الظهار وقطع العلاقة الزوجية

آحمد صبحي منصور في السبت ١٥ - يوليو - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً



الظهار وقطع العلاقة الزوجية  

 أولا :

من وجهة نظر إسلامية

1 ـ الظهار ليس طلاقا إو إنفصالا أو إنفصاما للعلاقة الزوجية .

2 ـ  الظهار هو : أن يحرم الزوج على نفسه اللقاء الجنسى مع زوجته ، كأن يقول لزوجته :( أنت حرام على مثل حُرمة ظهر أمى ). أى يحرمها عليه جنسيا . هنا إذا رجع فى كلامه وأراد أن يجامعها فعليه كفارة مغلظة يدفعها هو . وجاء هذا فى قوله جل وعلا : ( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) المجادلة ).

( يتماسّا ) أى اللقاء الجنسى برغبتهما . عندها فعليه أن يصوم شهرين متتابعين ، إن لم يستطع فعليه إطعام ستين مسكينا . إن لم يرد ممارسة الجنس معها تظل محرمة عليه.

3 ـ نفس الحال إذا علّق التحريم على الزوجة كقوله : ( إن فعلت كذا تكونين حراما على مثل أمى واختى ) أى علّق الأمر بها هى . بالتالى إذا فعلت ذلك الأمر وأراد أن يجامعها فعليه صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا . وعليها أن تخبره بذلك . الزوجة فى هذه الحال لا تكون مذنبة إذا فعلت هذا الشىء ، لأنه بإختيارها أرادت أن تكون محرمة عليه جنسيا . تظل زوجته دون ممارسة الجنس معه. إن فعلت نفس الشىء ولم تخبره تكون مذنبة.

4 ـ ومن حق الزوجة إذا ( ظاهر ) عليها زوجها ( أى حرمها على نفسه جنسيا ) ولم يراجعها أن تطلب الأفتداء . ويقترب هذا من وضع الإيلاء . فالايلاء هو أن يهجر الزوج زوجته معلنا لها ذلك  دون أن يقول ( أنت  حرام على كظهر أمى ) . هو مجرد هجر لفراشها يقوله لها . هنا لها أن تنتظر أربعة أشهر. إن رجع فالحياة الزوجية مستمرة بينهما والله جل وعلا غفور رحيم . إن لم يرجع فلها أن تطلب الطلاق ، قال جل وعلا:  ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) البقرة).

ثانيا :

تدبر فى الآية الأولى من سورة المجادلة :  

قلنا فى كتاب ( القرآن وكفى ) عام 1990:

