لمحة تاريخية عن الزلازل فى العصر العباسى
1 ـ إبن الجوزى ( الحنبلى ): مولود فى بغداد عام 508 ، وتوفى بها عام 597 . كان أشهر مؤرخ وفقيه وقصّاص فى عصره . يعيب عليه فى تاريخه ( المنتظم ) تعصبه للحنابلة وتحامله على خصومهم . مع هذا فإن تاريخ المنتظم أهم كتب الحوليات التاريخية التى تسجل الأحداث بالحول أى العام .
2 ـ وسار على منهج الطبرى ( ت 310 ) شيخ المؤرخين ، إلا إنه إختلف مع الطبرى فى أنه كان يقدم رواية واحدة للحدث ، وبينما ركّز الطبرى على الأحداث السياسية فإن ابن الجوزى سجل أحوال الناس ، وكان يؤرخ فى نهاية كل عام للأكابر الذين ماتوا فى هذا العام .
3 ـ كالعادة فى مؤرخى الحوليات فإن اللاحق ينقل عن السابق أحداث السنوات الماضية ، ثم إذا وصل الى عصره أصبح يسجل من واقع المشاهدة والمعاصرة . هكذا فعل ابن الجوزى فى تاريخ المنتظم . نقل عن ابن اسحاق وابن سعد والطبرى ومن بعده ، ثم عن أشياخه ، ثم أصبح يكتب أحداث عصره ، حتى إنه فى الجزء الثامن عشر سجّل بعض أحداث حياته .
أولا :
بين سطور تاريخ ( المنتظم ) تناثرت أخبار الزلازل ، وفاجعة زلزال تركيا وسوريا دفعت الى كتابة هذا المقال عنها فى العصر العباسى ، وحرصت على النقل حرفيا من ( المنتظم ) للتعرف على عقلية العصر . نتتبع ما جاء فى المنتظم عن الزلازل فى العصر العباسى حسب الحول أو العام الهجرى : .
سنة 180
( كانتَ زلزلة بمصر ونواحيها ، وسقطت رأس منارة الإسكندرية فيها.)
224
( وفي شوال: زلزلت مدينة فرغانة ، فمات منها أكثر من خمسة عشر ألفًا .)
225
( وفي مستهل جمادى الأولى: كانت رجفة بالأهواز عظيمة تصدعت منها الجبال وخصوصًا الجبل المطل على الأهواز ، ودامت أربعة أيام بلياليها ، وهرب أهل البلدة إلى البر وإلى السفن ، وسقطت فيها دور كثيرة ، وسقط نصف الجامع ومكثت ستة عشر يومًا .)
232
( وكثرت الزلازل في المغرب ، وكانت زلزلة بدمشق هدمت منها المنازل والدور ومات خلق من الناس ، وكذلك بحمص ، وعظم ذلك في قرى أنطاكية والموصل ، ويقال: إنه مات فيها عشرون ألفًا. ).
233
( وفي ربيع الآخر: رجفت دمشق رجفة شديدة لارتفاع الضحى ، وانتقضت منها البيوت ، وتزايلت الحجارة العظيمة ، وسقطت عدة منازل وطاقات في الأسواق على من فيها فقتلت خلقًا كثيرًا من الرجال والنساء والصبيان ، وسقط بعض شرافات المسجد الجامع ، وتصدعت طاقات القبة التي في وسط الجامع مما يلي المحراب ، وانقطع ربع منارة الجامع ، فهرب الناس بالنساء والصبيان ، وهرب أهل الأسواق إلى ذلك ، فرجعوا فأخذوا في إخراج الموتى من تحت الهدم . وذكر بعض من كان في دير مران أنه كان يرى مدينة دمشق وهي ترتفع وتستقل مرارًا . وأصاب أهل قرية من عمل الغوطة من الرجفة أنها انكفأت عليهم فلم ينج منهم إلا رجل واحد على فرسه فأتى أهل دمشق فأخبرهم . وأصاب أهل البلقاء مثل ما أصاب أهل دمشق من هدم المنازل في ذلك اليوم وذلك الوقت ، وتزايلت الحجارة من سور مدينتها وسقط حائط لها عرضه ذراع في ستة عشر ذراعًا ، وخرج أهلها بنسائهم وصبيانهم ، فلم يزالوا في دعاء وضجيج حتى كف الله عنهم برحمته . وعظمت الزلازل بأنطاكية ومات من أهلها خلق كثير ، وكذلك الموصل ) .
