محمد الباز يكتب : نساء المتعة
محمد الباز
12/29/2011 9:14 AM
الاستغلال السياسى والجنسى لحريم الإخوان
هى انتصار عبد المنعم.. روائية وقاصة من أبناء مدينة إدكو.. عاشت سنوات طويلة داخل جماعة الإخوان المسلمين.. ولأنها كانت تفكر - مجرد تفكر فقط - قررت بعد سنينها التى أنفقتها أن تترك الجماعة وراءها غير آسفة عليها، معلنة تمردها عليها ولاعنة الذين يخدعون الناس باسم الدين.
قبل ثورة 25 يناير ربما بشهرين أو ثلاثة انفردت مجلة «أكتوبر» بحوار معها عن تجربتها مع الإخوان.. حكت عن سيرتها وحياتها معهم، وكانت قد انتهت من كتابة مذكراتها، ونشرت أكتوبر بالفعل فصلا معها.. وتوقفت لتهل بشائر الثورة.. ولتتعرض انتصار لحرب بشعة من أخوات الجماعة.. لأنها تجرأت وأعلنت ما يحرص الإخوان على إخفائه.. فهم ربيون.. قرآنيون.. وكل من يقول عنهم شيء غير ذلك ولو بالدليل فلابد أن يكون كاذبًا.
قبل الثورة كان أى اقتراب نقدى من الإخوان يتم تشويهه، فأنت تهاجم الإخوان فلابد أن تكون مدفوعًا من الأمن.. ولابد أنك حصلت على الثمن مقدمًا.. الآن زال نظام مبارك.. زال الأمن.. وبقى الإخوان، بل أصبحوا أكثر قوة وعددا وظهورا بل وأغلبية فى البرلمان.. ولأنه قدرنا أن نقف على يسار من يحكم.. فإننا سنقف ليس على يسار الإخوان فقط، ولكن فى وجههم أيضا.
لأجل ذلك فإننى أعود مرة أخرى إلى انتصار عبد المنعم.. ليس من أجل إعادة نشر ما سبق ونشرته، ولكن مذكراتها كاملة صدرت عن الهيئة العامة للكتاب تحت عنوان « مذكرات أخت سابقة.. حكايتى مع الإخوان» وهى المذكرات التى وضعت يدى على بعض صفحاتها التى تكشف جانبًا خفيًا من جوانب الإخوان الكثيرة.. وهو جانب المرأة فى حياتهم.
لم أقصد بالطبع أن أوجه الحديث عن امرأة الإخوان والحديث دائر عن خستهم وندالتهم وموقفهم المخزى من فتاة التحرير المسحولة.. وهى الفتاة التى قال عنها محمود غزلان، المتحدث الرسمى باسم الجماعة، إنها ليست من الأخوات، وكأن أخواته فوق المصريات.. وكأنهن مسلمات والأخريات لسن كذلك.. ولكن الحديث أتى متوافقًا.. وقدرالله وماشاء فعل.
يطنطن الإخوان المسلمون كثيرًا حول تكريمهم للمرأة، وهو التكريم الذى يسيرون إليه على هدى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهدى إمامهم حسن البنا.. لكن عندما تقرأ مذكرات انتصار عبد المنعم التى صدرت فى 213 صفحة من القطع المتوسط، ستكتشف أن ما يقوله الإخوان عن المرأة عندهم ليس إلا هراء وسخف وكذب بين وإفك ظاهر.
تتحرك المرأة داخل جماعة الإخوان المسلمين بين استغلالين.. الأول استغلال جنسى واضح وفاضح.. والثانى استغلال سياسى كاشف.
ترى انتصار أن الإخوان غيبوا المرأة، وعندما فكوا الحصار الذى أحكموه حولها، سمحوا لها بفرجة لا تتعدى إلقاء دروس عن الطاعة لكل ما يمت للرجل بصلة، سواء لتعاليم الإمام الذى أصبحت كتبه ورسائله مراجع تؤلف حولها وعنها التفسيرات والتأويلات التى تمنهج وفق العقول، أو المرشد العام الذى يمثل الرمز الذى ينتظر الإخوان جميعا كلمته كرسالة سماوية أو تجل إلهى سيسفر عن منهاج وشريعة تخرج العباد من غيابة جب الحكومات الوضعية، أو الزوج الذى يحق له الزواج مرات ممن يريد تحت غطاء مسميات عديدة مثل إعفاف مسلمة، زواج مروءة، رغبة فى إنجاب المزيد من الأطفال ليباهى بهم الرسول الأمم يوم القيامة وغيرها من الأسباب.
