بسم الله الرحمن الرحيم.
**
أما عن أولئك المُبشّرين بالجنة، فهم أولئك الذين....؟
===============================
كنت متجولا داخل أجنحة ذلك المعرض المبهر، معرض الحديث المنزل من لدنه سبحانه وتعالى، إذا بي أشدُّ إلى لوحة، وكأنها تلوّح من بعيد، أو كأنها ترحّب من خلال بريقها وتلألئها الزاهي المحيط بحوشيها، المكتوب عليها "هنا بغية أولئك الطامحين الطامعين في الحصول على تذكرة أو تأشيرة المبشرين بالجنة"، ولم يكن مني إلا أن زدتُ اهتماما فوجدت نفسي واقفا في ذلك "الطابور" منتظرا، وبفارغ صبر دوري، للاطلاع عن كثب على التفاصيل والشروط، وفي الحقيقة لم أكن أتوقع أنها، أي الشروط في المتناول، ولم أتوقع أنها غير معقدة وغير تعجيزية، بل وحتى الملف كان يتكون من شرطين اثنين فقط، أو وثيقتين ليس إلاّ، وبينما أنا مأخوذ بهذه المفاجأة المسيلة للعاب، المفجرة للأمل، تنقلت بي ظاهرة تداعي المعاني والأفكار إلى تلك المقولات الأخرى التي كثيرا ما سمعتُ عنها، تلك التي تتحدث عن أولئك الأشخاص المحظوظين المبشرين بالجنة، وكيف حصلوا على تلك الشهادة وتلك البشرى العظيمة ؟ ومن بشرهم ؟ وهل هو نفس الموضوع الذي تشير إليه اللافتة ؟ لافتة هذا الجناح المتميز في هذا المعرض الخاص بالحديث المنزل في ليلة القدر؟ وما هي الأعمال الصالحة التي قدمها أولئك المبشرون؟ لكني عندما وقفت أمام شباك ذلك الجناح الكريم الجذاب، وعند اطلاعي على الأمر وجدته حقا هائلا رائعا، لا يكاد يصدق، فبادرني سؤال مطلّ علـيّ متزاحما مع أسئلة أخرى قائلا: ولكن كيف حدث لتلك الجماعة أن تصدّق أنها مبشرة بالجنة ؟ وكيف حدث لنا نحن أن نطمئن ونصدق أن بشرى الجنة شملت تلك الجماعة، وتتعلق بها وحدها فقط ؟ فضلا على كون البشرى "المزعومة" جاءت بعد سلسلة من "عنعنات" بشرية متواضعة معرّضة إلى كل ما يمكن تصوره من ضعف ؟ ثم، ولعل التساؤل الكبير والكبير جدا هو: إذا فرضنا أن تلك الجماعة بشرت فعلا بالجنة ومن أي مصدر كان، وهنا أيضا يفرض نفسه تساؤل آخر محير وهو: ماذا دهى أولئك المبشرين بالجنة حتى يذهب بهم الشيطان كل مذهب ويزج بهم في متاهات التنافس والتناحر والتباغض بل والتقاتل؟ اللهم إلا إذا سلمنا بأن التاريخ مزوّر هو الآخر؟ كيف يمكن أن نتصور شخصا مبشرا بالجنة وبرحمة الله ومع ذلك يطغى عليه طاغ غريب، وتبقى لديه ذرة من الغل إزاء مبشر آخر مثله بالجنة ؟
وكيف نتجاهل ذينك الشرطين الإثنين الصادرين - وهذا هو الأهم - الصادرين مـــن لدنــه سبحانه في سورة "يــــس" الآيتان: 10 + 11
(وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ* إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ).
01)- الشرط الأول هو اتباع الذكر وحده بدون أية إضافة أو أي شريك.
02)- الشرط الثاني هو خشية الله بالغيب.
*)- وبالتالي من توفر في ملف طلبه الشرطان أو الوثيقتان فله كامل الحق أن ينتظر وبكل ما في عبارة التفاؤل من معان قوية، أن ينتظر أن يظفر على تأشيرة المبشر بالجنة، تلك البشرى المتسمة بالمغفرة والأجر الكريم.
