وهل حمل الانسان حقا، تلك الأمانة التي وافق على حملها ؟
********
شكرا للأستاذ إبراهيم دادي، المتميز بأسئلته وتساؤلاته "المستفزة " الملفتة المنبهة، أما عن تلك الآية التي وقفت عندها فهي: ( لوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(21).الحشر. وإن عبارة (لعلهم يتفكرون، في آخر الآية) هي التي جعلتني أحاول التأمل والتفكر في تلك الاية العظيمة، ومنها انتقلت إلى موضوع " الأمانة " وما أدراك ما الأمانة؟، تلك الأمانة التي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها، معلنات عجزهن الكبير أمام ذلك العرض العظيم من ذلك العارض العظيم سبحانه وتعالى. نعم أبين أن يحملنها، فالظاهر لأنهن عرفن مداها وثقلها ونوعيتها وعواقبها حتى، أما عن الظاهر الآخر الكبير فهو يتمثل في ذلك الإنسان الذي انبعث وقال : أنا لها، أنا مستعد أن أحملها، والظاهر كذلك أنه قال ذلك عن علم بها وبثقلها !?
( إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا)- سورة الأحزاب - .
فهنا يتبادر التساؤل التالي:
01)- فالانسان هنا، إما يكون قد زجّ بنفسه في مغامرة لا قبل له بها، وهو مجرد عن الأسباب ؟ لجهله المطبق على ما هو مقدم عليه (ظلوما جهولا)، لأنه وافق وتطاول إلى تحمل مسؤولية لم يوفق فيها في الأخير؟
02)- أو إن الانسان هنا يكون مطلعا فعلا وحقا وعارفا نوعية وماهية الأمانة التي كلف نفسه بحملها عاقدا النية والعزم على أن يلقي في سبيل ذلك بكل ثقله وبكل ما أوتي من إخلاص وتفاق وجهد ؟
03)- وعليه، فمن هو يا ترى هذا الانسان ؟ وما هي يا ترى هذه النوعية ؟
04)- إذن، ألا يكون البطل القويّ هو ذلك الانسان الذي عرف قيمة الأمانة، ومع ذلك قال وبكل شجاعة أنا لها، أنا لها ، فحملها ووُفّق في حملها أيما توفيق ؟ وإبراهيم ، ذلك الذي اتخذه الله خليلا، ألا يكون هو البطل، بل بطل الأبطال في الأمر؟ ألا يحق لنا أن نفتح الباب لما يتبادر إلى الذهن، من أنه، ولأمر ما، أراد الله تعالى أن يمُنّ علينا بنصيحة وهدية وهداية ثمينة ؟ عندما قال لنا في سورة :
*)- (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ..) النحل(123.)
*)- (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. الأنعام 161.
*)-(وَمَنۡ أَحۡسَنُ دِينٗا مِّمَّنۡ أَسۡلَمَ وَجۡهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبۡرَٰهِيمَ خَلِيلٗا .
*)- (وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ). سورة يوسف (38).
*)- وهذه الأمانة ؟ ألا يمكن أن تكون هي القرآن؟ الرسالة العظمى المرسلة إلى الناس كافة، عبر عبد الله ورسوله؟
*)- وأهل القرآن ؟ ألا يكون لسان حالهم هو تطلعهم إلى استقبال واعتناق ذلك الفضل العظيم ؟ فضل الله على ملة آباء يوسف : إبراهيم، وإسحق، ويعقوب،؟ وعلى الناس؟
*)- وأهل القرآن ؟ ألا يحق لهم أن يصرحوا ويكرروا اعتقادهم ؟ وأنهم واثقون ومطمئنون أن عبد الله ورسوله قد استجاب لله تعالى في تعليمته العظيمة في سورة النحل رقم 123، وأنه اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ؟. وأن الانسان الظلوم الجهول هو ذلك الذي أصيب بغرور ممقوت فحسب أنه فعلا حامل الأمانة، لكنه سيفاجأ لاحقا يوم لا ينفع الندم أن ظلمه وجهله يكمنان في ما أشرك به الرسالة المنزلة الخاتمة المهيمنة ؟ وأن مفاجأته ستكون من النوع الثقيل الذي لا ينفع فيه يومئذ أي اعتذار، لأن ذلك سيكون في ذلك اليوم المصيري الذي سيشهد فيه الرسول شهادته تلك المذهلة حقا ، يوم يقول : يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا.
*)- أما عن هذه التأملات فكم هي مفتقرة إلى إثراء من طرف القراء الكرام !? .
************