في الخامس من مايو 2014 تعرفت على أهل القرآن ودخلت موقعهم وبدأت أكتب فيه. عشر سنوات مضت منذ ذلك اليوم. لا ادري كيف مضت وبأي سرعة برق ولت. ولكن أحسن تعبير وجدته هو
تلك أيام نداولها بين الناس وقد خلت ونحن في غفلة من الزمن.
أذكر أني في أول أسبوع قرأت فيه أول مقال للدكتور احمد صبحي منصور. أسبوع كامل لم اترك فيها لزوجي فرصة للراحة. حيث أنني كلما قرأت جملة ذهبت إليه وأريتها له وناقشـته فيها. ثم أول ما فعلت تطهرت وكأنني دخلت الإسلام لأول مرة . واذكر أنني وضعت القران أمامي حتى لا أنسى الآية التي يجب أن أقولها في التشهد. " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم"
بعد أن كان لساني قد دأب على الصلاة على إبراهيم و آل إبراهيم في العالمين.
حينها أدركت معنى الآية الكريمة
( يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا )
اذكر أنني بكيت كثيرا حينها وأبكي اليوم من الإشفاق. الإشفاق على حالنا وحال المسلمين اليوم وهم ما يزالون يجادلون في دين الله وينسخون أقوال المولى عز وجل ليضعوا مكانها أقوال مخلوقات أعمى الجهل قلوبهم وبصائرهم فاشتروا بآيات الله ثمنا قليلا.
على أي كان هذا على هامش احتفائي بالذكرى العاشرة لدخولي موقع أهل القرآن. واذكر أنه من فرط تفكيري في كل ما قرأته خرجت بسيارتي ونسيت اخذ شنطتي وهاتفي والأدهى انه كان علي أن أضع البنزين في السيارة .فماذا أفعل ؟
انتظرت في سيارتي حتى رأيت شخصا توسمت فيه الثقة فطلبت منه حق مكالمة تلفونية حتى أتصل بزوجي. لم يكن معه أو ربما ظن بأنني لا أستحق الصدقة والله أعلم بما دار في خلده. كيف لسيدة تركب سيارة مكيفة أن تطلب ثمن مكالمة هاتفية ؟ تنحيت عن الطريق ثم وقفت لأفكر فيما يمكن فعله . لا أدري كيف ولماذا وجدت بطاقتي البنكية مع أوراق السيارة مع إني لا اتركها أبدا هناك.
المظاهر خادعة جدا وقد يكون هذا الرجل أساء ألظن بي في نفسه دون أن يظهر ذلك وكم من سوء النية ظلم وأدركت كنه الآية الكريمة " إن بعض الظن إثم " سبحان الله واقسم على أنني لا أبالغ . ما أقوله صحيح والله على ما أقول شهيد. أن الله أراني آياته ذلك الأسبوع. وفي كل حركة افعلها أو خطوة أخطوها كنت أرى فيها أية .واستطيع أن أقول اليوم بأنني أومن بالله بقناعة وبحب .
سبحان الله لا أدري لماذا تذكرت في هذه اللحظة شيخا سأظل أدعو له كلما ذكرته ما حييت وقد فعل معي تماما شيئا لن أنساه. شيء مغاير تماما لما فعله الرجل الذي تحدثت عنه أعلاه.
والدتي تحب كثيرا الأسواق البلدية ولكنني لا استحمل الغبار ولا حرارة الشمس لذلك حين خرجت مع والدتي يومها أوقفت سيارتي الرباعية الدفع في مكان فيه ظل وعوض إن اجلس في سيارتي اتكأت على السيارة وكنت فعلا متعبة . رآني شيخ ظن أنني اتكئ على سيارة احدهم. لم ألاحظ وجوده في المرة الأولى. مر بقربي مرورا لكرام كأي عابر ولكنه عاد محملا بفاكهة غسلها وأعطاني إياها ودعا لي بالتوفيق وبان تكون لدي سيارة كالتي اتكأ عليها.
لم أجرؤ أن أقول له بأنها سيارتي وخجلت من طيبة قلب هذا الرجل الذي فعل الخير غير آبه .رأي سيدة بدا عليها التعب ولا تمد يدها لطلب الصدقة فأعطاها مما رزقه الله.
ولكي اقطع دابر أي مشكك في نية هذا الرجل فقد كان شعري مغطى ووجهي وكل جسدي . (لأنني فعلا لا استطيع استحمال أشعة الشمس ).
اللهم ارحمه واغفر له واسكنه فسيح جناتك يا ارحم الراحمين إن كان قد مات وانعم عليه بالصحة وراحة البال إن كان حيا.
