السيناريو القادم في مصر .. ماذا يخطط الرئيسان؟

محمد عبد المجيد في الأحد ٢٦ - أغسطس - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أوسلو في 18 سبتمبر 2006
أخطر ما تصاب به أمة من الأمم هي البلادة!
عندما تمارس حياتك كواحد من قوافل النمل المتكاثرة، والتي لا يخرج أحدها عن النظام المتبع، والصف الذي اعتاد عليه، وخط السير الذي لا يستطيع أن يخرج عليه خطوة واحدة فإن أي حديث عن التغيير يصبح عبثا في عملية مرسومة مسبقا كأنها سر من أسرار الكون أو نظام شمسي ولكنه في حالتنا تلك تبدو الشمس في حالة كسوف منذ ربع قرن وربما يمتد لمثله طولا وزمنا.
اكتب كما تشاء، وتحدث بكل ما أوتيتْ حنجرتك من قوة، والهث وراء لقمة العيش، واجعل دموعك آخر ما تتلقاه وسادتك من مساء مضى وأول ما يبللها من صباح مجهول قادم، لكن السيناريو الذي تعرفه أنت ويعرفه كل مصري يعيش ما بين حقول القصب في الصعيد وفلوكات صيادي الثغر في شمالها المطل على الأزرق الكبير يظل كما هو .. طاغية يضع أصابعه في عيوننا، ووارث يشرب مع الشياطين نخب ضعفنا وهواننا وقلة حيلتنا وانضمامنا لآثار مصر القديمة التي تعلمت التاريخ وهي صامتة منذ خمسة آلاف عام.
يمكنك أن تقرأ مقالا لابراهيم عيسى أو عبد الحليم قنديل أو محمد عبد الحكم دياب أو غيرهم من العشرات الذين تنبجس المياه من الصخر لو تأملت في وصفهم لكارثة وطن...
ويمكنك أن تشاهد وتراقب وتتأمل حبك وعشقك ومصرك وتلك الأمانة التي ستتركها عندما يلفك كفن قبل أن يحتضنك ترابها الذي كان طاهرا، وحينئذ لن يوشي دود الأرض للسائرين فوقها أنك مررت من هنا، وأنك في مأمن من سوط سيد القصر، وجنون رجال أمنه، وجلافة زبانية التعذيب الذين نثرهم في طول الوطن السجن وعرضه.
ويمكنك أن تهمس في أذن قريب أو حبيب أو ولدك أو ابنتك أو نفسك بأنك مررت على الأرض بسلام، وعشت فوقها دون أن تترك أثرا واحدا قد يكتشفه أحد من الأجيال القادمة حتى لو كان احتجاجا على استحياء، أو مظاهرة غضب لكرامة، أو انضمام لحركة ثورية تحرر بلدك من قاتلها وطاغيتها وأعتى قساتها غلظة ووحشية.
لن أحدثك عن الكرامة فهو حديث يغضبك من الذي ينبهك، لكنه لا يجعلك تعاتب سجّانك عتابا خجولا في غرفة مغلقة.
ولن أحدثك لو كنت واحدا من ستة ملايين عاطل عن العمل بأن حقك الطبيعي الآن هو الخروج مع عاطلي الوطن متمردين، وغاضبين، ومطالبين بأدنى حقوقكم، فربما أنت راض عن كفاف الخبز الذي يأتيك من كبير الأسرة فيقصم ظهره، ويحني قامتك، ويكسر كرامتك.
ولن أحدثك عن حساب الآخرة الذي لن تستطيع الهروب منه، فالصمت تجاه ما يحدث لبلدك هي جريمة كبرى ترقى لمرتبة أشد الذنوب عصيانا لرب الخلق، وظنك بأن سكوتك هو طاعة أولي الأمر يعادل الشرك بالله ولا ينتقص من هول هذا الشرك ذرة واحدة، فطاعة الطاغية مبارك هنا ستجعل ميزان سيئاتك يوم الحساب الأعظم لا يتحمل ثقلها، ولو أتيت بملء الأرض أدلة وقرائن أن طاعة هذا الرجل من مباديء ديننا الحنيف، فالحقيقة أن كل من يؤكد لك أن طاعتك وصمتك وسكوتك هي من صلب العقيدة متحالف مع الطغاة والقتلة ولو كان بينك وبينه ألف عام.
