في السعودية.. فقراء تجري من تحتهم أنهار من نفط

في الأربعاء ٢٢ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

في السعودية.. فقراء تجري من تحتهم أنهار من نفط

تصنيف الخبر:
تاريخ النشر: 2012/02/22 - 09:27 PM
المصدر: تركي العبد الحي (الرياض)

رغم الصورة المأخوذة عن الرفاهية التي يعيش فيها سكان السعودية إلا أن العقدين الأخيرين شهدا تضخماً كبيراً في أسعار السلع والخدمات، حيث ارتفعت الأسعار إلى ما يقارب 400 بالمائة، بينما لم يرتفع دخل المواطن إلا بمقدار 66 بالمائة.

يقول الشاب أحمد داوود، الذي يعمل حارس أمن في أحد الشركات، إنه كان يتقاضى 533 دولاراً فقط شهريا. لكن بعد أن أصدر الملك عبد الله بن عبد العزيز أمراً بوضع حد أدنى للأجور، ارتفع دخله الشهري إلى 800 دولار. أحمد متزوج ولا يستطيع سد تكاليف عائلته أو دفع إيجار المنزل بهذا الراتب الزهيد، لذلك وجد نفسه مضطراً إلى عمل آخر بعد انتهاء وقت عمله الأصلي. حاولنا سؤاله عن طبيعة عمله الآخر ولكنه رفض بشدة الحديث لأنه -كما يقول- لا يثق بالغرباء.

سعيد ضحية أخرى للفقر الموجود في السعودية، والذي تضيع تفاصيله المؤلمة بين الأبعاد البراقة للصورة المأخوذة عن حياة البذخ في المملكة. سعيد امتهن بيع الخمور المصنعة محلياً سراً، بسبب حاجته إلى ما يسد حاجته ومتطلبات عائلته. وحين سألناه عن فرصته في العمل مع الشركات البترولية أو الصناعية التي تبعد عشرات الأميال عنه، أجاب مازحا أنه يكتفي باستنشاق السموم المنبعثة منها.

ووفقاً لآخر الإحصاءات الرسمية المنشورة، يُقدّر متوسط دخل الفرد في السعودية بما يزيد عن 20 ألف دولار سنوياً في نهاية 2011، فيما بلغ متوسط أجر المواطن السعودي في القطاع الخاص نهاية 2010 نحو (927.1 دولار أمريكي).

وعن ارتفاع الأسعار في السعودية يقول عضو جمعية الاقتصاد السعودية عبد الحميد العمري: "بالنظر إلى تآكل جزء كبير من القوة الشرائية للريال فإن انخفاضه خلال العقدين الماضيين يُقدر بأكثر من 42 بالمائة. ورغم كل الزيادات المتكررة في دعم ذلك الدخل، إلا أن الارتفاعات في أسعار السلع والخدمات -وأغلبها مستوردة- كانت أكبر بكثير من ذلك الدعم. ومن الطبيعي أن يزيد هذا من أعباء تكاليف المعيشة على الأسر، كما أن هذا يظهر الخلل الذي تعاني منه السياسات الاقتصادية، وفي مقدمتها السياسة النقدية المرتبطة تماماً بسياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي".

* وجوه أخرى:

القصور الذي تعاني منه السياسات الاقتصادية في السعودية انعكس أيضاً خلال السنوات الأخيرة على أزمة السكن وارتفاع أسعار العقارات. وفي هذا السياق يوضح العمري قائلاً: "أزمة السكن قد تكون هي المفردة الأنسب لتشخيص هذه المعضلة الاقتصادية لدينا، ولإظهار مدى وقعها على الفقراء. هذه الأزمة امتدتْ بآثارها السلبية الشاملة إلى من هم خارج دائرة الفقر، أي إلى المحسوبين على أصحاب الدخول المتوسطة، الذين باتوا عاجزين تماماً عن توفير وتملك المسكن في أبسط مستوياته بمستوى دخلهم الحالي".

