زواج المتعة... مشكلة أم حلّ؟
متّعت نفسي لنفسك لمدة... على صداق قدره... فهل قبلت الزواج؟ وبمجرد أن تقول المرأة نعم! يصبح زواج المتعة جارياً.
على الرغم من انه حقيقة قائمة في المجتمع الإسلامي وخصوصاً الشيعي، إلا ان زواج المتعة أو الموَقّت كما يفضّل الكثيرون تسميته، ما زال يثير الكثير من الأسئلة حول ماهيته والظروف الذي نشأ فيها، خصوصاً وان هناك خلافا عميقا بين السنّة والشيعة حول هذا الزواج، ففي حين تعتبره الاولى حراما وزنى، فإن الثانية تصرّ على انه حلال وتؤكد أنه مورس في عهد النبي محمد.
ومن اهم المراجع الشيعية التي غاصت وتبحّرت في هذا الموضوع المرجع الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله الذي كان يفضّل تسمية المتعة بالزواج الموَقّت، ويشير الى ان هذا الزواج الموَقَّت لا يختلف كثيراً عن الزواج الدائم، حتى في عملية إنجاب الأولاد، وهو ينطلق من الحاجة الجنسية التي تلحّ على الإنسان بشكل وبآخر".
ويضيف: "وقد تكون هناك ظروف واقعية على المستوى المادي او الاجتماعي تمنع الشخص من الزواج، ومن هنا جاء الزواج الموَقّت الذي يسمّى زواج المتعة باعتباره تلبية لحاجة جنسية. علماً ان النظر الى المرأة كأداة للجنس هو إسقاط لإنسانيتها"، لافتاً الى ان الإسلام كان إنسانياً وواقعياً في مسألة تنظيم الجنس، فاعتبره حاجة طبيعية للرجل والمرأة تماماً كما هو الأكل والشراب وما إلى ذلك".
قصّة عبير
تقول عبير " كان عمري 30 سنة عندما توفي زوجي في حادث سير تاركاً لي 4 أولاد أكبرهم في عمر الثامنة، لم أجد معيلاً لأبنائي لا من ناحية أقرباء زوجي الفقراء أصلاً، ولا حتى من ناحية أهلي الذين كانوا ولم يزالوا يكرهون زوجي وأولادي لأنهم كانوا يريدون تزويجي برجل أغنى من المرحوم زوجي".
وتشدّد عبير على أنّ "حالة العوز والفقر الشديد التي وصلت اليها جعلتها تنصاع لرغبة بعض الرجال الذين رأوا فيها شابة جميلة وفقيرة بحاجة الى إشباع رغباتها الجنسية والمادية على حد سواء، وهي تعترف انها لغاية اليوم قد فاقت عدد زيجاتها عن طريق المتعة الـ 10 رجال، وأقل مدّة عقدت فيها الزواج كانت شهرين".
وترى عبير في زواج المتعة حلاً لمعظم مشاكل الأرامل والعوانس، فتقول طالما ان الله حلّله فلماذا نحن البشر نحرّمه؟، لكن حول كثرة زيجاتها المتكرّرة تشرح انها في الكثير من المرّات كانت تتمنى لو ان احد هؤلاء الرجال يبقى زوجها الى الأبد، وهنا تكشف ان جميع الذين عقدت عليهم المتعة كانوا إمّا متزوجين وإمّا صغار السنّ لا يمكنهم تحمّل المسؤولية خصوصاً وأنها ليست في وارد ترك أبنائها على الإطلاق".
وتختم عبير بالقول "إنّ هناك رجل دين عقد عليها زواج المتعة لمدة سنة متواصلة، وخلال السنة حملت منه مرّتين، لكنها كانت تخضع للإجهاض نزولاً عند رغبته، كون المحاكم الشرعية ودوائر النفوس لا تعترف بأي مولود يثمر عن هكذا علاقة، وفي كل مرّة كانت تطلب منه تثبيت زواجهما كان يجيبها إن شاء الله خلال الشهر القادم، لكن ها هي عبير اليوم متزوجة من احدهم بالطريقة نفسها على أن ينتهي عقدها بعد 3 أشهر".
