ماهية اهم معالم سياسة الدولة المغربية الجديدة اتجاه الشأن الامازيغي ؟
مقدمة متواضعة
بإعلان وفاة الراحل الحسن الثاني رحمه الله في يوم 23 يوليوز 1999 و جلوس الملك محمد السادس على عرش اسلافه الكرام قد شعر الشعب المغربي بكل اطيافه و تياراته الثقافية و السياسية و الأيديولوجية بامل عظيم بولادة عهد جديد في المغرب على كل الأصعدة و المستويات و هذا الامل العظيم يصعب تحقيقه و لو طيلة 50 سنة حسب تقديري المتواضع بحكم ميراث الماضي الثقيل سياسيا و دينيا و حقوقيا و مجاليا الخ من هذه الميادين....
لقد عاش المغرب طيلة الفترة الممتدة من سنة 1956 الى سنة 1999 على إيقاع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بشكل علاني و رسمي بسبب النموذج الأحادي للدولة المغربية طيلة هذه الفترة في اللغة و في الدين أي العروبة و الإسلام الى جانب تفاصيل الدولة الحديثة التي تركتها فرنسا بعد سنة 1956 في المغرب من قبيل القوانين الوضعية أي العلمانية الفرنسية و اللغة و الثقافة الفرنسيتان أي ان الدولة المغربية بعد سنة 1956 قامت بالجمع بين قيم المشرق العربي باعتبارها تمثل اصالة الحضارة المغربية في كل شيء بدون استثناء حسب منظور المخزن التقليدي...
و قيم الغرب المسيحي باعتبارها تدعو الى العلوم الإنسانية و الى العلمانية كمفهوم واسع يشمل على اصدار القوانين الوضعية التي ليست لها اية علاقة او صلة باي دين من الديانات السماوية بالضرورة..
و يشمل هذا المفهوم الواسع للعلمانية الفرنسية بالتحديد الى انشاء مؤسسات الدولة الحديثة من قبيل البرلمان و من قبيل تأسيس الأحزاب السياسية و من فبيل تنظيم الانتخابات المختلفة الخ من مظاهر تنظيم الحياة السياسية و المدنية في مجتمعنا المغربي منذ الاستقلال الشكلي الى الان بصريح العبارة.......
لكن يجب ان لا يفهم كلامي هذا على اساس انني ادافع عن العلمانية الفرنسية باي شكل من الاشكال باعتبارها اصبحت واقع معاش طيلة هذه الفترة الطويلة و برغبة قوية من طرف دولة الاستقلال بجلال قدرها بهدف مسايرة العصر و تحديث الدولة و المجتمع حسب حاجات السلطة العليا و ايديولوجيتها الرسمية أي العروبة و الإسلام على حساب امازيغية المغرب بصريح العبارة باعتبارها مشروع تحديثي للدولة و المجتمع و الإسلام برايي المتواضع منذ سنة 2013 الى الان بصفتي انتمي الى مجموعة الوفاء للبديل الامازيغي الهادفة الى تأسيس حزب بالمرجعية الامازيغية الإسلامية كما اسميها ............
اذن ان انتقال العرش من الراحل الحسن الثاني الى الملك محمد السادس في صيف سنة 1999 قد ساهم في فتح افاق جديدة و واسعة امام الحركة الثقافية الامازيغية لاجراء المفاوضات مع السلطة العليا حول مطالب الامازيغيين الثقافية و اللغوية كما تنص ادبيات هذه الحركة طيلة تسعينات القرن الماضي بما فيها الرسالة الموجهة الى الراحل الحسن الثاني سنة 1996 بمناسبة الإصلاحات الدستورية حيث طالبت هذه الأخيرة بترسيم اللغة الامازيغية كلغة رسمية للبلاد الى جانب اللغة العربية و طبعا لم يتحقق هذا المطلب نهائيا وقتها أي في سنة 1996 ..
ان الامازيغيين ليسوا ضد السلطة المركزية طيلة قرون من الزمان على الاطلاق مادامت هذه الأخيرة تحترم الطابع الوضعي و القانوني للقبائل الامازيغية الشاسعة على امتداد التراب الوطني .
