دعوة لتحرير الرئيس بشار الأسد

محمد عبد المجيد في الإثنين ١٧ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أوسلو في 15 يناير 2005

قال لي صديقي نائبُ رئيس تحرير الصحيفة الخليجية الواسعة الانتشار بأنه على يقين تام من أن التغييرَ في سوريا قادمٌ لا محالة، وأن طبيبَ العيون الشاب جادٌ في تحرير الوطن من القبضة الحديدية التي تمسك بخناقه، وأنّ الخوفَ في سوريا في عهد بشار الأسد سيكون من مخلفات الماضي بعد رأب الصَدْع، وإعادة الأمن والأمان للمواطن.
كان صديقي واثقاً ثقة إيمانية، فقلت له بأنني أشاركك جزءا لا بأس به من هذا التفاؤل، ولعلك لاحظت أنني لم أقطع الأمل أو أنسف الجسور أو يتحول قلمي إلى مُحَرّض كما فعلتُ مثلا مع الرئيس حسني مبارك والعقيد معمر القذافي والرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس السوداني عمر حسن البشير فهؤلاء ليس هناك أيُّ أمل على أيديهم حتى لو ساندتهم الملائكةُ رغم أنها لم تقترب من قَبْل من قصورهم أو خيامهم!
وعدتُ إلى قلمي فوجدته أشدَّ حيرة مني!
أريد أن أمُدّ يدي، ثم أهتف للرئيس، وأجد له مئة عذر في كل منها مئة تبرير بأن الرئيس يطبخ التغيير المرتقب على نار هادئة، وأنه لا يصدق عاقل أن بشار الأسد هو مركز القوة في الدولة فكل من حوله من الحرس القديم كانوا في أوج السلطة عندما كان طفلا يزور والده في القصر الجمهوري.
كيف يمكن أن يطيح بنواب سابقين للرئيس الوالد ووزراء وجنرالات تثقل أكتافَهُم وصدورَهم نياشينٌ لو تم تعليقُها على حائط لسقط على الفور؟
كيف تطيعه يده فتُوَّقع على قرار عزل أو نقل أو إنهاء خدمات أصدقاء والده الذين كان يسبق لقب واسم كل منهم: عمي العزيز؟
هل سيطيعه الجيش؟
هل ستأتمر بأوامره أجهزة الأمن والاستخبارات وهي التي تستطيع أن تحصي أنفاس المواطن السوري وهو في فراشه في غرفة نوم مغلقة ببيت فوق ربوة عالية؟
نشرت مقالي المعنون بــ ( رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الأسد .. تحرير المواطن قبل تحرير الجولان ) في أحد المواقع السورية الواسعة الزيارة على الانترنيت، فقرأه المئات وعقب عليه ثلاثة فقط زادوا إلى خمسة بعدما نشرت نداء للمشاركة الوطنية.وكنت قد كتبت في هذا المقال الرسالة:
**كل القوانين الجديدة والإصلاحات الاقتصادية والسباق العلمي لن تجدي نفعا ما لم يتم القضاء على دولة الاستخبارات والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وعمل مصالحة وطنية مع كل فئات الشعب من اليمين واليسار والشيوعيين والإخوان المسلمين، وإنهاء أى أثر ظلم وقع على مواطن سوري فى أى مكان.
ولن تحقق سوريا أى تقدم أو تطور أو تنمية حقيقية قبل أن تزيل أنت وحدك وسلطتك وشبابك وحب السوريين لك كل مظاهر الظلم الواقع من أجهزة الأمن السورية على أبناء الشعب.
هل تعرف، سيدي الرئيس الشاب، أن السوريين فى الخارج لا يزالون يرتعدون رعبا من أجهزة الأمن ويبتهلون إلى الله قبل الوصول إلى أرض الوطن مع كل زيارة بأن لا تمتد إليهم يد الأمن، ولا يغضب على أحدهم ضابط، ولا يوشى بأي منهم مخبرٌ صغير يتلقى التوجيهات من مكتب الأمن بالقسوة والعنف والظلم.
الفساد الذى تسعى جاهدا للقضاء عليه تربى فى أحضان أجهزة الأمن وحماية الاستخبارات ورعاية أقسام الشرطة تماما كما فعل رجال عمك من سرايا الدفاع الذين مزجوا التجارة والتهريب والاستيلاء على الموانئ والبضائع بالتحكم فى سراديب الخوف فى زنزانات بسجون مظلمة تصب فى صالح إسرائيل.