239
( ورجفت طبرية في جمادى الأولى في ربع الليل الأول حتى مادت الأرض واصطكت الجبال ، ثم رجفت وانقطع من الجبل المطل عليها قطعة ثمانين ذراعًا طولًا وعرضًا في خمسين ذراعًا فتقطع ، فمات تحته بشر كثير وهدم دورًا .)
240
( وفي هذه السنة: سمع أهل خلاط صيحة من السماء فمات خلق كثير وكانت ثلاثة أيام وخسف بثلاث عشرة قرية من قرى إفريقية . ) ( وقال محمد بن حبيب الهاشمي: كتب تجار المغرب أن ثلاث عشرة قرية من قرى القيروان خسف بها فلم ينج من أهلها إلا اثنان وأربعون رجلًا سود الوجوه ، فأتوا القيروان فأخرجهم أهلها وقالوا: أنتم مسخوط عليكم فبنى لهم العامل حظيرة خارج باب المدينة فنزلوها .)
242
( وفي شعبان زلزلت الدامغان فسقط نصفها على أهلها وعلى الوالي فقتله ، ويقال إن الهالكين كانوا خمسة وأربعين ألفًا . وكانت بقومس ورساتيقها في هذا الشهر زلازل ، فهدمت منها الدور وسقطت بيوت كلها على أهلها ، وسقطت بلدان كثيرة على أهلها ، وسقط نحو من ثلثي بسطام . وزلزلت الري وجرجان وطبرستان ونيسابور وأصبهان وقم وقاشان وذلك كله في وقت واحد . وسقطت جبال ودنا بعضها من بعض ، ونبع الماء مكان الجبال . ورجفت استراباذ رجفة أصيب الناس كلهم ، وسمع بين السماء والأرض أصوات عالية وانشقت الأرض بقدر ما يدخل الرجل فيه . )
245
( وفي هذه السنة: زلزلت بلاد المغرب حتى تهدمت الحصون والمنازل والقناطر ..وفي شوال: كانت زلزلة ورجفة بأنطاكية فقتلت خلقًا ، وسقط منها ألف وخمسمائة دار ، وسقط من سورها نيف وتسعون برجًا ، وسمعوا أصواتًا هائلة لا يحسنون وصفها من كوى المنازل ، وهرب أهلها إلى الصحارى ، وتقطع جبلها الأقرع وسقط في البحر ، فهاج البحر فارتفع منه دخان أسود مظلم ....وزلزلت: بالس والرقة وحران ورأس العين وحمص ودمشق والرها وطرطوس والمصيصة وأدنة وسواحل الشام ، ورجفت اللاذقية فما بقي فيها منزل ولا أفلت من أهلها إلا اليسير وذهبت جبلة بأهلها .)
272
( وورد الخبر في جمادى الآخرة أن مصر زلزلت زلزالًا أخربت الدور ومسجد الجامع وأنه أحصي بها في يوم واحد ألف جنازة )
310
( وورد الخبر بأنه انشق بواسط سبعة عشر شقًا أكبرها ألف ذراع وأصغرها مائتا ذراع ، وأنه غرق من أمهات القرى ألف وثلثمائة قرية .)
346
( وفي ذي الحجة: ورد الخبر بأنه كان بالري ونواحيها زلزلة عظيمة ، مات فيها خلق كثير من الناس.)
347
( فمن الحوادث فيها أنه كانت زلزلة ببغداد في نيسان ، وكانت زلازل عظيمة في حلوان وبلدان الجبل وقم وقاشان فقتلت خلقًا كثيرًا وأخربت.)
367
( وفي يوم الأحد سابع ذي القعدة كانت بسيراف زلزلة ، هدمت المنازل ، وأتت على ما فيها من الأموال وهلك بها أكثر من مائتي إنسان. )
376
( وفي هذا الشهر( رجب ) : ورد الخبر بزلزلة كانت بالموصل هدمت كثيرًا من المنازل ، وأهلكت خلقًا كثيرًا من الناس. ).
398
( وفي ليلة الأحد سادس عشر شعبان حدثت زلزلة عظيمة بالدينور ، وورد الخبر بأنها هدمت المنازل ، وهلك فيها خلق كثير ، أكثر من ستة عشر ألف إنسان ،غير من خاست به الأرض وطمه الهدم . وخرج السالمون إلى الصحراء ، فأقاموا في أكواخ عملوها ، وذهب من الأثاث والمتاع فيما تهدم ما لا يحصى.)
