سورة التوبة فى تدبر سريع

آحمد صبحي منصور في السبت ٢١ - سبتمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

سؤال من الاستاذ سعيد على ، يقول :

حفظكم الله جل و علا و بارك في وقتكم و أعانكم على السير بثبات في طريق القران العظيم .. أقرأ و أتدبر التوبة بالاسلوب الذي علمتنا اياه و من الاية ٢٣ و الخطاب موجه للذين آمنوا و النهي عن اتخاذهم أولياء لاقاربهم كالاباء و الاخوان تسير نسق الايات في ذلك السياق ( النهي عن اتخاذهم أولياء ) حتى نصل للاية ٢٩ و فيها ( أعتقد جملة اعتراضية ) : فسياق الايات يتحدث عن مشركو قريش تحديدا و وصفهم بأنهم ( نجس ) بفتح الجيم ثم يقولوا جل و علا في الاية ٢٩ : - قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الاخر و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق - حتى هنا فسياق الايات متماشي مع نسقها و واضح أن الخطاب للمؤمنين و التحريض على مشركي قريش تحديدا و لكن عندما نكمل الاية : ( من الذين أوتوا الكتاب ) هل هذه جملة اعتراضية ؟ و كيف نفهم سياق الايات و هو الحديث عن مشركي قريش ثم يتحول السياق الى فئة أخرى ليس لها أي ذكر في السياق السابق و هم فئة من الذين أوتوا الكتاب!

الاجابة :

أولا :

شكرا جزيلا استاذ سعيد على ، وأقول :

 من تدبر مضمون السورة نعرف زمن نزولها ، نعرف مثلا أن الممتحنة والنور من أوائل ما نزل فى المدينة ، ونعرف أن المائدة و التوبة من أواخر ما نزل من القرآن الكريم .

نستعرض فى لمحة سريعة موضوعات سورة التوبة :

الآيات من 1 : 12 :

حديث عن تمرّد مسلّح قام به متطرفو قريش ، نقضوا العهد وإعتدوا فى مكة ، فأعطاهم الله جل وعلا مهلة الأشهر الأربعة الحرم لأن يتوبوا ويتوقف إعتداؤهم . إن لم يتوقف فيجب قتالهم الى أن يكفوا عن العدوان ، عندها يكونون أخوة فى الاسلام السلوكى بمعنى السلام ، وهو أساس التعامل بين مواطنى الدولة الاسلامية . وهذا مع حقن دماء من يستجير منهم فى ساحة المعركة. قال جل وعلا : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) ، (  فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) ).  إقامة الصلاة السلوكية تعنى الالتزام بالسلام .

الايات من 13 : 16 :

تحريض للمؤمنين على قتال أولئك المعتدين ناكثى العهود .

الآيات من 17 : 22 :

فضح تجارة قريش الكافرة بالدين ، وفهمها أن تعمير المساجد هو بالزخرفة ، بل هو تعمير القلوب بالتقوى .

الآيتان 23 : 24 :

 تحذير وتهديد للصحابة المؤمنين ألّا يتحالفوا مع أقاربهم الكافرين المعتدين ، وألّا تعميهم مصالحهم التجارية والمنافع الدنيوية عن التمسّك بالحق. وإن فعلوا فهم ظالمون فاسقون .

الآيات 25 : 27 :

إشارة لموقعة حنين ، وفيها أنه جل وعلا نصرهم فى مواطن كثيرة قبلها ، بما يعنى أن القصص القرآنى لم يذكر جميع المعارك القتالية التى نصر الله جل وعلا فيها المؤمنين . ومنها موقعة حنين ، والتى هرب فيها صحابة مؤمنون ، وصمد فيها النبى وصحابة مؤمنون . وفيها توبة الله جل وعلا على من يستحق التوبة منهم . 

الآية 28 :

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28).

( نجس ) بفتح الجيم تعنى رجس ، أى النجاسة المعنوية ، ونقيضها الطهارة القلبية بالتقوى سلوكا وإعتقادا . وتحديد المشركين هنا هو بالسلوك العدوانى ، إذ هم يستحلون الاعتداء على البيت الحرام الذى أوجب الله جل وعلا أن يكون مثابة للناس وأمنا ، وأن من دخله يصبح آمنا فيه . تحقيق هذا ليس بالملائكة ، ولكنها مهمة الدولة الاسلامية التى أسّسها النبى محمد عليه السلام وانتهت بموته على يد الخلفاء الفاسقين . علي الدولة الاسلامية التى يقع فى حوزتها البيت الحرام أن تمنع المعتدين من الاقتراب الحربى من المسجد الحرام ،والله جل وعلا وعد بأن يغنيهم من فضله إن شاء . فى عصور الخلفاء تم ـ كثيرا ـ انتهاك حُرمة المسجد الحرام  