وعلى خلفية أزمة السكن هذه باتت الصحف المحلية تعج مؤخراً بمطالب عدد من الكتاب بفرض ضرائب على الأراضي المحتكرة وغير المستغلة من قبل عديد من تجار العقار الذي يحتكرون مساحات كبيرة داخل النطاق العمراني، طمعا في بيعها لاحقا بأسعار مرتفعة. الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار الأراضي السكنية. ورغم أن مجلس الشورى السعودي ناقش مراراً مسألة فرض ضرائب على هؤلاء التجار، إلا أنه لم يفلح في التوصل إلى سن قانون بهذا الشأن.

من المسؤول؟

ويشير العمري إلى أن جزءا من المشكلة تتحمله العائلات، والجزء الأكبر يتحمله الخلل في السياسات الاقتصادية القائمة، إذ تتأخر كثيراً في وضع البرامج التنموية وتنفيذها، ما يضعف في النهاية من فاعليتها في الاستجابة للتغيرات الفعلية على أرض الواقع. ويضيف عضو جمعية الاقتصاد السعودية بالقول: "إن تأخّر معالجة ذلك الاختلال زادت الفجوة بينهما، ما زاد من تفاقم حالة الفقر في المجتمع. ولعل من أبرز أوجه القصور في تلك السياسات أنها لم تنجح في تحقيق هدفها الاستراتيجي بتنويع القاعدة الإنتاجية المحلية. وحتى الآن لا تتجاوز مساهمة الصناعات التحويلية في الاقتصاد نسبة 13 بالمائة من حجم الاقتصاد".

من جانبه، يقول المدون طراد الأسمري الذي فازت مدونته المهتمة بشؤون الفقر بجائزة البوبز العالمية التي ينظمها موقع DW: "قيام بعض المنظمات الخيرية الإسلامية السعودية بتحويل تبرعات سعودية إلى الخارج كانت سبباً مباشراً في رفاه كثير من المجتمعات حول العالم، لكن هذا يثير في الوقت ذاته تساؤلات حول المردود التنموي من عمل هذه الجمعيات محلياً". وينتقد المدون السعودي بشدة ارتفاع معدل تحويل الأموال الخيرية بشكل كبير إلى خارج السعودية، مؤكداًً أن الفقراء داخل البلاد بحاجة ماسة إليها.

* جازان .. المدينة الأكثر فقراً:

ووفقاً للإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر، التي لم تُعلن بشكل رسمي بعد وسُربت نسخ منها للصحافة المحلية، فإن أكثر المناطق فقراً في المملكة هي منطقة جازان في جنوب البلاد، إذ بلغ عدد الأسر التي تعيش فقراً مدقعاً نحو 9700 أسرة. أما منطقة القصيم، فتعتبر الأقل فقراً بين جميع مناطق السعودية، إذ لا يتجاوز عدد الأسر الفقيرة فيها 506 أسرة.

وفي هذا السياق، يشير المدون طراد الأسمري إلى الإحصائية المرفقة بالإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر بالقول: "إن نسبة الأسر الواقعة تحت خط الفقر المطلق في منطقة جازان تبلغ 39 في المائة من إجمالي الأسر القاطنة فيها، كأعلى المناطق، وتأتي نجران (جنوب المملكة) ثانياً بـ 24.53 في المائة، فالمدينة المنورة (غرب المملكة) بـ24.07 في المائة، تليها الحدود الشمالية (شمال المملكة) بـ 23.59 في المائة.

* أسرة تعيش في مقبرة:

ورغم كثرة التقارير الصحفية التي تنشرها الصحافة السعودية حول الفقراء في السعودية، إلا أن أحد الأفلام القصيرة للمخرج بدر الحمود بعنوان "مقبرة" يحكي قصة أسرة مكونة 11 فرداً، تعيش في أحد مقابر عاصمة الرياض، مصوراً حالتها المزرية. وحصل الفيلم على نسبة مشاهدة عالية. ويُذكر أنه بعد ساعات من عرض الفيلم قدمت إحدى الجمعيات الخيرية في الرياض مساعدات للأسرة. من جانبها سارعت وزارة الشؤون الاجتماعية في تصريح صحفي لها إلى التأكيد على أن الأسرة تتقاضى 1600 دولار شهرياً من الدولة، إلا أن مخرج العمل بدر الحمود وفي صفحته بتويتر نفى ما تحدثت عنه الوزارة.

 

اجمالي القراءات 3116