من اجل التنظير للمرجعية الامازيغية الإسلامية كما اسميها الجزء الثالث

مهدي مالك في السبت ٢١ - أكتوبر - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

من اجل التنظير للمرجعية الامازيغية الإسلامية كما اسميها الجزء الثالث

مقدمة متواضعة                                                                

ما بعد سنة 1956 الى حدود سنة 2005                                       

لقد حاولت  في مقالي الماضي التاصيل الاولي للمرجعية الامازيغية الإسلامية منذ استقلال اجدادنا الامازيغيين السياسي و الأيديولوجي عن ما يسمى بالخلافة الإسلامية الاموية بالمشرق العربي سنة 123 هجرية الى حدود سنة 1956 ميلادية بكل التواضع و العصامية لان الامازيغيين ظلوا على امتداد هذا المجال التاريخي يمارسون عوائدهم و تراثهم القانوني الوضعي مع انهم مسلمون حتى النخاع بدليل صريح الا و هو ان المرحوم سيدي المختار السوسي قد كتب 20 جزء من كتابه الشهير المعسول عن تاريخ العلم الشرعي في منطقة سوس العالمة لوحدها دون المناطق المحافظة على امازيغيتها من قبيل منطقة الريف و منطقة الاطلس المتوسط و منطقة الجنوب الشرقي بمعنى ان هناك اتفاق بين العرف الامازيغي و الشرع الإسلامي داخل كل القبائل الامازيغية على امتداد هذا المجال التاريخي العظيم ..

و على ذكر المرحوم المختار السوسي فانه ظلم كثيرا من طرف الحركة الامازيغية كثيرا باعتباره كان ينتمي الى ما يسمى بالحركة الوطنية و كان يدافع عن العروبة في سياق الخمسينات من القرن الماضي لان تأسيس الحركة الوطنية المغربية قد تم سنة 1930 و الحال ان المغرب اصبح محتلا بشكل رسمي من طرف فرنسا بعقد الحماية الموقع بين فرنسا و المخزن المركزي يوم 30 مارس 1912 أي منذ ذلك الوقت الى سنة 1930 لم يذكر التاريخ أي تأسيس لاية حركة وطنية على الاطلاق.

بل ذكر هذا التاريخ انطلاق المقاومة المسلحة من مناطق ذات العوائد الامازيغية على امتداد التراب الوطني الشاسع آنذاك باحتساب الصحراء الشرقية منذ سنة 1907 أي سنة احتلال مدينة وجدة الى سنة 1934 أي تاريخ استكمال احتلال منطقة سوس بمعنى ان اجدادنا الامازيغيين قد سجلوا اوراع صفحات المقاومة المغربية الحقيقية في الريف الجريح و في الاطلس المتوسط و في منطقة سوس و في منطقة الجنوب الشرقي و الصحراء الشرقية و الصحراء الغربية الخ.

ان هذه المقاومة المغربية الحقيقية هي نابعة من ما اسميه الان بالمرجعية الامازيغية الإسلامية أي اعتزاز بالعرف الامازيغي و اعتزاز بالدين كمحرك إيجابي للدفاع عن الشرف و عن الوطن بملكيته الموقرة من طبيعة الحال..

و عودة الى تأسيس الحركة الوطنية المغربية كما تسمى في سنة 1930 حيث لا بد من استحضار عدة أمور قد حدثت بالمشرق العربي وقتها من قبيل سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا سنة 1923 كحدث بارز على مستوى الوعي السلفي العام بشكل خاص .

و تأسيس جماعة الاخوان المسلمين بمصر 1928 في ظل النظام الملكي الحاكم آنذاك في تلك البلاد حيث اننا نعرف ان هذه الجماعة هي اول تيار إسلامي مشرقي حامل لحلم إعادة الخلافة الإسلامية من جديد هناك لان المغرب هو غير معني بهذه الأشياء الأيديولوجية بفضل استقلاله عن المشرق العربي قرون طويلة ..

لكن  هذه التأثيرات المشرقية قد دخلت الى المغرب للأسف الشديد في أوائل ثلاثينات القرن الماضي  فوجدت من يستغلها لتصفية المرجعية الامازيغية الإسلامية من خلال اختراع اكذوبة الظهير البربري و القضاء على الاعتراف المتبادل بين المخزن المركزي و القبائل الامازيغية منذ قرون عديدة رغم ان المخزن كان ظالما في جمع الضرائب و فرض الاعمال الشاقة الخ و بالتالي فان تأسيس الحركة الوطنية المغربية لم يكن نابعا من الأرض المغربية او من مرجعيتها الامازيغية الإسلامية على الاطلاق ....

بل كان تأسيس هذه الحركة المسماة بالوطنية كان نابعا من التاثيرات المشرقية كما شرحتها منذ قليل حيث ان المرحوم المختار السوسي كان واعيا بذلك السياق التاريخي حيث ترك لنا تراث كبير من الكتب و التسجيلات الصوتية في الإذاعة الامازيغية بمعنى انه لم يكن سلفي حتى النخاع ..

