فى الكيل بمكيالين : من أوكرانيا الى فلسطين

آحمد صبحي منصور في السبت ١٨ - مايو - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

فى الكيل بمكيالين : من أوكرانيا الى فلسطين

هذه رسالة من صديق عزيز أنقلها مع بعض تصريف وأردُّ عليها . يقول :

( يؤسفنى أن بعض الفلسطينيين يؤيدون روسيا فى غزوها لأوكرانيا وتدميرها للجزء الشرقى منها ، هذا لأن رئيس اوكرانيا يهودى ويوالى السياسة الأمريكية ويؤيد إسرائيل . قليلون لا يعرفون البغضاء التى يحتفظ بها الأوكرانيون للروس بسبب ما فعله بهم جوزيف ستالين فى ثلاثينيات القرن الماضى ، إذ قتل بالجوع نحو أربعة ملايين أوكرانى ، وهذا فى تطبيق سياسته فى المزارع الجماعية الحكومية ، والتى تقضى على ما تعودته أوكرانيا من الملكيات الزراعية الصغيرة . رفضوا تأميم مزارعهم فعاقبهم ستالين بما سمّاه الأوكرانيون ب ( هولودومور ) اى القتل بالتجويع . حدث هذا فيما بين 1932 : 1933. كانت أوكرانيا ولا تزال المنطقة التى تصل روسيا بأوربا ، والتى يعبرها الغزاة لروسيا ، ودفعت أوكرانيا الثمن ،  وتجلى هذا فى إعتزازهم بقوميتهم ، وأضاف هذا سببا آخر لغضب ستالين منهم ، وقد هزمهم الجيش السوفيتى وأخضعهم بالقوة بعد مذابح رهيبة . بعد إخضاع اوكرانيا طبّق ستالين فيها سياسة الترويس أى تهجير الروس الى أوكرانيا خصوصا فى الأجزاء الشرقية منها والمتاخمة لروسيا . بعد سقوط الاتحاد السوفيتى وتحرر اوكرانيا وغيرها ظهر بوتين يحاول إسترجاع الاتحاد السوفيتى تحت إسم روسيا ، وسيطر بعملائه على أوكرانيا ، وانتهى الأمر بوصول زيلينيسكى المتحالف مع أمريكا ، فقام بوتين بغزو أوكرانيا وتدميرها . لا أدافع عن زيلينيسكى وموقفه المؤيد لاسرائيل وأمريكا ، ولكن الواضح أنه ليس لديه خيار آخر . وما أضطر اليه الرئيس الأوكرانى لا يختلف كثيرا عن ما يفعله ــ باختياره ــ رئيس السلطة الفلسطينية وتنسيقه الأمنى مع اسرائيل ، وهو أقل كثيرا مما يفعله ـ بإختيارهم ـ زعماء العرب من دول المواجهة خصوصا مصر فى دعمهم لاسرائيل . ولكن الانتقاد الفلسطينى ينصب على الرئيس الأوكرانى ويجعله فى سلّة واحدة مع قادة اسرائيل وأمريكا والناتو . هنا يكون الكيل بمكيالين وإزدواجية المعايير . يجب انتقاد المخطىء بنفس المقياس . ولأنك مفكر إسلامى قرآنى أرجو أن تكتب فى هذا . أنا مؤيد للحق الفلسطينى واستنكر ما يفعله قادة اسرائيل فى غزة ، ولكن فى نفس الوقت لا أوافق على سياسة الكيل بمكيالين عند العرب والفلسطينيين . ) .

أقول :

أولا :

1 ـ القرآن الكريم الذى إتّخذه المحمديون منبوذا ومهجورا قال فيه رب العزة جل وعلا  فى التنزيل المكّى :

1 / 1 : (  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)  النحل )

1 / 2 : وفى الوصية الثامنة من الوصايا العشر : (  وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى )  (152)  الأنعام ).

2 ـ وفيما نزل فى المدينة  قال جل وعلا :

2 / 1 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135) النساء ).

2 / 2 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) المائدة ).

نرجو تدبر الآيات الكريمة ومغزى تكرارها وتأكيدها على الكيل بمكيال العدل وحده ، بغضّ النظر عن القرابة أو العداوة .

