( الحرام / الحُرمة / المحرمة ) فى مصر الستينيات : يا حسرة على مصر اليوم .!
آحمد صبحي منصور
في
الخميس ٠١ - ديسمبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً
( الحرام / الحُرمة / المحرمة ) فى مصر الستينيات : يا حسرة على مصر اليوم .!
أولا : فيلم ( الحرام )
1 ـ فيلم ( الحرام ) من أروع الأفلام المصرية ، لأنه يعبر بصدق عن الثقافة المصرية وقت إنتاجه عام 1965 . موضوعه عن معاناة الفلاحين عمال التراحيل ، ويدور حول فلاحة فقيرة تعمل مع زوجها ضمن عمال التراحيل، يصاب الزوج بالمرض الذي يقعده عن العمل، فى مرضه يشتاق الزوج إلى البطاطا ، فتذهب عزيزة لتقتلعها فيغتصبها رجل وتحمل وتنجح في إخفاء حملها عن الأعين ، وخوف الفضيحة تنتهى حياة المولود موتا . ويطرح الفيلم سؤالا عن ( ماهية الحرام ). هل الحرام هو:
1 / 1 : الاستغلال البشع لعمال التراحيل الأطفال والنساء والرجال ، وبلا رعاية أو تأمين ، بحيث أنه عندما مرض الزوج وجلس فى البيت تنفق عليه زوجته، إذ لم يجد من يرعاه سوها ، وعندما إشتاق الى ثمرة بطاطة لم تجدها الزوجة إلا بالسرقة ، وعندما وجدتها دفعت الثمن إغتصابا ، وهى لم تقاوم كثيرا بسبب حرمانها الجنسى .
1 / 2 : أم هو الزنا وموت طفل برىء .
2 ـ شاهدت معاناة عمال التراحيل فى الستينيات، إذ كان مقاول ( الأنفار ) يرسل سيارة نقل الى أقرب نقطة من قريتنا ( ابوحريز ) وهى ( النقطة الثابتة ) على ( مصرف صان )، ويأتى الفلاحون اليها من بلدنا والبلاد المحيطة ، مع كل منهم ( زوادة الطعام ) ثم تذهب بهم سيارة النقل الى منطقة ( صان الحجر ) حيث إستصلاح الأراضى الجديدة . والى محافظة الشرقية ينتمى أيضا العبقرى يوسف إدريس . مؤلف رواية ( الحرام ) ، وقام ببطولة الفيلم الممثل المصرى عبد الله غيث ، وهو أصلا فلاح من محافظة الشرقية ، وقد أدى أعظم أدواره على الاطلاق ، وكان مناسبا للدور من حيث الشكل ، ومن حيث تعبير المعاناة للفلاح المصرى وقتها .
3 ـ ( الحرام ) هو الحاضر الغائب فى مجتمع عمال التراحيل أفقر الفلاحين المصريين وقتها ، والذين لم تمنعهم ظروفهم القهرية من فهم ماهية الحرام فى العلاقات الجنسية .
4 ـ هذا .. بينما شاع مصطلح ( المغيبات ) فى تاريخ العرب فى عصر الخلفاء والفتوحات . ( المغيبات ) أى الزوجات التى كان يغيب عنهن أزواجهن فى الحروب بأعوام ، وكان يدخل على ( المغيبات ) الشباب القاعد يزنى بهن ، ولقد أنشأ عمر بن الخطاب ديوانا للاطفال غير الشرعيين ، ثم فيما بعد إجتهد الفقهاء فى حلّ لهذه المشكلة ، فاخترعوا حديثا ظريفا يقول ( الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ) أى نسبة المولود للزوج الغائب لأنه صاحب الفراش . ثم أشاعوا فتوى أخرى لا يزال يتمسك بها مواشى الفقهاء فى عصرنا الردىء ، وهى أن مدة حمل المرأة تصل الى عدة سنوات . بمعنى أن الزوج إذا غاب بضع سنوات وولدت زوجته فهو من أبيه الغائب من سنوات مضت . وقالوا إن ( مالك بن أنس ) قد حملت به أمه ثلاث سنين ، ونسبوه الى أب غائب مات فى الغربة .
5 ـ بالمناسبة : هل نسيتم حديث البخارى وغيره عن ( ام حرام بنت ملحان ) ، هذه الأسطورة صنعت شخصية وهمية ، جعلوها زوجة لعبادة بن الصامت ، وزعموا ـ عليهم اللعنة ـ أن النبى كان يدخل فينام عندها فى غياب زوجها فتطعمه وتسقية. هذا الحديث الباطل صنعته الثقافة العربية وقتها لتبرر الانحلال الذى ساد مع ( المغيبات ) فى القرن الأول الهجرى .
ثانيا : عمرو بن العاص : إبن الحرام الذى لم يخجل من نفسه ونسبه .!
