الإبن هل يكون عدوا لأبيه ؟

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٨ - ديسمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

جاء هذا السؤال :

( لى ابن وحيد ، ولا اتصور حياتى بدونه . ولكنى قرآت فى القرآن آية : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ ) ممكن أن تكون زوجتى عدو لى ، ولكن هل ممكن ان ابنى يكون عدو لى ؟ معقول ؟ وكيف يكون الابن عدو ابوه ؟ وهو من لحمه ودمه؟

وأجيب عليه :

 أولا :

1 ـ قال جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )التغابن: 14 )

كلمة ( من ) فى قوله جل وعلا ( (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ) تفيد ( التبعيض ) يعنى بعض أبنائكم ، وليس كل أبنائكم ، والأمر الالهى بالحذر منهم ، والعفو والصفح والغفران أملا فى عفران الرحمن الرحيم يوم الدين .

2 ـ العداء بين البشر نزل معهم عند هبوط آدم وزوجه من الجنة البرزخية الى الارض المادية ، حيث مستقر مؤقت ومتاع مؤقت ،يعقبه الموت ، قال جل وعلا :

2 / 1 : ( قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )الأعراف:  24

2 / 2 :   (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى )طه:123

2 / 3 : ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)البقرة:36

3 ـ الشيطان هو منبع العداء بين البشر . هو الذى بدأ العداء لآدم ، وهو الذى خدع آدم وزوجه فأخرجهما من الجنة . لذا تكررت الوعظ والتذكير بعدائه لبنى آدم والتحذير منه وعدم إتّباع خطواته . قال جل وعلا :

3 / 1 : (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ  قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ ) البقرة 22 : 23 )

3 / 2 : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً )الكهف:50

3 / 3 : : (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى )طه:117

 وأيضا قال جل وعلا :

1 : (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)فاطر:6

2 ـ (وَلا يَصُدَّنَّكُمْ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)الزخرف:62

3 ـ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ )يوسف: 5

وجاء التحذير من إتباع خطوات الشيطان العدو المبين.

خطوات الشيطان تعنى طاعته حين يوسوس والتمادى فى طاعته ، وعدم الإستعاذة بالله جل وعلا منه ، فالمتقون قال عنهم جل وعلا  : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) الأعراف ) ، وعن أتباع الشياطين المتبعين خطواته قال جل وعلا فى الآية التالية : (  وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (202)  (  الأعراف )

لذا جاء نهى المؤمنين عن إتّباع ( خطوات الشيطان ) . قال جل وعلا :

 1 ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ )البقرة:208

2 : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ )البقرة:168

3   : (وَمِنْ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ )الأنعام:142

   ـ وتجلى هذا العداء بين البشر فى:

 1 : أول حرب عالمية فى حياة آدم ، حين قتل إبن آدم شقيقه ، وقد ( طوّعت ) له نفسه قتل أخيه ، وهذا طبعا بتأثير الشيطان . قال جل وعلا : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ (31) المائدة )،

2 ـ وبتأثيره يسفك أبناء آدم دماء بعضهم البعض صراعا على حطام الدنيا ، وأملا فى الخلود فيها ـ وهى قصيرة وزائلة . وهى نفس الخدعة التى خدع الشيطان بها آبانا آدم وزوجه ، حين زيّن لهما الأكل من الشجرة المحرمة على انها شجرة الخلود والمُلك الخالد . نقرأ  قوله جل وعلا : ( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى (120) طه ). المتصارعون فى سبيل حُطام الدنيا وتملك أرضها يتصورون أنهم خالدون بلا موت ، وأن ما يملكون لا يبلى . وتنتهى القصة بالموت وبقاء الأرض وثرواتها تتنقل من قوم الى قوم ، يتصارعون ويموتون ويتحولون من ملكية الأرض الى أن يكون من تراب الأرض ، وقد تركوا ما حصلوا عليه مؤقتا ، ويخدع الشيطان كل جيل . وهو لا يكُفّ ولا يملّ  ، هو كما قال : (  ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) الأعراف )

  2 : فى حياتنا ، يولد توآم لهما نفس الملامح بحيث يصعب التفريق بينهما ، ولكن لكل منهما ( نفس ) ، ومع أنهما الأقرب لبعضهما فهذا لا يمنع شجارهما من طفولتهما . أما عن خصومات الأشقاء والصراع بينهم فهو معروف ومألوف . وأساسه الشيطان . نتذكر قوله جل وعلا : (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً )الإسراء:53

 أفظع تلاعب للشيطان ببنى آدم

أنه يحوّل عصيانهم الى دين عن طريق الوحى الشيطانى الذى ينفثه فى قلوب أتباعه ، ويكون أصحاب هذا الوحى الشيطانى أعداء للأنبياء أصحاب الوحى الالهى . قال جل وعلا :

1 ـ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ )الأنعام:112

 2 ـ (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً)الفرقان:31

3 ـ  ونتدبر قوله جل وعلا : ( يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) الأعراف )هنا تحذير من كيد الشيطان وأن أولياءه هم الذين لا يؤمنون ، الآية التالية وما بعدها عن تأثيره فيهم حين يجعلون العصيان دينا ،ويزين لهم الشيطان انهم مهتدون ، ويأتى الرد الالهى عليهم : ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلالَةُ إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) الأعراف ). هذا ينطبق على المحمديين بالتمام والكمال مع إنهم يزعمون الايمان بالقرآن وينسبون أنفسهم للاسلام .!

أخيرا :

1 ـ ويوم القيامة سيقول لهم جل وعلا مذكّرا بأبيهم آدم : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ( 60  ) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)يس

   2 ـ وهم فى النار : ( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) المُلك )

  3 ـ  على العكس من ذلك فالذرية الصالحة تكون مع الآباء فى الجنة . قال جل وعلا : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) الطور ) .

4 ـ كّن قدوة صالحة لأولادك عسى أن تكونوا معا فى الجنة ، ومن صفات عباد الرحمن : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74) أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (76) الفرقان )

اجمالي القراءات 673