كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية ). الباب الرابع : علمانية الشريعة فى الدولة الاسلامية
محدودية تدخل الدولة الاسلامية فى بيوت العبادة

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٧ - ديسمبر - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

   محدودية تدخل الدولة الاسلامية فى بيوت العبادة     

كتاب ( ماهية الدولة الاسلامية ). الباب الرابع : علمانية الشريعة فى الدولة الاسلامية

الفصل الرابع : محدودية تدخل الدولة الاسلامية فى بيوت العبادة

أولا :

1 ـ نوعان فقط لدور العبادة :

1 / 1 ـ  بيوت عبادة إسلامية ، الدعوة والأذان والصلاة للخالق جل وعلا وحده . لا يُذكر فيها سوى إسمه جل وعلا وحده ، ولا دعاء فيها لغيره ، قال جل وعلا :

1 / 1 / 1 :(  وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) الجن )

1 /1 / 2 : (  فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) النور )

1 / 1 / 3 : ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ (18)التوبة ).

1 / 2  ـ بيوت عبادة شيطانية : وهى نوعان :

1 / 2 / 1 :  شيطانية صريحة تتم فيها عبادة الشيطان ، وقد تُقدّمُ فيها الضحايا البشرية . وعبادة الشيطان موجودة علنا أو سرّا ، ولا يمكن إنكار وجودها .

1 / 2 / 2 : شيطانية ضمنية : وهى التى تنتسب لأصحاب الديانات الأرضية ، حيث تقديس البشر الأحياء والموتى ، وحيث تنتشر فيها أحاديث شيطانية . وجاءت الإشارة اليها فى قوله جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) الانعام ).

وتلك البيوت تؤسس بوحى الشيطان ، أو هى من ( عمل الشيطان ). قال جل وعلا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92)المائدة ).  الشيطان لا يقوم بنفسه ببناء  الأنصاب أو ما يعرف الآن باسم الأضرحة، ولكنه هو الذي يوهم الناس بأن مواد البناء في الضريح مقدسة وتختلف عن أي مواد أخرى تبنى بها البيوت والمساكن والمصانع، وهو الذي يوهم الناس بأن المقبور تحت الرماد لا يزال حياً ولكنه معتقل تحت الأرض يرى ويحس بمن يطوفون بالضريح من فوقه، وطبعاً فلا يشكو من طول فترة اعتقاله في زنزانة انفرادية تحت الأرض ولا يتضرر من آلاف الأقدام التي تسير دائماً فق رأسه. الشيطان يحجب العقل عن التفكير السليم ويجعل الناس يؤمنون بأن هناك إلاها محبوسا تحت الرماد يستجيب لهم ويرفع عنهم الضرر. والشيطان هو الذي يقنع الناس بأن مملكة الأموات هي التي تتحكم في مملكة الأحياء.  

2 ـ ليس للدولة الاسلامية أن تتدخل فى إقامة أو منع إقامة بيوت العبادة ، سواء كانت إسلامية أو شيطانية . حتى بيوت عبادة الشيطان . التدخل الوحيد هو منع ذبح القرابين البشرية فى طقوس عبادة الشيطان . ولنتذكر:

2 / 1 : أن الآيات السالفة من سورة المائدة ــ وهى من أواخر ما نزل فى المدينة ـ تعظ بعض المؤمنين بعدم تقديس الأنصاب ، وهى القبور المقدسة ، أى هو مجرد وعظ ، لعلهم ينتهون ، وإن لم ينتهوا فما على الرسول ــ وهو القائد ــ سوى البلاغ المبين .

2 / 2 : مسجد الضرار الذي أقامه المنافقون في المدينة للتآمر على الاسلام والنبي محمد عليه السلام والمسلمين. وكشف الله تعالى في الوحي القرآني دور هذا المسجد ونهى النبي عن الاقامة فيه : (لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ). لم يأمره بتدميره أو حرقه أو اعتقال المتآمرين أصحابه والدليل ضدهم ثابت لاجدال فيه وهو كلام رب العزة جل وعلا. فقط أمر النبى والمسلمين بعدم الذهاب اليه. وظل هذا المسجد مقاماً بدليل كلام الله تعالى عنه (لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(التوبة 107: 110).

ثانيا :

ليس من حق الحاكم المسلم هدم الأوثان:

1 ـ قال ابراهيم عليه السلام لقومه: (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)(الصافات95: 96) وأنها أساطير وإفك مصنوع : (أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ) (الصافات 86)، (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا)(العنكبوت17). وينطبق ذلك على الأصنام كما ينطبق على الأنصاب وهي القبور المقدسة. وحين كسّر ابراهيم عليه السلام الأصنام عدا واحدا ـ فقد كان القصد هو الإثبات لهم أنها مجرد أحجار ، وقد إعترفوا فى المحاكمة التى عقدوها له بذلك : (  قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (67)  الأنبياء )

2 ـ رب العزة جل وعلا فى كتابه العزيز:

2 / 1 :  ناقش أُولئك الذين يعبدون الأولياء الموتى فأكد انهم مجرد موتى لا تشعر بما حولها ولم تخلق شيئاً بل هي مخلوقة ولا تشعر متى ستبعث يوم القيامة (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)(النحل 20: 21).