أمُّ عمرو ( النابغة ) كانت من البغايا ـ وكان لقبهن ( ذوات الرايات الحُمر ) بما يعنى أن بيوتهن كانت عليها رايات حمراء لمن يريد قضاء ( ليلة حمراء ). إشتهرت بأن زبائنها من زعماء قريش . قالوا :
1 : ( وقع عليها أبو لهب ، وأمية بن خلف ، وهشام بن المغيرة ، وأبو سفيان بن حرب ، والعاص بن وائل ، في طهر واحد ، فولدت عمرا . فادعاه كلهم ، فحكمت فيه أمه فقالت : هو للعاص لأن العاص كان ينفق عليها . وقالوا : كان أشبه بأبي سفيان . )
2 : ( كانت النابغة أم عمرو بن العاص من العواهر المشتهرات ذوات الرايات ، وكن يحضرن عكاظ ومجنة وذا المجاز أسواق العرب ، ينصبن فيها الرايات لتدل عليهن من أراد العهار ليأتيهن. )
3 : ( كان من حديث النابغة أم عمرو بن العاص : أنها كانت بغيا من طوائف العرب ، فقدمت مكة ومعها بنات لها ، فوقع عليها نفر من قريش في الجاهليه فيهم : أبو لهب بن عبد المطلب ، وأمية بن خلف ، وهشام بن المغيرة المخزومي ، وأبو سفيان بن حرب بن أمية ، والعاص ابن وائل السهمي ، بطهر واحد فحملت فولدت عمرو ، واختصم القوم جميعا فيه كلهم يزعم أنه ابنه ، ثم ضرب عنه ثلاثة وأكب عليه اثنان العاص بن وائل وأبو سفيان . قال أبو سفيان : " أما والله إني وضعته في رحم أمه" فقال له العاص :" ليس مما تقول شيء هو ابني" فحكما فيه أمه فقالت : " هو للعاص" . فقيل لها بعد ذلك : " ويحك ما حملك على ما صنعت ، فو الله إن أبا سفيان لأشرف من العاص" ، قالت : إن العاص كان ينفق على بناتي ولو ألحقته بأبي سفيان لم ينفق علي العاص شيئا ." ).
4 ـ عاش عمرو ( إبن النابغة ) طفولته فى بيت أمّه ، يرى الناس يدخلون على أُمّه أفواجا من كل مكان . بعد أن فتح مصر وصفها وصفا إستوحاه من بيت أمه ، فقال حسبما ذكر المقريزى فى كتابه ( الخطط ) : ( مصر كبيت الزانية يؤتى من كل مكان ) . عمرو لم يكن فقط ابن حرام ، بل كان أيضا أكبر ( حرامى ) فى عصره ، إذ سرق من مصر 140 أردبا من الدنانير الذهبية . »
ثانيا : ( الحُرمة )
1 ـ فى الستينيات كنت فى التعليم الأزهرى طالبا مشاغبا أتندّر على ما يقال لنا فى حصّة الفقه بالذات حيث التحريم هو الأساس . كان المدرس منهمكا فى شرح كتاب ( الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع ) وسألته : ( ماذا لو أنا فعلت كذا وكذا ؟ ) وقال المدرس على الفور : ( إذا تكون عليك حُرمة ) وقلت مسرعا : ( يا ريت ).! ، وضجّ الفصل بالضحك ، فكلمة ( حُرمة ) تعنى فى ثقافتنا المصرية الريفية : المرأة..يعنى إننى أتمنى أن تكون فوقى إمرأة .
2 ـ والمصرى وقتها كان يعتبر المرأة ـ عدا زوجته والمحرمات فى الزواج ـ ( حّرمة ) . يعنى يحرم عليه لمسها أو النظر اليها بشهوة . هذا الفلاح المصرى البسيط فى الستينيات كان يعبر عن رقى فى الأخلاق وفى الحضارة . فمن كلمة " الحرام " اشتق وصف " الحرمة " ليعبر به عن كل امرأة أجنبية يحرم النظر إليها ويحرم التعرض لها . ولهذه التربية الأخلاقية الرائعة جذورفرعونية كانت لا تزال تعيش فى ريفنا فى الستينيات دون أن يقرأوا نصائح الحكيم الفرعونى ( أمنيت ـ بن ـ كانخيت) من الأسرة الثانية والعشرين حين يقول " لا ترسل نظراتك إلى جارتك فإن نظرك إليها يجعلك كالذئب الماكر ، لأن للجار حرمة يجب الإحتفاظ بها " . ودون أن يقرأ فى الفصل الخامس والعشرين من كتاب الموتى تفاصيل عن محاكمة النفس حيث يجتهد الميت فى تبرئة نفسه أمام أوزوريس ومن ضمن دفاعه عن نفسه " أنى يا إلهى لم أرتكب الفحشاء ولم أشته امرأة قريبى ."
