قراءة فى كتاب شد الأثواب في سد الأبواب

رضا البطاوى البطاوى في الإثنين ٠٥ - سبتمبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

قراءة فى كتاب شد الأثواب في سد الأبواب
المؤلف عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري الأسيوطي والكتاب يدور حول أبواب المسجد النبوى التى سدت عدا باب وأول ما استهل به الكتاب الحديث الآتى:
"روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري قال:
خطب رسول الله (ص)الناس وقال: ((إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله)) فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه؛ أن يخبر رسول الله (ص)عن عبد خير، فكان رسول الله هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله (ص)إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ، فلو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر وفي لفظ: ((لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر)) أخرجه ابن عساكر
وفي لفظ: ((ثم هبط عن المنبر، فما رئي عليه حتى الساعة)) أخرجه أحمد والدارمي
هذا حديث متواتر كما سأشير إلى طرقه
قال النووي في شرح مسلم: فيه خصيصة بأبي بكر
وقال ابن شاهين في السنة: تفرد أبو بكر بهذه الفضيلة"
هذا الحديث ظاهر البطلان والأخطاء فيه هى :
الخطأ الأول هو أن الرسول(ص)ليس له أخلاء وهو ما يخالف وجود أخلاء من المتقين وهم المسلمين لبعض مصداق لقوله بسورة الزخرف "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين "
والخطأ الأخر هو تخيير الله لنبيه (ص)بين الدنيا والأخرة وهو ما يخالف أن الله خير كل إنسان بين الإثنين فاختيار الدنيا هى الكفر واختيار الأخرة هو الإيمان فقال بسورة الكهف "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "
والخطأ الثالث وجود خوخة لأبى بكر فى المسجد فهل لكل مسلم باب فى المسجد ؟
قطعا لا .
والجنون فى الحديث هو سد أبواب المسجد وهذا معناه قفل المسجد تماما وأن من يريد دخول المسجد للصلاة عليه أن يدخل دار أبى بكر ومنها يدخل المسجد وبالقطع لن يأمر الرسول بمثل هذا الجنون
أضف إلى ذلك أن حسب الروايات كانت دار أبو بكر بالسنح على مبعدة كبيرة من المسجد كما أنه كان يقيم حسب الروايات فى أول الهجرة فى دار اخوه خارجة بن زيد الأنصارى ولم تكن بالقرب من المسجد
وتحدث السيوطى عن كون الحديث متواتر فقال :
"وللأمر بسد الأبواب في المسجد النبوي طرق كثيرة، تبلغ درجة التواتر؛ فأخرج البخاري والنسائي عن ابن عباس قال: خرج رسول الله (ص)في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه في خرقة، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: ((إنه ليس أحد أمن علي في نفسه وماله غير أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلا من الناس لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد إلا خوخة أبي بكر"
والخطأ فى الرواية تخوين المسلمين جميعا عدا أبو بكر حيث الوحيد ألمين على الرسول(ص) فى نفسه وماله وهو ما يخالف أن المسلمون ليسوا خونة وفيهم قال تعالى :
" رضى الله عنهم"
وقال :
"والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون"
ثم قال :
"وأخرج ابن سعد من طريق الزهري: أخبرني أيوب بن بشير الأنصاري عن بعض أصحاب رسول الله (ص)أن رسول الله (ص)خرج فاستوى على المنبر، فتشهد، فلما قضى تشهده قال:
إن عبدا من عباد الله خير بين الدنيا وبين ما عند الله ربه، فاختار ما عند ربه ففطن لها أبو بكر الصديق أول الناس، فعرف أنما يريد النبي (ص)نفسه، فبكى أبو بكر، فقال له رسول الله (ص)على رسلك يا أبا بكر؛ سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر، فإني لا أعلم امرءا أفضل عندي يدا في الصحابة من أبي بكر