لكن دولة الاستقلال قد ارتكبت أخطاء جسيمة في حق الامازيغية و الامازيغيين على مختلف الأصعدة و المستويات غير ان الامازيغيين طيلة نضالهم الثقافي و اللغوي من أوائل ستينات القرن الماضي الى حدود سنة 2001 لم يحاولوا قط التشكيك في الوحدة الوطنية او الترابية و التشكيك في شرعية النظام الملكي المتأصل في تاريخنا الطويل قبل الإسلام و بعده بخلاف تيار القومية العربية الذي فعل الافاعيل من التشكيك في الوحدة الوطنية و الترابية و التشكيك في شرعية النظام الملكي حيث لعل جبهة البوليساريو الانفصالية هي خير النموذج على ان مرجعية تيار القومية العربية هي مشرقية بالأساس أي حزب العبث الذي كان الحاكم المطلق في سوريا و في العراق طيلة عقود من الزمان دون تحقيق أية ديمقراطية حقيقية هناك و في ليبيا في ظل نظام القدافي القومي طيلة 42 عام بلياليها في القمع الشديد و الظالم الخ .
و نفس الشيء يقال عن تيار الإسلام السياسي ببلادنا خصوصا و بلدان المسلمين عموما حيث انها تنطلق من الفكرة المركزية و السرية في عقول الفاعلين الإسلاميين و فقهاء التطرف الديني الاعمى الا و هي ارجاع دولة الخلافة الإسلامية الى حيز الوجود أي تحطيم كل الدول الملكية و الجمهورية في عالمنا الإسلامي بما فيها السعودية و أفغانستان الان تحت نظام حركة الطالبان الإسلامي كما يسمى للأسف الشديد .....
اذن ان النضال الثقافي الامازيغي قد استغل بداية عهد الملك محمد السادس لطرح اول وثيقة للاعتراف بامازيغية المغرب في تاريخ المغرب المعاصر أي البيان الامازيغي الذي أصدره الأستاذ محمد شفيق الغني عن التعريف سواء عند السلطة العليا منذ سنة 1967 او عند الحركة الثقافية الامازيغية داخل المغرب و خارجه و قد صدر هذا البيان التاريخي في فاتح مارس 2000 حيث كان صاحب هذه السطور بكل التواضع غارق الى القاع في اوحال أيديولوجية التخلف القروي بعد سفر والدينه الكريمان الى الديار المقدسة لاداء مناسك الحج و كان بالكاد يعرف قراءة جرائد والده الناطقة باللغة العربية و قد اقرا خبر هذا البيان التاريخي في جريدة تمازيغت الفريدة من نوعها وقتها لكنه لم يفهم كثيرا أهمية هذا البيان الجليل الا بعد مرور سنوات عديدة من القراءة و من الكتابة...........
ان هذا البيان التاريخي قد شكل بالنسبة لي شهادة ميلاد للحركة الامازيغية ذات الأفق السياسي من خلال مطالب جديدة من قبيل تنمية المناطق المحافظة على امازيغيتها كما اسميها شخصيا و من قبيل إعادة كتابة تاريخ المغرب وفق الأسس العلمية الى جانب المطالب الثقافية و اللغوية المعروفة في ادبيات الحركة الثقافية الامازيغية فحدثت الحرب البردية بين الجناح الثقافي و الجناح السياسي داخل الحركة الامازيغية باختصار شديد بدون الدخول في التفاصيل لانني لا اعرفها بشكل دقيق حيث انني أخاف ان اخطئ في معلومة ما الخ.
و في نهاية المطاف لقد انتصر الجناح الثقافي الحامل لميثاق اكادير للحقوق الثقافية و اللغوية بامتياز باهر ثم دخلت هذه المرجعية الثقافية و اللغوية الى خطاب الدولة الرسمي ابتداء من خطاب العرش ليوم 30 يوليوز 2001 الذي امر بانشاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية و اعتبر ان النهوض بالامازيغية كلغة و كثقافة يدخل في اطار المشروع الديمقراطي الحداثي حيث ان هذا الكلام هو بالغ الأهمية و القوة الرمزية آنذاك أي بدايات عهد الملك محمد السادس......
لقد انتقل الملك محمد السادس يوم 17 أكتوبر 2001 الى قرية اجدير في قلب جبال الاطلس المتوسط ليعلن من هناك امام رجال الدولة و النخبة الدينية الرسمية عن ميلاد الامازيغية كشرعية ثقافية و كشرعية لغوية عبر خطاب ملكي تاريخي اعترف بان الامازيغية هي مكون أساسي للثقافة المغربية و حاضر في كل ملامح الحضارة المغربية و انها اي الامازيغية أصبحت مسؤولية وطنية لجميع المغاربة ثم وضع طابعه الشريف على الظهير المنظم للمعهد الملكي للثقافة الامازيغية .........
