الإجبار فى الإسلام

رضا البطاوى البطاوى في الخميس ١٩ - ديسمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

الإجبار فى الإسلام
الإجبار فى المعنى العام هو إكراه الناس على طاعة المجبر فيما يريد وقد بين الله لنبيه الخاتم(ص) أنه ليس على الناس بجبار والمقصود :
أنه لا يكرههم على الإسلام
وفى هذا قال تعالى :
" وما أنت عليهم بجبار "
ولذا نفى الله أن يكون هناك إكراه فى الإسلام فقال :
" لا إكراه فى الدين "
وقد قسم الفقهاء الإجبار إلى مشروع ومحرم والحقيقة أن من يقولون عليه إجبار ليس إجبارا وإنما معظمه أحكام أوجبها الله على المسلمين
اللفظ ومعناه أساسا منافى للمبدأ :
" لا إكراه فى الدين "
ومكانه فى الإسلام أن الإنسان إذا اختار الإسلام دينا بإرادته فليس خيرة فى طاعة غير الله كما قال تعالى :
" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ"
فهو إذا إجبار من نفس الإنسان لنفسه وليس إجبار من أخرين بدليل أن المسلمون يرتكبون ذنوب أى مخالفات لإسلامهم ويتوبون منها إما بتطبيق العقوبات أو الكفارات
ومن ثم لا يطلق على ما يقوم به الآخرين إجبار للمسلم وإنما اقامة لأحكام الله التى ارتضاها المذنب من قبل
تحدثت الموسوعة الفقهية الكويتية عن الإجبارات المشروعة فقالت :
"صفة الإجبارحكمه التكليفي:
5 - الإجبار إما أن يكون مشروعا، كإجبار القاضي المدين المماطل على الوفاء، أو غير مشروع،كإجبار ظالم شخصا على بيع ملكه من غير مقتض شرعي."
وتحدثت عمن له حق الإجبار والمراد تنفيذ الأحكام على الغير فقالت :
"من له حق الإجبار:
6 - قد يكون الإجبار من الشارع دون أن يكون لأحد من الأفراد إرادة فيه كالميراث، وقد يثبت الإجبار من الشارع لأحد الأفراد على آخر بسبب يخول له هذه السلطة، كالقاضي وولي الأمر، منعا للظلم ومراعاة للصالح العام. وسنعرض لكثير من صور هذه الحالات "
وتحدثن عن الاجبار بحكم الشرع فقالت :
"الإجبار بحكم الشرع:
7 - يثبت الإجبار بحكم الشرع ويلتزم الأفراد بالتنفيذ ديانة وقضاء كما في أحكام الإرث التي هي فريضة من الله أوصى بها، ويلتزم كل وارث بها جبرا عنه ويثبت ملك الوارث في تركة مورثه وإن لم يشأ كل منهما.
وكذلك ما يفرض من العشور والخراج والجزية والزكاة فإن من منعها بخلا أو تهاونا تؤخذ منه جبرا ومن عجز عن الإنفاق على بهائمه أجبر على بيعها أو إجارتها أو ذبح المأكول منها، فإن أبى فعل الحاكم الأصلح؛ لأن من ملك حيوانا وجبت عليه مؤنته. ويرد الجبر أيضا في الإنفاق على الزوجة والوالدين والأولاد والأقارب على تفصيل وخلاف يذكر في موضعه.
كما قالوا: إن الأم تجبر على إرضاع ولده وحضانته إن تعينت لذلك واقتضته مصلحة الصغير، كما يجبر الأب على أجر الحضانة والرضاعة وليس له إجبارها على الرضاع إذا لم تتعين، أو الفطام من غير حاجة، واستظهر ابن عابدين أن له أن يجبرها على الفطام بعد حولين. "
بالطبع رضاعة المطلقة ليس جبرا وإنما برضاها لأن الله بين أنها إذا رفضت فيجب ايجاد مرضعة أخرى كما قال تعالى :
"وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى"
كما أن المضطر قد يجبر بحكم الشرع على أن يتناول طعاما أو شرابا محظورا ليزيل به غصة أو يدفع مخمصة كي لا يلقي بنفسه في التهلكة. ففي هذه الصور مصدر الإجبار فيها: الشرع مباشرة، وما ولي الأمر إلا منفذ فيما يحتاج إلى تدخله دون أن يكون له خيار."
