الاخوة الكرام
كل عام وحضراتكم جميعا بخير ، وسعادة ، وندعوا الله جميعا أن يعيد رمضان علينا وقد انزاحت الغمة وانتهت الازمة ونعمت بالديمقراطية الامة
كلما جاء رمضان تذكرنا بعض العادات والتقاليد ، والتي لايمكن لأحد أن يدعي أنه يعرف على وجه الدقه متى اصابتنا هذه العادات وكيف؟ ولكنها أصبحت جزء من الشخصية العربية والمصرية على وجه الخصوص في رمضان.
ونحن إذ نذكر هذه العادات ليس فقط على وجه التندر ولكن لكي نتبين البون الشاسع بين عاداتنا وديننا
العادة الأولى: الأكل
الحقيقة التي لا مراء فيها أن رمضان هو شهر الصوم ، وأهم ما يصوم عنه المرء هو الطعام وذلك لقوله تعالى" شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون" البقرة 185 فالمفروض أن تكون أقل معدلاتنا استهلاكا للطعام في شهر رمضان عنه في غيره من شهور السنة ذلك لأنه إذا اقتطعنا ساعات النهار وساعات النوم وأداء باقي العبادات من اليوم سيصبح الوقت المخصص للطعام قليل جدا لا يكفي لاستهلاك ذات الكميه العادية منى الطعام التي نستهلكها في غير رمضان ، ولكن المفروض شيء والواقع شيء آخر
بمجرد أن يعلن المفتي أن غدا أول أيام شهر رمضان المبارك ، تقوم سيدة المنزل بإعداد أول سحور والذي يجب أن يحتوي على (طبق الفول – أنواع عديدة من الجبن – الزبادي – الخبز – اللانشون والبسطرمة – وبعض الحلويات كالكنافة والقطايف) هذا بخلاف استهلاك كم من المكسرات طوال الليل في الخشاف وقمر الدين
كما أن سفرة الافطار تحتوي على الفول ولكن أيضا اللحوم أو الطيور مع الآرز والسلطات والمقبلات والفاكهة والحلويات ، وفيما بين الافطار والسحور لا تتوقف الاسرة عن استهلاك أي كميات من الطعام والمسليات
وتجد أن كل منا يريد استخدام كامل الفترة الزمنية المسموح فيها بالطعام للأكل فقط ، والنتيجة الحتمية يصبح الصيام غير صحي اطلاقا ، بل ويصبح احد العادات ىالضارة بصحتنا على خلاف مقصود رب العزة الذي شرع لنا الصيام كعبادة له سبحانه تشتمل على الاحساس بالجوع الذي يجعل الانسان يعرف معنى الحرمان فيزداد عطفا على الفقير والمحروم ، كما يقل الضغط على معدته ومعدلات استهلاكه لأجهزة الجسم الحيوية ، فأين نحن من ذلك كله؟
العادة الثانية: السهر
جعل الله سبحانه وتعالى شهر رمضان هو شهر القرآن ، وعلى المسلم خلال هذا الشهر أن يوازن بين العبادة النهارية وهي الصيام وكذلك أداء الصلوات الخمس في مواعيدها ، وبين الاكثار من الصلاة والعبادات الاخرى وكذلك قراءة القرآن وتدارسه على الا يضغى ذلك كله على ساعات نومه وراحة جسده حتى يتمكن خلال ساعات النهار من العمل والاداء وقد قال تعالى في القرآن الذي يجب أن نقرأه في رمضان " وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وجعلنا الليل لباسا(10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)" النبأ
الغالبية العظمى من المسلمين تعشق بل وتدمن السهر في رمضان ، فبعد أن تنتهي صلاة التراويح التي يجتمع عليها الناس في رمضان حتى يبدأ اليوم فعليا فجميع القهاوي والكازينوهات بل والبارات تقدم للناس أحلى السهرات الرمضانية على أنغام الموسيقى والطرب ، مع تسلية الصائم بهزات خصور ربات الصون والعفاف من الراقصات اللاتي يؤدين خيرا في رمضان بامتاع الصائم نهاره بفنهم الرفيع الراقي ويتمايلن ويرقصن أمام الصائمين نهارهم مما يجعلهم يتفكرون في خلق الله وكيف منح الله هذه المرأة أو تلك ذلك الجسد الجيلاتيني ومنحها امكانية التحكم في كل قسماته وخلجاته فيصدق فيهم قوله تعالى " اولم يتفكروا في انفسهم ما خلق الله السماوات والارض وما بينهما الا بالحق واجل مسمى وان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون" الروم8 ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وقد دخل التليفزيون حلبة المصارعة على عقل الصائم وليله فقدم له أحلى البرامج وأمتع الأفلام والمسلسلات التي يتسمر امامها الصائم نهاره حتى وقت السحور لا يشغله عنها إلا كوب عصير أو قطعة حلوى أو بعض المكسرات
العادة الثالثة: النوم نهارا والعصبية
كل من تسمح له ظروفه يقضي نهاره نائما حتى يتغلب على ساعات الصيام الطويلة والثقيلة مخالفا الحكمة الحقيقية من فرض الصيام نهارا والذي جعله الله معاشا فلا تكتمل الحكمة من الصيام إلا بالعمل ، ولكنه ينام لسببين أولهما التخلص من فرض الصيام بطريقة زكية وثانيهما إعداد نفسه للسهر مساءا
فلا يستيقظ من نومه إلا قبل الافطار بسويعات قليلة أو حتى بدقائق ويقضي ما تبقى من وقت على الافطار في النظر في الساعة يحث عقاربها على الاسراع حتى يتمكن من الاكل.
أما من لا تسمح له ظروفه بالنوم ، ويضطر للذهاب للعمل أجارنا الله منه فمنذ لحظة استيقاظه تتملكه العصبية الشديدة فيتعامل مع كل من حوله بالشدة والغلظه ويسب ويلعن وبعد كل سبة أو لعنة يتبعها بقوله (اللهم اني صائم) يعني انت عاوزني أفطر على اللي خلفوك النهاردة ، اللهم اني صائم ، وهكذا ثم يختلس ساعات العمل التي يتقاضى عنها راتبة في النوم تجهيزا لنفسه ليقضي ليله سهران ، ولو كان من مدخني السجائر فمصيبة كبرى لأن احتياجه للدخان يجعله أكثر عصبية ، ويصدق فيه مرادفات العصر القبيح من بلطجة وطناش وعصبية وخلافة.
التقليد الرئيسي: الاستهلاك
الحقيقة أن جميع العادات السابقة تندرج تحت مسمى الاستهلاك ، استهلاك كميات مهولة من الطعام استهلاك الوقت ليلا بالسهر ونهارا بالنوم ، استهلاك الصحة ، استهلاك المال
والاستهلاك هو عكس الاقتصاد ، وقد جعل الله رمضان شهر الاقتصاد (في الطعام في النوم) مع أداء العبادة ، وقد جعلناه نحن شهر الاستهلاك ، والذي يقودنا حتما إلي الهلاك.
لا يهم الآن أن نعرف متى أصابتنا هذه العادات والتقاليد السيئة ولكن المهم أن نعرف متى سنتخلص منها؟
شريف هادي