لماذا شرِّع هذا الزواج؟
وهنا يشرح فضل الله قائلاً "لأنّ الزواج الدائم في مدى التاريخ وأمام كل القوانين، سواء البدائية منها أو الحضارية، لم يستطع أن يحلَّ مشكلة الجنس، وهناك ظروف كثيرة يعيشها الناس رجالاً ونساءً، لا تسمح لهم بعلاقة الزواج، علماً ان الفتاة البكر لا يجوز لها حتى لو كانت بالغة وراشدة أن تعقد هذا الزواج إلا بإذن من أبيها أو جدِّها لأبيها".
شروط المتعة
ومن شروط زواج المتعة إذن ولي الأمر للبكر والقاصر، أمّا الثيب والأرملة فلا يجب أن يستأذن والي أمرهن، لكن ليس للزوجة الحق في الميراث لكن لأبنائها من زواج المتعة جميع حقوق أبناء الزوج من الزواج الدائم وينسبون اليه".
أمّا لسميرة محمود قصّة مع المتعة لم تنته فصولها حتى اليوم، فتقول "كان عمري 19 عاماً عندما تعرّفت الى شاب نشأت بيننا قصّة حبّ تكلّلت بزواج موَقّت مدّته سنة، لأننا لم نستطع يومها السكن في منزل واحد نظراً للأوضاع الاقتصادية في البلد، لكن المصيبة تقول سميرة انها بعد 3 أشهر على هذا الزواج حملت من زوجها المؤقت الذي اختفى فجأة ولم يظهر لغاية الآن".
واليوم تضيف سميرة أنّ ولدها الذي يبلغ من العمر 5 سنوات لا يملك أوراق ثبوتية، وعندما ذهبت الى إحدى المؤسسات التابعة لطائفتها طلبوا منها نسخة عن عقد المتعة، لكن العقد احتفظ به الزوج قبل ان يفرّ الى خارج البلاد"، وتشير الى أنّ شقيقها الذي يعيش في اميركا طلب منها أن يسجل الصبي على اسمه لكنه اشترط عليها اصطحابه معه الى الخارج، لكنها رفضت العرض وفوّضت أمرها الى ربّها".
وتختم "حتى ولو تمكن زوجي من الهرب طيلة العمر، فلن يفلت من عقاب الله، لأنه أوهمني يومها ان هذا الزواج صحيح ومعترف به من قبل جميع الديانات".
أمّا آمال، فهي تفتخر أمام عدد من صديقاتها أنها في شهر واحد عقدت زواج المتعة على أكثر من 4 أشخاص، وتعترف أنها تقدم على هكذا نوع من الزيجات من أجل كسب المال الذي تعتبره شرطاً أساسياً لعقد زواج المتعة مع أيّ رجل يعرض عليها هذا الأمر"، وعند سؤالها حول أهمية أن تعتاد لمدة 3 أشهر بعد كل زيجة، أجابت "ما حدا قللي هالحكي".
وتضيف: "هناك فقر كبير في الوسط الذي نعيش فيه، ولا يوجد شخص مستعد للزواج، ولهذا رأيت في زواج المتعة حلاً لمشاكلي الجنسية والمادية"، وتكشف "ان في حوزتها قسائم زواج جاهزة أعطتها اياها صديقتها، وما عليها سوى ملء الفراغ بأسماء الرجال الذين يريدون المتعة بها".
أمّا رضا فله قضية مختلفة كلياً، فهو يعترف انه يقوم بتسهيل هذا الزواج بين الأصدقاء وبعض المعارف، واكثر من ذلك فهو يؤكد أن لديه العديد من اسماء النساء الحاضرات لعقد المتعة على الشخص الباحث عن هكذا زواج"، ويعترف ان الهدف من قيامه بهذا الامر هو المادة أولاً وحل مشاكل الكبت الجنسي الذي يعاني منه الكثيرون في ظل هذا الوضع الإقتصادي".