بالطبع المسلم مجبر من نفسه على طاعة كل الأحكام من نفسه ولكن بعض الحكام تتطلب الغير لتنفيذ حكم الله فيه كجلد الزانى وقطع السارق
وتحدث الموسوعة عن إجبار ولى الأمر فقالت :
الإجبار من ولي الأمر:
8 - قد يكون الإجبار حقا لولي الأمر بتخويل من الشارع دفعا لظلم أو تحقيقا لمصلحة عامة. ومن ذلك ما قالوه من جبر المدين المماطل على دفع ما عليه من دين للغير ولو بالضرب مرة بعد أخرى والسجن، وإلا باع عليه القاضي جبرا كما قال جمهور الفقهاء خلافا للإمام أبي حنيفة الذي رأى جبره بالضرب والحبس حتى يقضي دينه دون بيع ماله جبرا عنه.
كما قالوا: إذا امتنع أرباب الحرف الضرورية للناس، ولم يوجد غيرهم، أجبرهم ولي الأمر استحسانا .
9 - كما أن لولي الأمر أيضا أن يجبر صاحب الماء على بيع ما يفيض عن حاجته لمن به عطش أو فقد مورد مائه كما أثبتوا للغير حق الشفة في مياه القنوات الخاصة والعيون الخاصة، ومن حق الناس أن يطالبوا مالك المجرى أو النبع أن يخرج لهم الماء ليستوفوا حقهم منه أو يمكنهم من الوصول إليه لذلك، وإلا أجبره الحاكم إذا تعين هذا الماء لدفع حاجتهم.
ذكر الكاساني: أن قوما وردوا ماء فسألوه أهله فمنعوهم فذكروا ذلك لعمر بن الخطاب وقالوا: إن أعناقنا وأعناق مطايانا كادت تتقطع من العطش، فقال لهم عمر: هلا وضعتم فيهم السلاح ؟
10 - ولما كان الاحتكار محظورا لما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من احتكر فهو خاطئ، فإن فقهاء المذاهب قالوا بأن ولي الأمر يأمر المحتكرين بالبيع بسعر وقته، فإن لم يفعلوا أجبروا على ذلك عند ضرورة الناس إليه، غير أن ابن جزي ذكر أن في الجبر خلافا.
ونقل الكاساني عن الحنفية خلافا أيضا، لكن نقل المرغيناني وغيره قولا اتفاقيا في المذهب - هو الصحيح - أن الإمام يبيع على المحتكر جبرا عنه إذا لم يستجب لأمره بالبيع. كما نص الفقهاء على أن السلطان إذا أراد تولية أحد أحصى ما بيده فما وجده بعد ذلك زائدا على ما كان عنده وما كان يرزق به من بيت مال المسلمين وإنما أخذه بجاه الولاية، أخذه منه جبرا وقد فعل ذلك عمر رضي الله عنه مع عماله لما أشكل عليه ما اكتسبوه في مدة القضاء والإمارة، فقد شاطر أبا هريرة وأبا موسى مع علو مراتبهما .
11 - ويدخل في الإجبار من قبل ولي الأمر منع عمر كبار الصحابة من تزوج الكتابيات، فقد منعهم وقال: أنا لا أحرمه ولكني أخشى الإعراض عن الزواج بالمسلمات، وفرق بين كل من طلحة وحذيفة وزوجتيهما الكتابيتين "
قطعا ولى الأمر ليس سوى منفذ لأحكام الله وهو لا يجبر أحد إلا بنص من كتاب الله وما ذكرته الموسوعة من أمثلة يجب الحديث عن خطئه فمثلا :
المستدين القادر على السداد لا يسجن أو يضرب وإنما تقطع يده لاعتباره سارق لمال غيره ويؤخذ منه مال الغير ويعطى لصاحبه بالقضاء
وأن أن الكتابيات غير محرمات على المسلمين فهو مخالف لكتاب الله بقوله تعالى :
" ولا تمسكوا بعصم الكوافر "

فزواج الكتابيات كان فى بدايات الإسلام حيث لم تكن هناك مسلمات إلا قليلا ومن ثم كانت حالة اضطرارية لعدم زنى المسلمين ولما كثرت المسلمات أبطل الله هذا الحكم
وتحدثت الموسوعة عن لإجبار الأفراد فقالت :
الإجبار من الأفراد
12 - خول الشارع بعض الأفراد في حالات خاصة سلطة إجبار الغير، كما في الشفعة فقد أثبت الشارع للشفيع حق تملك ال**** المبيع بما قام على المشتري من ثمن ومؤنة جبرا عنه. وهو حق اختياري للشفيع.