هنا يظهر اعتراف كاشف، تقول انتصار: «فى كل الأحوال على الأخت أن ترضخ للكيفية التى يفسرون لها بها الشرع دون نقاش،وهكذا تختزل العلاقة الزوجية على مفهوم واحد سلبى الاتجاه وهو طاعة المرأة للزوج سواء كان صالحًا أو طالحًا، وفى المقابل لا اهتمام بتوجيه الرجل إلى كيفية التعامل مع الزوجة كما حددها الشرع أيضا، والقائمة على المعاملة بالمثل من حب وحنان، وليس بأسلوب تنطع قائم على استغلال مفهوم الطاعة التى أوجبها الإسلام على المرأة تجاه شريك الحياة، ولذلك لم نسمع يومًا عن دروس للرجال عن كيفية استمالة قلب الزوجة أو كيفية التعامل معها كإنسان يحب أيضا أن يرى الزوج متعطرًا مهندما متشوقا، تماما كما يلقون فى دروسهم الموجهة إلى النساء».
المرأة بالنسبة للإخوانى ليست إلا للمتعة إذن.. أزعج الأمر انتصار عبد المنعم، رأت أن الرجل فقط هو المسموح له التمتع بنساء الدنيا والحور العين فى الجنة، هو رجل من الممكن أن يجمع الحسنيين، أما المرأة الإخوانية فيجدر بها الصبر على المكاره والأذي، وإعلاء الطاعة فى كل مناحى الحياة.. ولكل فرد ولكل قرار يصلك، وما عليك إلا التنفيذ الفورى دون حتى الاعتراض أو إبداء التألم.
تقول انتصار: «من ضمن الأمور العديدة التى استغل فيها رجال الإخوان فكرة التسليم والطاعة العمياء مسألة تعدد الزوجات، ليس بغرض الإنجاب فى حالة عقم الزوجة أو مرضها مثلا وغيرها من الأسباب، بل تم استحداث مبررات جديدة براقة مثل إعفاف مسلمة وزواج المروءة، فأباحوا لأنفسهم الزواج من ثلاث نساء لا اثنتين، وعندما تشتكى الزوجات يتم عقد جلسة لهن مع بعض الأخوات اللواتى يذكرنهن بلزوم الطاعة والصبر والتسليم لأمر الله فى الأعالى سبحانه، وهذا الآخر الذى يحق له فعل أى شيء كرجل وأخ».
لا تقذف انتصار فى وجوهنا بالأمر مجردا، لديها وقائع محددة، تقول: «كنت أرى صورة واقعية أمامى «س» المهندسة وخريجة مدارس الفرنسيسكان والأم لثلاثة أطفال، والتى لم تتجاوز الثلاثين من عمرها، يخبرها زوجها الأخ بموعد زفافه على أخرى صغيرة فى السن، أى لم يفتها قطار الزواج، ولا ينتظر ردا منها، وبعد مرور أسبوع العسل يصطحب أولاده الثلاثة منها للترحيب بالعروس الجديدة.
وصديقتى «ه» المدرسة التى ضحت بعملها لتتفرغ لبيتها ولزوجها وأولادها، يتكرر نفس الأمر معها، وعندما لم تستطع الصبر كما أشار عليها الناصحون، طلبت الطلاق، لكنها تراجعت بعدما تم تهديدها بالحرمان من أطفالها، فلا طاقة لديها لتلجأ إلى المحكمة لتطالب بالحضانة.
كشفت انتصار عن النائب البرلمانى الإخوانى السابق (م.م) الذى تزوج ثلاث مرات، وقد تحدثت مع مدير مكتبه فى ذلك، قالت: «سألته فى مكتب النائب البرلمانى بعد زواجه الثالث،إن كان موضوع التعدد الذى انتشر تحت دعاوى إعفاف مسلمة كما يرددون، فلماذا لا يتكفل النائب بزواج شاب من شابة فيكون أعف مسلمين اثنين لا واحدا؟.. ألم يكفه زوجتين فيجعل تكاليف الثالثة لشاب لا يجد ما يتزوح به؟».