3 ـ ومن هنا فاذا دخل غريب إلى دار قال : ( دستور) ، هو القانون الأخلاقى غير المكتوب عند دخول بيت غير بيته . أو يقول ( يا ساتر ) دعوة لأن تستر نساء البيت أنفسهن من نظرات غريب زائر ، والضيف يقولها ليعبر عن احترامه وتوقيره لمن فى البيت من حريم .
4ـ هذه الثقافة المصرية لم تكن معروفة عند العرب وقت النبى محمد عليه السلام ، حتى مع بداية إستقرار المهاجرين فى المدينة ، فكان دخول البيوت بلا إستئذان ، فأنزل الله جل وعلا تشريع الإستئذان للقادمين من الخارج أو حتى للأطفال داخل البيت ، وحتى لمن يدخل بيوت النبى ويتكلم مع زوجات النبى . راجعوا الآيات الكريمة التالية ( النور 27 : 29 ، 58 : 59 ) ( الأحزاب 53 ).
5 ـ وكان التحرُّش بالنساء سائدا فإستلزم تشريعا : ( الأحزاب 59 )
ثالثا ( المحرمة ) من ( الحرام )
1 ـ فى قريتنا ( أبوحريز ) فى الستينيات ذهبت فتاة لتعمل خادمة فى القاهرة ، ثم جاءها عريس، وجىء بها للزفاف ، وحسب العادة يجب فضُّ بكارة العروس أمام أعين الأشهاد من النساء من أهلها وأهل العريس . وحين تسيل دماء البكارة كانت الأغنية فى صباح يوم الدخلة هى : ( يا صباح الدم ساح ) أى سال دم البكارة معلنا شرف البنت وعزّة اهلها . الفتاة كانت مرعوبة ، خصوصا وقد تربّت على كلام أمها إن العملية الجنسية مؤلمة مثل إدخال مسمار فى العين . من رعبها وصراخها عجز العريس عن فضّ بكارتها ، وعجزت ( القابلة / الدّاية ) ، وصمّم أهلها على إستمرار المحاولة مهما كان الأمر ، لأنها عاشت فى القاهرة بعيدا عنهم . سقطت الفتاة مغشيا عليها ، وتمكنوا من فضّ بكارتها ، وحملوا دم البكارة على قطعة قماش أبيض مُعدة الى لذلك الأمر ، ويسمونها ( محرمة ) . طافوا ب ( المحرمة ) تحت المشاعل فى شوارع البلد يغنّون ( يا صبح الدم ساح ) ، مع أن الصباح لم يكن قد أتى بعدُ.!
2 ـ أحد أساتذة جامعة الأزهر فى شبابه ( م . س ، ج ) كان يعيش فى حىّ الغورية بالقاهرة . تزوج منها ، وليلة الدخلة فوجىء بها غير عذراء . أسرع ففتح شباك الحجرة وصرخ قائلا بلا تحرّج : ( أُشهدكم يا أهل الغورية أننى دخلت بزوجتى ، فأدخلته وأخرجته عدة مرات فلم يخرج منها دم . أُشهدكم أنها طالق ثلاثا ) . بعدها عوتب فى ذلك ، وأنه كان الأليق أن ينتظر يوما ، فقال : " عندها سيقال أننى الذى فضضت بكارتها ويضيع حقّى ).!
3 ـ كباحث متخصص فى تاريخ العرب أقول أننى لم أجد على الاطلاق فى تاريخ العرب وأشعارهم وآدابهم أى كلام عن إختبار البكارة ليلة الدخلة . وهذا طبيعى فى مجتمع ساد فيه سبى نساء بعضهم البعض ، ويتفاخرون بهذا .
رابعا : ( حرامى )
عندما يسرق السارق يصرخ الناس ( إمسك.. حرامى ) . لا يقولون ( إمسك ..لص ) أو ( إمسك ..سارق ). السارق أو ( اللص ) يقال عنه فى الثقافة المصرية ( حرامى ) ، فكما عف المصرى بصره عن النظر للمرأة الأجنبية فإنه كذلك كف يده عن مال الغير ، وكما أعتبر المرأة الأجنبية حرمة فإنه كذلك أعتبر مال الغير حراما ، ووصف من يسرق مال غيره بأنه " حرامى " أى ارتكب حراما حين سرق مال الآخرين .
أخيرا :
1 ـ جاء السادات بالانفتاح والتحالف مع السعودية والسلفية الوهابية فاختلف الحال . بالتدريج إنتشر فى مصر النقاب والحجاب واللحى والجلباب وملايين المساجد والجمعيات ، لتخفى إنحلالا خلقيا مستترا، وانتشرت عمليات ترقيع البكارة ، والحرامية أصبحوا هم الحكام ، والمرأة المصرية التى شاركت فى انتفاضة 2011 إنتهك الجيش جسدها علنا فى ميدان التحرير ، ووصل الانتهاك أقصاه فى ( كشوف العذرية ) و أصبح الضابط الذى تولاه هو الرئيس .
2 ـ وكل عام وأنتم .. كما أنتم.!!