(  .. مسئولية الرسالة تنحصر في النهاية في التبليغ فقط ﴿ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ ﴾ (المائدة 99). ومن اقتصار مهمة النبي على التبليغ للرسالة كما هي دون زيادة أو نقصان يمكن أن نستنتج أن تدبر الكتاب والاجتهاد في فهم معانيه هو مسئولية الناس بعد أن أوصل لهم النبي الرسالة ، وهذا الاستنتاج العقلي قد أثبته القرآن قبلنا ، فالله تعالى يقول ﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ (ص 29) فالنسق اللغوي في الآية كان يقتضى أن يقال للنبي: كتاب أنزلناه إليك مبارك لتتدبر آياته ، ولكن التدبر في الكتاب مسئولية الناس كما أن التبليغ مسئولية الرسول. ويؤكد القرآن على مسئوليتنا نحن في التدبر في الكتاب ، فيقول تعالى بتعبير الاستفهام الإنكاري ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ﴾ (النساء 82) ﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ.؟ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ (محمد 24).. والذى لا شك فيه أن النبي عليه السلام بعقليته كان أصلح الناس للاجتهاد ، وكان منتظراً أن يبادر بالإجابة على من يسأله ويستفتيه في أمور الدين ، ولكن الواقع القرآني يؤكد أن النبي كان إذا سُئـِلَ في شيء كان ينتظر نزول الوحى ليأتي بالإجابة ، وينزل قوله تعالى ﴿يسألونك عن﴾ كذا ﴿قل﴾ كذا..
وكلمتا ﴿يسألونك﴾ و ﴿يستـفـتونك﴾ مع كلمة {قل} من كلمات الله في القرآن الكريم ، ومنها نتأكد أن النبي كان مطلوباً منه فقط أن يبلغ الرسالة كما هي ، لقد كانوا يستفتون النبي ولكن النبي كان ينتظر نزول الوحى ، وتنزل الفتوى من رب العزة ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ ﴾ ﴿النساء 127) لم يقل له ويستفتونك قل إني أفتيكم ، وإنما قال: ﴿ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ ﴾ وفى المواريث استفتوا النبي في الكلالة فانتظر الفتوى من الله تعالى فنزل قوله تعالى ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ..﴾ (النساء 176) لم يقل أنا أفتيكم.
ومن مراجعة كلمة "يسألونك" في القرآن نتعرف على الحقائق الآتية:
* كانوا يسألون النبي عن أشياء جديدة في التشريع ، وكان النبي ينتظر معهم الحكم التشريعي الجديد الذى ينزل به القرآن ، مثال ذلك سؤالهم عن الأنفال أو الغنائم ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ.... ﴾ (الأنفال 1)
* وكانوا يسألون النبي عن إيضاحات جديدة في أمور تحدث عنها القرآن من قبل ، وكان بإمكان النبي أن يجيب عنها بالاستنتاج والقياس ، ولكنه عليه السلام لم يفعل ، فقد نزل قوله تعالى في مكة ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ (الأعراف 33) فالإثم كان محرماً في مكة ، ثم سُئـِلَ النبي في المدينة عن حكم الخمر ومعلوم أنها من الآثام ، ولم يجتهد النبي في التوضيح والقياس والاستنتاج ، وهو بلا شك أقدر الناس عليه ، ولكنه انتظر حتى جاءت الإجابة من الله تعالى ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ (البقرة 219) وطالما أن في الخمر إثماً كبيراً فإن تحريمها قد نزل إجمالاً في مكة ثم جاء تفصيلاً في المدينة.
* بل كانوا يسألون النبي عن أمور تكرر حديث القرآن عنها، ومع ذلك فالنبي كان لا يتلو عليهم الإجابة من الآيات التي نزلت من قبل ، وإنما كان ينتظر نزول الوحى فينزل بإجابات تؤكد ما سبق بيانه ، فقد نزلت آيات مكية تحض على رعاية اليتيم ، ومنها ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ﴾ (الضحى 9) ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ  فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ (الماعون 1: 2) ﴿ كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾ (الفجر 17) ﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ  يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ ﴾ (البلد: 14 ، 15) ﴿ وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ (الأنعام 152، الإسراء 34). ثم نزلت آيات في المدينة تؤكد على رعاية اليتيم منها ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ﴾ (الإنسان 8) ، ﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ..﴾ (البقرة 177). ومع ذلك سألوا النبي عن اليتامى ، وانتظر النبي الإجابة ولم يقرأ عليهم الآيات الكثيرة عن رعاية اليتيم وحقوقه ، ونزل قوله تعالى يجيب السؤال ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ (البقرة 220) وهذه الإجابة تؤكد ما سبق بيانه من رعاية اليتيم ، وسُئـِلَ النبي مرة أخرى عن يتامى النساء ونزل الوحى يؤكد ما سبق بيانه من وجوب رعايتهن ورعاية اليتيم ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ ﴾ (النساء 127) والإجابة هنا تشير إلى ما نزل في الكتاب وكانوا يتلونه ويقرأونه من رعاية اليتامى والمستضعفين من الولدان.
* وأكثر من ذلك فهناك حقيقة قرآنية مؤكدة وكررها القرآن ، وهى أن النبي لا يعلم الغيب ولا يعلم موعد قيام الساعة ولا ما سيحدث له أو للناس ، واقرأ في ذلك قوله تعالى ﴿ قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾ (الأنعام 50) ﴿ قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ..﴾ (الجن 25: 27) ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ ﴾ (الأنبياء 109) وهل هناك أوضح من قوله تعالى ﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ..﴾ (الأحقاف 9)
ومع ذلك فهناك آيات أخرى كثيرة تؤكد أن علم الساعة عند الله وحده ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ (لقمان 34) ﴿ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ (فصلت 47) ﴿ وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ (الزخرف 85)