وتبدى انتصار رأيها فيما جرى - ولا يزال يجرى - تقول: «كان مثل هذا السلوك هو أشد ما يؤلمني، حينما يتم تغليف الرغبات الشخصية بغلاف الدعوة الإسلامية، وأن يتوهم هؤلاء أنهم بهذا الذكاء الذى يجعلهم ينهلون من المتع الدنيوية، وينتظرون مباركة الجميع، لم يكن من المتوقع أن يتعرضوا للمساءلة أو حتى الاستفسار عن كيفية الإنفاق، فى الوقت الذى يعانى الجميع من أزمة اقتصادية طاحنة فقط للحصول على زواج وحيد أو رغيف خبز، مثل هذا السؤال كنت أصارح به بعض المقربات فأواجه بردود أفعال متباينة، ولكنها تصب فى أنه لا حيلة لنا فيما يجري، وما علينا إلا أن نسلم بالأمر الواقع من أجل وحدة الصف».
ولأن متعة الرجل الإخوانى غاية سامية، فإنه لا يحرص عليها وحده، بل تعمل الأخوات على توفيرها من خلال تحريض بعضهن على الاهتمام بأنوثتهن، وكان غريبا ما قالته انتصار من أنها وفى اللحظة التى أصبحت فيها أختًا عاملة - ليس كل إخوانية عاملة فمنهن الزوجات والمتدينات والمحجبات - كانت الهدية التى حصلت عليها مرتبطة بها كأنثى وليس أكثر من ذلك.
تقول انتصار: «فى المسجد وجدتهن يقدمن لى التهنئة لأنى اجتزت تلك المرحلة وأصبحت أختا فعلا، وتم تقديم الهدايا، وجدت الهدايا أيضا لا تخرج عن الخط المرسوم لجعل المرأة مجرد امرأة للفراش ولتربية الأولاد لا غير، كانت الهدايا عبارة عن بعض مستحضرات التجميل المتواضعة، وبعض اكسسوارات الشعر لاغير، فلا كتاب حتى ليتم الربط بين وجود المرأة ككيان مفكر ووجودها المميز كأنثي».
لم تكشف انتصار عما يحدث للمرأة الإخوانية فقط، فقد جرتنا إلى حديث عن المراهقين الإخوان.. فتربية الشباب داخل الصف الإخوانى بداية من مرحلة المراهقة لا تتيح لهم التعامل مع نزعاتهم الطبيعية صراحة، بل تتمحور حول كلمة التعفف وتجنب الاختلاط بالفتيات حتى تتاح فرص الزواج، فيتعود الشاب على مقاومة نزعاته الطبيعية بالصوم، ويبقى يجاهد نفسه فى الفترة التى تسبق الزواج.
تكتب انتصار: «لكن مهما بذل الشاب من جهد فى غض بصره فلن يفلح أبدا فى مقاومة النظر ولو بصورة عابرة لما يبدو حوله من نماذج للفتيات الجميلات، وهذا يخلق لديه صورة متوهمة فى ذهنه أن الفتاة الأخت التى سيتزوجهاوالتى تلبس الملابس الفضفاضة والحجاب الذى يمتد إلى ما بعد منطقة الصدر، تمتلك نفس مقاييس الأجساد الشهية التى يعانيها فى حياته اليومية، وأنها تجيد فنون الإغراء التى بذل عمره مقاوما إياها فى الشارع والجامعة ووسائل المواصلات، ثم ما إذا تزوج راح يبحث عما توهمه ليفاجأ أنه يتعامل مع شيء لم يحدثه أحد عنه، عن عالم جديد وخبرات تتعلق بإثبات ذكورته التى لم يخبره أحد عنها، فقد جاءت كل خبراته الجنسية من كتاب «تحفة العروس» الذى أوصوه وعن استحياء بقراءته، ثم أخبروه أن يصلى مع عروسه ركعتين فى أول ليلة وأن يردد دعاء الجماع عند معاشرته لها، ولم يخبره أحد عما يحدث بين الزوج كرجل والزوجة كأنثي، والأخت الزوجة كما تعودت فالحياء زينة المرأة تنتظر منه المبادرة فى كل شيء وإلا وقعت فى دائرة الظنون والشكوك».