13 - كما خول الشارع للمطلق طلاقا رجعيا حق مراجعة مطلقته ولو جبرا عنها ما دامت في العدة، إذ الرجعة لا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضا المرأة.
وهذا الحق ثبت للرجل من الشارع في مدة العدة دون نص عليه عند التعاقد أو اشتراطه عند الطلاق، حتى إنه لا يملك إسقاط حقه فيه، على ما بينه الفقهاء عند الكلام عن الرجعة.
كما أعطى الشارع الأب ومن في حكمه كوكيله ووصيه حق ولاية الإجبار في النكاح على خلاف وتفصيل يرجع إليه في موطنه عند الكلام عن الولاية في النكاح
14 - وفي إجبار الأم على الحضانة إذا لم تتعين لها تفصيل بين الفقهاء فمن رأى أن الحضانة حق للحاضنة قال: إنها لا تجبر عليها إذا ما أسقطت حقها لأن صاحب الحق لا يجبر على استيفاء حقه. ومن قال: إنها حق للمحضون نفسه، قال: إن للقاضي أنيجبر الحاضنة، على ما هو مبين تفصيلا عند كلام الفقهاء عن الحضانة
ومن هذا ما قالوه من أن المفوضة - وهي التي عقد نكاحها من غير أن يبين لها مهر - لو طالبت قبل الدخول بأن يفرض لها مهر أجبر على ذلك. قال ابن قدامة: وبهذا قال الشافعي، ولا نعلم فيه مخالفا
15 - وقال غير الحنفية - وهو قول زفر من الحنفية - إن للزوج إجبار زوجته على الغسل من الحيض والنفاس، مسلمة كانت أو ذمية، حرة كانت أو مملوكة؛ لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له، فملك إجبارها على إزالة ما يمنع حقه، وله إجبار زوجته المسلمة البالغة على الغسل من الجنابة، وأما الذمية ففي رواية عند كل من الشافعية والحنابلة له إجبارها. وفي الرواية الثانية عندهما ليس له إجبارها لأن الاستمتاع لا يتوقف عليه، وهو قول مالك والثوري .
16 - كما قالوا بالنسبة للأعيان المشتركة إذا كانت من جنس واحد وطلب أحد الشريكين القسمة. فقد نص الحنفية على أن القاضي يجبر عليها؛ لأن القسمة لا تخلو عن معنى المبادلة؛ والمبادلة مما يجري فيه الجبر كما في قضاء الدين، فإن المدين يجبر على القضاء مع أن الديون تقضى بأمثالها، فصار ما يؤدي بدلا عما في ذمته. وهذا جبر في المبادلة قصدا وقد جاز، فلأن يجوز بلا قصد إليه أولى. وإن كانت الأعيان المشتركة من أجناس مختلفة كالإبل والبقر والغنم لا يجبر القاضي الممتنع على قسمتها لتعذر المبادلة، ولو تراضوا عليها جاز. وتفصيل ذلك في الشركة والقسمة.
17 - وينص الشافعية على أن ما لا ضرر في قسمته كالبستان والدار الكبيرة والدكان الواسعة، والمكيل والموزون من جنس واحد ونحوها، إذا طلب الشريك قسمته أجبر الآخر عليها. والضرر المانع من قسمة الإجبار نقص قيمة المقسوم بها، وقيل: عدم النفع به مقسوما. وإن تضرر أحد الشريكين وحده وطلب المتضرر القسمة أجبر الآخر، وإلا فلا إجبار. وقيل: أيهما طلب لم يجبر الآخر. وتفصيل ذلك في القسمة والشركة.
