الهدهد العاقل كنت ذات يوم حاضر جلسة وعظ وإرشاد في أحد المساجد ،فكان الشيخ يتحدث عن قصة النبي سليمان عليه السلام ، ووصل إلى قصة الهدهد وما حصل منه من تأخير عن حضور الاجتماع وتهديد النبي سليمان له في حال لم يقدم عذراً مقبولاً يبرر تأخيره. إلى آخر القصة المعروفة .
ولكن الشيخ استمر في كلامه وأضفى على القصة تصورات خاصة به وجعلها في مستوى الأطفال ، وأفرغ محتواها الإنساني والاجتماعي وجعلها قصة من ألف ليلة وليلة بين الإنسان وطير من الحيوانات! فرفعت يدي مستأذن&Cc;اً بالكلام .
قال الشيخ : تفضل يا بني اسأل ماذا تريد ؟
قلت : مولانا الشيخ !! هل يوجد في النص القرآني ما يثبت أن الهدهد هو حيوان وليس إنساناً !؟
قال : نعم ! قال الله على لسان النبي سليمان [ وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد ] فالهدهد هو طير ، والطير هو من جنس الإنسان أم من جنس الحيوان !؟
قلت : مولانا الشيخ !! أفهم من جوابك أن كلمة ( الطير ) هي التي دلت على أن الهدهد هو من جنس الحيوان، وليس من جنس الإنسان . أليس كذلك !؟
قال : هذا واضح في كلامي لا يحتاج إلى نباهة !
قلت : أريد أن أصل إلى أن الفهم الذي شكلته عن الهدهد وأنه حيوان كان نتيجة قرينة في النص ذاته دلت على ذلك .
قال : إلى ماذا تريد أن تصل فإنك تعيد الكلام نفسه !
قلت : ألا يوجد في سياق القصة قرائن أخرى تفيد بأن الهدهد كائن عاقل مدرك للحق والباطل !؟
قال : تشير إلى قصته مع الملكة وإخبار النبي سليمان بأنها تعبد الشمس هي وقومها من دون الله ، وإدانة هذا العمل وإنكاره ووصفه بالباطل !؟
قلت : نعم ! يا شيخ أليس هذا قرينة صريحة تدل على أن الهدهد ليس حيواناً ؟
قال : إن الهدهد هو طير وذلك صريح في النص ، وما قام به الهدهد من إخبار عن الشرك الذي تمارسه الملكة وقومها هو من باب المعجزة للنبي سليمان عليه السلام ؟
قلت : لو ذُكِرَت كلمة طير وحدها دون القرينة الأخرى التي تدل على العقل والإدراك لكان كلامك صواباً . ولكن بذكر قرينة العقل والإدراك للهدهد - ومن المعلوم أن صفة العقل والإدراك غير موجودة إلا بالإنسان - يؤكد أن دلالة كلمة الطير هي صفة لمجموعة من الناس من جنود النبي سليمان وكل فرد منهم اتخذ اسم طير من الطيور والذي جرت القصة معه كان يلقب نفسه الهدهد . أما بالنسبة لقولك أن هذا معجزة للنبي سليمان عليه السلام فهذا كلام في غير محله . لأن المعجزة يلزم لها تحدي وموضوعاً يراد إثباته وطرف آخر منكر للموضوع . بينما لا نلاحظ في قصة الهدهد أي موضوع محلا للاختلاف وبحاجة إلى إثبات، وجاء التحدي وتم العجز على الطرف المنكر. فهو ليس من المعجزات لانتفاء شروطها !! .
قال الشيخ : إن المفسرين قد ذكروا ذلك ، والنص صريح في استخدام كلمة ( الطير ) وكلمة ( الهدهد ) وهما قرينتان تصلحان لتأكيد أن الهدهد هو من جنس الحيوان وليس من جنس الإنسان !! هل فهمت يا بني ! أم مازلت تتفاقه وتتذاكى علينا !؟
قلت : مولاي الشيخ !! الموضوع ليس هو تذاكي أو تغابي أبداً ، وإنما البحث عن الحقيقة وفهم القرآن بفاعلية ورفعه فوق مستوى الفهم الطفولي !! يا شيخ لو ذكرت لك مقولة على الوجه الآتي : رأيت أسداً في الحرب يصول ويجول بسيفه والأعداء تهرب منه أو تموت تحت قدميه . هل يفهم أحد من السامعين أن كلمة ( أسد ) في النص تدل على حيوان !؟ أم أن قرينة حمل السيف صرفت المعنى من الحقيقة إلى المجاز ! نحو قولنا : رأيت بحراً من العلم وسألته في كل فن فأخبرني . هل يفهم أحد من العقلاء أني أكلم بحراً من الماء أم إنسان واسع العلم والمعرفة !؟
الشيخ : طبعاً ! يا بني فهذا أسلوب معروف في لسان العرب ولا ينكره أحد .
قلت : ألا ترى أن صفة العقل والإدراك للهدهد قرينة حقيقية تصرف دلالة كلمة ( الطير ، والهدهد ) عن الجنس الحيواني وتحصره بالجنس الإنساني !؟
قال : التعامل مع القرآن يختلف عن التعامل مع خطاب الإنسان !؟
قلت : عجباً ! أتنزه خطاب الإنسان من العبث والتصور الساذج ، وتصف الخطاب القرآني بذلك !؟
الشيخ : يا ابني !! هداك الله عز وجل وأذهب عنك رجس الشيطان ، من قال بذلك الفهم من السلف الصالح والعلماء الأجلاء ؟
قلت : يا شيخ أنت ترد علي بأسلوب فرعون عندما رد على النبي موسى عليه السلام قائلاً له [ فما بال القرون الأولى ] فأجابه النبي موسى عليه السلام [ علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ] فصحة الفكرة لا يشترط لها بأن يكون قد قالها أحد من السابقين ، فانتفاء القول بها لا يعني خطأها فالآبائية ، والأكثرية ، والأقدمية ، والشهرة وغير ذلك ليست براهيناً أو أدلة على صحة أو خطأ فكرة معينة .
الشيخ : أنت ماذا تحمل من شهادات علمية !؟
قلت : دراسة القرآن متاحة للجميع ، ولا علاقة لها بالشهادات أبداً !!.
الشيخ : قم !! انصرف عن جلستنا ! فما أراك إلا صاحب ضلالة . والهدهد طير من الحيوانات ويتصف بالعقل والإدراك رغم أنفك !! .