ثانيا :

1 ـ المحمديون يقدّسون خلفاء الفتوحات من أبى بكر ومن تلاه ، وهم الذين غزوا واحتلوا دولا وشعوبا لم تقم بالاعتداء عليهم ، ووصلت فتوحاتهم من حدود الصين شرقا الى جنوب فرنسا غربا . وفيها أرتكبوا مذابح وإسترقوا النساء والأطفال وفرضوا الجزية على الشعوب وقهروها . يفخر المحمديون بهذا ويرفضون أى إنتقاد للخلفاء ، بينما ينتقدون الاستعمار الأوربى لبلادهم ، وجرائم الاستعمار فى قرنين لا تساوى شيئا فى جرائم الخلفاء فى قرن واحد من عشرة قرون .

2 ـ كتبنا نبرىء الاسلام من جرائم الخلفاء ( الراشدين ) والأمويين والعباسيين ، وذكرنا بعض المذابح التى ارتكبوها فى إعتداءاتهم على الغير أو فى حروبهم الأهلية ، ومنشور لنا عشرات المقالات والكتب فى هذا الصّدد ، كوفئنا عليها بالتكفير من المحمديين ، وتواجهنا فى مصر أتهامات بإزدراء الدين ، ونحن سعداء بها  ، فنحن نزدرى دينهم الظالم ونفخر بالكفر به تمسكا بالاسلام العظيم .

2 ـ فى تمسكنا بالقيم الاسلامية التى يكفر بها المحمديون :

2 / 1 : نحن مع المستضعفين فى كل زمان ومكان ،وضد أكابر المجرمين فى كل زمان ومكان . ونرى أن الأكثر إجراما هم الخلفاء الفاسقون لأنه يظلمون رب العزة جل وعلا قبل أن يظلموا الناس ، إذ ينسبون إجرامهم اليه والى الاسلام . ولأن إجرامهم أصبح دينا فلا يزال مستمرا يؤيده ويؤكده دينهم الشيطانى المسيطر ، لا خلاف بين أبى بكر ( الصديق الزنديق ) وأبى بكر البغدادى الداعشى . والتجارة الرابحة عند المحمديين حتى الآن هى خلط السياسة بالدين ، إمّا فى خدمة المستبد القائم أو فى التآمر عليه . ولنا كتاب فى وعظ المحمديين فى عدم خلط السياسة بالدين . ولكن عملنا مع ريادته وشجاعته فلا يزال السطحيون يطلقون عليهم إسلاميين .!

 2 ـ نحن مع اليهود فيما تعرضوا له من إضطهاد فى العصور الوسطى وفى العصر الحديث ، وبنفس القدر نحن ضد اليهود الغاصبين سفّاكى دماء الفلسطينيين .

3 ـ نحن مع حقوق الشيعة المضطهدين من الوهابيين  ، ومع حقوق السنيين المضطهدين من شيعة إيران ، ومع حقوق الأكراد فى دولة لهم فى وطنهم التاريخى المقسّم بين عدة دول . وفى صميم القلب نحن مع أخوتنا الأقباط المصريين ، وكتبنا الكثير عما تعرضوا له من إضطهاد من عمرو بن العاص الى حكم العسكر الآثم ومذابحه خصوصا مذبحة ماسبيرو .

ثالثا :

وننقل بعض ما كتبناه :

