستعمال المجازى للعمى ومشتقاته .
هو الأكثرية ، ويأتى بمعنى الضلال وبالتناقض مع الهدى: كقوله جل وعلا :(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ) فصلت:17). ولأنها مواضع كثيرة فإننا نضع ملامحها فى الآتى :
1 ـ يأتى العمى بمعنى الضلال فى مقارنة بين الضال والمهتدى فالأعمى هو الضال والبصير هو المهتدى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ)(الأنعام:50)،( مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ)هود:24)، ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ)الرعــد:16)،(أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ِ)الرعــد:19) (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ)(فاطر 19 )،(وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ) غافر:58).( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج:46).
2 ـ ولأن العمى يأتى بمعنى الضلال والبصر يأتى بمعنى الهداية فإن أحكام الهداية ترد فى هذا السياق، بمعنى أن الانسان له حرية المشيئة والاختيار بين الهدى (البصر المجازى) وبين الضلال (العمى المجازى ) ، لو إختار الهداية زاده الله جل وعلا هدى ، ولو إختار الضلال زاده جل وعلا ضلالا بأن يدعه للشيطان يزيده ضلالا ويزين له سوء عمله فيراه حسنا . وحتى لو قرأ القرآن وهو متمسك بضلاله فسيزداد بالقرآن ضلالا لأنه سيحاول التلاعب بآيات القرآن ينتقى ما يشاء ويتجاهل ما يشاء و يحرف المعانى تبعا لهواه . نعرض لها فى سياق الاستعمال المجازى لمصطلح العمى بمعنى الضلال ، على النحو التالى :
2/ 1 : من يريد الضلال يضله الله : يقول جل وعلا عن المنافقين الذين اختاروا الضلال وتمسكوا به : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ ) ويقارن بينهم وبين من شاء الهداية فزاده الله جل وعلا هدى : ( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ ). ثم جاء استعمال العمى والصمم بمعنى الضلال فقال جل وعلا : (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)( محمد: 16 ، 17 ، 23).وقال جل وعلا عن اختيارهم الضلال والخداع والاستهزاء بالمؤمنين : (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (البقرة :15).ويقول جل وعلا:(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ)( النمل :4) ،إختاروا ألّا يؤمنوا باليوم الآخر وما يتطلبه الايمان بلقاء الله جل وعلا من إيمان خالص وعمل صالح ، ولأنهم بدءوا بالضلال فقد زيّن الله جل وعلا لهم أعمالهم فانطلقوا فى حياتهم ضالين ( يعمهون ) أى من العمى .
2/2 :معنى إضلال الله جل وعلا لهم أن يذرهم فى ضلالهم بلا هداية طالما يرفضون الهداية ،ويأتى هنا استعمال الفعل ( يعمه ) من العمى ، ويستعمل ليدل على الجمع وليس مجرد الفرد ، يقول ربنا سبحانه وتعالى :(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(الأنعام:110)،(مَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) (الأعراف:146).ويقول جل وعلا عن من لايؤمن بالآخرة :(فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(يونس:11). ولو رحمهم الله جل وعلا فلن يزدادوا ألا ضلالا وطغيانا :(وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)( المؤمنون :75). وهم بضلالهم يدخلون على القرآن الكريم يتلاعبون به ويجعلونه عضين ،أى يتحول هدى القرآن الى ضلال للمشركين (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) (فصلت:44). من هنا فإن المؤمن بالقرآن عليه أن يتدبره حين يقرأ وأن ينصت اليه بتفكر حين يسمع ، وأن يتوب ويتعظ حين يوعظ بالقرآن ، وإلا صار ممن يعمهون من الصم البكم العمى الذين لا يعقلون : (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً)( الفرقان :73).
فى الآخرة يتحول الضلال المعنوى الى نار حقيقية ويتحول العمى المعنوى الى ظلام وسواد ، وهذا ما نفهمه من قوله جل وعلا:(وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (الإسراء:72). (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ) ( طــه:124 : 127 ).