قرآنيون عُصاة وملاحدة ومرتدُّون ( شهادة على العصر ).!!

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٠ - أغسطس - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

قرآنيون عُصاة وملاحدة ومرتدُّون ( شهادة على العصر ).!!
مقدمة : ـ جاءنى هذا السؤال : ( واحد قرآنى أعرفه شكى لى حال أخته المريضة ، فأعطيته خمس مائة جنيه ليوصلها لها. إتصلت بها بعدين فقالت انها لم تتسلم المبلغ . قلت لها عن أخوها فقالت انه كان عندها من يومين يزورها ولم يخبرها بشىء. ما رأيك فى هذا القرآنى خاين الأمانة الذى يمدح فيك دائما ؟ ) وأقول :
أولا :
1 ـ هذا السؤال أثار مواجعى . أتذكر أننى كنت مسافرا بالطائرة ، وكانت جارتى فى المقعد سيدة أمريكية مثقفة ، ولأن الطريق طويل ، فقد تحدثنا . لما عرفت أنى مسلم سألتنى عن اضطهاد المرأة فى الاسلام . قلت لها الاسلام دين وليس أشخاصا . وشريعة الاسلام هى فى القرآن الكريم أوامر ونواهى . والحساب عليها يومم القيامة ، من يطعها يدخل الحنة ومن يعصها يدخل النار. وليس الله جل وعلا منحازا للذكر أو الأنثى ، وليس منحازا لقوم أو طائفة ، إنه جل وعلا خالق الجميع ورب الجميع ومالك يوم الدين . قالت إنها تعرف بعض المسلمين والمسلمات فى نطاق عملها ويقولون أشياء مختلفة . قلت لها : نحن مختلفون فى الدين . سألتنى عن مذهبى ، قلت نحن مسلمون نؤمن بالقرآن وحده ، ونرفض ما عداه . قالت : أنتم القرآنيون ، قلت نعم . قالت أعرف واحدا من القرآنيين ، وهو ( شاذ جنسيا ) ، إقشعر جسمى ، وقلت لها ليس كل من يزعم الايمان يكون صادقا . فى الاسلام دخول الجنة هو لمن آمن وعمل صالحا من كل البشر . الايمان الصحيح وحده لا يكفى بل لا بد أن يصحبه تقوى بعمل صالح نافع وإبتعاد عن المعاصى توبة منها . قالت هل تعتبره قرآنيا ؟ قلت : نحن ( أهل القرآن ) ، والقرآنيون تيار فكرى انتشر بمعاناتنا فى العالم كله ، وهم على أنواع من حيث الفكر والدين . ومن حيث العمل فقد عرفت قرآنيين من أنبل الناس ، تطوعوا بالمال والجهد ، منهم من أعرفه ولقيته ، ومنهم من عرفته وأتمنى لقاءه ، وأدعو الله جل وعلا أن نجمعنا فى رحمته وجنته . وعرفت أيضا قلّة ممن يزعم أنه قرآنى ، ومنهم من وجهة نظرنا عُصاة وملاحدة ومرتدون . وفى النهاية فالحكم علينا جميعا سيكون أمام الله جل وعلا يوم القيامة .
2 ـ عرفت وعايشت عُصاة منتسبين لأهل القرآن ، وهم من أحطّ من رأيت .
2 / 1 : بعضهم كان عميلا للأمن ، يلتصق بنا ويتقرب الينا بمعسول القول والمشاركة فى الصلاة . ثم إكتشفنا حقيقته بعد أضرار كبرى سبّبها لنا ، وحين إكتشفنا أمره كان على رأى المثل المصرى ( فصّ ملح وداب ) . ذاب فى الهواء بعد أن حاز ثقتنا وخانها .
2 / 2 : بعضهم كان مرتزقة ، يعتقد أنه تأتينا الملايين ، ومع أنه رأى حالنا المتواضع فلم يرأف بحالنا ، بل ظل يخدعنا ونصدقه ونعطيه . بعضهم إحتجناه ليساعد فى الموقع فرفض ، وقرن الرفض بسوء الأدب ، وبعضهم عندما أيقن أنه لم يعد لدينا ما نعطيه فارقنا ، وقرن هذا أيضا بسوء الأدب ، ولم يتوان عن الطعن فينا سرا وعلانية .