لن أحدثك عن الاقتصاد والتجارة الحرة والعلوم والتكنولوجيا والتطور الإنترنيتي كما فعل زملائي فى عشرات من المطبوعات بطول الوطن العربى وعرضه، ولكنني مهموم بشئ واحد لن تستطيع سوريا أن تحقق انتصارا فى أى مجال بدونه، وهو الحقوق الكاملة للمواطن السوري والإفراج الفوري عن آخر سجين للرأي فى السجون السورية**.
** حرر شعبك من الخوف، وقم بنفسك بزيارات لكل السجون والمعتقلات، وتحدث مع المظلومين، واستمع إلى المعارضين والخصوم قبل مؤيديك، واجعل جهاز الأمن فى مواجهة الكيان الصهيوني والطابور الخامس والجواسيس، ولكن بعيدا. . . . . . بعيدا عن أى مواطن سوري برئ.
لا تصدق رجال أمنك ومستشاريك عندما يبلغونك بنبأ اكتشاف مؤامرة لقتلك أو تخطيط لاغتيالك، أو خصوم يتربصون بك، فهذه هي البداية الحقيقية للإيقاع بك سجينا خلف حراسك، ومعتقلا بين أيدي مستشاريك، وقائدا يتحكم فيه التقرير الأمني ليلا ونهارا. وستظل شرعيتك الشعبية غائبة إن حجبك عن شعبك جدار سميك من الأمن والمستشارين والاستخبارات **
ماذا كانت الردود المتواضعة والخجولة والمترددة؟
كانت تعتذر عن الخوف الذي دخل نسيجَ الشخصية السورية، وعبثَ بمشاعرها، وحاول أن يُكمم القلوبَ التي هي في الصدور بعدما لجم الألسنة.
منذ أن تولى الدكتور بشار الأسد وأنا أحتفظ بخط العودة عن ثقة أدعو الله تعالى أن لا تكون وَهْمَا وأضغاثَ أحلام وهلوسات ساذج يعلم مُسبقا أن الأمور أفلتت من يد الرئيس، وأنه هو أيضا سجينٌ كمواطنيه في أيدي أجهزة الأمن حتى لو كان ظاهريا صاحب الكلمة الأولى والأخيرة.
ومع مرور الوقت تزداد قوةُ سيد القصر الجمهوري بدمشق، وكما هي للشعب فهي عليه أيضا، فالزعيمُ لا يعرف بعد مرور فترة طويلة من الزمن أنه قام بصناعة جدار عازل وفاصل بينه وبين الشعب، وأن حُمَاتَه وحُرّاسه هم ساجنوه، يراقبونه بنفس القدر الذي يراقبون فيه أبناء الشعب.
أخشى أن يظن الرئيس الشاب أنه أكثر حرية من أقل المواطنين شأنا، وأكثرهم ضعفا ووَهَنَاً وربما .. خوفا!
أعود إلى صديقي العزيز نائب رئيس تحرير الصحيفة الخليجية الذي استقبلني كعادته بدفء ومحبة وصدق قبيل سفره لأداء العمرة وأبسط أمامه حيرتي، فقلمي لا يطاوعني لأنه يحمل الاثنين معا: ثقة بالرئيس بشار الأسد، وتصديقا لكل تقارير منظمات العفو وحقوق الانسان التي تؤكد أن التجاوزات والانتهاكات والرقابة والسجون والمعتقلات والتعذيب وإمتهان كرامة المواطن لا تزال شاهدة على تجميد حلم التغيير وربما استبدال كابوس به.
ولكن إلى متى يظل الرئيس رهينا لدى أعمامه(!!) ومترقبا يوم الافراج عنه حتى يفرج هو بدوره عن أبناء شعبه؟
أكثر السوريين خائفون، وفكرة التمرد أو العصيان أو التظاهر الشعبي الضخم تبعث على استدعاء آلاف المشاهد من سجون سوريا، والغريب أن المواطن السوري يستيقظ في كل صباح ونَفْسُه مفعمة بأمل ، قد يكون زائفا أو حقيقيا،بأن بشار الأسد قرر في لحظة شجاعة نادرة الانحياز إلى الشعب السوري، وإنهاء دولة الاستخبارات، والافراج عن كل معتقلي الرأي والضمير بدون أي استثناء، ومن ثم تحرير وطن من العدو الداخلي الأكثر شراسة وحقدا وكراهية للسوريين من عدو آخر يحتل بقعة طاهرة من قلب العروبة النابض.

السؤالُ الأكثر صعوبة في طرحه أو في الاجابة عليه هو عن الفترة الزمنية المحدَّدَة والتي تصبح نهايتُها حدّا فاصلا بين أمل معقود ويأس نهائي!