ويشير رضا الى انه ذات يوم طرقت باب منزله سيدة كانت قد تزوجت زواج المتعة عن طريقه، وبمجرد ان فتح لها الباب انهالت عليه بالشتائم والسباب وأحرجته امام سكان المبنى الذي يقطن فيه"، ويكشف ان هذه السيدة حملت من الرجل الذي تزوجته، لكنه لم يعترف بالجنين، وقال لها بالحرف الواحد "روحي شوفي من مين حبلتي"، ويضيف "هناك مشاكل كثيرة تنجم عن هذا الزواج إن من ناحية أكل الحقوق على الزوجة، أو عدد الزيجات التي يعقدها الرجل في آن، ويؤكد بأن الأكثرية التي تقصده بهدف الزواج هن من النساء اللواتي تتراوح اعمارهن بين ال20 وال40 عاماً".
الغاية المالية لا تمنع صحّة الزواج
مدير المكتب الشرعي في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى المفتي السيد علي مكّي يشدّد في حديث الى "الجمهورية" على ان عقد المتعة هو نوع من الزواج المألوف، يفترق عنه ببعض الشروط والآثار، فالعقد المنقطع "المتعة" يُشترط فيه ككل عقد الإيجاب من المرأة والقبول من الزوج، ويضاف لذلك تحديد المهر بشيء محدّد في الجملة التي يتلفظون بها لإتمام الزواج"، مضيفاً "كما يفترض فيه تحديد الزمان بما لا يزيد عن عمر الزوجين عادة، ولذ قد يكون من حيث الزمان بعمر أحدهما كالعقد الدائم".
ويشير الى انه "إذا لم يُذكر في عقد المتعة المهر او الزمان فيصبح نافياً وباطلاً، كما يترتب على الحمل سائر آثاره الشرعية، ولكن في حال نفى الرجل الجنين، يُنفى عنه وإن لم يحلّ له ذلك"، شارحاً أن "الصيغة المعتمدة لهذا الزواج هو ان تقول الزوجة (زوجتك نفسي) وتذكر الأجل والمهر، وبعدها يقول الزوج (قبلت الزواج المذكور).
البداية من إيران
ويؤكد السيد مكي أنّ "وجود مكاتب تُعنى بتسجيل هذا الزواج هو امر حسن منعاً للتلاعب بكرامات النساء وفضحهن وترك الأبناء كريشة في مهب الرياح، ومنعاً من تركهم كمتفجّرات اجتماعيّة نتيجة الحرمان"، معتبراً ان "الغاية المادية من زواج المتعة لا تمنع من صحة العقد ما دام وقّع بشروط الإيجاب والقبول والمهر والمدة".
وحول وجود مكاتب في لبنان لتسهيل هذا الزواج يقول مكي: "وجود المكاتب امر حسن، ولكنها تؤدي الى الخوف الاجتماعي وسوء الظن بالنساء وبحركتهن، ولذا بناء على بعض النصوص يستحسن مراعاة السرّية النسبية"، ويلفت الى ان عدم انتشاره في لبنان قبل الثمانينات، مردّه الى عدم تحوّل الدعاة اليه من أطروحات الفرد الى أطروحات الدولة القوية التي تنظّم الشريعة وتحمي تطبيقها وتدافع عنها".
وعن انتشار المتعة بشكل كبير في إيران يشرح مكي "أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد ابتليت بحرب ضروس مع العراق تركت آثاراً حادة وعلى رأسها قضية نقصان الرجال فأرخت بتداعياتها على المرأة خاصة وعلى الأيتام بشكل عام، ولذ فرض موضوع زواج المتعة نفسه على الدولة
والمجتمع كضرورة لا بد من طرحها كحل مثالي لا بديل عنه".