3 ـ وهناك من أعتبرهم ملاحدة ، يشوهون الاسلام تحت زعم أنهم قرآنيون . هم فى الأصل جهلة بالقرآن الكريم ، ولكنهم رأوا عجز الشيوخ وتخلفهم وما ينشرونه من خزعبلات . لم يصمد أولئك الشيوخ لما نقوم به من تحطيم الأبقار المقدسة من الخلفاء ( أبى بكر وعمر وعثمان وعلى ) وصحابة الفتوحات والأئمة من مالك الى الشافعى وابن حنبل والبخارى ..الخ ، وتحطيم الأساطير المقدسة من شفاعة البشر والفتوحات والنسخ والتفسير والتأويل . سبقنا الجميع فى هذا ونزعنا ألغاما إنفجرت فى وجوهنا سجنا وتشريدا وأضطهادا وملاحقة وتكفيرا . أصبح الطريق بعدنا ممهدا ، فظهر هؤلاء ينقلون عنا بعض ما نقول ، وهذا ما نريده ، ولكن فعلوا ويفعلون ما لا نريده ، وهو دخولهم على القرآن الكريم بلا خلفية علمية ، بل مجرد الهوى ، فمن يريد أن يستريح من الصلوات الخمس خصّص حياته وجهادة فى أن الصلوات ثلاثة فقط ، أو أقل ، أو مجرد قراءة القرآن هى كل العبادات ، ثم لايقرأون القرآن تعبدا . هذا شهدته مبكرا من أشخاص أعرفهم . ومستحيل إقناعهم إذ تركز دينهم فى إضاعة الصلاة ، ووهبوا حياتهم فى الدعوة لإضاعتها . ورأوا فى هذا تميزا لهم يجعلهم مختلفين عنّا . ونحن نسعد باختلافهم معنا .
3 ـ وهناك من كان قرآنيا ، صحبنا وتعلّم منا ، وأصبح معروفا بسببنا ، دعوناه الى اللقاء الفكرى الأسبوعى ( رواق ابن خلدون ) الذى كان أشهر ندوة اسبوعية ، كنت أديرها من يناير 1995 الى قفل أمن الدولة فى يونية 2000 ، حسب ما أتذكر . كان الرواق يحضره صحفيون ومثقفون وسياسيون من كل الاتجاهات ، ويحضره أيضا الملحقون من بعض السفارات من أمريكا وأفريقيا والبلاد العربية . ولأن السؤال الذى كنت أكرهه هو ( لماذا أنت وحدك ) فكنت حريصا على وجود آخرين الى جانبى . فنوّهت ببعض من توسّمت فيه الفكر والثقافة القرآنية . ولا داعى لذكر أسمائهم ، فقد أصبح بعضهم مشهورا. حين كان يتصل بى الصحفيون يسألون ويستفتون كنت أدلهم عليه فأصبح مشهورا . ومنهم من سعى الينا وإلتصق بنا مؤمنا بالفكر ، ثم تعرّض لاضطهاد بعد هجرتنا ، وقيل إنه دخل السجن ، فأعلن مخالفته لنا ، ولم يكتف بهذا ، بل هاجمنا ، وهو أول من يعرف ظلمه لنا . ونعفو عنه فنحن نعرف ما هو ( السجن ) فى مصر . وبعضهم إنضم فيما بعد الى ( موقع أهل القرآن ) ، ولم نلتق به من قبل ، وأصبح ممّن يكتب فيه ، وهو شخصية عالية الشأن ، فكشّرت له السلطات ، فامتنع عن الكتابة ، وكتب يهاجمنا ، ولم نردّ عليه كالعادة ، ولكن هجومه علينا أفاده ، فأصبح يتحدث فى بعض الفضائيات مركزا على مناهج الأزهر متحاشيا إعلان إنكاره للسُّنّة ، وظلت علاقته بالسلطة بين شدّ وجذب . إذا سخط الفرعون على شيخ الأزهر أوسع له فى الاعلام ، وإذا إحتاج الى الأزهر هدّده بالسجن متهما بازدراء الدين . وندعو بالهداية لنا ولهم .