425
( وكان بالرملة زلازل خرج الناس منها بأولادهم وحرمهم وعبيدهم إلى ظهر البلد فأقاموا ثمانية أيام ، وهدمت تلك الزلزلة ثلث البلد تقديرًا ، وقطعت المسجد الجامع تقطيعًا ، وأهلكت من الناس قومًا ، وتعدت إلى نابلس فسقط نصف بنيانها ، وتلف ثلثمائة نفـس مـن سكانهـا . وقلبـت قريـة بإزائها ، فخاست بأهلها وبقرها وغنمهم . وخسف بقرى أخر . وسقط بعض حائط بيت المقدس ، ووقع من محراب داود عليه السلام قطعة كبيرة ، ومن مسجد إبراهيم عليه السلام قطعة ، إلا أن الحجرة سلمت . وسقطت منارة المسجد الجامع بعسقلان ورأس منارة غزة. )
434
( وردت الأخبار الصحيحة بوقوع زلزلة عظيمة بتبريز ، هدمت قلعتها وسورها ودورها ومساكنها وحماماتها وأسواقها وأكثر دار الإمارة ، وخلص الأمير لكونـه كـان فـي بعـض البساتيـن وسلـم جنـده لأنـه كـان قـد أنفذهـم إلـى أخيـه ، وأنـه أحصـى مـن هلـك تحـت الهـدم ، فكانـوا قريبـًا مـن خمسين ألف إنسان وأن الأمير لبس السواد وجلس علـى المسـوح لعظـم هـذا المصـاب . ) .
450
( وفي ثامن عشر شوال: ( فى بغداد ) بين المغرب والعشاء كانت زلزلة عظيمة لبثت ساعة عظيمة ، ولحق الناس منها خوف شديد وتهدمت دور كثيرة ، ثم وردت الأخبار أنها اتصلت من بغداد إلى همـذان وواسـط وعانـة وتكريـت . وذُكر أن أرحـاء كانت تدور فوقفت . ).
455
( وفي هذا الشهـر( شعبان ) : كانـت زلزلـة بأنطاكيـة واللاذقيـة وقطعـة مـن بلاد الـروم وطرابلـس وصـور وأماكن من الشام ، ووقع من سور طرابلس قطعة.)
458
( وفي جمادى الآخرة: كانت زلزلة بخراسان لبثت أيامًا ، فصدعت منها الجبال ، وأهلكت جماعة ، وخسفت بعدة قرى ، وخرج الناس إلى الصحراء وأقاموا هناك.)
460
( وفـي جمـادى الأولـى: كانـت زلزلـة بـأرض فلسطيـن أهلكـت بلد الرملة ورمت شرافتين من مسجد رسول الله صلى عليه وسلم، ولحقت وادي الصفراء وخبير ، وانشقت الأرض عن كنوز من المال ، وبلغ حسها إلى الرحبة والكوفة . وجاء كتاب بعض التجار في الزلزلة ويقول: إنها خسفت الرملة جميعها حتى لم يسلم منها إلا دربان فقط ، وهلك منها خمسة عشر ألف نسمة ، وانشقت الصخرة التي ببيت المقدس ، ثم عادت فالتأمت بقدرة الله تعالى ، وغار البحر مسيرة يوم وساح في البر ، وخرّب الدنيا ، ودخل الناس إلى أرضه يلتقطون ، فرجع إليهم فأهلك خلقًا عظيمًا منهم.)
462
( ثم دخلت اثنتين وستين وأربعمائة : فمن الحوادث فيها أنه كان ثلاث ساعات من يوم الثلاثاء الحادي عشر من جمادى الأولى وهو الثامن آذار : زلزلة عظيمـة بالرملـة وأعمالهـا ، فذهـب أكثرهـا وانهـدم سورهـا ، وعـمّ ذلك ببيت المقدس وتنس . وانخسفت أيلة كلها ، وانجفل البحر في وقت الزلزلة حتى انكشفت أرضه ومشى الناس فيه ثم عاد إلى حاله. وتغيرت إحدى زوايا الجامع بمصر ، وتبع هذه الزلزلة في ساعتها زلزلتان.)
464
( وفـي ليلـة الجمعـة لأربـع بقيـن مـن ربيع الآخر وقت طلوع الفجر وقت طلوع الفجر: حدثت زلزلة ارتجت لها الأرض ست مرات.)
478
(ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وأربعمائة : فمن الحوادث فيها: أنه وصل الخبر في المحرم بأن أرجان زلزلت وما تاخمها من النواحي، وهلك خلق وسقطت . )
( وفي ربيع الأول: هبت ريح عظيمة بعد العشاء واسودت الدنيا وادلهمت وكثر الرعد والبرق وعلا على السطوح رمل عطيم وتراب ، وكانت النيران تضطرم في جوانب السماء ، ووقعـت صواعق بألسن و البوازنج ، وكسرت بالنيل نخيل كثيرة ، وغرقت سفن ، وخرّ كثير من الناس على وجوههم فاستمر ذلك إلى نصف الليل حتى ظنوا أنها القيامة ثم انجلت.)