لدى انتصار أمثلة ووقائع، فهى تعرف شابًا إخوانيًا أراد طلاق زوجته التى اختارها بنفسه بعد وقت قصير من زواجهما، وبعد نقاشات سرية معه عن سبب الطلاق، تبين أنه رسم لنفسه صورة لمقاييس صدرها وجسدها كما رأى فى الشارع وفى إعلانات الفاتنات، ثم فوجئ بأن ما رسمه شيئا وما رآه شيئا آخر، ولولا تدخلات من هنا وهناك واقتراحات وإيحاءات عن كيفية تجاوز الأمر لتم الطلاق.
ويبدو هذا طبيعيا فالعلاقة الزوجية يتم تقديمها للفتاة الإخوانية على أنها شيء تستقبله لأنه رغبة الزوج، التى لابد أن تلبيها حتى لا يقع فى الحرام، ولذلك تأخذ الفتاة موقف المتلقى السلبي، فطالما هى رغبته فليفعل ما يشاء وهى ستطيعه كما تعلمت وستتزين له وتنتظره لأنها مهمتها، أى تحولت العلاقة الحميمة المتبادلة إلى حالة سلبية من طرف واحد تؤديه المرأة، لا محبة فى كونها حالة من التكامل بينها وبين شريك حياتها، بل مخافة الحرمان من الثواب الأخروي.
وكما استغل الإخوان النساء جنسيا.. فقد جعلت الجماعة منهن وقودا فى معركتها السياسية، كانت انتصار عبدالمنعم حاضرة بقوة فى انتخابات 2005 التى حقق فيها الإخوان 88 مقعدا.. المذكرات تنساب هنا بلا توقف.
تقول انتصار: «كنا نتحرك كالقطيع أو كالمخدرين ننفذ ما يمليه الرجال علينا، أمامنا حلم سماوى نعمل لأجله فقط، فكما علمونا يجب ألا ننتظر حتى كلمة شكر، فالجزاء يوم القيامة، وفى نفس الوقت الذى صدقنا ذلك وعملنا من أجله احتسابا للجزاء الأخروي، كانوا يرسمون حدود جنة أرضية تبدأ من أعتاب مجلس الشعب.
كانت فترة تعبئة شاملة وأصبحنا لا نتواجد فى منازلنا إلا لفترات متقطعة قصيرة، كل يوم فى مكان ما، نتلقى التعليمات ونحفظ أدوارنا ثم ننتشر كل حسب موقعها وحسب الفئة التى تتعامل معها، لم يعد هناك أحد يتحدث عن أن مكان المرأة الطبيعى هو البيت ورعاية الأطفال والتزين للزوج».
تصف انتصار ما فعلته الأخوات أمام اللجان الانتخابية : «فى هذا اليوم تجلى مدى الاستغلال الذى خضع له الجميع، أو الذى خضعت النساء له خاصة، كنا فعلا نعتقد أنه جهاد من أجل الدين، ولذلك لم نشعر بالتعب ونحن واقفات دون راحة منذ الصباح وحتى موعد إغلاق صناديق الاقتراع فى الخامسة مساءً.
وبلغ الحماس بالبعض لتتشبث إحداهن بحقها كمندوب للمرشح على أن ترافق صناديق الاقتراع فى سيارة الشرطة، حتى مكان الفرز.. ولم ننم ليلتها ونحن نترقب النتائج، وما إن بدأت الأنباء تنهمر من أمام كل لجنة فرز عن طريق الهواتف المحمولة، حتى خرجت الجموع فرحة غير عابئة بالأمطار الغزيرة التى كانت تنهمر وقتها على الإسكندرية، ونحن نتلقاها على رءوسنا فى الشوارع التى ناءت بالأعداد الغفيرة لنساء الإخوان ورجالها من الصف الأدنى والأوسط، فكبار الصف لهم مسيرات قادمة يتم الترويج لها جيدا».
وتصل انتصار فى النهاية إلى قناعة بأن الإخوان ما كان لهم أن يحققوا ما حققوه فى انتخابات 2005 إلا بفضل الأخوات.. تقول أخيراً: «أجزم أن الدور النسائى كان السبب الرئيس فى نجاح حملتهم الانتخابية ووصولهم لأولى خطوات تكوين دولة تنتهج أفكار الإخوان المطاطة