وأما عن التساؤلات الأخرى الملحة المتزاحمة فهي: كيف وقعنا جميعا تحت وطأة تلك الغفلة الواسعة التي غطت مساحات شاسعة في عقولنا ؟ كيف حدث لنا ونحن نتلو هذه الآيات في سورة "يس" وأمثالها في سور أخرى ونمر عليها مرّ الغافلين اللآهية قلوبهم، غير المنتبهين، وغير المتأثرين بها ؟ ومن المحزن في آن واحد يثيره التفاتنا كليا واهتمامنا بأولئك الآخرين الذين قيل إنهم مبشرون بالجنة اعتمادا على أقاويل وأقوال جاءت بها "عنعنة" لا تسمن ولا تغني من جوع؟
وبالرجوع إلى فحوى ما تحمله من عبارات تلك اللافتة الملفتة في ذلك المعرض، فإن العبد الطموح سيتحول حتما إلى درجة عالية وبعمق في تدبر الآيتين: 10 + 11 (وسواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم). وهكذا فإن الأمر القوي جاء في: (فبشره) وكأنه الوعد من لدنه سبحانه وتعالى؟
وفي الحقيقة بتأمل عبارة (....إنما تنذر من اتبع الذكر) يتبادر إلى الذهن أن الفهم الملائم في جملة "إنما تنذر" يفيد: إنما يقع إنذارك في قلوب وعقول سليمة مطهرة ومهيأة لذلك ولتلك الهداية. ثم لعل الكثيرين هم أولئك الذين يشاطروننا الفهم والرأي في أن كل من اتبع الذكر أي القرآن العظيم أو الحديث المنزل، ثم خشي الرحمان بالغيب،
يحق له أن يطمع في أن تناله البشرى، بشرى المبشرين بالجنة (فبشره بمغفرة واجر كريم) ؟
وفي الأخير،
وهنا مربط الفرس، أو بيت القصيد، أو السر المكنون لذلك الرهان
العظيم المصيري - إن جاز هذا التعبير -
********************************
ألا يكون القرآنيون، جميع القرآنيين؟ ألا يكون موقع أهل القرآن والكتّاب الذين ينتمون إليه ؟ ألا يكونون من أولئك المخلصين، الآخذين الأمر بكل جدية ؟، من أولئك المتمتعين بسلامة القلوب والعقول، الطامحين في سبيل أن تشملهم تلك البشرى، التي أمر الله سبحانه وتعالى عبده ورسوله أن يعلنها من خلال أمره عز وجل: (فبشره بمغفرة واجر كريم) ؟.
ثم، لنضع في الحسبان وأمام أعيننا هذه الآيات، وهذه الوعود من الله العظيم الواعد سبحانه وتعالى:
01)- ٱلَّذِينَ يُؤمِنُونَبِٱلغَبِوَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقنَٰهُميُنفِقُونَ(3) وَٱلَّذِينَ يُؤمِنُونَبِمَآأُنزِلَإِلَيكَوَمَآأُنزِلَمِن قَبلِكَوَبِٱلأٓخِرَةِهُم يُوقِنُونَ(4) أُوْلَٰٓئِكَعَلَىٰهُدىمِّنرَّبِّهِموَأُوْلَٰٓئِكَهُمُٱلمُفلِحُونَ(5). سورة البقرة.
02)- يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلكَٰفِرِينَوَٱلمُنَٰفِقِينَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيما(1) وَٱتَّبِع مَا يُوحَىٰٓ إِلَيكَمِنرَّبِّكَإِنَّٱللَّهَ كَانَ ِبما تَعمَلُونَخَبِيرا(2) وَتَوَكَّلعَلَىٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلا(3)سورة الأحزاب.
03)- قُل إِنكُنتُمتُحِبُّونَٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ ٱللَّهُ وَيَغفِرلَكُمذُنُوبَكُموَٱللَّهُ غَفُور رَّحِيم(31) سورة آلعمران.
04)- فَلَا تُطِعِ ٱلكَٰفِرِينَوَجَٰهِدهُمبِهِۦجِهَاداكَبِيرا(52)سورة الفرقان.
05)- فَٱصدَعبِمَا تُؤمَرُوَأَعرِضعَنِٱلمُشرِكِينَ(94)سورة الحجر.
06)- فَٱستَمسِكبِٱلَّذِيٓ أُوحِيَ إِلَيكَإِنَّكَعَلَىٰصِرَٰطمُّستَقِيم (43)سورةالزخرف. وهذهالآيةبالضبطهي لسانحال أهلالقرآن.
07)- وَلَو تَقَوَّلَعَلَينَابَعضَٱلأَقَاوِيلِ(44) لَأَخَذنَامِنهُبِٱليَمِينِ(45) ثُمَّ لَقَطَعنَامِنهُٱلوَتِينَ(46) فَمَا مِنكُم مِّن أَحَدٍعَنهُحَٰجِزِينَ(47) وَإِنَّهُۥلَتَذكِرَةلِّلمُتَّقِينَ(48)سورةالحاقة.
وما دام الرسول عاش طول عمره المكتوب له بدون أي تأنيب من لدنه سبحانه وتعالى أو أية مؤاخذة إزاء التقول، فذلك يعني أنه عليه الصلاة والتسليم كان ناجحا ووفيا في تبليغ الرسالة.
وعليه
فإن لسان حال موقع أهل القرآن والكتاب المنتمين إليه، فإن حماسهم، ونشاطهم، ومثابرتهم، ومساهماتهم، تلخصها الآية رقم 11 في سورة يـس: (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ). فإن الموقع وكتابه ليسوا إلا ممن ينفع فيهم الإنذار، لأنهم من متبعي الذكر ومن الذين يخشون الرحمن بالغيب، ما دام الله تعالى الرحمن الرحيم الودود الغفار نبـه عبده محمدا ورسوله بأن هناك من لا ينفع فيه التذكير، إلا أن هناك استثناء وهــو الأمر الأهم، حيث حصره في: إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ. فأمره سبحانه وتعالى بأن يبشر هذا الصنف بمغفرة وأجر كريم. والخلاصة تفيد بأن كل من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فالبشرى بالجنة تشمله بإذنه تعالى.
وإذا سأل سائل عنهم، يعني عن موقع أهل القرآن وكتابه فليعلم أن ديدنهم هو اتباع الذكر وحده وخشية الرحمن بالغيب، وأنهم من ذلك الصنف إذا ذكر الله وحده يستبشرون، وإذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون.
******