وأخرج الطبراني بسند حسن عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله (ص)صبوا علي من سبع قرب من آبار شتى؛ حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم، فخرج عاصبا راسه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن عبدا من عباد الله خير بين الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله، فلم يفهمها إلا أبو بكر، فبكى، فقال: نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأبنائنا، فقال رسول الله (ص)على رسلك؛ أفضل الناس عندي في الصحبة وذات اليد ابن أبي قحافة، وانظروا هذه الأبواب الشوارع في المسجد فسدوها إلا ما كان من باب أبي بكر، فإني رأيت عليه نورا
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند بسند رجاله ثقات ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص)أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار، سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر
وأخرج أبو يعلى بسند رجاله ثقات، عن بعض الصحابة: أن رسول الله (ص)قال في مرض موته: انظروا هذه الأبواب اللاصقة في المسجد فسدوها، إلا ما كان من بيت أبي بكر، فإني لا أعلم أحدا كان أفضل عندي في الصحبة منه
وأخرج البزار بسند حسن عن أنس قال: قال رسول الله (ص)سدوا عني كل باب إلا باب أبي بكر
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت: أمر رسول الله (ص)بسد الأبواب التي في المسجد إلا باب أبي بكر
وأخرج الدارمي في مسنده عن عائشة قالت: قال النبي (ص)في مرضه: صبوا علي من سبع قرب من سبع آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم، فصببنا عليه، فخرج فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ألا إن عبدا من عباد الله قد خير بين الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله، فبكى أبو بكر، فقال: على رسلك سدوا هذه الأبواب الشوارع إلى المسجد إلا باب أبي بكر، فإني لا أعلم امرءا أفضل عندي يدا في الصحبة من أبي بكر
وأخرج الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح عن ابن عمر أن النبي (ص)قال: لا تؤذوني في صاحبي، ولولا أن الله سماه صاحبا لاتخذته خليلا، ألا فسدوا كل خوخة إلا خوخة ابن أبي قحافة
وأخرج ابن سعد في الطبقات، وابن عدي في الكامل عن يحيى بن سعيد أن النبي (ص)قال: إن أعظم الناس علي منا في الصحبة وذات يده أبو بكر، فأغلقوا هذه الأبواب الشارعة كلها في المسجد إلا باب أبي بكر
فقال ناس: أغلق أبوابنا وترك باب خليله، فقال رسول الله (ص)بلغني الذي قلتم في باب أبي بكر، وإني أرى على باب أبي بكر نورا، وأرى على أبوابكم ظلمة مرسل
وقد أخرجه أبو طاهر المخلص في فوائده، وابن عدي في الكامل، وابن عساكر في تاريخه موصولا من طريق يحيى بن سعيد عن أنس، به، وزاد: فكانت الآخرة أعظم عليهم من الأولى
قال ابن عدي: لا أعلم وصله عن الليث غير عبد الله بن صالح، ورواه غيره عن الليث عن يحيى بن سعيد بدون ذكر أنس وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أبي الأحوص حكيم بن عمير العنسي أن رسول الله (ص)قال عندما أمر به من سد تلك الأبواب إلا باب أبي بكر، وقال: ليس منها باب إلا وعليه ظلمة إلا ما كان من باب أبي بكر، فإن عليه نورا
وأخرج ابن سعد عن أبي الحويرث قال: لما أمر رسول الله (ص)بالأبواب تسد إلا باب أبي بكر، قال عمر: يا رسول الله؛ دعني أفتح كوة أنظر إليك حين تخرج إلى الصلاة، فقال رسول الله (ص)لا
وأخرج ابن سعد عن أبي البداح بن عاصم بن عدي قال: قال العباس بن عبد المطلب: يا رسول الله؛ ما بالك فتحت أبواب رجال في المسجد، وما بالك سددت أبواب رجال في المسجد؟ فقال رسول الله (ص)يا عباس؛ ما فتحت عن أمري، ولا سددت عن أمري"
وكل هذا الروايات فى باب أبو بكر تناقض أن الباب المفتوح الوحيد هو باب على بن أبى طالب فى الأحاديث التالية:
"وأخرج أحمد والنسائي والحاكم في المستدرك وصححه عن زيد بن أرقم قال: كان لنفر من أصحاب رسول الله (ص)أبواب شارعة في المسجد، فقال يوما: سدوا هذه الأبواب، إلا باب علي، فتكلم أناس في ذلك، فقام رسول الله (ص)فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد؛ فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم، وإني والله ما سددت شيئا ولا فتحته، ولكني أمرت بشيء فاتبعته
وأخرج أحمد والنسائي وأبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط بسند حسن عن سعد بن أبي وقاص قال: أمر رسول الله (ص)بسد الأبواب الشارعة في المسجد، وترك باب علي، فقالوا: يا رسول الله؛ سددت أبوابنا كلها إلا باب علي، قال: ما أنا سددت أبوابكم، ولكن الله سدها
وأخرج أحمد والترمذي والنسائي عن ابن عباس قال: أمر رسول الله (ص)بأبواب المسجد فسدت إلا باب علي
وأخرج الطبراني عن ابن عباس نحوه، وزاد: فقال الناس في ذلك، فبلغ النبي (ص)فقال: إنما أنا عبد مأمور؛ ما أمرت به فعلت، إن أتبع إلا ما يوحى إلي
وأخرج البزار عن علي بن أبي طالب قال: أرسل رسول الله (ص)إلى أبي بكر أن سد بابك قال: سمعا وطاعة، فسد بابه، ثم أرسل إلى عمر ثم أرسل إلى العباس بمثل ذلك، ثم قال رسول الله (ص)ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب علي، ولكن الله فتح باب علي، وسد أبوابكم
وأخرج البزار عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله (ص)انطلق فمرهم فليسدوا أبوابهم، فانطلقت فقلت لهم ففعلوا إلا حمزة، فقلت: يا رسول الله؛ قد فعلوا إلا حمزة، فقال رسول الله (ص)قل لحمزة فليحول بابه، فقلت: إن رسول الله (ص)يأمرك أن تحول بابك، فحوله
وأخرج أحمد والنسائي عن ابن عباس قال: سد رسول الله (ص)أبواب المسجد غير باب علي، وكان يدخل المسجد وهو جنب، وهو طريقه ليس له طريق غيره
وأخرج الطبراني عن جابر بن سمرة قال: أمر رسول الله (ص)بسد الأبواب كلها؛ غير باب علي، فقال العباس: يا رسول الله؛ قدر ما أدخل أنا وحدي وأخرج، قال: ما أمرت بشيء من ذلك، فسدوها كلها غير باب علي
وأخرج النسائي بسند صحيح، عن ابن عمر أنه سئل عن علي فقال: انظر إلى منزله من رسول الله (ص) فإنه سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه
وأخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عمر قال: أعطي علي ثلاث خصال: زوجه رسول الله (ص)بابنته، وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر فهذه أكثر من عشرين حديثا في الأمر بسد الأبواب، وبقيت أحاديث أخر تركتها كراهة الإطالة"
ومع تناقض الروايات تناقض واضح لكل ذى عقل إلا أن المؤلف يصر على أنها لليست متعارضة أو متناقضة فيقول:
"فصل:
قال العلماء: لا معارضة بين الأحاديث المذكورة في الفصل الأول؛ من أنه سد الأبواب إلا باب أبي بكر، ومن المذكورة في الفصل الثاني من أنه سد الأبواب إلا باب علي، فإنهما قصتان إحداهما غير الأخرى؛ فقصة علي كانت متقدمة - وهي أن سد الأبواب الشارعة، وقد كان أذن لعلي يمر في المسجد وهو جنب - وقصة أبي بكر متأخرة في مرض الوفاة في سد طاقات كانوا يستقربون الدخول منها وهي الخوخة، كذا جمع القاضي إسماعيل المالكي في أحكامه، والكلاباذي في معانيه، والطحاوي في مشكله، وعبارة الكلاباذي: لا تعارض بين قصة علي وقصة أبي بكر؛ لأن باب أبي بكر كان من جملة خوخات يطلع منها إلى المسجد، وأبواب البيوت خارجة من المسجد، فأمر رسول الله (ص)بسد تلك الخوخ، فلم يبق تطلع منها إلى المسجد، وترك خوخة أبي بكر فقط، وأما باب علي فكان داخل المسجد يخرج منه ويدخل منه
وقال الحافظ ابن حجر: قصة علي في سد الأبواب، وأما سد الخوخ، فالمراد به طاقات كانت في المسجد يستقربون الدخول منها، فأمر النبي (ص)في مرض موته بسدها إلا خوخة أبي بكر، وفي ذلك إشارة إلى استخلاف أبي بكر، لأنه يحتاج إلى المسجد كثيرا دون غيره انتهى
