خاتمة كتاب ( الغزالى حُجّة الشيطان فى كتابه إحياء علوم الدين )
أولا :
ماذا يعنى تسمية الغزالى كتابه ب ( إحياء علوم الدين )
المواشى البشرية التى تقدّس الغزالى وكتابه ( الإحياء ) لم تفكر فى معنى ومغزى إسمه ( إحياء علوم الدين ) . وبسبب شهرته يكتفون بالقول ب ( الإحياء ).
نناقش العنوان :
1 ـ إحياء : يعنى شىء مات وقام الغزالى بإحيائه .
2 ـ علوم الدين : ما هى هذه العلوم ؟
3 ـ الدين : هل هو دين الاسلام ؟ أم الأديان الأرضية الشيطانية للمحمديين والتى راجت فى عصر الغزالى وأصبح من أئمتها ؟.
ونقول :
1 ـ عن ( إحياء ) . الاسلام لا يموت ولا يحتاج الى من يُحييه ، فهو القرآن الكريم الذى ضمن الله جل وعلا حفظه، قال جل وعلا: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر)، والذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال جل وعلا :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) فصلت). وبه تكون حياة النفوس قال جل وعلا :(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) الأنعام ) وفى أى عصر يكون منذرا لمن يعيش. قال جل وعلا : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) يس )
2 ـ عن ( علوم ) : ليس فى دين الاسلام علوم ، ولم تأت فى القرآن الكريم كلمة ( علوم ). ولكن من إسماء القرآن الكريم : ( العلم ). قال جل وعلا :
2 / 1 : ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120)البقرة ).
2 / 2 : ( وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ (145) البقرة ) .
2 / 3 : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) آل عمران ).
2 / 4 : ( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ (37) الرعد ).
3 ـ عن ( الدين ) : ليس لكتاب الإحياء ـ طبقا لعنوانه ـ أى علاقة بالاسلام والقرآن الكريم ، سوى أنه لحرب الاسلام والقرآن الكريم ، ثم تصف المواشى البشرية التى تقدس الغزالى وكتابه بأنه كاد ان يكون قرآنا وأن الغزالى حُجّة الاسلام .
نحن نتقرب الى الله جل وعلا بأن نصفهم بالمواشى البشرية .
ثانيا :
الظروف التاريخية لكتاب ( الإحياء ) فى لمحات سريعة :
1 ـ الأديان الأرضية تنبت فى ظروفها التاريخية . وهذا ما حدث مع الأديان الأرضية الشيطانية للمحمديين . بدأ إنباتها عمليا بالفتوحات ، التى قام بها الخلفاء الفاسقون ، وما ترتب عليها من الفتنة الكبرى وحروب أهلية ، لا تزال المعلم الأساس فى تاريخ المحمديين ، وقد عرضنا لها فى كتب ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء " الراشدين ) ، ( الفتنة الكبرى الثانية ) ، ( مسلسل الخلفاء فى تاريخ الخلفاء ) . على هامش تلك الحروب والفتن بدأت حرب إعلامية باصطناع الأحاديث ، وبدأ دين التشيع بجهد اليهودى عبد الله بن سبأ ، وتكوّن دين السُنة معبرا عن سُلطة الحاكم ، ثم دين التصوف فيما بعد يعبّر عن أهواء العوام . هذا عدا أديان أخرى إندثرت مثل الزهد .
2 ـ فى كتابنا المنشور هنا ( الحنبلية ـ أم الوهابية ـ وتدمير العراق فى العصر العباسى الثانى )، أوضحنا الظروف السياسية التى جعلت الخليفة المتوكل يجعل ( السُنّة ) الدين الرسمى ، ويُقرّب له متطرفى السنة وهم الحنابلة ، وقد سيطروا على الشارع بالحديث الذى صنعوه ( من رأى منكم منكرا فليغيره ). كان الخليفة المتوكل قد إضطهد الشيعة والصوفية والمعتزلة . وتكاثر أئمة الكذب على الله تعالى ورسوله ، وتتابعت كتبهم تؤطر للدين السنى بزعم ان ما تكتبه هو وحى سماوى تنسبه للنبى محمد عليه السلام بعد موته بأكثر من قرنين. هذا ما ارتكبه ابن حنبل ت 241 والبخارى 256 ومسلم 261 وأبو داود 275 والترمذى 178 والنسائى 303 وابن ماجه 275 . وقد أصبحوا فى العصور اللاحقة وحتى اليوم آلهة معصومة من الخطأ فى الدين السّنى ، لا يجوز الاقتراب منهم الا بالمدح والتبجيل ، وحتى الآن فإن مصير من ينتقدهم أو يناقشهم هو الاتهام بالكفر بالدين السّنى أو انكار السّنة .
3 ـ ظهر دين التصوف فى القرن الثالث الهجرى ،وساعد علي انتشاره ثم تسيده :
3 / 1 : ضعف الحكام وظلمهم وشقاقهم فيما بينهم من سلاجقة وايوبيين الي ان ورثهم المماليك الذين تفوقوا علي الجميع في الظلم والقسوة . وهذا الصنف من الحكام لا يستريح الي فقيه حنبلي يقول له افعل أو لا تفعل ويسيطر على الشارع بحديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) لأنه لا يعرف سوي العنف والسيف ويريد رجل دين ينافقه ويوافقه وينشر السلبية و( عدم الاعتراض ) والخنوع والخضوع للمستبد ويعتبر ظلمه عقابا الاهيا للرعية . ومن هنا وجد الحكام الظالمون ضالتهم في الصوفية الذين يجيدون فن الدعاء للحاكم وتقعيد اسلوب النفاق له .