صلاتك في المسجد أو الكنيسة أو صومك أو نسكك أو قيامك أو قعودك أو دعاؤك ليس من المؤكد أنها ستصل إلى السماء العليا ويباركها الرحمن الرحيم ما لم تستخرج من صدرك تلك الجوهرة الربانية أي نفخة الروح التي كرّمك بها رب العزة، ثم تقوم بجعلها قوة دفع لك في مواجهة طواغيت وشياطين ولصوص الوطن الذي لن تعرف محبتك له قبل أن تحرر نفسك من جريمة الصمت.
سيناريو بيعك أنت وأولادك وكرامتك وأهلك ومالك ومستقبلك وشرفك وعزتك لا يخفى عليك، والطاغية لا يُعِدّه خفاء، ولا يطبخه في مكان مجهول، بل أمام ناظريك، وامعانا في اذلالك يطلب منك أن تصفق لعملية البيع، وأن تبتهج علنا لنهب الوطن، وأن تُعرّي ظهرك لسوط ابنه، وأن تستخرج عنوة من دينك مبررات مزيفة بأن طاعة سجّانك طاعة لله عز وجل.
سيناريو المشهد المصري يثير الرعب والفزع في كل جنبات النفس العفيفة والشريفة والمؤمنة والعاشقة لتراب هذا الوطن الأمانة في عنقك.
ماذا تنتظر؟
قد تكون الكتابةُ أكثرَ القيم عبثا، فأنت لا تُصَدّق، وإنْ صَدّقْت فذاكرتُك لا تمتد لعشر دقائق أو أقل، ثم تساهم في عملية التوريث والبيع ، وتضع الأغلال في عنق أولادك، وتحكم العََصابة فوق عيونهم لئلا ترى أنك مررت على هذا الوطن، وغادرته دون أن تنبس ببنت شفة.
حديث مكرر ممل لن يقرأه إلا قلة نادرة عن الأمية والفساد والسرقة والنهب والسجون والمعتقلات وكرامة المواطن والتعذيب في أقسام الشرطة والادارة الفاشلة والدور المصري الوطني والقومي الذي جعله مبارك صفرا أو أقل من الصفر...
حديث أكثر تكرارا ومللا عن البطالة الملايينية والسرطان والمزروعات القاتلة والمياه الملوثة والهواء الذي يدخل رئتيك ، ولا ينتهي الحديث عند الغلاء والدواء والعلاج والتعليم والطبقية والتمييز وتقسيم خيرات مصر بين عدة آلاف من اللصوص يخرجون لك ألسنتهم مؤكدين رضا السيد الرئيس ، وأنهم صناعة محلية داخل القصر الجمهوري.
أبحثُ عن ثغرة واحدة تنفذ منها كلماتي لتدخل العالم المجهول في أعماقك والمترسبة فيه قوى الايمان والكرامة والعزة والانسانية ونفخة الروح الربانية والحق والعدل والمساواة، ثم تحاول كلماتي استفزاز تلك الكنوز المهملة في عالم النسيان والخوف لعلي استدرجها فتخرج للعلن ويكتشف مبارك وابنه أن المصريين أحياء، وأن ما ظنه موتا سريريا طوال ربع قرن كان بياتا طويلا، لكنه خرج لنور الأرض وسيسلم مصر لأجيال قادمة خالية تماما من تلك الأسرة الأكثر لعنة من توابيت الفراعنة.
أخي المصري،
هل تسلمت من قبل رسالة حب كتلك التي بين يديك؟
في البدء كانت الكلمة.
في البدء كانت الروح.
في البدء كانت الكرامة.
في البدء كانت الحرية.
في البدء كانت مصر.

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو  النرويج

 

اجمالي القراءات 14154