الفصل الخامس : المعروف والشريعة الاسلامية
كتاب الشريعة الاسلامية . القسم الأول : الشريعة والاجتهاد .الباب الثالث : الاجتهاد الاسلامى فى الشريعة
الفصل الخامس : المعروف والشريعة الاسلامية
أولا :
1 ـ (المعروف) قيمة أخلاقية إنسانية عالمية ، هى بقية الفظرة التى فطر الله جل وعلا الناس عليها، ومهما تكاثفت على النفس عوامل التعرية اللاأخلاقية فإن القيمة الأخلاقية للمعروف تظل متقدة في باطن الشعور، يراها الأب المدخن حين ينهى ابنه عن التدخين لأن التدخين (منكر) وغير( معروف)، ومهما شاعت الرذيلة في قوم فإن الضمير الأخلاقي لديهم لا يزال يعتبر الزنا رذيلة.
2 ـ هذا الحس الأخلاقي المتوارث فينا والذي فطرنا الله عليه أمر به القرآن الكريم فأصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عبارات القرآن المأثورة.
ثانيا :
لذلك فإن المعروف من الكلمات القرآنية الشائعة ، ومنها الموضوعات التالية :
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر : قال جل وعلا :
1 ـ فى التناجى بين الناس : ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114) النساء )
2 ـ عن البشارة بالنبى محمد فى التوراة والانجيل : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (157) الاعراف )
3 ـ فى صفات المؤمنين بالقرآن الكريم والمجتمع والدولة الاسلامية :( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (104) آل عمران )، ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) (110) آل عمران ).( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (112) التوبة )، ( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ ) (41) الحج ).
4 ـ فى الفرق بين المؤمنين والمنافقين فى المدينة فى دولة الاسلام حيث حرية الدين والدعوة : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (67) التوبة )
( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) التوبة )
5 ـ ( قول ) المعروف . قال جل وعلا :
5 / 1 : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) النساء )
5 / 2 : ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) النساء )
5 / 3 : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) الاحزاب )
ثالثا :
مستويان للمعروف
والمعروف له مستويان :
3 / 1 : الثابت : وهو ما (يتعارف الناس ) على أنه عدل وقسط .
3 / 2 : المتغير وفق ظروف الزمان. وهذا عند التطبيق على مستوى الدولة ومستوى الفرد . ومثلا ، فإذا كان العرب في عصر نزول القرآن الكريم قد (تعارفوا ) على أن دية القتيل ألف بعير فإن ذلك (المعروف) لديهم لا يصبح بالضرورة تقليداً لدينا إذ يمكننا أن نقدر الدية بعشرات الألوف من الجنيهات المصرية.. وإذا كان (معروفاً) في العصور الوسطى أن تقدر نفقة الزوجة في العدة بالويبة والصاع فإن المكيال المتعارف عليه في عصرنا هو الكيلو.. وفي كل الأحوال ذلك المعروف الفرعي يخضع للقيمة الأخلاقية الكبرى للمعروف الذي يتعارف عليه الناس في كل عصر على أنه الأفضل والأحسن .
3 ـ وسبقت الإشارة الى محدودية الآيات التشريعية فى القرآن الكريم بما يعنى ترك مساحات واسعة للتقنين ، وهنا يكون للمعروف دوره ، بما يعطى حرية الحركة للتطور الإنساني ، وتأكيد صلاحية الشريعة الاسلامية لكل زمان ومكان .
رابعا :
مجالات المعروف فى الشريعة الاسلامية
في الزواج والأحوال الشخصية:
1 ـ الزواج (عرف) تعارف عليه بنو آدم ولا يزال الصيغة الشرعية التى يباركها دين الله مهما اختلفت الظروف الزمانية والمكانية ومهما اختلفت الصيغ والتقاليد. ومن الفقهاء من نظر للإسلام وتراث المسلمين على أنه الذى يقنن كل التشريعات والذي يلغى كل تشريعات الجاهلية، وأولئك لم يسألوا انفسهم هل كان زواج محمد بن عبد الله من خديجة قبل الوحى زواجاً صحيحاً أم باطلاً ؟، لقد تزوج محمد قبل أن يكون رسولاً بخديجة زواجاً صحيحاً شرعياً وكذلك فعل أبوه وأهله وفقا للعرف أو المعروف السائد فيما اصطلح على تسميته بالجاهلية.
