فى بيتنا ( مطلب )... ومصائب أخرى .!
أولا :
تحت عنوان ( فى بيتنا مطلب ) نشرت المقال التالى فى جريدة الأحرار المصرية فى سلسلة ( قال الراوى) بتاريخ 24 فبراير 1992 .
قلت فيه :
1 ـ نزل الشيخ المبروك ضيفا على القرية ، وسرعان ما استحوذ على اعتقادهم فيه وتقديسهم له ، وكان العمدة اكثرهم اعتقادا فى الشيخ وطاعة لأوامره ، وصحا الشيخ فى ليلة واخبر العمدة بوجودمطلب، أى كنز مدفون تحت جدار الدوّار القديم ، وأنه يستلزم بعض الأوراد الروحانية والمشغولات الذهبية حتى يستطيع أن يفتح المطلب ويستخرج الكنز ، وآمن أهل القريه بصدقه وجمعوا له كل مايملكونمن الذهب ، وانهمكوا فى قراءة الأوراد واقامة الأذكار. وفى الصباح اكتشفوا هروب الشيخ المبروك بالذهب .
2 ـ وهذه القصة تتكرر كثيرا فى الريف المصرى الذى لايزال فى الأغلب محتفظا بمعتقدات القرونالوسطى وأهمها حكايات المطالب أو استخراج الكنوز المدفونة .
3 ـ وقد بدأت الحكاية بمحاولات العثور على الكنوز المدفونة فى الآثار المصرية القديمة ، وقد لاحظ الطبيب العالم عبداللطيف البغدادى الذى زار مصر سنة 595 هـ أن كثيرا من المشعوذين ادعوا معرفة الكتابة الفرعونية وتحايلوا بذلك على أرباب الأموال ليعطوهم الامكانات ليحفروا بها عن الكنوزالمدفونة فى المعابد الفرعونية ، وأن ذلك صارهوسا أسفر عن تخريب الآثار القديمة . كان ذلك فى أوائل العصر الأيوبى.
4 ـ ثم جاء العصرالمملوكى وقد ساد التصوف وتعاظم الاعتقاد فى الأولياء وعلمهم بالغيب وكشف المستور، مما أدى ببعض الصوفية لادعاء معرفة الكنوز أو ( المطالب ) والكشف عنها ، ووجدوا من يصدقهم من أغلبية الناس الذين يعتقدون فى كرامات الصوفية وعلمهم اللدنى .
5 ـ وقد لفتت هذه الظاهرة المؤرخ ابن خلدون فقال فى المقدمة ( إن كثيرا من صغار العقول يحرصون على استخراج الأموال من تحت الأرض ويبتغون الكسب من ذلك وأنهم يعتقدون أن أموال الأمم السابقة مختزنة كلها تحت الأرض ومختوم عليها بطلاسم سحرية لا يفكها إلا من كان مؤهلا لذلك. ) ، ويقول ابن خلدون عن أولئك المشعوذين ( أنهم وجدوا لهم سوقا رائجة فى مصر حيث قبور الفراعنة مظنة لوجود توابيت الذهب لذلك عنى أهل مصر بالبحث عن المطالب ).
6 ـ وذكرت المصادرالتاريخية ادمان الكثيرين من المشاهير بالبحث عن المطالب، وكان منهم السلطان الغورى ، حتى أنه حين ذهب للتنزه عند الاهرام أشاعوا أنه ذهب للبحث عن مطلب ، والشعرانى أشهر صوفى ـ وقد عاصر الدولة المملوكية وسقوطها ـ روى فى كتابه ( لطائف المنن ) أن بعضهم خدع السلطان الغورى وجاء به الى آثار الفراعنة بعين شمس ليعثر له على مطلب هناك . وفى هذا العصر بالذات ــ فى القرن العاشر الهجرى كثر المحتالون من طالبى"المطالب"، وكان لهم شأن عظيم مما آثار عليهم شيوخ الصوفية فى عصره، فاحتج عليهم الشعرانى قائلا : ( إن الفقراء الصادقين . ــ يقصد الصوفية الحقيقيين ــ فى غنية عن عمل الكيمياء وفتح المطالب) . والسبب فى احتجاج الشعرانى عليهم أنهم ـ وقد تعاظم نفوذهم ـ تسلطوا على الناس وأكلوا أموالهم وانتهكوا أعراضهم بحجة العثور على المطالب ، وهذا مانستفيده من أقوال الشعرانى فى كتابه لواقح الأنوار، يقول عن أولئك الأشياخ : ( وبعضهم يقول للرجل : عندك فى بيتك مطلب ما يفتح الا عندما تخلى أجنبيا بامرأتك سبعة أيام وأكثر ، وينام ويصبح معها ويخدمها الرجل بنفسه ويطعمها أطيب الطعام حتى يأتى لهما بالخمر!! ). ( وبعضهم يقول ان المطلب لن يفتح الا اذا أمكنتنى من زوجتك على باب المطلب .. ). !!