487
( كانت ببغداد زلزلة في محرم . ).
511
( ثم دخلت سنة إحدى عشرة وخمسائة: فمن الحوادث فيها أنـه زلزلـت الأرض ببغداد يوم عرفة ، وكانت الستور والحيطان تمر وتجيء ، ووقعت دور ودكاكين في الجانب الغربي ...قال شيخنا أبو الفضل أبن ناصر: كانت هذه الزلزلة وقعت الضحى ، وكنت في المسجد الذي علـى بـاب درب الـدواب قاعـدًا فـي السطـح مستنـدًا إلـى ستـرة تلـي الطريق ، فتحركت السترة حتى خرجت من الحائط مرتين ... وبلغني أن دكاكين وقعت بالجانب الغربي في القرية. )
524
( قـال شيخنـا أبو الفضل بن ناصر: وكانت زلزلة عظيمة هائلة في ليلة الجمعة السادس عشر من ربيع الأول سنة أربع وعشرين ، وكان ذلك في آخر شباط وكنت في المسجد بين العشائين فماجت الأرض مرارًا كثيرة. من اليمين عن القبلة إلى الشمال ، فلو دامت هلك الناس . ووقعت دور كثيرة ومساكن في الجانب الشرقي والغربي . ) .
529
( ووقعت زلزلة شديدة ثلاث مرات ببغداد فـي جمـادى الآخـرة وقـت الضحـى ، حتـى تحركـت الجدران )
533
( وكانت زلزلة بجنزة أتت على مائتي ألف وثلاثين ألفًا فأهلكتهم ، وكانت الزلزلة عشرة فراسخ في مثلها... وسمعت شيخنا ابن ناصر يقول: قد جاء الخبر أنه خسف بجنزة وصار مكان البلد ماء أسود ، وقدم التجار من أهلها فلزموا المقابر يبكون على أهاليهم.)
538
( وزلزلت الأرض ليلة الثلاثاء رابع عشرين ذي القعـدة ، فكانـت رجـة عجيبـة. كنـت مضطجعـًا على الفراش فارتج جسدي منها.)
544
( وفي يوم السبت غرة ذي الحجة وقت الضحى: زلزلت الأرض زلزلة عظيمة فبقيت تموج نحوًا من عشر مرات . وكانت زلزلـة بحلـوان تقطـع منهـا الجبـل وسـاخ فـي الأرض، وانهـدم الربـاط البهروزي .) .
552
( ووصـل الخبـر فـي رمضـان: بزلازل كانـت بالشام عظيمة في رجب تهدمت منها ئلاثة عشر بلدًا ، ثمانيـة من بلاد الإسلام وخمسة من بلاد الكفر . أما بلاد الإسلام فحلب وحماة وشيزر وكفر طاب وفامية وحمص والمعرة وتل حران ، وأما بلاد الإفرنج فحصن الأكراد وعرقه واللاذفية وطرابلس وأنطاكية . فأما حلب فأهلك منها مائة نفس ، وأما حماة فهلكت جميعها إلا اليسير ، وأما شيزرفما سلم منها إلا امرأة وخالها وهلك جميع من فيها . وأما كفرطاب فما سلم منها أحد ، وأما فامية فهلكت وساخت قلعتها ، وأما حمص فهلك منها عالم عظيم ، وأما المعرة فهلك بعضها ، وأما تل حـران فإنـه انقسـم نصفيـن وظهـر مـن وسطـه نواويـس وبيـوت كثيرة ، وأما حصن الأكراد وعرقة فهلكتا جميعـًا ، وهلكـت اللاذفيـة فسلـم منهـا نفـر ونبـع فيهـا جوبة فيها حمأة وفي وسطها صنم واقف، وأما طرابلس فهلك أكثرها ، وأما أنطاكية فسلم بعضها.)
572
( ووصل الخبر في ذي القعدة بأن بلادا كثيرة زلزلت وخسف ببعضها وذكر فيها الري وقزوين. ).
أخيرا
كانت الزلازل والأوبئة والمجاعات تأتى ضمن أخبار الحروب والفتن ، التى كانت ـ ولا تزال ــ وصمة فى كوكب المحمديين ، إذ يحلو لتاريخهم أن يكرر نفسه . قال جل وعلا : ( أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) التوبة ).