عامٌ خامس للرئيس بشار الأسد ومن المفترض أنه جمع حوله محبيه ومؤيديه واستطاع أن يتسلل إلى القلوب وتمَكَن من فرض هيمنته وسطوته وقوته على كل أجهزة الدولة وفي مقدمتها الجيش والاستخبارات، وأن قرارا جمهوريا صادرا من الرئيس بنفسه يعلن بمقتضاه الافراج الفوري عن كل المعتقلين سيصيب الحرس القديم بصدمة لكنهم سيتراجعون وسيعيدون حساباتهم مرتين قبل أي مواجهة مع سيد القصر.
كانت النيةُ منعقدةً وأنا أبدأ هذا المقال على محاولة ايجاد مخرج أو عذر للرئيس ومن ثم تمديد المهلة قبل الافراج عن الشعب السوري، لكن قلمي يقاوم رغبتي مقاومة عنيفة، ويرفض رفضا حاسما مقالا فيه ثناء وبحث عن انجازات ومكتسبات منذ تولي الشاب مقاليد حكم بلد يملك مفاتيح الأمن في العراق، والسلام في لبنان، والهدوء في الأردن، والغضب في فلسطين المحتلة.
إن كل يوم يمر على سجين رأي أو معتقل ضمير يجلس في زنزانة قذرة في عمق قبو مظلم تحت الأرض هو إدانة لكل ضمير إنساني، وصفعة على ادعاء أي منا أنه يملك روحا في جسد خليفة الله على الأرض.
فكيف لي أن أجد عذرا أو تبريرا لاستمرار اعتقال مظلوم أياما وشهورا وسنوات، ثم يصفح عني ضميري عندما أطالب بالانتظار حتى يتمكن السيد الرئيس من اتخاذ قرار تحرير الوطن والمواطنين؟
أربعة ايام قضاها فراس محمود عبد الله تحت التعذيب في فرع الأمن الجنائي، ثم صعدت روحه إلى بارئها غاضبة ساخطة على القصر الجمهوري، وشاكية العزيز الجبار من ظلم أهل هذا البلد.
وأربعة ايام أخرى كانت كافية لتلحق بها روح المواطن نجدت بري في اللاذقية بعدما خضع لكل صنوف التعذيب القاسي على أيدي الأمن الجنائي.
هل يعلم الرئيس السوري أن القاضي أحمد صالح حمود أشرف بنفسه على تعذيب المواطنة السورية آمنة المحمد العلوي؟
ألم يشمل قَسَمُ الرئيس بشار الأسد أمام الشعب المادة 28 من قانون العقوبات التي تمنع التعذيب الجسدي والنفسي والمعنوي والمهين؟
أليست سوريا طرفا ملتزما بالاعلان العالمي لحقوق الإنسان؟
التعذيبُ في سوريا بشار الأسد روتيني ومنهجي، وسنواتُ حُكم طبيب العيون الشاب المستنير والمتمدن والفنان والرقيق لم تنزع الخوفَ من قلوب السوريين، فشعبُنا السوري العظيم صاحب الحضارة وتاريخ النضال وعهود مشرقة ساهمت في كل الفنون والآداب والعلوم والانتصارات بما فيها انهزامات الوطن الكبير لايزال قِسمٌ كبيرٌ منه إن لم نقل غير مبالغين الشعب برمته يرتعد رعبا من ذكر اسم أجهزة الأمن والاستخبارات، والسوري يتصفح الانترنيت فيرتفع ضغط دمه، ويتجنب مواقع سياسية، وينتظر من يطرق باب بيته لينزعه من أحضان أسرته بتهمة سياسية حتى لو كانت كتابة فقرة في موقع على الشبكة العنكبوتية.
والسوري ينتظر العناية الالهية وهو يسير في شوارع لندن وجنيف وأستوكهولم وكوبنهاجن وأبو ظبي وبيروت ودبي والكويت لعلها تعيد إليه وطنه، وتسمح بتقبيل ترابه، وتتيح له حرية الحلم بالوصول لمطار دمشق الدولي فيدخل دون أن تزداد نبضات قلبه، ويكتشف أن أمن المطار فيه رجال يتقون الله، وأن ملفه خال تماما من أي بقع سوداء نثرتها شكوك ضباط تحركهم الوشاية، وتنعشهم السادية، ويبهجهم مشهد ركبتي المواطن المسكين تصطكان وترتعشان عندما تلتقي عينا العائد إلى الوطن بعيون رجال الأمن الباحثين عن بريء وحيد وسط آلاف العائدين إلى أحضان القلب الكبير لسوريا.
