في الأردن.. مواجهة مكتومة بين تشدد واعتدال

في الأربعاء ١٤ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

أثار انتخاب د. همام سعيد مراقباً عاماً لجماعة الإخوان المسلمين، التي تُـمثل كبرى الحركات السياسية في المملكة الأردنية، اهتماماً إعلامياً داخلياً وخارجياً واسعاً.
وشكّل الحدث - وِفقاً للكثير من المراقبين - تراجُـعاً نسبياً في خطّ الجماعة ومُـيولها، الفكرية والسياسية، بخاصة أنّ السنوات الأخيرة امتازت بغلبة للتيار المعتدل، والبراغماتي داخل الجماعة.


انتخاب سعيد، المعروف أنه من "صُـقور الإخوان"، تبِـعه مباشرة اختيار مكتب تنفيذي من قيادات جناح الحمائم والوسط (المعتدل)، ما خفف من قوة الرسالة السياسية وجنح بالمعادلة الإخوانية والسياسية العامة نحو الترقب والانتظار، بدلاً من حافة الهاوية، فيما لو أن المكتب التنفيذي كان أيضاًَ من التيار المتشدد والمجموعة القريبة من حركة حماس.



على الرغم من هذه القيادة "الهجينة"، فكرياً وسياسياً، إلاّ أنّ "عودة الصقور" جدّدت الجدال والسِّجال السياسي حول الأبعاد والدّلالات من ناحية، والمسؤول عن تراجع "خطّ الاعتدال من ناحية أخرى.


ردّاً على قسوة السياسات الرسمية!

وفي الوقت الذي لا يمكن فيه استبعاد ضراوة السِّـجال الإخواني الداخلي حول قضايا مفصلية تتعلّـق بهوية الجماعة ووجهتها، بخاصة في الشهور الأخيرة (بعد انفصال حركة حماس رسمياً عن جماعة إخوان الأردن) ودور هذا السجال في وصول التيار المتشدّد من خلال حضوره الكبير داخل قواعد الجماعة، إلاّ أنّ هذا لا ينفي وجود دور كبير للسياسات الحكومية والرسمية في إضعاف التيار المعتدِل الوسطي وتقوية حضور التيار المتشدِّد ونفوذه.



التيار المعتدل، الذي سيطر على قيادة جماعة الإخوان وحزبها (جبهة العمل الإسلامي، باستثناء زعيم الحزب زكي بني ارشيد) قبل عامين، واجه منذ البداية ضغوطا شديدة وعصفت به أزمات متتالية مع الحكومة الأردنية، سواء في الموقف الرسمي من بني ارشيد أو الانتخابات البلدية أو الانتخابات النيابية، وقبل ذلك، ما سُـمي بأزمة "نواب التعزية"، وفي الوقت نفسه، واجه تشكيكاً وتأليباً للقواعد من قِـبل التيار المتشدِّد.



الصِّـراع الداخلي اشتدّت وتيرته مع الانتخابات النيابية، حيث قرّرت قيادة الجماعة (المعتدلة) المشاركة بعدد مقبول من المرشحين (فقط 22 مرشحاً لعدد مقاعد المجلس الـ 110) واعتماد قائمة من الأسماء المعتدلة والوسطية واستبعاد الأسماء الإشكالية والمتشددة، اعتبرت رسالة "حُـسن نوايا" واضحة، إلاّ أنّ الردّ الحكومي كان على النَّـقيض من ذلك، مزيداً من إضعاف الجماعة وحِـصارها ودعم منافسيها بصورة اعتبرها المركز الوطني لحقوق الإنسان انتهاكاً لنزاهة الانتخابات، ما أدّى إلى محصول قليل (6) مقاعد للجماعة، وهي أسوأ نسبة تحصل عليها منذ عقود.



نتيجة الانتخابات التي شكّـلت صدمة شديدة لقواعد الجماعة وأنصارها، عزّزت من رواية التيار المتشدّد وموقفه الحادّ من الجناح المعتدل، ما أدّى إلى أزمة داخلية دفعت إلى انتخابات مبكّـرة لمجلس الشورى وقيادة الجماعة، كانت نتيجتها أغلبية نسبِـية للمتشدّدين في الشورى، على الرغم من مقاومة المعتدلين وخوضِـهم المعركة الانتخابية الداخلية بأثقال الانتخابات النيابية والنّـكسة من السياسات الحكومية.


بين المعادلة التقليدية وإعادة التعريف

يؤكِّـد ياسر أبو هلالة، الكاتب والمحلل السياسي المتخصص بالحركة الإسلامية، على القِـراءة السابقة، إذ صرّح لسويس أنفو أنّ "هنالك طحناً رسمياً في السنتين الأخيرتين من عمر الجماعة، إذ لم تُـعط القيادة (المعتدلة) السابقة أية فرصة لالتقاط الأنفاس"، وأضاف أبو هلالة بأنّ المراقب العام السابق، سالم الفلاحات كان محاصَـراً من قِـبل الدولة، فهو "المراقب العام الوحيد الذي لم يقابل الملك شخصياً، في حين كانت اللقاءات الرسمية بين الجماعة وبين مسؤولين في الدولة محدودة وقليلة".