الآية 29 :

 ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29). سبقها فى نفس السورة وفى سور البقرة والأنفال تشريعات القتال الدفاعى فى الاسلام . وفى ضوء هذه التشريعات نفهم توصيف أهل الكتاب المعتدين فى هذه الآية . والأمر هنا بقتالهم . وبهزيمتهم عليهم أن يدفعوا الجزية ـ من الجزاء والعقوبة ـ دون إحتلال بلادهم . وهذا عدل ، ومعمول به حتى الآن . ولكن خالفه الخلفاء الفاسقون فى فتوحاتهم الشيطانية .

الآية 30 :

( وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30). ( عزير ) هو الإله الفرعونى ( أوزيريس ). عبده اليهود ، وتأثرت المسيحية بالديانة الفرعونية فى التثليث وغيره . والديانة الفرعونية كان إسمها ( جبت ) وقال جل وعلا عنهم (  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ )  (51) النساء ). وانتقلت المسيحية بملامحها الفرعونية المصرىة : ( الجبت ) فأصبح إسم مصر الأوربى ( إيجيبت ) ، وأطلق العرب على المصريين المسيحيين ( جبط / قبط ). وفى الآية 30 من سورة التوبة يقول جل وعلا عن الضالين من اليهود والنصارى (  يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) أى المصريين القدماء .  

الآيات  : 31 : 35

تكفير لأهل الكتاب الذين يقدسون البشر والحجر ، ولأئمتهم الذين يحاربون الحق القرآنى ، والذين يرتزقون بالسُحت ، وما ينتظرهم من عذاب فى الآخرة . لا تجد فارقا بينهم وبين المحمديين فى عصرنا . 

الآيتان : 36 : 37 :

عن الأشهر الحُرم وعدم انتهاكها بالحروب ، وكيف أن الجاهليين كانوا ينتهكونها بالنسىء باستحلال القتال فى بعضها ، وأن هذا زيادة فى الكفر. من تدبر الآيات الأولى فى سورة التوبة نتأكّد أن بداية الأشهر الحُرُم هى بإفتتاح موسم الحج ، أو : ( يوم الحج الأكبر ) فى أول شهر ذى الحجة ، وتتواصل بعده الأشهر الأربعة لتكون ( ذو الحجة ، محرم ، صفر ، ربيع الأول ) . وتأدية فريضة الحج للبيت الحرام ( الحرم المكانى ) تكون فى الأشهر الحُرُم ( الحرم الزمانى ) وفيهما يكون الأمن ومراعاة التقوى .وكان هذا معلوما وقت نزول القرآن الكريم . قال جل وعلا : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197) البقرة ). الخليفة أبو بكر الزنديق بدأ فتوحاته الكافرة فى شهر محرم الحرام ، وتواصلت بعده الحروب الخارجية والحروب الأهلية دون توقف ، حتى تنوسيت الأشهر الحرم ، خصوصا مع إختراع عمر بن الخطاب التاريخ الهجرى وجعل بداية العام شهر ( محرم ) وليس ذا الحجة . ولا زلنا فى نفق الفتنة الكبرى نسير..

الآيات 38 : 41

 تأنيب وتهديد للصحابة المؤمنين المتثاقلين عن الخروج للدفاع عن المدينة ، وتذكير لهم بأن الله جل وعلا نصر رسوله وهو فى الغار .  

 الآيات  42 الى نهاية السورة :

1 ـ حديث متصل عن الصحابة المنافقين الصرحاء ومكائدهم وتآمرهم وتقاعسهم عن القتال الدفاعى  ، وشهادة الله جل وعلا عليهم بالكذب ( 107 : 110 )، وكفرهم ( 74 ) ، وإيذائهم النبى (  61 ) وسخريتهم بالقرآن ( 64 : 66 ) ، وتكرار وصفهم بالرجس (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95)  ( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) ). ومنع النبى من الاستغفار لهم أو الصلاة علي قبورهم (80 ، 84  ) . ومنعهم من شرف القتال فى سبيل الله جل وعلا ( 83 ) وعدم قبول التبرع المالى منهم ( 54 ) ونهى النبى من الاعجاب بأموالهم وأولادهم ( 55 ، 85 ).

