لماذا يعادي التيار الإسلامي السياسي المشروع الثقافي و السياسي للحركة الامازيغية الجزء الثاني ؟
أسباب التاسيس
كما هو معلوم فان المغرب هو بلد يدين معظم سكانه بالدين الإسلامي منذ ان اسلم الامازيغيين حسب الروايات التاريخية المختلفة من طبيعة الحال حيث استطاع هذا البلد الكريم ان يبني حضارته الامازيغية الإسلامية المستقلة استقلال تام عن ما يسمى بالخلافة الإسلامية بالمشرق العربي و عن تأثيراتها المختلفة طيلة قرون كثيرة حتى حدث الانقلاب العظيم سنة 1930 بتاسيس ما يسمى بالحركة الوطنية على أساس العروبة بمفهومها القديم مع رواسب الدولة الاموية المارقة للغاية بالنسبة الي على اقل و بمفهومها الحديث آنذاك أي القومية العربية و الإسلام كما شرحت في مقالي الاخير ..
لقد تم تنزيل هذا الانقلاب العظيم رسميا بعد سنة 1956 في اطار الدولة الوطنية الحديثة التي تركتها فرنسا باعتبارها دولة علمانية بالمفهوم الغربي أي الاحتكام الى القوانين الوضعية و الفصل بين الدولة و الدين و بالتالي فان السلطة العليا آنذاك قررت مسك العصا من الوسط أي الجمع بين التشريق كاصالة مطلقة في كل شيء تقريبا دون أي جذور او تاصيل في هذه الأرض المباركة.
و بين التغريب كانفتاح على أنظمة العصر و العلوم الإنسانية و اللغة الفرنسية باعتبارها كانت وقتها أي أواسط الخمسينات من القرن الماضي لغة العلم و المعرفة للتقدم الى الامام.
ان التغريب كان موجود وجود رسمي داخل الدولة المغربية منذ الأيام الأولى من الاستقلال من خلال تعطيل الشريعة الإسلامية و حدودها كما كانت تطبق في مدن المخزن المركزي المحدودة امام شاسعة تطبيق القوانين الوضعية الامازيغية في جل التراب الوطني .
ثم إحلال مكانها القوانين الوضعية الفرنسية حيث ان هذا المعطى لوحده ينسف اسطورة انتماء الحركة الوطنية الى المدرسة السلفية الجامدة بشكل نهائي و حاسم لان العقل السلفي قد رسخ في الوعي الجمعي الإسلامي لقرون عديدة ان تطبيق الشريعة الإسلامية و حدودها من صميم الدين الإسلامي حسب تاويل بعض الايات من القران الكريم الخ.
و من لم يطبق هذه الأمور الشرعية بالنسبة للعقل السلفي العتيق فانه فاسق او كافر الخ من هذه الاوصاف المفضلة لدى فقهاء الوهابية و صقور التيار الإسلامي السياسي داخل المشرق العربي منذ سقوط الخلافة العثمانية أوائل عشرينات القرن الماضي أي أولى تيارات الإسلام السياسي بالمشرق العربي كانت تكفر الديمقراطية بشموليتها باعتبارها كفرا بالله و بشريعته الصالحة لكل زمان و مكان و كانت تكفر الوطنية و الدستور الخ حيث لعل السعودية هي المثال الصارم طيلة اكثر من 80 سنة من تطبيق الشريعة الإسلامية و حدودها أي الغرق في اوحال الماضي البعيد ..
و بالتالي فان الحركة الوطنية ظلت تستعمل الميراث السلفي الجامد منذ تاسيسها سنة 1930 لاهانة الامازيغية و الامازيغيين فقط لا اقل و لا اكثر من خلال التشكيك في دينهم الإسلامي بوصفه بالسطحي أي انه حامل للشعوذة و عبادة القبور الخ من هذه الأشياء الموجودة فعلا الى حد الان في مجتمعنا رغم مرور اكتر من 80 سنة على تأسيس الحركة الوطنية بجلال قدرها داخل السلطة العليا طيلة عقود من الزمان او داخل حقلنا الديني الرسمي كذلك ...