ويرى أبو هلالة أنّ الفلاحات "حمل عبء الاعتدال المرحلة السابقة"، لكنه يرفض أنّ المعتدلين يدفعون ثمن أخطاء في حساباتهم السياسية، ويرى أنّهم حاولوا تقديم رسالة سياسية واضحة بعدم الرغبة في التصعيد وباحتواء الموقف، إلاّ أنّ الرد الحكومي كان دائماً سلبياً، وهو "ما أدّى إلى إضعاف صوت الاعتدال أمام القواعد وتقوِية الخِـطاب المتشدّد".



ويلاحظ أبو هلالة أنّ التيار المتشدّد لا يقدم أفقاً سياسياً حقيقياً للمرحلة القادمة بقدر "ما كان نتيجة طبيعية لعدم التجاوب الرسمي مع تيار الاعتدال الإخواني".



من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي د. حسن البراري، وإن كان يتّـفق مع أبو هلالة بدور السياسات الرسمية في محاصرة تيار الاعتدال وإضعافه، "إنّ هنالك أسباباً تقف خلف وصول التيار المتشدّد، في مقدّمتها الموقف من حركة حماس، إذ تنظر قواعد الإخوان بصورة سلبية لموقف الحكومة الأردنية وتعتبرها داعماًً لحركة فتح ضدّ حركة حماس، لذلك دعمت التيار المقرّب من حماس داخل الإخوان، ردّاً على السياسة الرسمية".



ويضيف البراري إلى ما سبق أنّ هنالك – في الأصل - خلاف أيديولوجي حول هوية الجماعة ووجهتها، أبعد من مجرّد وصف الاعتدال والتطرّف، "يرتبط أساساً فيما إذا كانت الجماعة تريد البقاء ضِـمن أصول المعادلة التقليدية في السياسة الأردنية أم تريد إعادة تعريف حضورها في سياق العلاقة مع حركة حماس، وِفقاً لأجندتها السياسية".


صعود المتشددين ليس استثناءً أردنياً!

ويرى خليل العناني، الخبير المصري في شؤون الحركات الإسلامية، أنّ صعود التيار المتشدد أقرب إلى "الحالة العامة في المنطقة، وليس استثناءً أردنيا وأنّ هنالك حالة سلفية محافظة تكتسِـح المجتمعات العربية في السنوات الأخيرة، وتُـلقي بظلال واسعة على المجتمعات وعلى الحركات الإسلامية بصورة خاصة".



إلاّ أنّ العناني يقول إنّ السياسات الرسمية المتوازية في العديد من الدول العربية في الفترة الأخيرة، تعزّز من رصيد حالة المحافظة السائدة، ويضيف أنّ "هنالك استباحة رسمية للحركات الإسلامية في العديد من الدول العربية، سواء بالحصار السياسي والاقتصادي أو الاعتقالات، ما يُـعزز من انغِـلاق هذه الحركات على نفسها، وإضعاف المعتدلين الذين يسعَـون إلى الاندماج في الحياة السياسية والانفتاح على الحكومات، بينما يُـقوّي صوت التيارات المتشدّدة التي تعزز من شكوك الثقة بين الحكومات والحركات الإسلامية".



بالإمساك بالجملة الأخيرة من تصريح العناني، فإنّ خطاب المتشدّدين الذي يثير علامات استفهام حول الثقة بالحكومات، هو الوجه الآخر لسياسات الحكومات العربية التي تغلب الاعتبارات الأمنية على الآفاق السياسية، وتنظر بعين الرَّيبة لطموح الحركات الإسلامية، حتى تلك التي تُـعلن قبولها بالديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان، بل يذهب بعض المراقبين إلى أنه كلّـما اندفع الإسلاميون نحو خِـطاب ديمقراطي معتدل، كلما عزّزوا من هواجِـس الحكومات العربية ودفعوا ثمن هذا الاعتدال..!



يبدو أنّ الأفُـق الرئيسية لتجاوز الأزمة بين الحكومة الأردنية وجماعة الإخوان، يتمثل بوجود حوار عَـقلاني بين تيار مُـنفتح داخل الدولة، والتيار العقلاني المعتدل داخل جماعة الإخوان، إلاّ أنّ المؤشِّـرات تشير إلى انسِـداد قنوات الحوار السياسي بين الطرفين وسيادة المنظور الأمني المَـحض.
المصدر: سويس انفو

اجمالي القراءات 3191