استقر الفقه والشرع الاسلامى على جملة من الثوابت التى تحترم حقوق الانسان. لعل أبرزها حقه فى الحياة، وفى الحرية التى تحترم حقه فى العمل الشريف، والا تقيد هذه الحقوق تحت أية ضوابط مخالفة لروح الشريعة ولسمو الفكرة الاسلامية، هذه الحقوق (للأسف) تتعرض لانتهاك فاضح منذ سنوات طويلة تزيد على المائة عام فى بعض دول الخليج وبخاصة السعودية باسم نظام يدعى (الكفيل)، وهو اسم على غير مسمى، حيث يتحول صاحب العمل (شخصا أو مؤسسة) الى مايشبه "السيد" ويتحول العامل العربى (وبخاصة المصرى) لديه الى ما يشبه "العبد"، فى كافة شئون حياته، وخاصة حقه فى التنقل أو انهاء عقده إذا ما خالف الشروط المتفق عليها.
وفور أن يضع هذا العامل والذى قد يكون طبيبا أو استاذا جامعيا، وليس شرطا أن يكون عاملا يدويا أو مزارعا فور وصوله يتم استيلاء السيد (صاحب العمل) على جواز سفره فيقيد بذلك حركته وتنقلاته، وتحت وطأة الحاجة الاقتصادية يتم اذلال (العامل) وابتزازه، طيلة فتراة عمله فيعود الى وطنه وقد قتلت فى داخله (الكرامه)، والانسانية التى أوصى بها الاسلام.
• مناسبة هذا القول القديم/المتجدد، هو مانشرته قبل ايام وفى الصفحة الاولى (عدد يوم 16/9/2007) صحيفة الاهرام المصرية، من واقعة تهز وجدان أى مسلم يحترم حقوق الانسان، أما أولئك النصابين من مطلقى اللحى، والمروجين لثقافة النفط والتدين البدوى الجاهل ودعاة الاصلاح على النمط الوهابى المتخلف، فانهم عادة لاتهتز لهم رقبة، هم عادة يصمتون وقد صمتوا، ولن يتحركوا ولو بكلمة تعليقا على تلك الواقعة، رغم أنهم مع أى حادثة (هايفه) تقع فى مصر أو فى البلاد العربية وتتصل من بعيد بحقوق الانسان تجدهم يقيمون فى صحافتهم المقروءه أو مواقعهم المتطرفة على الانترنت، مناحة، وبرزالة لا يحسدون عليها، على اية حال تعالوا نقرأ الواقعة ثم نعقب مجددا عليها. لقد نشرت (الاهرام) نصا وتحت عنوان:يهرب زوجته وطفليه داخل كرتونةــ تقول الاهرام:
هل يمكن أن تدفع الظروف زوجا الى أن يزج بزوجته وطفليه داخل صندوق بضائع (كرتونة) مصمت فى رحلة سفر شاقة وطويلة بعرض البحر؟!
هذا هو ما شهده ميناء نويبع أمس(15/9/2007)، حين كشفت أجهزة الأمن عن قيام زوج مصرى بتهريب زوجته وطفليه داخل صندوق بضائع بعد ما رفض الكفيل السعودى إعطاءهم تأشيرة للعودة، والتحفظ على جواز سفر الزوجة.
وكانت المعلومات قد وردت الى توفيق محمد توفيق، مدير عام جمارك نويبع وجنوب سيناء، والمقدم سالم قاسم رئيس مباحث الميناء عن وجود أسرة مصرية مهربة داخل كراتين بضائع بإحدى السيارات، حيث تبين بعد قيام رجال الجمارك بتفتيش سيارة المواطن عبد اللطيف محمد صبرى من محافظة الشرقية، وجود امرأة وطفلين داخل إحدى هذه الكراتين!
