مقال تأبيني بمناسبة وفاة الرايس الحاج المهدي بن امبارك في ظل صمت رسمي مريب

مهدي مالك في الجمعة ٢٩ - مارس - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

مقال تأبيني بمناسبة وفاة الرايس الحاج المهدي بن امبارك في ظل صمت رسمي مريب  

مقدمة متواضعة                                         

ان فن الروايس هو ضارب في جذور الحضارة المغربية حسب ما فهمته من كلام الأستاذ الصافي علي مومن في أوائل تسعينات القرن الماضي في اطار التنظير لمصطلح الثقافة الامازيغية في بلادنا آنذاك أي ان هذا القول الاولي يفيد ان فن الروايس هو اصيل في بلادنا بينما ان الطرب الاندلسي هو دخيل من الاندلس بعد سقوطها في سنة 1492 مع العلم ان الدكتور عبد الخالق كلاب الله يحفظه يطرح الان فرضية جديدة الا و هي ان أصول اهل الاندلس هي أصول امازيغية بالتمام و الكمال أي ان العلم يتقدم بينما ظل أصحاب اللحى السوداء يرددون اقاويل عمرها 1200 سنة.

لكن في العقود الماضية ساد خطاب الحركة الوطنية بشكل فضيع على مختلف مناحي حياتنا العامة من التعليم و الاعلام و الحقل الديني حيث ان هذا الخطاب الدخيل من المشرق العربي قد رسخ مجموعة من المسلمات و الأسس العنصرية من قبيل ان المغرب هو بلد عربي خالص منذ ما يسمى بالفتح الإسلامي.

 و من قبيل  ان فرنسا كانت ترغب في تنصير الامازيغيين في سنة 1930 و مثل ان العروبة هي ضرورية للحفاظ على اسلام المغاربة الخ من هذه المسلمات  المؤسسة للدولة الوطنية المركزية بعد سنة 1956 و المؤسسة كذلك لاولى تيارات الإسلام السياسي بالمغرب في أواسط سبعينات القرن الماضي ..

و المؤسسة ايضا لتهميش هويتنا الامازيغية بمختلف ابعادها الثقافية و الدينية و السياسية منذ سنة 1956 الى سنة 2001 حيث كانت تلك المرحلة عنوان لادخال الفنون الامازيغية الاصيلة الى خانة الاحتقار و التمييز العنصري الصريح امام سيادة الطرب الاندلسي على كافة الفنون المغربية الأخرى عبر ربوع  هذا البلد الأمين بحكم ان الطرب الاندلسي كان و مازال يمثل الاصالة الإسلامية للمغرب باعتبار ان رموز الحركة الوطنية المغربية كما تسمى كانت تنتمي الى مدن فاس و الرباط و سلا التي تحتضن هذا الطرب الموقر..

 و بالتالي فتم ترسيم الموسيقى الاندلسي في الوعي الجمعي للمغاربة منذ سنة 1956 الى حدود الامس القريب باعتبارها الموسيقى الدينية الوحيدة في المغرب بصفتها تبث عند إفطار المغاربة في شهر رمضان الابرك و في صباح الأعياد الدينية في الإذاعة و في التلفزة حتى اعتقد اغلب المغاربة ان الطرب الاندلسي هو سادس اركان الإسلام كما كنت اعتقده في سنة 1995 أي في مرحلة الطفولة ...

ان ترسيم الطرب الاندلسي في الوعي الجمعي لدى المغاربة قد حجب الموسيقى الامازيغية الدينية في منطقة الريف و في منطقة الاطلس المتوسط و في منطقة الجنوب الشرقي و منطقة سوس العالمة طيلة اكثر من 40 سنة في التلفزة المغربية و في القناة الثانية بغية تحصين أيديولوجية الظهير البربري حتى بعد تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية كما اتذكره جيدا باعتباري قد وجدت هذه الأمور في قنواتنا التلفزيونية حين بداياتي الأولى في كتابة المقالات و نشرها على الانترنت ابتداء من سنة 2005  ...

الى صلب الموضوع                  

لقد فقد فن الروايس خصوصا و الاغنية المغربية الدينية عموما في هذا الشهر المبارك فنان من العيار الثقيل اعطى جزء من حياته للغناء في اطار فن الروايس الاصيل منذ بدايات ستينات القرن الماضي الى نهائيات سبعينات القرن الماضي ثم اعتزل هذا الميدان الفني بصفة نهائية للأسباب التي شرحها في احد قصائده الرائعة في ذلك الحين..

 و لا شك ان عشاق فن الروايس داخل الوطن و خارجه يعرفون من اعني في هذا المقال المتواضع انه المرحوم الحاج المهدي بن امبارك الذي كان يتميز قيد حياته بالتدين و بالحكمة و التواصل مع الروايس حتى بعد اعتزاله للفن بمعنى انه لم يعتزل الفن باعتباره حراما في الدين بل اعتزله بسبب سلوك البعض في سهراته في الكلام الخادش للاذاب العامة بمعنى ان المرحوم كان يحب ان يسود الوقار و الاحترام في سهراته الغنائية ..