بمعنى اخر ان الاتجاه السلفي الأسطوري لدى الحركة الوطنية لم يستعمل على الاطلاق في سبيل بناء الدولة الإسلامية الحقيقية بالمغرب حسب المنظور السلفي العام أي تطبيق الشريعة الإسلامية و حدودها و الغاء التحاكم الى أي قانون وضعي اجنبي بل استعمل هذا الاتجاه السلفي الأسطوري ضد أي ظهور للامازيغية كمشروع سياسي و تنويري مع بزوغ شمس الحرية و الاستقلال حسب رايي المتواضع بشكل حصري باعتبارها تعايشت مع كل تفاصيل الدولة الوطنية الحديثة كانها لا تنتمي الى المدرسة السلفية الجامدة أصلا .......
و في أوائل الستينات لقد سمح الراحل الحسن الثاني بدخول قيادات بارزة من جماعة الاخوان المسلمين الى المغرب بغية احداث ما تسمى عندنا بالدروس الحسنية الرمضانية التي تنظم في كل شهر رمضان مبارك بالقصر الملكي العامر بحضور الملك بصفته امير المؤمنين و الحامي للملة و الدين و أعضاء الحكومة الخ من الشخصيات المدنية و العسكرية .....
لقد أراد الراحل الحسن الثاني من خلال هذا الاجراء ان يرسخ التشريق الديني داخل الحقل الديني الرسمي بصفة خاصة و داخل فئات المجتمع المتعلمة بصفة عامة لان هذه الدروس هي باللغة العربية و تنقل عبر أمواج الإذاعة و شاشات التلفزة ......
و في أواسط سبعينات القرن الماضي ظهرت أولى تيارات الإسلام السياسي بالمغرب بشكل سري للغاية آنذاك حسب معلوماتي المتواضعة من تصريحات رموز هذا التيار المسمى بالاسلامي ببلادنا ..
لقد جاء نشوء هذا التيار بالمغرب نتيجة لعوامل عديدة منها أولا عدم تطبيق الشريعة الإسلامية و حدودها و التحاكم الى القوانين الوضعية الفرنسية الكافرة حسب المدرسة السلفية الجامدة.
ثانيا ما حدث في المشرق العربي من قبيل قمع نظام جمال عبد الناصر الشديد لجماعة الاخوان المسلمين خلال ستينات القرن الماضي عبر النهاية المؤسفة للراحل السيد قطب باعتباره منظر جاهلية القوانين الوضعية الخ من هذه الأفكار المتطرفة و المؤسسة للارضية الأيديولوجية لجل تيارات الإسلام السياسي الحالية على صعيد عالمنا الإسلامي او على صعيد الدول الغربية .
ثالثا هزيمة العرب في حرب 1967 امام إسرائيل الخ دون الدخول في التفاصيل المعلومة..
رابعا اعجاب بالنموذج السعودي الإسلامي في تطبيق الشريعة الإسلامية و حدودها حيث وجدت في تسعينات القرن الماضي ان التلفزة المغربية كانت تبث التسجيل الكامل لصلاة العيدان أي الفطر و الأضحى من المسجد الحرام بمكة المكرمة حيث كنت و مازلت الى حد الان استمتع بتكبيرات عيد الاضحىى من هناك بحكم موسم الحج القريب الى قلبي ...
عندما كبرت و تعرفت الى الأهداف الحقيقية للجاهلية الوهابية فلم اعد اسمع لخطاب هؤلاء الشيوخ سواء في السعودية او في بلادنا الغالية ....
و اشير هنا ان هذه العوامل هي من اجتهادي الشخصي حيث ان هذه التيارات المسماة بالاسلامية بالمغرب لم تنطلق من تاريخ المغرب و حضارته الامازيغية الإسلامية بصفة نهائية.
بل انطلقت من تاريخ الخلافة المسماة بالاسلامية في المشرق العربي و الاعجاب بالنموذج السعودي في التدين الصحراوي و البعيد كل البعد عن أي دين سماوي كان او عن اية حضارة إنسانية كانت من خلال احتقار المراة و احتقار التطور و التطوير باعتبارهما من سنن الخالق سبحانه و تعالى في هذا الكون الفسيح ..