لن أنسى هذا الصنيع من رجل بسيط دله الله على فعل الخير دون أن ينتظر جزاء ولا شكورا ومضى إلى حال سبيله.عندما عادت أمي قالت لي لماذا لم تكرمي الرجل وتشرحي له فربما كان هذا قوت أبنائه وان ذلك ما كان يملكه فأجبتها بأنني لم أرد أن أفسد سعادته وفرحته بالصدقة التي أعطاها لغير سائل بحقيقة لن تنفعه سوى أنها ستجعله يحتاط من إعطاء الصدقة لمحتاج حقيقي يوما ما. كان هذا على هامش العشر سنوات. وفي كثير من الأحيان حين أحاول أن اكتب في موضوع ما أجد أنه قد قتل بحثا في الموقع لذلك ارتأيت أن أختار مواضيع من الحياة اليومية لأناقشها وطبعا دائما تحت مظلة القرآن وبرجوع له. وسأبدأ اليوم بقصة هزت الشارع المصري هذه الأيام.
هي قصة شاب اختطفه شاب آخر فمثل بجثته لأنه كان سيتقاضى أجرا من شاب آخر يريد بيع صور الجريمة على الهواء مباشرة في الدارك ويب.
المحزن والمؤسف في هذه القضية أن هناك مرضى نفسيين تستهويهم مثل هذه الوقائع. يريدون جنائز لا يلطمون فيها حتى. فتجد التيكتوك وغيره من المواقع اللا اجتماعية واعيدها اللا اجتماعية تتسابق في ذكر التفاصيل دون مراعاة شعور أهل الفقيد ولا مراعاة شعور الناس.
وتجد الشباب العاطل المعطل العواطف والدماغ يتسابقون في التواصل مع أهل الضحايا المكلومين لطلب تفاصيل أكثر وجلب مشاهدات اكبر. فيستحلون أعراض الناس ويدخلون بيوتهم ويهينون أحياءهم و أمواتهم.
الكثير من السيكوباتيين تتحرك عندهم غريزة القتل حين يرون جريمة لأول مرة فتستهويهم التفاصيل السوداوية ويعيشون الجريمة في خيالاتهم المريضة حتى يقدموا على الفعل حين تحين لهم الفرصة لذلك. بل ويتفننون أكثر في الإتيان بأمور أفظع حتى يتميزوا عن سابقيهم من القتلة المتسلسلين.
وللأسف فان وسائل التواصل الغير اجتماعية والتي فككت أواصر المجتمع ليحل محلها تصرف أناني لا أخلاقي .حيث تجد العائلة في البيت الواحد لا تحدث بعضها ولا تهتم ببعضها بسبب الشطط و المبالغة في الفرجة على التفاهات المدرة للربح على الانترنت. فأصبح البشر لعمري كالذباب تستهويه رائحة القذارة.وأصبحت مثل هذه العناوين " لن تصدق ماذا فعله فلان أو علان" مصيدة لذباب النت.
يقول رب العزة
(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)،
فلماذا يجهرون بالسوء؟ لماذا لا يتركون العدالة تأخذ مجراها؟ لعل الله ينصف المظلوم ويسمع صرخته وسط هذا الصخب الفارغ.
فحذار. حذار من هذا الانحدار إلى هاوية فقدان التعاطف الإنساني واستبداله بحكايات رعب لن تفيد أحدا.
غفر الله لي ولكنني أحيانا لا أحس بالتعاطف تجاه عائلات الضحايا حيث انك مرات عديدة لا تحس حتى بالحزن في أصواتهم إلا من رحم ربي.وكأن مصابهم مدعاة للرفق بهم هم أنفسهم فينسون الضحية . الضحية الحقيقية هي التي ذهبت في ريعان شبابها ومنعت من حقها في الحياة .أما التمثيل بالجثة فهو كما قالت العرب قديما . وهل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها؟
التفاصيل تخلق لنا سيكوباتيين جدد ومرضى نفسيين جدد. ولا تحل القضايا بل غاية ما تفعله أنها تجعل حتى المشاهد العادي يتوق إلى جريمة أفظع .بحثا عن الجديد. وما الشيء الأفظع من الموت غير الموت نفسه وفقدان الحياة .
فقدان فرصة الخطأ والتوبة فرصة اليأس والأمل فرصة الحياة بحلوها ومرها .أما الباقي فتفاصيل لا تهم الميت بل تغذي فجور الأحياء.
فمتى كان المجرمون يسمعون القصص ليتعظوا ومتى كانت الضحايا لا تقرأ الأمان في عيون قاتلها إلا لحظة توديع الحياة. حيث لا تعرف نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي ارض تموت.