ويختم مكي قائلاً "إنّ الموضوعية تقتضي دراسة البديل أمام الأزمات الحادة، حيث لن يكون إلا الزنا او الصبر والتحرّق أو الانتحار او الموت البطيء".
أمّا المعارض الإيراني الشيخ حبيب المهاجري الذي يتخذ من الأردن مقراً دائماً لإقامته يقول في حديث الى "الجمهورية": "بعد الثورة الإسلامية، دخلت الى حياة الإيرانيّين عادات ومفاهيم جديدة. وبعثت الروح في تقاليد كادت ان تختفي نهائياً من حياة الإيرانيين قبل الثورة، ومنه ما يسمّى باللغة الإيرانية "سيغيه" أو صيغة المتعة والتي تعني أن يتزوج الرجل امرأة لفترة قد تكون عشر دقائق أو 100 سنة".
ويتابع المهاجري "بعد نجاح ثورة الامام الحميني هاجم رجال الحرس الثوري الإيراني حي الدعارة والعاهرات في جنوب طهران، الذي كان يطلق عليه "شرنو" وأحرقوا البيوت، واعدموا أمام اعين سكان الحي بعض السيدات المتهمات بممارسة المهنة في إطار قانون دولة شاه إيران، وكان أبرز اللاتي تمّ إعدامهن "برى قزويني" و"برى جندة" و"مهين تشيكه".
ويشرح أنه على رغم كل الجهود التي قامت بها الثورة في إيران للقضاء على الدعارة، إلا انها لم تستطع أن تدفع بدماء الحيوية في شرايين الإقتصاد، خاصة مع دخول البلاد في حرب طويلة وشرسة ضد العراق والتي أكلت نيرانها عدداً هائلا من الرجال وبقيت هناك نساء بلا عائل جنسي أو مادي"، ويلفت الى انه أمام هذا الواقع المرير لجأت الثورة الى الحل الأفضل فكان النبش عن زواج المتعة".
ويؤكد المهاجري ان هناك عقود زواج لا يمكن للعقل ان يتقبلها مثل ان يعقد رب المنزل عقد المتعة على مخدومته لكي يتمكنوا من محادثة بعضهم داخل المنزل وأن لا تضطر الى ارتداء حجابها امامه، أو امام أولاده، ويلفت الى ان "الحال ذاته بالنسبة الى العاملات في مصانع السجاد أو أي عمل آخر تطلب المشاركة بين الجنسين".
ويعود المهاجري الى اول حديثه فيذكر "انه حينما دمّر الحرس الثوري الإيراني حي العاهرات واحرقوا بيوت الدعارة واعدموا بعض السيدات المعروفات في هذه المهنة، قررت الحكومة حينها نقل مكان البيت الى الحي النموذجي في أوتوستراد أفريقيا الذي سبق أن صدر حكم بمصادرته من قبل اللجان الثورية، وأطلق القاضي الشرعي المعروف "صادق خلخالي" على هذا البيت اسم "بيت التوابات" حيث تم إخضاع العاهرات اللواتي نقلن اليه، لعملية ريجيم فكري وثقافي، وتدريب ديني من اجل تطهير أجسادهن وأرواحهن".
ويتابع "بعد فترة قصيرة أعلن أحدهم قبول توبة هؤلاء العاهرات وصرن طاهرات مستعدات لزواج المتعة. وهكذا أنشئ أول بيت متعة في طهران، حيث أصبح في مقدور أي رجل أن يراجع هذا البيت لاختيار زوجة موَقّتة لمدة ساعة أو اسبوع أو شهر أو سنة".
ويختم المهاجري بالقول "إن زواج المتعة في ايران، لا ينتشر بأكثر من 5 في المئة بين عائلات الطبقة المثقفة، والنساء اليائسات فوق ال50 من عمرهن، هم اكثر طلبا للزواج المؤقت من الطالبات في المدارس، لأن ليس عليهن عدة، ولن ينجبن ويمكن لهن أن يتزوجن عدة مرات في اليوم".