قلت: ويدل على تقدم قصة علي ذكر حمزة في قصته؛ فإن حمزة قتل يوم أحد"
الجنون الذى لم يلاحظه أحد فى الروايات أن المسجد بنى مكان خراب ولم يكن هناك أى بيوت حوله على الإطلاق سوى بيوت النبى(ص) حسب روايات ثامنونى يا بنى النجار فكيف بنيت تلك البيوت ملاصقة للمسجد ؟
لا توجد أى ردود على هذا فلم يكن هناك أى بيوت مجاورة للمسجد مباشرة وأى مسجد فى الدنيا لابد أن تكون الشوارع حوله وليس البيوت ملاصقة له بحيث لا يكون فيه باب لدخول وخروج المصلين
وتحدث الرجل عن كون الحديث متواتر وهو كلام بلا دليل لأن فيه روايات فى أبو بكر وروايات فى على وعلى حد ذاكرتى الضعيفة فالسيوطى فلم يذكر هذا الحديث فى كتاب الأزهار المتناثرة فى الأخبار المتواترة الذى جمع فيه حوالى مائة حديث متواتر وفى هذا قال :
"فصل:
قد ثبت بهذه الأحاديث الصحيحة - بل المتواترة - أنه (ص)منع من فتح باب شارع إلى المسجد، ولم يأذن في ذلك لأحد، ولا لعمه العباس، ولا لأبي بكر، إلا لعلي؛ لمكان ابنة رسول الله (ص)منه، ومن فتح خوخة صغيرة أو طاقة أو كوة، ولم يأذن في ذلك لأحد، ولا لعمر، إلا لأبي بكر خاصة؛ لمكان الخلافة، ولكونه أفضل الناس يدا عنده، كما أشار إلى التعليل به في الأحاديث المبدأ بها، هذه خصيصة لا يشاركه فيها غيره، ولا يصح قياس أحد عليه إلى يوم القيامة، فإن عمر استأذن في كوة فلم يؤذن له، فمن ذا الذي يقاس عليه وقد منع عمر، واستأذن العباس في فتح باب صغير بقدر ما يخرج منه وحده، فلم يؤذن له، وهو عم رسول الله (ص) فمن ذا الذي يباح له ذلك، وقد منع منه عمر والعباس ثم إن رسول الله (ص)أسند ذلك إلى أمر الله به، وأنه لم يسد ما سد، ولم يفتح ما فتح إلا بأمر الله عزوجل
ثم إن ذلك كان في مرض الوفاة، وفي آخر مجلس جلسه على المنبر، وكان ذلك من جملة ما عهد به إلى أمته، ومات عليه , ولم ينسخه شيء، وتقلد ذلك جملة الشيعة من أمته، فوجب على من علمه أن يبينه عند الحاجة إليه، ولا يكتمه، فإن توهم متوهم، أو زعم زاعم، أن الأمر في ذلك منوط برأي الإمام، رد عليه: أن هذا حكم من الأحكام نص رسول الله (ص)على منعه، فلا رأي لأحد في إباحته، بل لو وقف رجل من آحاد الناس مسجدا، وشرط فيه شيئا اتبع شرطه ، فكيف بمسجد وقفه النبي (ص) ونص فيه على المنع من أمر وأسنده إلى الوحي، وجعله من جملة عهده عند وفاته، والرجوع إلى رأي الإمام إنما يكون في مساجد لاتعرض في شروط واقفيها لمنع ولا لغيره، على ما في ذلك أيضا من توقف ونظر
وإن خطر ببال أحد أن يقول: إن المسجد الشريف قد زالت معالمه وجدره، ووسع زيادة على ما كان في عهده (ص) فلا يجديه هذا شيئا؛ فإن حرمة المسجد وأحكامه الثابتة له باقية إلى يوم القيامة، ولو اتسع وأزيلت معالمه وجدره وأعيدت، عادت على هذا الحكم من غير تغيير، فإن الحكم المذكور منوط بالمسجد من حيث هو، لا بذاك الجدار بعينه، وقد بني في زمن عمر، ووسع في زمن عثمان وغيره في القرن الأول وبعده، ولم يخرجوا عن هذا الحكم
وإن قيل بجواز الفتح في الجدار الذي هو ملك الفاتح، قلنا: إن كان مع إعادة حائط المسجد الشريف كما كانت، بحيث سد الباب والشبابيك التي في الجدار فلا مستطرق منه، ولا يطلع منها، فلا كلام، وإن كان مع إزالة حائط المسجد، وبناء الاستطراق والاطلاع فمعاذ الله، فإن هذه ذريعة وحيلة يتوصل منها إلى مخالفة الأمر الشريف، وإذا منع النبي (ص)عمر من فتح كوة ينظره منها حين يخرج إلى الصلاة، فكيف هدم الحائط جميعه، بل أزيد على هذا وأقول: لو أعيد حائط المسجد، وبنى خلفه جدارا أطول منه، وفتح في أعلاه كوة يطلع منها إلى الشبابيك تصير معدا لمن يجلس فيها مرتفعا، والقبر الشريف تحته، فهذا أشد وأشد، والواجب على كل متحر الاحتياط لدينه حيث علم أن هذا الحكم منصوص عليه من صاحب الشرع، وأنه لا رأي لأحد فيه بعد نصه، وإن حكم الحاكم بما خالف النص ينقض، وفتوى المفتي بما يعارضه ترد والتوصل إلى خلافه بالحيل الفاسدة من باب قوله (ص)لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل"