ان هذه التيارات الإسلامية السياسية قد استفادت كثيرا من تغييب السلطة العليا للامازيغية بكل ابعادها منذ سنة 1956 الى سنة 2001 و تشجيعها للتشريق الديني و للوهابية و للعروبة بالقوة بغية بناء مرجعيتها الأيديولوجية و السياسية من المشرق العربي كمنطلق لكل شيء و كشرعية لكل شيء لان هذه الأخيرة لم تحاول منذ ظهورها منذ أواسط السبعينات الى سنة 2001 ان تخلق وعي إسلامي وطني للنهوض بالامازيغية كلغة إسلامية و كثقافة إسلامية من خلال التاريخ العريض و من خلال العادات و التقاليد و من انتشار المدارس العتيقة بشكل عظيم بمنطقة سوس العالمة كما سماها المرحوم سيدي المختار السوسي..
ان الدين الإسلامي لم يعطي الأفضلية للغة العربية من قريب او من بعيد حيث ان الله تعالى قد انزل القران الكريم باللغة العربية حجة على العرب باعتبارهم كانوا قوم الجاهلية و الكفر و التسلط سواء ما قبل الإسلام و ما بعده من خلال تجربة الدولة الاموية المارقة بالنسبة لي على اقل و فضائحها التي لم تفعل إسرائيل العشر منها منذ تاسيسها سنة 1948 الى الان حسب رايي المتواضع لان الدولة الاموية بعظيم سلطانها و بجلالة قدرها لدى تيارات الإسلام السياسي و لدى شيوخ الجاهلية الوهابية قد تجاوزت كل الخطوط الحمراء دينيا و أخلاقيا داخل الحجاز حيث يتواجد المسجد الحرام بمكة المكرمة و مدينة رسول الله المنورة و الشاهدة على ولادة مدنية الإسلام و عدله مع المؤمنين من المسلمين و اليهود و المسيحين .
و الشاهدة كذلك بعد نصف قرن من وفاة رسولنا الاكرم على فجور بني امية المسلمين في احقر صوره الرخيصة الا و هي استحلال فرج 1000 امراة شريفة من نساء الصحابة و قتل اسباط الرسول الاكرم و القائمة مازالت طويلة للغاية ...
اذن فان الإسلام لم يفضل اللغة العربية او الجنس العربي كما ذهب اليه الوطنيين في ثلاثينات القرن الماضي او الإسلاميين في بلادنا منذ أواسط سبعينات القرن الماضي الى الان بصريح العبارة .......
ان الحركة الثقافية الامازيغية قد عملت كما شرحت مطولا في مقالاتي المتواضعة منذ سنة 1967 الى سنة 2001 على احياء الامازيغية كلغة و كثقافة و كبعد ديني خارج شرعية الدولة المغربية وقتها عبر اصدار الكتب و الأبحاث و المقالات في الجرائد الحزبية الخ حول اللغة و الثقافة الامازيغيتان و حقوقهما في التعليم و في الاعلام و في الدستور فقط في ذلك السياق التاريخي أي لا مجال لطرح مطالب أخرى اكثر سياسية من قبيل العلمانية الاصيلة كما اسميها او من قبيل الفدرالية او الحكم الذاتي للجهات الخ ........
و رغم ذلك فالتيار الإسلامي السياسي منذ أواسط السبعينات الى سنة 2001 لم يقوم باية مبادرة تجاه الامازيغية ضمن اطارها الثقافي و اللغوي على الاطلاق باعتبار ان هذا التيار قد استفاد كثيرا من ضعف القضية الامازيغية وقتها على كافة المستويات و الأصعدة لينشر خطابه المتماهي مع خطابنا الديني الرسمي و المعتمد على العروبة و الإسلام و على اننا عرب مسلمين طيلة تاريخ المغرب الإسلامي و استقبل اجدادنا الفاتحين العرب بالزهور و بالثمر و الحليب الخ من أوهام بني الإسلام السياسي..............................
للحديث بقية
توقيع المهدي مالك