بسم الله الرحمن الرحيم
(( وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ))- 13- الجاثية –
ذكر الله العلي القدير في سورة الجاثية قائمة طويلة من آياته وكيف أن هناك من لم تحرك فيه هذه الآيات ساكنا إلى أن تساءل الله قائلا : (( فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون؟؟؟ )).
وإن التعليق هذه المرة يقتصر على ما قد يجوز اعتباره نقطتين أو موضوعين :
الأول : تلك الآية رقم 13 و&szliig;كيف أن الله العلي القدير اهتم بمخلوقه الضعيف إلى درجة أن سخر له كل ما سخر ، ومن بين ذلك ما في السماوات وما في الأرض جميعا ؟ وإن هذا يدل على تلك القيمة التي خصصها الله لهذا الإنسان ، ومن أجل ماذا ؟ لعله يتحول إلى متفكر ، وإذا تحول إلى تلك الحالة سيكون ارتقى إلى درجة من يقدر الله حق قدره .
والتساؤل الذي يتبادر إلى الذهن بعد هذا التدبر هو : هل وعى الإنسان المؤمن قيمة وحجم وثقل ودرجة ما سخر له خالقه خصيصا له وهو ما في السماوات وما في الأرض ؟
وما دام التفكر في ذلك وتقديره لا يتأتى إلا بعد الإلتفات إليه والتحديق فيه والشوق والتطلع إليه واتخاذ كل الأسباب الممكنة المؤدية إليه .
وما دام السواد الأعظم من المسلمين المؤمنين المتواجدين بين المحيط الأطلسي والخليج الفارسي منهمكين في كل شئ ومهتمين بأي شئ ما عدا بما سخر الله لهم في السماوات والأرض .
وما دام واقع هؤلاء المسلمين المؤمنين ينبئ بأنهم لا يعنيهم من السماء المسخرة لهم إلا هلال شهر شعبان ليبنوا عليه قاعدة انطلاق رأيهم الذي سيكون حتما مغايرا لقاعدة ما بناه مسلمون آخرون ، وبالتالي لينطلق الجميع على بركة أي اعتبار ما عدا بركة الله والإخلاص له وليلوح كل منهم بهلاله وشرعية ميلاده للشروع في شهر الصيام والخروج منه إلى شوال ، وهكذا وليحسب كل فريق أنه هو لا غيره من المصيبين الناجين .
ما دام هؤلاء المسلمون المؤمنون كلما نجحت مهمة ما لغزو الفضاء أو لم تنجح سارعوا إلى تقويم تلك الرحلة بالملايير وليحولوها إلى مادة انتقاد موجه إلى أولئك الذين لم يديروا ظهورهم ولم يسخروا بما سخر الله للإنسان .
وما دمنا نحن المسلمين المؤمنين لا نشعر بوخز الضمير في كل نجاح رحلة فضائية أو في خبر اكتشاف شمس ما أو نجم ما أو مجرة ما هي في طور النشوء .
ما دمنا على هذه الحالة ، ونحن حتما عليها ، فهل يمكن أن نتحول في يوم من الأيام إلى قوم يتفكرون ؟ هذا هو السؤال .
الموضوع الثاني : فهو من حيث الشكل مختصر جدا بالنسبة للتساؤل الذي تساءله الله قائلا : ((تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ . ؟؟؟ )). – 06- الجاثية –
وأنا واثق في أن الجميع سيتفقون معي بأن هذه الآية -06- في سورة الجاثية عندما نزلت على محمد الرسول عليه الصلاة وعندما بلغها هو لمن بلغها كانت مفهومة ومهضومة ما دامت كلام الله المبين .
ولو فرضنا جدلا أن الرسول ومن معه كان عليهم واجب الرد على هذا السؤال الذي ألقاه عليهم الخالق العلي القدير لكان جوابهم حتما هكذا : إنه لا ولن يكون هناك أي حديث مغاير ويستحيل أن نؤمن بأي حديث آخر بعد الله .
وهذا الرد المذكور أعلاه هو حتما الرد الذي أجاب عليه محمد الرسول عليه الصلاة ومن معه في عهده وأن إجابتهم كانت حتما بمثابة أخلاق وسيرة ومعاملة ومواقف وفعل وردود فعل بدون أي تصادم أو تناقض مع حديث الله الرحمن الرحيم أو شك أو ظنون أو حيرة أو ارتباك .
أما بالنسبة لنا نحن مسلمي هذا العصر ومؤمنيه بل وحتى مسلمي ومؤمني عصور عديدة خلت منذ عدة قرون ، فإن جوابنا من خلال أخلاقنا وسيرتنا ومعاملاتنا ومواقفنا وأفعالنا وردود أفعالنا ، نعم إن جوابنا سيكون حتما معروفا وميسرا مع الأسف الشديد وهو : أن هناك فعلا الحديث الذي نؤمن به بعد الله وآياته وهو أي حديث أو قول أو تصرف أو افتراء اتهم به سيدنا محمد رسول الله ولم نتورع في العمل به بعد أن آمنا به غير مكترثين بأن عملنا به وإيماننا به نتج عنه حتما تعطيل أمر من أوامر الله الصريحة الصارخة وفوق كل ذلك متهمين الرسول بأنه قد تقول على الله الأقاويل .
وإن هذا التعليق لا مبالغة فيه ، ولنقتنع أكثر يكفي أن نزيد فنهتم ونفتح كتب الصحاح لنشاهد تلك الأمواج المتلاطمة مما رمي به الرسول واتهم زورا وبهتانا .