وكل هذا الكلام يعارض أحاديث كثيرة تقول بوجود باب لمسد النبى (ص) مفتوح مثل:
4003- ( د ) جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - :قال : « لما استوى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة على المنبر قال : اجلسوا ، فسمع ذلك ابنُ مسعود فجلس على باب المسجد ، فرآه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال : تعالَ يا عبد الله بنَ مسعود » أخرجه أبو داود. 5451- [6-2068] حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا لِلنَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَ رواه مسلم
1605- [73-...] وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ يَعْنِي الثَّقَفِيَّ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ ، فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا ، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلِي ، وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ ، فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ رواه مسلم
6219 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح وحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً مِنْ الْعِشَاءِ ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ مَعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْلِبُهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ الَّذِي عِنْدَ مَسْكَنِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِمَا رَجُلَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ البخارى
2612 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْتَهَا فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ قَالَ إِنَّمَا يَلْبَسُهَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ رواه البخارى
وتحدث السيوطى عن خطأ الفتاوى التى تقول بفتح خوخ وشبابيك على المسجد النبوى فقال :
فصل
اعلم أن أكثر مفتي عصرنا أفتوا بجواز فتح الباب، والكوة، والشباك، من دار بيت ملاصقة للمسجد الشريف، وكان ذلك منهم استرواحا، وعدم وقوف على مجموع الأحاديث الواردة، ولولا جناب النبي (ص) وعظمته الراسخة في القلب لم أتكلم في شيء من ذلك، وكنت إلى السكوت أميل، لكن لا أرى السكوت يسعني في ذلك، فإن هذا عهد عهده النبي (ص)عند وفاته، فوجب على كل من علمه أن يبينه، ولا يراعي فيه صديقا ولا حبيبا، ولا بعيدا ولا قريبا، وأنا أذكر شبه المفتين وأوردها واحدة واحدة
- فمنهم من قال: لا نقل في هذه المسألة لأهل مذهبنا، ونقول بالجواز استحسانا حيث لا ضرر
وجواب هذا: أنه لا استحسان مع النصوص النبوية
- ومنهم من قال بالقياس على سائر المساجد، حيث رأى الناظر ذلك
وجواب هذا: أن النص منع القياس، ودلت الأحاديث على أن المسجد النبوي انفرد بهذه الخصوصية عن سائر المساجد
- ومنهم من قال: الأمر في ذلك منوط برأي الإمام
وجواب هذا: أنه لا رأي لأحد مع قول رسول الله (ص) وهل لأحد من الأئمة أن يغير من الأمور المنصوصة في الشريعة شيئا برأيه؟
- ومنهم من قال: الحديث الوارد في ذلك مخصوص بزمنه عليه السلام، وهذا خطأ من وجوه:
أحدها: أنه لا دليل على التخصيص، وإنما يصار إلى تخصيص النصوص بدليل
ثانيها: أن القصة أمر بها النبي (ص)في مرض وفاته، ولم يعش بعدها إلا دون عشرة أيام، فدل على أنه أمر به شرعا مستمرا إلى يوم القيامة