18 - كما نص الفقهاء فيمن له حق السفل مع من له حق العلو أنه لا يجبر ذو السفل على البناء؛ لأن حق ذي العلو فائت إذ حقه قرار العلو على السفل القائم. ويقول ابن قدامة: إذا كان السفل لرجل والعلو لآخر فانهدم السقف الذي بينهما فطلب أحدهما المباناة من الآخر فامتنع، فعلى روايتين كالحائط بين البيتين. وللشافعي قولان كالروايتين. وإن انهدمت حيطان السفل فطالبه صاحب العلو بإعادتها فعلى روايتين: يجبر، وهو قول مالك وأبي ثور، وأحد قولي الشافعي، وعلى هذه الرواية يجبر على البناء وحده لأنه ملكه خاصة.
والرواية الثانية: لا يجبر، وهو قول أبي حنيفة، وإن أراد صاحب العلو بناءه لم يمنعه من ذلك على الروايتين.
وإن طالب صاحب السفل بالبناء وأبى صاحب العلو ففيه روايتان:
الأولى: لا يجبر على بنائه ولا مساعدته وهو قول الشافعي،
والثانية: يجبر على مساعدته لأنه حائط يشتركان في الانتفاع به. وتفصيله في حق التعلي ضمن حقوق الارتفاق.
19 - وقالوا في الحائط المشترك: لو انهدم وعرصته عريضة فطلب أحدهما بناءه، يجبر الآخر على الصحيح في مذاهب الأئمة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة؛ لأن في ترك بنائه إضرارا فيجبر عليه كما يجبر على القسمة إذا طلبها أحدهما وعلى النقض إذا خيف سقوطه. وغير الصحيح في المذاهب أنه لا يجبر لأنه ملك لا حرمة له في نفسه فلم يجبر مالكه على الإنفاق عليه كما لو انفرد به، ولأنه بناء حائط فلم يجبر عليه كالابتداء. ونص الحنفية أيضا على أنه إذا كان مكان الحائط المشترك يحتمل القسمة ويتمكن كل واحد من بناء سد في نصيبه لم يجبر، وإلا أجبر"
وألأمثلة التى ذكرها الفقهاء معظمها مخالف لكتاب فلا وجود لما يسمى حق الشفعة فى البيوت ولا فى الأرض الزراعية ولا غيرها لأن البيوت والأرض وغيرها لا تباع ولا تشترى لكونها ملكية مشتركة للمسلمين جميعا كما قال تعالى :
" ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون"
وحالة اجبار المطلقة رجعيا على العودة للزوجية كذب على الله لأن الله اشترط رضا المطلقات كما قال تعالى :
"وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ"
فلا رجوع إلا برضا الطرفين
وأما الاجبار على النكاح فمحرم فلا يجوز للأب أو لغيره أن يجبر المرأة على الزواج ممن يريد هو وإنما ممن تريد هى لأن الزواج يكون برضا الطرفين معا وليس برضا طرف واحد ورفض الثانى
وأما الاجبار على حضانة الأم المطلقة أو الأرملة للأولاد فلا وجود له لأن الله سمح للمطلقة ألا ترضع طفلها دون رضاها فقال :
" فإن تعاسرتم فسترضع له أخرى"
فالحضانة للآباء أو لمن قام مقامهم كابن كبير أو جد أو عم فالنفقة واجبة على الفروع ألبوية وكذلك التربية
ولا حضانة للأم إلا إذا تنازل الرجل عنها أو انعدم الأقارب من جهة الأب بدليل وجود من فى حجور الأزواج وهن أولاد الزوجة من غيره
وما تكلم عنه الفقهاء من مسائل مالية المفروض أنه يكون فى مجتمعات كافرة فيها مسلمين وأما فى دولة المسلمين فلا وجود للملكية الخاصة فى أى شىء من الأرض أو عليها سوى الدور وهى ملكية انتفاع فقط