وقد اعترف الزوج أمام تامر محمود مدير نيابة نويبع بفعلته، مؤكدا أن زوجته تعمل دكتورة بعقد خاص فى إحدى جامعات مدينة الطائف، وأن الزوج مرافق لها، وأنه عندما طالب الزوج بمستحقاته المالية رفض (الكفيل) وهدده بعدم السماح للزوجة بالسفر، الأمر الذى دفع الزوج المصرى الى المغامرة بحياة زوجته وطفليه ــ محمد ونهى ــ من أجل الفرار بهم من تحكم واستبداد الكفيل والعودة الى بلادهم . وقد تم الافراج عن الأسرة من سراى النيابة.
تلك هي الواقعة، والتى اضطرت معها (النيابة) التى نحييها باسم ملايين المصريين بالإفراج الفورى عن أبطالها تقديرا منها وفقا لحس القاضى السليم، وهو حس اسلامى وانسانى بإقتدار، أن هذه (الأسرة) ظلمها نظام الكفيل الذى تطبقة السعودية، على مواطنى البلاد العربية (وبخاصة المصريين) فتحولهم الى (عبيد) فى بلاد النفط والتطرف المذهبى، وهنا نود أن نسجل ما يلى:
أولا: أن نظام الكفيل يشبه الى حد كبير نظام العبودية قبل الاسلام ومن ثم هو نظام غير اسلامى جاء لينقضه ويقاومه، و(عتق الرقبة) وفقا للفهم الاسلامى ينسحب على هذا النظام نصا وروحا. ان التعامل المستمر مع المسلمين ــ والعرب منهم بخاصة ــ وفقا لنظام الكفيل يتناقض مع روحية الاسلام ومبادئه السمحة، ومن هنا نستغرب، كيف لدولة ــ مثل السعودية وبعض مشيخيات الخليج ــ تقول بتطبيقها للشريعة الاسلامية على مذهب الامام العظيم أحمد بن حنبل، تطبق فى مجال معاملاتها هذا النظام المخالف للشريعة ولأصول الاسلام وحقوق الانسان فيه؟
وكيف ــ وهذا هو الاشد استغرابا ــ تطبق هذا النظام على المسلمين وحدهم وليس على الامريكين والاوروبين؟! هل هو الخوف من أمريكا أم أن الامر كله، من أولة الى آخره لا علاقة له بالإسلام أو الشريعة، وأنه أمر سياسة؟ وأن من أصول السياسة فى تلك البلاد النفطية اذلال العربى والمسلم واشعاره بالدونية والمهانة، وهل هناك فى كافة القوانين الارضية ماهو أشد مهانة ودونية من نظام الكفيل أو نظام (السيد والعبد) كما فى تلك البلاد، والذى يدفع مصرى لتهريب زوجته (الدكتوره) فى كرتونة هربا من قيود هذا النظام اللعين المخالف لأبسط قواعد الدين، والانسانية!!
ثانيا: دعونا نسأل وبأعلى صوت: اين الاعلام العربى، أين الدعاة الشرفاء وأين منظمات حقوق الانسان فى مصر والوطن العربى تجاه مثل تلك الوقائع ولماذا تعمل تلك المنظمات الف حساب لهذه البقرة المقدسة المسماة (بالمملكة ومشيخات الخليج) قبل لأن نتناول وتفضح مثل هذه الانتهاكات لحقوق الانسان العربى داخلها.
وآخيرا، هل يجوز شرعا وعقلا، وانسانية أن يناط بمن ينتهك حقوق الانسان باسم نظام الكفيل وباسم غيره من الانظمة أن يرعى ويحمى مقدسات المسلمينالحرمين الشريفين، وهل هو أهل لها؟
• أسئلة تعلم أن فى فم الكثيرين ماء فلا يجرؤن بالحديث عنها، ولكن بعد أن وصل الامر الى حد (تهريب الناس فى كرتونة) أحسب أن هذه الاقلام والافواه ينبغى أن تنطق فالساكت عن الحق شيطان أخرس هكذا علمنا المصطفى صلى الله عليه وسلم .. وحسبنا الله ونعم الوكيل.