لقد ظهر المرحوم في القناة الثانية حوالي سنة  2007 ضمن برنامج اسايس بمشاركة الأستاذ عصيد و الأستاذ اكوناض محمد الخ و استضافه الأستاذ محمد ولكاش مرات عديدة في برامجه الاذاعية و استضافته الأستاذة زينة همو في برنامجها الإذاعي الشهير بمعنى انه لم يخجل من ماضيه الفني على الاطلاق  .

أحيانا يعجز قلمي المتواضع عن التعبير امام هرم من اهرام فن الروايس لان المرحوم استطاع ترك قصائد خالدة في الوجدان الامازيغي في سوس العالمة و في المدن المغربية الأخرى مثل الدار البيضاء او الرباط الخ في فترة الستينات و السبعينات حيث يسميها بعض الباحثين بالذهبية مثل الأستاذ محمد ولكاش على اعتبار ان تلك المدة عرفت ظهور نجوم فن الروايس الكبار من قبيل المرحوم الحاج محمد البنسير و المرحوم الحاج عمر واهروش و الرايسة فاطمة تحيحت مجاهد التي اعتزلت الميدان الفني منذ أوائل الثمانينات .

غير انني اعتقد شخصيا ان تلك المدة بالذات كانت مدة التهميش لعناصر الثقافة الامازيغية التقليدية و الحديثة في التلفزيون الوطني و في الجرائد الحزبية لان التيار الغالب آنذاك هو تيار الحركة الوطنية و تيار القومية العربية.

و في ظل تلك الظروف المحيطة استطاع ان يبدع المرحوم الحاج المهدي بن امبارك احلى قصائده بعيدا عن أضواء التلفزيون الرسمي وقتها و من بينها قصيدته التي شرح فيها مناسك الحج باعتباره الركن الخامس من اركان الإسلام الى امازيغي سوس العالمة و المدن المغربية الأخرى بحكم ان في ذلك الزمان  لا يوجد أدنى اهتمام من طرف الدولة عبر وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية بشرح اركان الإسلام باللغة الامازيغية بفروعها الثلاث في التلفزيون الرسمي على الاطلاق بل أتذكر ان التلفزة المغربية بعد سنة 1993 كانت تبث برنامج ديني باللغة الفرنسية نحو أوروبا بينما لا يوجد أي برنامج تلفزيوني ديني بالامازيغية آنذاك...

ان رواد فن الروايس بمنطقتنا هذه ظلوا يخدمون  الارشاد الديني و التوعية الدينية منذ عقود من الزمان حيث كم من رايس قد سجل قصيدته الحجازية التي تشرح فيها اركان و مناسك الحج مثل قصيدة المرحوم الحاج المهدي بن امبارك الرائعة و التي تستحق ان توضع في مقرر التربية الإسلامية ليعلم أطفالنا و احفادنا اننا نملك تراث ديني عميق...

ان دعوات اسلمة القضية الامازيغية و وهابيتها لم تنطلق منذ سنة 1967 عندما كانت الامازيغية مهمشة ثقافيا و دينيا و سياسيا بل انطلقت منذ سنة 2004 بغرض خلط الأوراق  و اظهار ان القضية الامازيغية لا تتوفر على اية شرعية وطنية او دينية على الاطلاق علما ان هذه الدعوات هي التي كانت مناهضة للامازيغية و الامازيغيين سنة 1930 الخ من هذه المحطات المستمرة الى حدود الان مع تشويه معالم هويتنا الامازيغية الإسلامية الاصيلة بسوس العالمة بمعنى اننا لا نحتاج الى هذه الاسلمة الدخيلة من السعودية او من قطر الخ...........

ان المرحوم الحاج المهدي بن امبارك قد رحل الى الاخرة في ظل صمت رسمي مريب حيث انني لا اشك لحظة واحدة في إصرار عاهل البلاد القوي في النهوض بالامازيغية لغة و ثقافة و تاريخ منذ خطاب اجدير سنة 2001 الى ماي الماضي تاريخ صدور القرار الملكي بترسيم السنة الامازيغية كعيد وطني في يوم 13 يناير من كل سنة حيث ان الملكية كانت دامعة لامازيغية المغرب بدليل خطاب 9 مارس 2011 التاريخي و الذي جعل الامازيغية هي صلب هويتنا الوطنية....

لكن بعض الأطراف داخل المخزن مازالت تحين الى ما قبل خطاب اجدير التاريخي أي التحالف بين العروبة و الإسلام من خلال بث مسلسل مشرقي يتحدث عن طارق بن زياد على قناة المغربية بعد الإفطار في رمضان الحالي ..

و مازالت هذه الأطراف تهمش فنوننا الاصيلة من قبيل فن الروايس و تدخله الى خانة الاحتقار الرسمي امام الطرب الاندلسي الحامل لتراث العروبة و الإسلام كما اعتقد الجميع عقود طويلة من الزمان.....

انني استحضر هنا في هذا السياق عندما ماتت الفنانة المتالقة امينة رشيد قامت جميع القنوات التلفزيونية بواجبها على اكمل الوجه بينما عندما مات الحاج المهدي بن امبارك لا احد من هذه القنوات باستثناء قناة تامزيغت قد قامت بواجبها الأخلاقي و الوطني و الإعلامي تجاه هذا الرمز الخالد الذي كان قيد حياته يعيش في مدينة الدار البيضاء أي في مركز المغرب لا حول و قوة الا بالله العالي العظيم ......

توقيع المهدي مالك 

اجمالي القراءات 1515