ثالثها: أنه لو كان مخصوصا بزمن لوجب على النبي (ص)أن يبينه، وإلا لكان تأخيرا للبيان عن وقت الحاجة، لا سيما وهي آخر جلسة جلسها للناس
رابعها: أن الصحابة استمروا إلى أن انقرضوا وهم باقون على هذا الحكم، وهذا يدل على أنهم فهموه شرعا مؤبدا
خامسها: يقال لهذا الذي ادعى التخصيص: ما وجه منع الصحابة في زمنه، والإذن لمن جاء بعدهم! والصحابة أشرف وأجل وأحق بكل خير، وهل تخيل متخيل أن يرخص لأهل القرن الأرذل ما منع منه أشرف الأمة، وخيارهم! معاذ الله
فائدة نختم بها الكتاب:
قال النووي في شرح المهذب: فرع عن خارجة بن زيد بن ثابت آخر فقهاء المدينة السبعة، قال: بنى رسول الله (ص)مسجده سبعون ذراعا في ستين ذراعا أو أزيد قال أهل السير: جعل عثمان بن عفان طول المسجد مائة وستين ذراعا، وعرضه مائة وخمسين ذراعا، وجعل أبوابه ستة، كما كانت في زمن عمر ، وزاد فيه الوليد بن عبد الملك،
فجعل طوله مائتي ذراع، وعرضه في مقدمه مائتين، وفي مؤخره مائة وثمانين، ثم زاد فيه المهدي مائة ذراع من جهة الشام فقط دون الجهات الثلاث
هذا ما في شرح المهذب
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن الزهري قال: بركت ناقة رسول الله (ص)عند موضع المسجد، وهو يومئذ يصلي فيه رجال من المسلمين، وكان مربدا لسهل وسهيل؛ غلامين يتيمين من الأنصار، وكانا في حجر أبي أمامة أسعد بن زرارة، فدعا رسول الله (ص)بالغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله (ص)حتى ابتاعه منهما، فابتاعه بعشرة دنانير، وأمر أبا بكر أن يعطيهما ذلك، فأمر رسول الله (ص)بالنخل الذي في الحديقة، وبالغرقد الذي فيه أن يقطع، وأمر باللبن فضرب، وكان في المربد قبور جاهلية، فأمر بها رسول الله (ص)فنبشت، وأمر بالعظام أن تغيب، وكان في المربد ماء مستنجل فسيروه حتى ذهب، وأسسوا المسجد، فجعلوا طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع، وفي هذين الجانبين مثل ذلك فهو مربع، ويقال: كان أقل من المائة، وجعلوا الأساس قريبا من ثلاثة أذرع على الأرض بالحجارة، ثم بنوه باللبن، وبناه رسول الله (ص)وأصحابه، وجعل ينقل معهم الحجارة بنفسه ويقول:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
وجعل يقول:
هذا الحمال لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر
وجعل له ثلاثة أبواب؛ بابا في مؤخره، وبابا يقال له: باب الرحمة، وهو الباب الذي يدعى باب عاتكة، والباب الثالث الذي يدخل منه رسول الله (ص) وهو الباب الذي يلي آل عثمان وجعل طول الجدار بسطة، وعمده الجذوع، وسقفه جريدا، فقيل له: ألا تسقفه؟ فقال: عرش كعرش موسى، خشيبات وثمام، الشأن أعجل من ذلك، وبنى بيوتا إلى جنبه باللبن، وسقفها بجذوع النخل والجريد، فلما فرغ من البناء بنى لعائشة في البيت الذي بابه شارع إلى المسجد، وجعل سودة في البيت الآخر الذي يليه إلى الباب الذي يلي آل عثمان
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن مجمع بن يزيد قال: بنى رسول الله (ص)المسجد مرتين، بناه حين قدم أقل من مائة في مائة، فلما فتح الله عليه خيبر بناه وزاد فيه مثله في الدور، وضرب الحجرات ما بينه وبين القبلة
وأخرج أيضا عن أنس قال: بناه رسول الله أول ما بناه بالجريد، وإنما بناه باللبن بعد الهجرة بأربع سنين
وأخرج البخاري عن ابن عمر أن المسجد كان على عهد رسول الله (ص)مبنيا باللبن، وسقفه الجريد ، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله (ص)باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبا ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج
وقال الآقفهسي في تاريخ المدينة: قيل: كان عرض الجدار في عهد رسول الله (ص)لبنة، ثم إن المسلمين لما كثروا بنوه لبنة ونصفا، ثم قالوا: يا رسول الله؛ لو أمرت لزدنا، فقال: نعم، فزادوا فيه، وبنوا جداره لبنتين مختلفتين، ولم يكن له سطح، فشكوا الحر، فأمر رسول الله (ص)فأقيم له سواري من جذوع [النخل] ، ثم طرحت عليه العوارض، وحصر الإذخر، فأصابتهم الأمطار، فجعل يكف عليهم، فقالوا: يا رسول الله؛ لو أمرت بالمسجد فطين، فقال: عرش كعرش موسى، والأمر أعجل من ذلك ولما زاد فيه عمر جعل طوله مائة وأربعين ذراعا، وعرضه مائة وعشرين ذراعا، وبدل أساطينه بأخر من جذوع النخل، وسقفه بجريد، وجعل طول السقف أحد عشر ذراعا، وفرشه بالحصا ، ولما زاد فيه عثمان، وذلك في ربيع الأول سنة تسع وعشرين، جعل طوله مائة وستين ذراعا، وعرضه مائة وخمسين ذراعا، وجعل أبوابه ستة ، ولما زاد فيه عمر بن عبد العزيز، وذلك بأمر الوليد بن عبد الملك - وكان عامله على المدينة - جعل طوله ما تقدم عن شرح المهذب، وجعل على كل ركن من أركانه الأربعة منارة للأذان، وجعل له عشرين بابا،وبنى على الحجرة الشريفة حائطا، ولم يلصقه بجدار الحجرة ولا بالسقف، وطوله مقدار قامة بالآجر، فلما حج سليمان بن عبد الملك هدم المنارة التي هي قبلة المسجد من الغرب؛ لأنها كانت مطلة على دار مروان، فأذن المؤذن فأطل على سليمان وهو في الدار، فأمر بهدمها
ثم زاد فيه المهدي سنة إحدى وستين ومائة، ولم يزد بعده أحد شيئا، ثم عمر الخليفة الناصر سنة ست وسبعين وخمسمائة في صحنه قبة لحفظ حواصل الحرم وذخائره، ثم احترق المسجد الشريف بالنار التي خرجت من الخلوة في ليلة الجمعة، أول شهر رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة، فكتب بذلك إلى الخليفة المستعصم فأرسل الصناع والآلات مع حجاج العراق، سنة خمس وخمسين وستمائة، فسقفوا في هذه السنة الحجرة الشريفة وما حولها إلى الحائط القبلي والشرقي، إلى باب جبريل، وسقفوا الروضة الشريفة إلى المنبر، ثم قتل الخليفة سنة ست وخمسين، واستولى التتار على بغداد، فوصلت الآلات من صاحب اليمن؛ الملك المظفر يوسف بن عمر بن رسول، فعمل إلى باب السلام، ثم عمل من باب السلام إلى باب الرحمة من سنة ثمان وخمسين من جهة صاحب مصر الملك المظفر قطز المعزي، ثم انتقل الملك آخر هذه السنة إلى الملك الظاهر بيبرس الصالحي، فعمل في أيامه باقي المسجد، وجعلت الأبواب أربعة، ثم لما حج سنة سبع وستين أراد أن يدير على الحجرة الشريفة درابزينا من خشب، فقاس ما حولها بيده، وأرسله سنة ثمان وستين وعمل له ثلاثة أبواب، وطوله نحو قامتين، ثم في سنة ثمان وسبعين في أيام الملك المنصور قلاوون عملت القبة على الحجرة الشريفة، ثم في سنة أربع وتسعين في أيام الملك العادل كتبغا زيد في الدرابزين الذي على الحجرة، حتى وصل سقف المسجد الشريف، ثم في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة إحدى وسبعمائة جدد سقف الرواق الذي فيه الروضة الشريفة، ثم جدد السقف الشرقي والغربي في سنة خمس وسبعمائة، ثم أمر بعمارة المنارة الرابعة مكان التي هدمها سليمان بن عبد الملك، فعمرت سنة ست وسبعمائة، ثم أمر بإنشاء الرواقين في صحن المسجد من جهة القبلة في سنة تسع وعشرين وسبعمائة، ثم في أيام الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون جددت القبة التي على الحجرة الشريفة، ثم أحكمت في أيام الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون سنة خمس وستين وسبعمائة ، بأن سمر عليها ألواح من خشب، ومن فوقها ألواح الرصاص ثم في أيام سلطان العصر، الملك الأشرف قايتباي، في شهر رمضان سنة ست وثمانين وثمانمائة عمر قبة أخرى، وأنشأ في المسجد، ثم أعقب ذلك نزول صاعقة من السماء، فأحرقت المسجد بأسره، وذلك في ليلة ثالث عشر رمضان سنة ست وثمانين ، فأرسل السلطان الصناع والآلات سنة سبع وثمانين، وعليهم الخواجا شمس الدين بن الزمن ، فهدم الحائط القبلية، وأراد أن يبني بجوار المسجد مدرسة باسم السلطان، ويجعل الحائط مشتركا بين المسجدوالمدرسة، ويفتح فيه بابا يدخل منه إلى