ماذا لو كان الرئيس بشار الأسد يقرأ تقارير اللجنة السورية لحقوق الإنسان، ثم يعرج إلى تقارير منظمة العفو الدولية وكل منظمات حقوق الإنسان ومنها هيومان رايتس ووتش؟
هل تستطيع ذرةٌ واحدة متناهية في الصغر من ضمير الرئيس أن تبرر جريمة اغتيال كرامة شعب، والبصق على الدستور الحامي للحريات، وازدراء آدمية المواطن، واحتقار القضاء، واعتبار روتينية التعذيب والاغتصاب وتفريق الأسرة وابتزاز الأغنياء واعادة نظام الرق في صورة أكثر تحضرا؟
إذا وجد الرئيس أن تلك الأمور من الصغائر ويستطيع السوريون الانتظار عقدا آخر أو عقدين فالأمر لا يحتاج لمقال أو رسالة محبة أو نصيحة أو تمسك بشرعية سيد القصر، وسنكون أمام جريمة مكتملة الأركان، ولن نستطيع أن نهاجم وننتقد ونشجب أحلام وآمال السوريين في الخارج والداخل الذين لن يقاوموا مجنزرة أمريكية يباركها أعضاء الكنيست الصهيوني لو حدث، لا قدر، أن جاء الدور على سوريا بعدما تنتهي قوى الشر من قص أجنحة آيات الله وحراس الثورة في الجمهورية الاسلامية.

أما إذا كان الرئيس الشاب أسيرا حقا، وسجينا ترصد خطواته عيونُ أعمامه والحرس القديم، وأنه يتألم لآلام السوريين، ويتوجع من أجلهم، ويستجديهم أن يصبروا عليه وقتا إضافيا يزيد من معاناتهم، ويمنح الرئيس القوة وبسط السيطرة، ثم تستيقظ سوريا كلها على فجر جديد يحمل معه نسائم الحرية والديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون، فهنا يكون الشق الذي لم يتجرأ ضميري أن يقترب منه في هذا المقال صحيحا، وتصبح كلماتي هتافات محبة وتأييد.
الرئيس بشار الأسد يقول بأن الأولوية للاصلاحات الاقتصادية!
كلمة تزلزل كيان أي صاحب ضمير حي ويقظ ويخشى الله. هل ينتظر المعتقلون المظلومون نجاح مشروعات الاستثمار أو صعود الليرة أو بناء مصنع حديد وصُلب أو تأسيس بورصة جديدة أو تصدير قطن للصين والهند، حتى يتم الافراج عنهم، واعادتهم إلى ذويهم، والسماح لأبنائهم بالعيش تحت سقف واحد مع آباء غضبت عليهم أجهزة الأمن فحرمتهم حق الحياة؟
حتى لو تحسن الوضع الاقتصادي، وأصبحنا نرى لبنانيين وخليجيين يتسولون في شوارع دمشق وحماة وحمص، أو يطلب مجلس التعاون الخليجي قرضا من سوريا، أو يزور رفيق الحريري دمشق كأحد الفقراء، أو تقرر سوريا سد العجز في ميزان المدفوعات السعودي، فإن هذه المعجزة التي لن يحققها مهاتير محمد لو حكم دمشق وتبرع حسن بلقية بكل أموال سلطنة برونواي لمشروعات سورية فإن الهموم السياسية وعلى رأسها كرامة المواطن وحقه في الحرية والأمن والسلام والمواطنة الكاملة أهم من كنوز الدنيا لو نقلها عفريت من الجن ووزعها على السوريين. هل يعلم الرئيس بشار الأسد أن أجهزة أمنه تعتقل زوجات الفارين والهاربين من جمهورية الصمت، وتفرقهم عن أولادهم، وتحتجز أحيانا جوازات سفرهم؟
هل يعلم الرئيس بشار الأسد أن عدوانا قذرا تعد له تل أبيب مع قوى الشر يستهدف سوريا الحبيبة، وأن ضباط الأمن الساديين الذين مارسوا التعذيب والانتهاكات ضد شعبنا سينضمون كجنود أنطوان لحد إلى قوى الغزو؟
بحثت كثيرا في كل مساحات التسامح والحب الذي أحمله لسوريا عن عذر واحد للرئيس الشاب فلم أفلح، فهل يساعدني الرئيس إن سمح له الحرس القديم بقراءة هذه الكلمات في العثور على عذر وتبرير لاستمرار جمهورية الصمت؟
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
http://taeralshmal.jeeran.com
http://www.taeralshmal.com
Taeralshmal@hotmail.com
http://Againstmoubarak.jeeran.com
http://blogs.albawaba.com/taeralshmal

اجمالي القراءات 13541