منذ سنة 1956 قرر المخزن المركزي تصفية المرجعية الامازيغية الإسلامية بمختلف ابعادها نهائيا و الاتجاه الكلي نحو المشرق العربي باعتباره اصل كل شيء تقريبا حيث كان رد فعل الامازيغيين متعدد كما شرحته مطولا في كتابي الحالي و كما شرحه الأستاذ عبد الله بوشطارت في كتابه الامازيغية و الحزب حيث سيطول بنا الشرح في هذا المقام

و في سنة 1967 قد عرفت تأسيس اول جمعية ثقافية امازيغية بالمغرب و هي الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي بمدينة الرباط من طبيعة الحال حيث باختصار شديد كان عمل هذه الجمعية الاولي هو جمع التراث الشفوي الامازيغي او المكتوب بالحرف العربي بتعاون مع فقهاء سوس العالمة من جيل المرحوم المختار السوسي مثل المرحوم امحمد العثماني و المرحوم عبد الله جسثيمي الخ بمعنى انني أقول و الله اعلم ان منطقة سوس وقتها ظلت بعيدة عن نفوذ الحركة الوطنية السلفي .

في منتصف سبعينات القرن الماضي قام المرحوم امحمد العثماني بتقديم بحثه الجامعي الشهير لدار الحديث الحسنية في موضوع الواح جزولة و التشريع الإسلامي تحت اشراف الراحل علال الفاسي حيث ان هذا الحدث قد وقع في سياق يمنع فيه التحدث بالامازيغية في الشارع العام و يمنع فيه أي ربط بين الامازيغية و الإسلام بصريح العبارة لان أي ربط بينهما آنذاك سيشكك في رواية الحركة الوطنية حول الظهير البربري بمعنى ان المخزن قد شعر بالخطر الذي يمثله وعي فقهاء اهل سوس نحو مرجعيتهم الامازيغية الإسلامية فقرر قراره الخطير بإدخال الوهابية الى المغرب ابتداء من سنة 1979 لمحاربة قوى اليسار العروبي المعارضة له و تحصين ما اسميه الان بايديولوجية الظهير البربري .

يمكن القول ان منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي الى الان فقدت الحركة الامازيغية دور الفقهاء الإيجابي و الضروري في ابراز المرجعية الامازيغية الإسلامية امام عامة الناس و امام السلطات الوصية على تدبير الشأن الديني الرسمي الا و هي امارة المؤمنين و المجلس العلمي الأعلى و وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية و خصوصا بعد ترسيم الامازيغية في دستور 2011 لان وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية لم تقوم باي  دور مهما كان لتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية كموضوع طويل للغاية سبق لي التطرق اليه في مقال مطول في صيف سنة 2017 ......

لقد عملت الحركة الثقافية الامازيغية من خلال الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي على تمزيغ الفكر الإسلامي كما شرحته في كتابي الحالي حيث ان سيدي الحسين جهادي اباعمران كما اسميه من باب الاحترام و التقدير باعتباره أستاذ في التاريخ و فقيه قام بترجمة السيرة النبوية الشريفة و معاني القران الكريم و حتى صحيح البخاري الى اللغة الأمازيغية حيث كم اشتاق لقاءه بعد سنوات طويلة في البحث عن ايميله للتواصل معه .....

و في مارس 1999 أعلنت الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي في اطار جمعها العام عن مشروع ترجمة معاني القران الكريم الى الامازيغية باعتبارها احدى اللغات الإسلامية فقام حراس العروبة و الإسلام من خطباء الجمعة و من دعاة التيار الاخواني الدخيل من المشرق العربي بالهجوم على هذه المبادرة العظيمة و على صاحبها سيدي الحسين جهادي اباعمران الذي يعتبر مؤسس للجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي منذ سنة 1967 كما  صرح الأستاذ الحسين إسكان لي عبر الفايسبوك أي انه  ليس منتمي الى الحركة المسماة بالاسلامية بالمغرب مع احترامي الشديد للأستاذ سعد الدين العثماني....

و وقتها أي في مارس 1999 كان الحصار الإعلامي على الامازيغية و حركتها الثقافية لا يتصور بحكم سيادة شعار العروبة و الإسلام عبر أيديولوجية الظهير البربري..

 و حتى بعد خطاب اجدير التاريخي و تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية سنة 2001 بدليل صريح الا و هو ان لم يظهر سيدي جهادي اباعمران على شاشات قنواتنا التلفزيونية خصوصا بعد صدور عمله  القيم سنة 2004 اذا كانت ذاكرتي قوية حيث ظهر في قناة الجزيرة وقتها بمعنى ان المشرق العربي هو صاحب السبق الإعلامي في انجاز تقرير تلفزيوني حول هذا الحدث التاريخي بكل المقاييس و بالإضافة الى تغطية جريدة العالم الامازيغي المتميزة آنذاك......

لكن قنواتنا التلفزيونية قد همشت هذا الحدث التاريخي وقتها رغم وجود خطاب اجدير و تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية  حيث يمكن قراءة هذا السلوك على ضوء ان الحركة الثقافية الامازيغية عملت طيلة تسعينات القرن الماضي على التنظير للمطالب الثقافية و اللغوية فقط حيث تم تأسيس خطاب السلطة الجديد تجاه المكون الامازيغي على هذا الأساس في خطاب اجدير التاريخي و في انشاء المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ...............

و للحديث بقية                                           

توقيع المهدي مالك         

 

 

اجمالي القراءات 1779