7 ـ ولم يرزق العصر العثمانى شيخا صوفيا بعد الشعرانى ، مما أتاح للأشياخ أن يمتصوا دماء الناس بشتى الحيل مثل المطالب أو الكيمياء ، وكانت تعنى تحويل المعادن إلى ذهب بطريقة السحر أو ادعاء الكرامات.
8 ـ ثم صحت مصر على ضجيج الحملة الفرنسية ، وبدأت تفيق من ظلمات الخرافات ، وأسس محمد على مصرالحديثة مستلهما النمط الأوربى، ثم وضعت القوانين المصرية متأثرة بنفس المصدر خصوصا التشريع الفرنسى الذى أرساه نابليون من قبل ، وطبقا للقوانين المصرية فإن مصير ذلك الذى يخدع الناس ويستولى على أموالهم بحثا عن مطلب ــ هو السجن متهما بالدجل ، وكثيرا مايقوم البوليس بالقبض على كثير من الدجالين والنصابين مدعى الأعمال السحرية . هذا مع أن أولئك الدجالين كانوا فى العصر العثمانى من كبار الأولياء المقدسين حيث كان نفوذهم فى منتهاه، ولاتزال البيئات الشعبية والريفية تحتفظ لهم ببعض التقدير ــ برغم أنف القانون ــ بدليل تمتعهم بلقب المشيخة والتفاف الناس حولهم واعتقادهم فيهم . ولو قامت فى مصر دولة دينية لاستعاد أولئك مجدهم ولتحولت عيادات الأطباء الى علاج بالتمائم والأحجبة وبركان سيدنا شمهورش !!
9 ـ لقد توقف القانون المصرى عند ذلك الدجال صاحب الأعمال السحرية واستخدام الجان ، وجعله مجرما ، وكان ينبغى للقانون أن يضم الى هذه الطائفة كل أولئك الذين يخدعون الناس البسطاء ، ويدعون أنهم أولياء الله وأنهم أصحاب الكرامات ، وعلى هذا الأساس يقدمون لهم الناس النذور والقرابين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
10 ـ صحيح أن هؤلاء الأدعياء كانوا كثرة كاثرة فى العصر العثمانى أسهموا فى تأخر مصر وجهلها ، وصحيح أنهم تناقصوا وتضاءل نفوذهم بسبب الصحوة العقلية التى أحدثتها الحملة الفرنسية ، ولكن أولئك لايزالون على الساحة ، خصوصا فى الريف يأكلون عرق الفلاح المصرى المسكين ويمتصون دماءه . وأخشى ما أخشاه أن يعود لهم نفوذهم المدمر مع تلك الانتكاسة الدينية العقلية التى بدأت تدب فى حياتنا متسترة بذلك الأهتمام بالدين ، ومن هنا كان لابد من توضيح الحق ولو كره الكارهون .)
ثانيا :
1 ـ هذا المقال كان ضمن جهد مستمر لنشر الوعى الدينى ، وفى مواجهة الاخوان وركوبهم موجة التدين ليصلوا بها للحكم . وهم أسوأ من الشيوخ المحتالين ( أصحاب المطالب )، لأنهم سيسرقون وطنا وسيغتصبون شعبا .
2 ـ لم أكن أعلم أننى سأعيش لأرى عبد الفتاح السيسى مستبدا عسكريا ضئيل الحجم ينهب كل شىء ، من الآثار الى الأموال السائلة ، ويقيم مشروعات وهمية يمتص بها ما تبقى فى جيوب المصريين ، ويقترض على حسابهم وعلى حساب أجيالهم القادمة ، ويشترى السلاح بالبلايين ليأخذ عمولة ويسترضى به الدول التى يشتريه منها ، ويستقوى بهم على الشعب المصرى المقهور. ويعلم الجميع انه لن يحارب ، فلم يسبق له أن شارك فى حرب . ويعلم قليلون أن الذى يبيع سلاحا يتحكم فى تسييره بما يشبه الريموت كنترول . أى إن الطائرات التى إشتراها من أمريكا ـ مثلا ـ يمكن إيقافها بضغطة على زر فى أمريكا . أى هى جثث هامدة تتحرك بإذن صانعها وليس بإرادة من إشتراها .