الى صلب الموضوع
اذن لقد تم بناء سياسة الدولة الجديدة تجاه الشأن الامازيغي على ضوء ميثاق اكادير للحقوق الثقافية و اللغوية للامازيغية و انتهى الكلام عند هذه الحدود القصوى...
انني صراحة لا أحاول النيل من قيمة عمل المعهد الملكي للثقافة الامازيغية العظيم و الجبار في حقول ادماج الامازيغية في التعليم و في الاعلام و في البحث العلمي طيلة سنوات طويلة بلياليها باي شكل من اشكال لان الدولة المغربية لم تفعل أي شيء واقعي لصالح الامازيغية كلغة و كثقافة منذ سنة 1956 الى سنة 2001 و لا تيارات الإسلام السياسي بدون ادنى شك ..
و بالتالي فان الامازيغية آنذاك أي سنة 2001 كانت في الحاجة البالغة الى وجود مؤسسة ملكية استشارية و اكاديمية مثل المعهد الملكي للثقافة الامازيغية لتقوم بدور فعال في رسم سياسات ادماج الامازيغية الأولية كلغة و كثقافة فقط في التعليم أي المدرسة المغربية من خلال ترسيم حرف تيفيناغ و من خلال اعداد أولى الكتب المدرسية لتدريس اللغة الامازيغية داخل المدرسة المغربية في تاريخ المغرب المعاصر الخ بالتعاون مع وزارة التربية الوطنية من طبيعة الحال ..
و في مجال الاعلام السمعي البصري من خلال تاهيل الإذاعة الامازيغية لكي تتناسب مع السياق الجديد مثل زيادة عدد ساعات بثها من 12 ساعة منذ سنة 1974 الى 16 ساعة في نونبر 2005 و تطوير برامجها المختلفة الخ و على مستوى القنوات التلفزيونية الوطنية و المتوفرة آنذاك قام المعهد الملكي للثقافة الامازيغية بالتعاون مع وزارة الاتصال بانتاج البرامج التلفزيونية التي تعرف بمظاهر الثقافة الامازيغية باللغة العربية مثل برنامج تيفاوين على القناة الأولى الرسمية الخ من هذه الإجراءات الكثيرة بهذا السياق ......
لكن ميراث الماضي الثقيل يضع العراقيل تلو العراقيل امام عمل المعهد كمؤسسة استشارية و اكاديمية معينة من طرف ملك البلاد بجلال قدره و عظيم سلطانه مع وزارة التربية الوطنية و مع وزارة الاتصال على الخصوص في تلك المرحلة بحكم وجود جيوب المقاومة داخل الإدارة المغربية و داخل الأحزاب السياسية و داخل حقلنا الديني الرسمي ضد أي اهتمام بالامازيغية كلغة و كثقافة فقط في التعليم و في الاعلام بحكم ان هذه الجيوب تخاف على مصالحها السياسية او الأيديولوجية او الاقتصادية سواء مع المشرق العربي او مع الغرب المسيحي بصريح العبارة منذ سنة 1956 ......
انني ككاتب معاق بكل التواضع بدات الكتابة و النشر في الانترنت منذ أكتوبر 2005 بالتوفيق من الله و دعم الوالدين الكريمان الخ حيث وجدت وقتها أيديولوجية الظهير البربري تستحضر بشموليتها في القناة الأولى في ذكرى وفاة الملك محمد الخامس في عشر رمضان باحتقار شديد لاجدادنا الامازيغيين المسلمين و لقوانينهم الوضعية .
و وجدت وقتها في قنواتنا التلفزيونية تغييب مقصود لبعدنا الديني الضخم لدى الامازيغيين كما كنت اسميه في أولى مقالاتي المتواضعة آنذاك ..
و مع مرور السنوات قد وصلت في سنة 2012 الى فكرة مفادها ان القضية الامازيغية هي أصلا قضية سياسية بالأساس منذ سنة 1956 بدون ادنى شك لكن في اطار الاحترام التام للملكية الاصيلة في تاريخنا الغابر و للوحدة الوطنية و الترابية و الإسلام الأصيل في تاريخنا الحضاري و الاجتماعي و ليس اسلام المخزن التقليدي او اسلام الوهابية التخريبي للعقول و للحضارات الإنسانية عموما و للحضارات الإسلامية خصوصا............
توقيع المهدي مالك العضو المؤسس لمجموعة الوفاء للبديل الامازيغي بالافكار