1 ـ  نقلا عن تاريخ المنتظم لابن الجوزى: حوادث سنة 98 : ( وفيها‏:‏ غزا يزيد بن المهلب جرجان وطبرستان فى مائة الف مقاتل سوى الموالى والمتطوعين.‏ وجاء فنزل بدهستان فحاصرها ومنع عنهم المواد فبعث إليه ملكهم‏:‏ إني أريد أن أصالحك على أن تؤمنني على نفسي وأهل بيتي ومالي وأدفع إليك المدينة وما فيها وأهلها‏.‏فصالحه ووفى له ودخل المدينة ، وأخذ ما كان فيها من الأموال والكنوز ومن السبي ما لا يحصى ، وقتل أربع عشر ألف تركي صبرًا، وكتب بذلك إلى سليمان بن عبد الملك.ثم خرج حتى أتى جرجان و قد كانوا يصالحون أهل الكوفة على مائة ألف ومائتي ألف وثلاثمائة ألف وقد كانوا صالحوا سعيد بن العاص ثم امتنعوا وكفروا، فلم يأت بعد سعيد إليهم أحد ، ومنعوا ذلك الطريق فلم يسلكه أحد إلا على وجل وخوف منهم‏.‏ فلما أتاهم يزيد استقبلوه بالصلح فاستخلف رجلا .......‏ ثم إنهم غدروا بجنده فقتلوا منهم ونقضوا العهد فأعطى الله عهدًا لئن ظفر بهم لا يرفع عنهم السيف حتى يطحن بدمائهم ويختبز من ذلك الطحين ويأكل ، فنزل علها سبعة أشهر لا يقدر منهم على شيء ولا يعرف لها مأتى إلا من وجه واحد فكانوا يخرجون فيقاتلونهم ويرجعون إلى حصنهم فدله رجل على طريق آخر يشرف عليهم فبعث معه جندًا ونهض هو لقتالهم فركبهم المسلمون فأعطوا بأيديهم ونزلوا على حكمه ، فسبى ذراريهم وقتل مقاتليهم وصلبهم على الشجر عن يمين الطريق ويساره وقاد منهم اثني عشر ألفًا إلى الوادي فقتلوا فيه فأجرى فيه دماءهم وأجرى فيه الماء وعليه أرحاء فحطن واختبز وأكل..!!)  .....

 2 ـ نقلا عن المقريزى فى تاريخه السلوك ، عمّا فعله السفاح المتدين تيمور لنك حين غزا الشام فى العصر المملوكى : 

ففى ربيع الأول 803 كانت جيوش تيمورلنك تحاصر مدينة حلب التابعة للدولة المملوكية .. واقتحم تيمورلنك المدينة بعد أن هزم حاميتها المملوكية وداست حوافر الخيل أجساد المدنيين فى حلب فمات الآلاف حتى صارت الجثث في الشوارع تملأ الطرقات، واحتمى أهل حلب بالمساجد والجوامع . وكان أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ فاقتحم جنود تيمورلنك(المسلمون) المساجد يقتلون النساء واغتصبوا الفتيات في نفس المساجد أمام الأحياء من أهلهن ، وامتلأت الجوامع بجثث القتلى ، واستمر القتل والنهب والاغتصاب ساريا فى حلب وامتد ذلك إلى القرى المجاورة طيلة شهر ،وملأت الجثث الطرقات بحيث لم يكن احد يجد مكانا يمشى عليه إلا وتحت قدميه جثة أو أعضاء ادمية مقطوعة !!وفى النهاية جمع تيمورلنك رءوس القتلى وعمل منها منائر مرتفعة فى السماء وجعل وجوهها بارزة يراها من يمر بها . وكان عدد الرءوس يزيد على عشرين ألفا ، ثم رحل عن حلب بعد أن تركها خرابا خالية من الحياة . ولكنه قبل أن يرحل طلب أن يرى من بقى من علماء حلب فجىء له بابن الشحنة الحنفى ، وناقشه فى أمور الدين وعبر تيمورلنك عن اعجابه بابن الشحنة . ثم إتجه تيمورلنك نحو حماة فاقتحمها ونهبها وسبى النساء والأطفال وأسر الرجال واغتصب رجاله نساءها جهارا أمام الأهل ، وكانت حماة مثل حلب فى الحرق والتدمير .  ثم إتجه الى دمشق وقد ازدحمت بالهاربين وسيطر الرعب على أهلها مما ينتظرهم على يده ، وانفرد تيمورلنك بدمشق وهجم جنوده على أسوارها إلا أن الحامية ردتهم ، فعرض عليهم تيمورلنك الصلح والمفاوضات وقال" هذه بلد الأنبياء وقد أعتقتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة عن أولادى " فانخدع بكلامه بعض أهل دمشق ووقعت الفرقة بين الجنود والقادة فى أمر الصلح . ثم اتفق الجميع على دفع الجزية وجاءت الوفود من دمشق للتفاوض مع تيمورلنك وعادوا إلى المدينة مبهورين بصلاح تيمورلنك وكيف أنه لا يكف عن التسبيح والاستغفار ، وأنه زار قبر أم حبيبة زوج الرسول عليه السلام وأنه قال : يا أهل الشام مثل هذا القبر يكون بلا قبة عليه ؟ أنا إن شاء الله تعالى أبنى عليه قبة "!!  ورضى  أهل دمشق بدفع مليون دينار لتيمورلنك ، فلما جاءه المال غضب وفرض عليهم غرامة قدرها عشرة ملايين دينار ، وعاد الوفد بجمع الغرامة من السكان وكانت فوق طاقتهم ، فاصابهم جهد شديد فى تدبيرها ، فكانوا يبيعون مايملكون ليكملوا الغرامة.  وبعد تعب شديد جمعوا الغرامة فلما رآها فرض عليهم سبعة ملايين دينار أخرى ، وألزمهم باخراج ما فى المدينة من سلاح ودواب وعتاد ، وبعد أن أخلى المدينة من كل شىء عدا البشر اعتقل الوفد الذى يقوم بالمفاوضات معه ، وألزمهم بأن يكتبوا له خطط مدينة دمشق وحاراتها ، ثم أنزل جنوده فى كل حارة بالترتيب يدخلون كل بيت يعذبون صاحبه ويغتصبون زوجته وبناته وأولاده أمامه ، وينهبون ما لديه ، يقول المقريزى إن صاحب الدار كان وهو تحت العذاب يشاهد إمرأته وهى توطأ وابنته وهى تغتصب بكارتها وولده وهو يُلاط به فيصرخ كل منهم بما يلاقيه.. واستمر أهل دمشق تحت هذا البلاء تسعة عشر يوما آخرها يوم الثلاثاء 28 رجب 803 فهلك تحت التعذيب مئات الآلاف .. ثم دخل تيمورلنك المدينة يوم الأربعاء ومعه امراؤه فنهبوا مابقى فى البيوت من آثاث وسبوا نساء دمشق باجمعهن، وأخذوا الرجال والأولاد مربوطين بالحبال أسرى ، ثم أمر باحراق المدينة بأكملها . وكان تيمورلنك قد أمر بجمع أطفال دمشق أقل من خمس سنوات والذين مات أهاليهم ووقف ينظر وهو على فرسه ساعة طويلة ، ثم امر عساكره أن تسير عليهم بالخيول ، وكانوا نحو عشرة آلاف طفل ، فماتوا جميعا ، وقال تيمورلنك " انتظرت أن ينزل الله على قلبى رحمة بهم ، فما نزلت الرحمة بهم " وكان تيمورلنك يقول " أنا غضب الله فى أرضه يسلطنى على من يشاء من خلقه"  