المسجد، وشبابيك مطلة عليه، فمنعه جماعة من أهل المدينة، فأرسل يطلب مرسوما من السلطان بذلك، فبلغه منع أهل المدينة، فقال: استفتوا العلماء، فأفتاه القضاة الأربعة وجماعة بالجواز، وامتنع آخرون من ذلك، وجاءني المستفتي يوم الأحد رابع عشر من رجب من السنة المذكورة، فجمعت الأحاديث المصدر بها، وأرسلتها لقاضي القضاة الشافعي، فذكر أنه يرى اختصاصها بالجدار النبوي، وقد أزيل، وهذا الجدار ملك السلطان، يفتح فيه ما شاء، ولا يصير وقفا إلا بوقفه، فذكرت الجواب عن ذلك من تسعة وعشرين وجها، وألحقتها بالأحاديث مع ما ذكر معها، وأفردتها تأليفا، ورأيت ليلة الثلاثاء سادس عشر من رجب في المنام النبي (ص)وهو في همة، وأنا واقف بين يديه، فأرسلني، لا أدري إلى عمر، أو غيره، ولا أدري هل أرسلني إليه لأدعوه، أو لأبلغه رسالة، ولم أضبط من المنام إلا هذا القدر، فاستيقظت وأنا أرجو أن لا يتم لهم ما أرادوه، ثم برز مرسوم السلطان بالفتح حسبما أفتاه من أفتاه، وسافر القاصد بذلك في أواخر رجب، وأرسل إلي رجلان من كبار أرباب الأحوال يخبراني أن هذا الأمر لا يتم، ففي رمضان جاء الخبر بأن ذلك قد رجع عنه، وعدلوا إلى الفتح من الجهة الغربية، وأفتى بعض الحنفية بجواز ذلك، لأن دار أبي بكر كانت من تلك الجهة، وكان له باب مفتوح فيفتح نظيره، فوجب أن ينظر في ذلك"
ومع كل الروايات التى نقلها السيوطى فى الفقرات السابقة عن بناء المسجد والتى تقول لأنه لم تكن تجاور المسجد سوى بيوت النبى(ص) إلا أن الرجل يصر على صحة أحاديث سد أبواب أبو بكر أو على وهو ما يتعارض مع تلك الروايات عن بناء المسجد وهناك مئات مثلها فى كتب الحديث تتحدث عن باب واحد للمسجد النبوى وهو أمر عادى نظرا لوجود فى منطقة خالية من المساكن وهو قوله:
"فأقول: قد ثبت في الأحاديث السابقة، وقرر العلماء أن أبا بكر لم يؤذن له في فتح الباب، بل أمر بسد بابه، وإنما أذن له في خوخة صغيرة، وهي المرادة في حديث البخاري، فلا يجوز الآن فتح باب كبير قطعا، وليس لأحد أن يقول: إن المعنى الاستطراق، فيستوي الباب والخوخة في الجواز؛ لأن النص من الشارع (ص)على التفرقة، حيث أمر بسد بابه، وأبقى خوخة، يمنع من التسوية والإلحاق
وأما جواز فتح الخوخة الآن، فأقول: لو بقيت دار أبي بكر واتفق هدمها وإعادتها أعيدت بتلك الخوخة كما كانت بلا مرية، وكان يجب مع ذلك أن يعاد مثل تلك الخوخة قدرا ومحلا، فلا تجوز الزيادة فيها بالتوسعة، ولا جعلها في موضع آخر من الحائط؛ اقتصارا على ما ورد الإذن من الشارع الواقف فيه، لكن دار أبي بكر هدمت وأدخلت في المسجد زمن عثمان، وهل يجوز أن يبنى بإزائها دار يفتح منها خوخة نظير ذلك؟ فيه نظر وتوقف فيحتمل المنع وهو الأقرب؛ لأن تلك خصيصة كانت لأبي بكر فلا تتعدى داره، ويحتمل أن الجواز؛ لأمرين، أحدهما: أن حق المرور قد ثبت من هذه البقعة التي بإزاء دار أبي بكر إلى المسجد بواسط دار أبي بكر، فيستمر والثاني: لا أبديه؛ خوفا أن يتمسك به المتوسعون، وعلى هذا الاحتمال فإنما يجوز بشرطين يتعذر الآن وجودهما:
أن يكون الذي يفتح بقدر تلك الخوخة، لا أوسع منه، وأن يكون على سمتها لا في محل آخر، والأمران لا يمكن الوقوف عليهما الآن؛ للجهل بمقدار تلك الخوخة ومحلها، وإذا لم يتحقق وجود الشرط امتنع المشروط، فتلخص من ذلك القطع بالمنع من الخوخة ومن الشبابيك أيضا، وبتحقق وجود الشرطين يجاب عن الأمر الثاني الذي رمزت إليه ولم أبده إن عثر عليه عاثر، هذا ما عندي في ذلك"
وكل الأسئلة التى طرحها السيوطى فى مؤخرة الكتاب هى أسئلة تخيلية لا أساس لها لأن الروايات متناقضة فى أمر البناء وربما لا يكون المسجد فى مكانه الأصلى حاليا مع وجود روايات تقول أن الوهابية طمسوا القبور الثلاثة ونقلوها إلى مكان غير معلوم باعتبار حرمة وجود قبور فى المساجد
اجمالي القراءات 2118