كلها آيات تؤكد أن النبي لا يعلم الغيب وأن علم الساعة لله وحده وكانت تكفى آية واحدة ولكنهم سألوا النبي مرة ومرات عن الساعة ، ومع ذلك لم يبادر بالإجابة بأن يقرأ عليهم الآيات السابقة ، وإنما انتظر الوحى ، وكان الوحى ينزل دائماً بنفس الإجابة وهى أن علم الساعة لله وحده وأن النبي لا يعلم الغيب. سألوا النبي عن الساعة فلم يبادر بالإجابة وهو بلا شك يعلم أن القرآن لا يمكن أن يأتي بإجابة تناقض ما سبق ، وأن الإجابة ستكون نفس المعنى الذى تكرر وتأكد من قبل،.. انتظر النبي الإجابة ونزل قوله تعالى ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ  قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ ...﴾ (الأعراف 187: 188) وهذا توضيح فيه أكثر من الكفاية.
ولكنهم سألوه أيضاً عن الساعة ونرى النبي عليه السلام أيضاً ينتظر الإجابة فنزل قوله تعالى يجيب ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا  فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا  إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا  إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ﴾ (النازعات 42: 45) والآيات الأخيرة ملئت بأسلوب الاستفهام الإنكاري ﴿ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا  ﴾ وجاء أسلوب القصر يقصر علم الساعة على رب العزة ﴿ إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا ﴾ ويقصر وظيفة النبي على الإنذار ﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ﴾.
كان ذلك في مكة ثم في المدينة سألوا النبي عن الساعة، وانتظر النبي أيضا نفس الجواب من رب العزة ﴿ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً ﴾ (الأحزاب 63)
كان بإمكان النبي أن يجيب، ولديه الكفاية من الآيات، ولكنه كان ينتظر الإجابة، وينزل الوحى بالإجابة المعروفة سلفاً، ثم يسألون النبي نفس السؤال وينتظر النبي إلى أن تأتى الإجابة.. وتأتى نفس الإجابة ثم يسأله آخرون نفس السؤال ، وأيضاً ينتظر الإجابة التي يعرفها إلى أن ينزل الوحى.. وهكذا.. ولو كان من حقه الاجتهاد لأجاب منذ السؤال الأول.
على أن هذه التأكيدات القرآنية لم تأت عبثاً- وتعالى الله عن العبث- فمع كل التأكيدات التي كانت تكرر وتكرر وتؤكد أن النبي لا يعلم الغيب ولا يعلم شيئاً عن الساعة وموعدها وأحداثها - مع ذلك فإن الناس أسندوا للنبي بعد موته عشرات الأحاديث عن علامات الساعة وأحداثها والشفاعات وأحوال أهل الجنة وأهل النار. وهذه الأحاديث التي ملأت الكتب (الصحاح) تؤكد اعجاز القرآن لأننا نفهم الآن لماذا كرر القرآن تلك التأكيدات سلفا ومسبقا ليرد عليها سلفا ومسبقا. هذه الأحاديث الضالة تضعنا في موقف اختبار أمام الله تعالى فإما أن نصدق القرآن ونكذبها، وإما أن نصدقها ونكذب الله وقرآنه.. ولا مجال للتوسط.. ونسأل الله السلامة والهداية.. ونعود إلى قضية التشريع..
*** فقد كانوا يسألون النبي عن أشياء لا نشك لحظة في أنه عليه السلام كان يعرف الإجابة عنها من خارج القرآن ، ومع ذلك فلم يبادر النبي بالإجابة من عنده أو من معلوماته وإنما انتظر الوحى القرآني ، فقد سألوا النبي عن الأهلة - جمع هلال - ومعروف أن الأهلة هي لمعرفة المواقيت ، وهذا ما كان مشهوراً العلم به في الجزيرة العربية حيث اعتاد العرب في شهورهم العربية على الاعتماد على التوقيت القمري ، وبه كانوا يؤدون فريضة الحج قبل القرآن وفى عصر النبي عليه السلام. وهكذا فعندما سألوا النبي عن الأهلة كان ممكناً أن يجيبهم من عنده ولكنه انتظر حتى نزل قوله تعالى ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ... ﴾ (البقرة 189). وسألوا النبي عن مباشرة النساء في المحيض ، ونحن نعتقد أن النبي بذوقه الرفيع وحسه المرهف - عليه السلام - كان يعلم أن المحيض أذى وأنه ينبغي اجتناب النساء في المحيض ، ومع ذلك فلم يصرح النبي برأيه وانتظر الوحى حتى نزل قوله تعالى ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ (البقرة 222)
* وحدث أن جاءت امرأة تسأل النبي عن حكم الظهار بعد أن ظاهر منها زوجها أي أقسم باجتنابها جنسيا أو بحرمتها مثل تحريم أمه عليه ، ولم تكن لدى النبي إجابة فانتظر كعادته الوحى ، ولكن المرأة لم تنتظر وأخذت تجادل النبي - وهذا منتظر ممن كانت في مثل حالتها - ولما لم تجد لدى النبي شيئاً رفعت يديها للسماء تشكو لله تعالى حالها ، ونزل القرآن يوضح ذلك الموقف ويفتى في الموضوع ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ (المجادلة 1).. إنتهى ).

أخيرا

الكفر فى ( تفسير القرطبى )

كتب 5491 كلمة فقط . حرصا على القارىء لن نذكر إختلافاتهم وتناقضاتهم . نكتفى ببعض تشكيكهم الكافر فى الآيات القرآن الكريم

 قال :

1 ـ (.الثانية: قرئ {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} بالإدغام و{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} بالإظهار...  وقرئ: {تحاورك} أي تراجعك الكلام و{تُجادِلُكَ} أي تسائلك ).


2  : قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظاهِرُونَ} قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف {يظاهرون} بفتح الياء وتشديد الظاء وألف. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب {يظاهرون} بحذف الالف وتشديد الهاء والظاء وفتح الياء. وقرأ أبو العالية وعاصم وزر ابن حبيش {يظاهرون} بضم الياء وتخفيف الظاء وألف وكسر الهاء. وقد تقدم هذا في الأحزاب. وفي قراءة أبىّ {يتظاهرون} وهي معنى قراءة ابن عامر وحمزة.  )   

 
اجمالي القراءات 2487