2 / 2 : وفي مواجهة الأساطير التي تزعم خوارق لتلك الالهة المعبودة الميتة فقد أمر رسوله ً أن يتحدى تلك الآلهة والأولياء الميتة في قبورها مؤكداً أنها لا تنفع ولا تضر، وأن الولي الوحيد للمؤمن لا يكون سوى الله سبحانه وتعالى وحده:  (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ( أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ ) ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ)(الاعراف 194: 197 ).

2 / 3 : وأن الولي المقصود بالعبادة والتقديس لا يكون إلا الله سبحانه وتعالى . قال جل وعلا.  

2 / 3 / 1 . (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(الشورى9)،

2 / 3 / 2 : (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام 14)

2 / 4 : وأن أحداً من المخلوقات لا يشاركه تعالى في الحكم في الدنيا وفي الآخرة . قال جل وعلا : (مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) (الكهف 26) .

2 / 5 : وأنه وحده جل وعلا الخالق والآمر (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(الاعراف : 54).

3 ـ وعلى هذا الأساس العقلي حاور الله سبحانه وتعالى ـ فى خطاب مباشر ـ المشركين ممن يعبد الأولياء والآلهة :

3 / 1 : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ) (فاطر  40)،

3 / 2 :  (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ) ( وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) (الاحقاف4: 6)،

3 / 3 : (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ) ( إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر  13: 14).

4 ـ واستخدم  إيمانهم بالله الخالق حجة عليهم، فكيف يتركون رب السماوات والأرض ويطلبون المدد من غيره الذي لم يخلق شيئاً والذي لا يملك شيئاً : (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)(الرعد 16) وكل هذه الآيات موجهة للمحمديين وغيرهم ممن يقدسون القبور في عصرنا. بهذا تتبين حقيقة الأصنام والأنصاب والقبور المقدسة في موضعها الحقيقي،  وأنها خرافة لا تستقيم مع العقل السليم، وأنها مجرد أحجار لا تختلف عن أية أحجار أخرى وإن ما يدور حولها أساطير تستحق السخرية لا التقديس..

5 ـ بعدها أمر المؤمنين باجتنابها والابتعاد عنها ، قال جل وعلا : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج 30) والأوثان كل ما هو مقدس من بشر وحجر ومواد طبيعية، والزور هو كل الأكاذيب وأقطعها ما كان منسوباً لله افتراءً على الله جل وعلا . أمر رب العزّة جلّ وعلا باجتناب الأوثان والأضرحة ولم يأمر بهدمها أو تدميرها ، ولكن أمر فقط بالابتعاد عنها و اجتنابها وأن تتطهر منها بيوت الله والمساجد لكي تكون العبادة لله خالصة (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)(  الجن 18).

6 ـ أى أمر جل وعلا بهدم الأوثان في عقول الناس واعتقادهم واكتفى بذلك، وهي نظرية صائبة. فالضريح مثلاً يتكون من مواد بناء معروفة: أسمنت وطوب وأخشاب ومسامير وزجاج ورخام وأجهزة كهربائية وستائر وأقمشة وهذه المواد توجد في كل مكان ولا تختلف أحجار الضريح عن أي أحجار أخرى، وكلها تأتي من نفس المصدر، والذي جعل لأحجار الضريح قدسية إنما هو الاعتقاد فيها الذي أوهم الشيطان به جموع الناس. فإذا تهدم ذلك الاعتقاد الخرافي من قلوب الناس تصبح هذه الأضرحة مجرد أبنية وتتحول الأصنام إلى مجرد تماثيل صخرية، يتندر بها الناس على قلة عقولهم حين قدسوها. أما إذا بادر حاكم مسلم بتدمير أحجار الأضرحة وتسويتها بالأرض فإن من يعبد الأضرحة ويعتقد فيها سيقيم في قلبه ألف ضريح وضريح، ولا تلبث أن تعود أضرحة أخرى وتتكاثر الأساطير والكرامات الخرافية التي تدّعي أن الأولياء قد انتقموا من ذلك الذي هدم قبورهم، وكل ما يمكن أن يحدث له من أمور عادية سيتحول تفسيرها إلى أنه غضب الآلهة المزعومة عليه !!

7 ـ يتسق هذا مع أنه ليس للدولة الاسلامية أن تتدخل في الحرية الدينية إلا فى فيما يخص حقوق الأفراد،  وظيفتها اقامة العدل بين الناس وتوفير الأمن لهم وتوفير أقصى قدر متاح لهم في حرية العقيدة والعبادة حتى يكون كل فرد مسئولا مسئولية مباشرة أمام الله تعالى يوم الدين عن اختياره العقيدي.     

اجمالي القراءات 2106