2 ـ آيات كثيرة عن المنافقين تتخللها آيات عن الأعراب المؤمنين منهم والمنافقين  وعن الذين مردوا على النفاق ولم يعلمهم النبى ( 98 :101   ) وتوعدهم الله جل وعلا بالعذاب مرتين فى الدنيا بمعنى عدم توبتهم ثم بعذاب عظيم فى الآخرة . إنهم جواسيس قريش ، والذين إختطفوا الدولة بعد موته عليه السلام  فارتكبوا حرب الردة والفتوحات ، وإستحلوا قتل الأبرياء والسبى والاسترقاق والاغتصاب ، وجعلوه دينا . وبجرائمهم تأسست الأديان الأرضية للمحمديين .

3 ـ كما يتخلل الايات تقسيمات أخرى لمجتمع المدينة ، منهم السابقون والذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا مع وعد لهم بالتوبة إذا إستحقوها ، وآخرون مرجون لأمر الله جل وعلا ( 100 ، 102 ، 106 ) وإشادة بالمؤمنين الفقراء المحسنين العاجزين عن المشاركة فى الحملة الحربية ( ذات العسرة )( 91 : 92 ) ووعد النبى والمؤمنين المجاهدين معه بالجنة ( 88 : 89 )، هذا مع توزيع الصدقات الرسمية (  60).

4 ـ وفى كل ذلك تتأكّد الحرية الدينية فى دولة الاسلام فى عهد النبى محمد عليه السلام . فالمنافقون الذين نزلت الآيات بكفرهم عاشوا فى أمن وأمان ، يتزوجون من غيرهم ويتزوج منهم غيرهم ، إذ لم يرفعوا سلاحا ، أى كانوا من الناحية السلوكية مسلمين سلوكيا لهم كل حقوق المواطنة فى الدولة الاسلامية . وبهذا مارسوا كفرهم القولى والفعلى بكل حرية ، بل كان المنافقون والمنافقات يقومون بمظاهرات تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف ، فيقابلهم المؤمنون والمؤمنات بمظاهرات تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (67) ،  (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ   بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71).

ومسجد الضرار الذى إتخذوه وكرا للتآمر كان النبى يذهب اليه لا يدرى بحقيقته ، وبعد أن كشف الله جل وعلا حقيقته لم يأمر بهدمه ، بل نهى النبى محمدا عن الاقامة فيه ، وظل قائما : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)  ). وطبقا للحرية الدينية لم يكن تجنيد إجبارى أو إلزام بالتبرع للمجهود الحربى . كل ذلك كان تطوعا .

5 ـ  كل ما جاء فى سورة التوبة هو وعظ للمؤمنين وللمنافقين بالوعد والوعيد . هناك  طوائف من المنافقين الصرحاء علم الله جل وعلا إستحالة هدايتهم ، ونهى النبى عن الاستغفار لهم والقيام على قبورهم يدعو لهم (  وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) ، وهناك الذين مردوا على النفاق ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101). و هناك إحتمال التوبة لبعض المنافقين . قال جل وعلا : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) النساء ). ليس منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى والزبير وعائشة وطلحة وسعد ..الخ .

وكما كان الوعظ وعيدا وتهديدا ، كان يأتى أيضا وعدا بالجنة وباسلوب ما ينبغى أن يكون . قال جل وعلا : ( مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)

6 ـ صودرت حرية الدين بالتدريج ، وتأسس الإكراه فى الدين وقتل المرتد والمخالف فى الرأى فى عصور الخلفاء . ولا يزال هذا الإفك ساريا بل ومنسوبا للاسلام العظيم .

7 ـ يتهمون سورة التوبة بالعنف . والسبب إنهم لا يعرفون إن للإسلام معنيين : فى التعامل مع الله جل وعلا هو الايمان به وحده إلاها لا شريك وعدم تقديس البشر والحجر ، وهذا يحكم الله جل وعلا فيه بين البشر يوم الدين . والاسلام فى التعامل مع البشر هو السلام . وفى المقابل فالكفر والشرك سلوكيا هو الاعتداء الحربى والإكراه فى الدين . وهذا فى التعامل البشرى. أما فى التعامل مع الله فهو تقديس غيره . وتطبيق الشريعة الاسلامية هو بالاسلام السلوكى ، وليست وظيفة الدولة الاسلامية هداية الناس وإدخالهم الجنة ، بل حفظ حقوقهم . ويتجلى هذا فى سورة التوبة .

أخيرا:

نكتفى بهذا مع التنوية بآخر آيتين فيهما مدح لخاتم النبيين عليه وعليهم السلام : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)

ودائما : صدق الله العظيم .!

اجمالي القراءات 1034