4 ـ وهناك أطياف ممن يتبنّون بعض الفكر القرآنى فى مصر وخارجها مع الكثير من الحذر والقليل من التدبر القرآنى منهجيا ومعرفيا . الذى يجمع بينهم هو التركيز على الدعوة الدينية فقط ، دون النقد السياسى للاستبداد وفراعنة العصر ، ودون النقد للفراعنة السابقين من الخلفاء الفاسقين . أى إختار ركنا هادئا ، يظن أنه سينجيه من الأخطار .
ولكن ماذا عن عقوبة كتم الحق ؟ وماذا عن الاحتكام الى آيات القرآن الكريم فيما حدث من أكابر المجرمين الماضين وفى عصرنا ، وبهم أصبح الاسلام متهما بالظلم والعدوان والارهاب . نتذكر قوله جل وعلا عمّن يعرف الحق ويكتمه ويكتم الآيات البينات ويظل هكذا حتى موته : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ( 159 ) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( 160 ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ( 161 ) خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ( 162 ) البقرة ).
5 ـ الخطورة هنا فى :
5 / 1 : إنهم لا يقدرون الله جل وعلا ولا يؤمنون باليوم الآخر . لا يستطيع أحدهم الخوض فى سيرة الفراعنة وأعوانهم وأئمة الضلال . لكن يسهل عليه أن يخوض فى كتاب الله جل وعلا يتكلم فيه بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ، يخلط الحق القرآنى بالباطل ويكتم الحق مثل بعض الكفرة من بنى إسرائيل ، والذين قال لهم رب العزة جل وعلا : ( وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) 42 ) البقرة ).
5 / 2 : بالنسبة للدعاة فليس هنا منطقة وسطية أو رمادية . ( إمّا حقُّ ، وإمّا باطل ) . قال جل وعلا :
5 / 2 / 1 : ( فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) 32 ) يونس ).
5 / 2 / 2 : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) 62 ) الحج )
3 / 2 / 3 : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) 30 ) لقمان )
5 / 2 / 3 ( المص ( 1 ) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ( 2 ) اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ( 3 ) الاعراف ).
أى إما أن تقول الحق مباشرا وصريحا وتصدع به ، مع الإعراض عن الجاهلين المشركين : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) 94 ) الحجر ) وأن تعتذر عن باطل قلته من قبل . وإما أن تظل على قول الباطل فيكون عملك صدّا عن سبيل الله جل وعلا . .
6 ـ حين بدأت طريق البحث فى رسالة الدكتوراة فى جامعة الأزهر التى قدمتها عام 1977 بدأ الاضطهاد لأننى فضحت أئمة الصوفية وأئمة الحديث ، وإستمررت فى نفس الطريق ، وكنت مُحمّلا بأوزار ثلاثة عشر قرنا من التضليل ، فكنت أنظّف عقلى منها شيئا فشيئا ، وأعترف بخطئى . كنت فى البداية لا أرى عيبا فى الاستشهاد بحديث يوافق القرآن الكريم ، وظهر هذا فى أول كتاب لى ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) المنشور عام 1982 ، ثم تبيّن لى بالقرآن الكريم أنه لا إيمان إلّا بحديث القرآن الكريم وحده ، فأعلنت هذا ، وتبرأت مما قلته سابقا . وإمتدحت ( الخلفاء الراشدين ) فى مؤلفات كتبتها للطلبة فى جامعة الأزهر فى عامى 1984 ، 1985 ، وإعتذرت عنها معلنا خطئى ، وكفّرت عنه فى كتب كثيرة لاحقة منها ( المسكوت عنه من سيرة الخلفاء الراشدين ). كتاب ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى ) كان مقررا على قسم التاريخ بجامعة الأزهر عام 1984 ، وهو إبداع جديد غير مسبوق . وبسبب أهميته أعدت نشره مع تعليقات توضّح أخطائى .
7 ـ الذى يتصدّى للدعوة مؤمنا بالله جل وعلا واليوم الآخر لا يهتم برأى الناس ولا بارهاب الفراعنة ، ويعرف أنه يسير على خيط رفيع ، إذا أخطأ أضلّ الكثيرين معه ، لذا لا بد أن يصحح نفسه ويعلن أخطاءه لا يخشى فى قول الحق لوم لائم ، متمنيا أن يكون يوم القيامة من الأشهاد على قومه.
أخيرا
هذه شهاتى فى نهاية العمر على طريق بدأته من عام 1977 .
اجمالي القراءات 4447