3 / 2 ـ تقرب الصوفية للعوام بكل الطرق ، فلم يعد التبحر في العلم طريقا للولاية وانما مجرد الادعاء بالعلم اللدني والكرامات يفتح الابواب لكل طموح من العوام ليكون شيخا صوفيا طالما وجد من يصدقه من المريدين والاتباع . والعوام يجدون لدي التصوف كل ما يريدون اذا صاروا أتباعا للشيوخ الصوفية ، فاصحاب الهوى في الانحلال الطبيعي والشاذ يجدون مسوغا دينيا لدي الصوفية يحل لهم ما يشاءون، وهواة الغناء والرقص يجدون مجالا لهم في الحفلات والموالد الصوفية ، وهواة المآدب والطعام والرحلات يجدون ما يريدون خلال الموالد والنذور والسياحة الصوفية، ثم في النهاية يجد العوام طريقا بسيطا للتدين خلال ما تعوده اسلافهم وهو تجسيد الاله في قبر مقدس (ضريح ) وفي شيخ مقدس حي او ميت ، ويعتقد انه يدخل الجنة من خلال علاقته المادية المباشرة بذلك الاله المادي الذي يراه ويلمسه . أما المثقفون من الفقهاء فقد ضعف مستواهم العلمي بقدر ما زاد خضوعهم للسلطة القائمة ورأوا مصلحتهم في مسايرة الوقت.
4 ـ سيطر الاتراك السلاجقة السنيون على الدولة العباسية ، فى عهدهم كان الغزالى زعيم الفقهاء والصوفية معا، مع انحيازه للتصوف على حساب الفقه. إضطهد السلاجقة الحجاج الأوربيين القادمين للقدس ، فكانت الحملات الصليبية والتى أسست لها مستعمرات فى الرها وانطاكية والشام والقدس . وقام علاء الدين زنكى ثم نورالدين زنكى بحرب الصليبيين ، وكان من قواده آل أيوب .
5 ـ وصل نفوذ الدولة الفاطمية الى ضواحى بغداد نفسها ، ثم بدأ ينحسر مع تأسيس الامارات الصليبية. فى ضعف الدولة الفاطمية تنافس على وراثتها الصليبيون ونور الدين زنكى بقواده نجم الدين أيوب وإبنهصلاح الدين وأخيه شيركوه . وانتهى الأمر بأن يحتل صلاح الدين الأيوبى مصر وينهى الدولة الفاطمية سلميا ويؤسس الدولة الأيويبة فيها والتى ضمت أملاك سيده نور الدين زنكى فى الشام ، وواصل الحرب ضد الصليبيين . كان صلاح الدين الأيوبى ( ت 589 ) خصما لدودا للتشيع بنفس خصومته للصليبيين ، فإحتاج الى دين جديد توفيقى بين السُّنّة والتصوف الآخذ فى الانتشار ، فكان دين التصوف السنى الذى وضع الغزالى أساسه فى ( الإحياء ). فكان الإحياء هو المرجعية الدينية للدولة الايوبية ( 567 ـ 648 ). ثم ورث المماليك الدولة الايوبية بدينها التصوف السنى حيث إستقر فى المعلوم عندهم من دينهم أن الدين ( حقيقة وشريعة ) . الحقيقة هى : التصوف والشريعةهى : تأدية المناسك بالدين السُّنّى . واستمر هذا فى العصر العثمانى .أى إنّ ولادة دين التصوف السُّنى كانت ثمرة لجهد الغزالى ت 505 ، فى كتابه (احياء علوم الدين) والذى مزج فيه الفقه ( المعبر عن الدين السنى ) بالتصوف ، وبعثر عقائد التصوف بين سطور الاحياء ، ثم أفرد لها كتابه ( مشكاة الأنوار )، والذى أكد فيه عقائد الحلول والاتحاد ووحدة الوجود. وعلى نفس الطريق سار آخرون كان آخرهم فى القرن التاسع الهجرى ـــ السادس عشر الميلادى ــ عبد الوهاب الشعرانى الذى عاصر نهاية العصر المملوكى وصدرا من العصر العثمانى ( 898 ـ 973 ) وظلت مؤلفاته الكثيرة مهيمنة على عقلية الأزهر طيلة العصر العثمانى. ولا يزال الدين الذى صنعه الغزالى هو دين الأغلبية من المحمديين حتى الآن .
6 ـ بتأثير الغزالى تأكّد فى العصر المملوكى تسامح السنيين الحنابلة المتشددين مع من جعلوهم صوفية معتدلين مع التسليم بالتصوف وأوليائه . إنصبّ إنكار ابن تيمية الحنبلى ومدرسته على متطرفى الصوفية ، وظهر فى القرن التاسع الهجرى ما يُعرف ب ( كائنة البقاعي وابن الفارض ) بدأت يوم الاثنين 14 شوال 874 هـ فى سلطنة قايتباى . واستمرت عاما . السبب أن الفقيه السنى ( البقاعى ) كتب كتابين فيهما تكفير ابن عربى وابن الفارض ، فإحتج كبار الصوفية ، وانتهى الأمر الى لا شىء .
7 ـ الذى يهمنا أنه ما من أحد جرؤ على الاقتراب من الغزالى وكتابه الإحياء أو حتى كتابه ( مشكاةالأنوار ). ظل الأمر هكذا الى قمت بفضح الغزالى وعدائه للاسلام فى رسالتى للدكتوراه عام 1977 . ودفعت الثمن ..ولا زلت .