3 ـ فرق هائل بين الشيخ المحتال وبين هذا المستبد العسكرى الضئيل ، الذى لا يكتفى بالنهب والسلب وبيع أجزاء الوطن ، بل يقهر المصريين بالسجن والاعتقال والتعذيب والإخفاء القسرى والقتل السّرّى . ُقال أحد الخبراء الإقتصاديين المصريين ( فى الخارج ) وهو من العارفين ببواطن الأمور إن الأموال المهربة من مصر للخارج تبلغ تريليون دولار . حقيقة قلناها كثيرا فى عصر مبارك فى مقالات فى جريدة الأحرار وغيرها : ( مصر أغنى دولة فى العالم ، وهذه حقيقة يعرفها اللصوص جيدا ) ( مصر محروسة بالحرامية ).
4 ـ فرق هائل بين الاخوان وبين هذا السيسى المستبد العسكرى الضئيل . الإخوان ليسوا ( عسكرا ) ، هم مدنيون غاية فى السذاجة والعبط ، يتوهمون سهولة تطبيق الشعارات التى يرفعونها ولا يفهمونها . يكفى فى سذاجتهم وخيبة عقولهم أن هذا السيسى خدعهم بمراءاته بالصلاة والتسبيح والخشوع ، فرقّاه مرسى الى أن جعله وزير الحربية . وفى النهاية جعله هذا السيسى كوبرى يصل به للحكم ، وانتهى الاخوان للسجن ، وانتهى مرسى الى القتل .
5 ـ ألا لعنة الله جل وعلا على الاخوان والعسكر .!
أخيرا : تنهدات .!!
1 ـ قتلت إسرائيل حسن نصر الله ، وتقريبا أجهزت على ما يسمى ب ( حزب الله ) ، وستكشف الأيام مشاركة إيران فى هذا . حكام ايران يرون العرب السنيين عدوهم الأول ، وليس إسرائيل ، لا يهم إن كان العربى المقتول شيعيا أو سنيا . بدأ حسن نصر يتشدّد ويريد رفع سقف المواجهة ضد الترتيب الايرانى ، كان لا بد من التخلص منه . سربوا تحركاته لمن يهمه الأمر فى صفقة ستظهر أبعادها . وسيؤتى بزعيم لما تبقى مما يسمى ب ( حزب الله ) قد يكون هو الجاسوس الإيران ، والذى بقى على قيد الحياة ليؤدى الدور المطلوب .
2 ـ بعد قتل حسن نصر الله وجهت إسرائيل تهديدا للزعماء العرب أن يدها ستصل الى من .؟؟ .هناك أُغنية لعبد الحليم حافظ من كلمات الأمير خالد ابن سعود وتلحين بليغ حمدى . يقول فيها : ( الرفاق حائرون .. يفكرون .. يتساءلون ..حبيبتى أنا من تكون ). تم تعديل كلماتها لتعبر عن حال الزعماء العرب بعد هذا التهديد . الكلمات الجديدة هى : ( الزعماء العرب مذعورون .. يرتعشون .. على أنفسهم يتبولون .. ويتغوطون .. وفى جنون ..يقولون : المقتول التالى من يكون ..)
3 ـ فى الوقت الذى تنتصر فيه إسرائيل على حماس و ما يسمى ب ( حزب الله ) يستعد السيسى للإنتصار على المستضعفين سكان جزيرة الوراق ، وقد باعها للإمارت ، ويريد إرغام سكانها على ترك بيوتهم الى المجهول ، وهم يتمسكون ببيوتهم . يحشد السيسى قواته للإجهاز على أولئك المساكين . نيتينياهو يحارب أعداءه .. والسيسى أيضا .
4 ـ قال تعليقا على خيبة قادة العرب والمصريين : التاريخ يعيد نفسه مع إننى قلت للتاريخ ألّا يعيد نفسه ، ولكنه حمار . قلت : من هو الحمار ؟ هل التاريخ أم قادة العرب والمصريين ؟؟
5 ـ قطيع الأغنام كان يسير يرعى فى أمان ، جاء ذئب وهجم على شاة ضعيفة ، أخذت تستغيث ، أسرع كبش شاب الى قائد القطيع يرجوه أن يتدخل وينقذ الشاة المسكينة ، لم يهتم الكبش القائد، فقال له الكبش الشاب : هل أنت من قادة العرب ؟ قال الكبش القائد :خسئت .! نحن أفضل من قادة العرب !.
6 ـ إنتهى النقاش الحادُّ بينهما بقوله لصاحبه ساخرا : إدينى عقلك وإمش حافى . رد صاحبه : تقصد ان عقلى جزمة ؟ تقصد إنى من زعماء العرب ؟ أنا لم أنحدر الى هذه الدرجة .!