3 ـ عن المقريزى أيضا ننقل ما إرتكبه جنود السلطان المملوكى ( برسباى ) في مدينة ( الرها )، وقد ذكر المقريزى تفاصيل المذبحة ، ودليلا على صدقه نقل عنه المؤرخ أبو المحاسن ، وكان مما قاله : ( ثم ألقوا النار فيها فأحرقوها بعدما أخلوها من جميع ما كان فيها وقتلوا من كان بها وبالمدينة ثم أخربوا المدينة وألقوا النار فيها فاحترقت واحترق في الحريق جماعة من النسوة فإنهن اختفين في الأماكن من البلد خوفًا من العسكر فلما احترقت المدينة احترقن الجميع في النار التي أضرمت بسكك المدينة وخباياها واحترق أيضًا معهن عدة كبيرة من أولادهن‏. هذا بعد أن أسرفوا في القتل بحيث إنه كان الطريق قد ضاق من كثرة القتلى‏. وفي الجملة فقد فعلوا بمدينة الرها فعل التمرلنكيين ( جنود تيمورلنك ) وزيادة من القتل والأسر والإحراق والفجور بالنساء فما شاء الله كان‏. ثم رحلوا من الغد في يوم الاثنين ثالث عشرينه وأيديهم قد امتلأت من النهب والسبي فقطعت منهم عدة نساء من التعب فمتن عطشًا وبيعت منهن بحلب وغيرها عدة كبيرة‏. ) .

أخيرا

لم ننقل عن مستشرقين بل عن مصادر تاريخية معتمدة ، ونتقرب الى ربنا جل وعلا بهذا الجهاد فى تبرئة الاسلام العظيم من إجرام المحمديين . 

اجمالي القراءات 1643