2 ـ وفى تفصيلات القرآن الكريم التشريعية نلاحظ :
وصف الزواج بالمعروف فى تشريعات الأرملة وحقها فى الزواج :
1 ـ ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (234) البقرة )
2 ـ ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ ) (240) البقرة )
فى تفصيلات الأحوال الشخصية
خطبة النساء ( وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) (235) البقرة ). تطبيق هذا أمر شخصى ،والله جل وعلا هو الرقيب عليه .
نكاح ملك اليمين ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ )(25) النساء ). الأجر أى الصداق والمهر ،ويكون بالمعروف المتعارف عليه وقتها .
حقوق الزوجة : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) (228) البقرة ).
معاشرة الزوجة
( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء ).التطبيق هنا بيد الزوج ، لذا يأتى وعظه بالخير الكثير لو عاشر بالمعروف زوجة يكرهها
حقوق الزوجة المطلقة فى فترة العدة :
1 ـ ( وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا ) 231 ) البقرة ).الاحتفاظ بالزوجة لإضرارها جريمة .
2 ـ ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (2) الطلاق ). تعيين الشهود وظيفة القاضى .
متعة المطلقة بعد فراقها بيت الزوجية ، ويقررها القاضى بالمعروف المتعارف عليه
( لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) البقرة )
( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) البقرة )
حق المطلقة فى الزواج بعد إنتهاء عدتها والفراق والتسريح
( وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) 232 ) البقرة ).تحريم ( عضل المرأة ) أى منعها من الزواج بعد طلاقها البائن . والتراضى هو أساس عقد الزواج ،وهوبالمعروف .
فى الرضاعة
( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) (233) البقرة ) . الزوج ( السابق أو الحالى أو من ينوب عنه ) عليه تكلفة الرضاعة .وهذه التكلفة يحددها القاضى على أساس دخل الزوج .وفصال الرضيع وفطامه يكون بالتراضى والتشاور. وإستئجار مرضعةلا بأس به .وذلك برعاية القاضى المختص وفق المعروف . ونتدبر كلمة : (رزقهن)، فلا تحديد هنا لمقدار المبلغ و مقدار الحبوب أو نوعية العملة المتداولة من دينار أو دولار، وإنما قال بإيجاز وإعجاز "وعلى المولود له رزقهن" ليشمل كافة شئون المعيشة، وقوانين المجتمع تحدد حد الكفاية ومهمة القاضى تحديد وضع الزوجة ومدى احتياجها.
( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) الطلاق ). هنا تفصيلات أكثر توضح دور الدولة ، فالقاضى المختص يعقد مجلسا للتشاور فى تطبيق المعروف المتعارف عليه حسب ظروف المُطالب بدفع التكاليف .
في الحقوق المالية:
الوصية للورثة : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) البقرة ). أى أن الوصية مفروضة ومكتوبة على كل مسلم حضرته الوفاة، فعليه أن يوصى للأحياء من الوالدين والأقربين وفقاً للمتعارف عليه بحيث لا يضيع حق الورثة . وهذا فى ضوء مراقبة الدولة ، وهذا ما تشير اليه الآيتان التاليتان : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181) فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) البقرة)
دية القتيل : هنا دور الدولة فى التحديد وفى التنفيذ . قال جل وعلا يخاطب مجتمع المؤمنين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ) (178) البقرة ) . تقدير الدية يكون بالمتعارف عليه في الكم والكيف مع تأديتها بإحسان، والمفروض أن قوانين المجتمع الجنائية هى التى تنظم ذلك.
حقوق اليتيم الوارث . الدولة هى التى تعين الوصى على ماله الى أن يبلغ الرشد ، وهى التى تعقد له إختبارا تتأكّد فيه من رشده ، وهى التى تحاسب الوصى . كل ذلك بالمعروف. قال جل وعلا : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) النساء )
معاملة الوالديين : قال جل وعلا : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ) (15) لقمان ). التطبيق هنا مسئولية شخصية ، لا دخل للدولة فيها .
فى بيعة النساء للنبى محمد عليه السلام . قال له ربه جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) الممتحنة ). نلاحظ :
1 ـ دخول الدولة الاسلامية يكون بعقد ومبايعة ، والتنفيذ مسئولية شخصية .
2 ـ الخطاب جاء ل ( النبى ) وهو شخص محمد عليه السلام فى حياته وتعاملاته ، ولم يأت بصفة ( الرسول ) الذى تكون طاعته مرتبطة بطاعة الله جل وعلا . لذا فإن طاعة النبى هنا ليست مطلقة ، بل فى حدود المعروف ( وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ).
3 ـ هذا يؤكد على حقيقيتين :
3 / 1 : لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق جل وعلا .
3 / 2 : المعروف الاسلامى ضمن الشرع الاسلامى .
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )