د. نور فرحات فى حوار خاص لـ«المصري اليوم»:النظام البرلمانى خطر شديد على مصر(١- ٢)
حوار علاء الغطريفى ٢٥/ ١٢/ ٢٠١١
فى أزمات التحول الديمقراطى، مثلما يحدث اليوم، تبحث دائماً عن حلول للخروج من المأزق، فقد تجد الإجابات عند شيوخ القانون الأجلاء فى ظل الارتباك التشريعى الحادث، أو تسعى إلى رأى مفكر قادر على تشخيص وتحليل الأحداث والتنبؤ لرسم صورة أفضل للوطن، وفى اللحظة الراهنة فى ظل الحديث عن الانتقادات الموجهة لأداء المجلس العسكرى تتوجه أنظار الجميع إلى المجلس المدنى الوحيد بوصفه الوسيط الوحيد بين الشعب وجيشه، لذا ذهبنا بأسئلتنا إلى الدكتور محمد نور فرحات، أمين عام المجلس الاستشارى، بوصفه ممثلاً لتلك الهيئة المدنية وكونه شيخاً من شيوخ القانون وواحداً من النخبة الوطنية التى لم تتلوث فى عهد مبارك. وفى الحلقة الأولى يضع الدكتور نور فرحات تشخيصاً لما سماه «الارتباك الدستورى والتشريعى» الذى وضعنا فيه المجلس العسكرى، بدءاً من التعديلات الدستورية التى وضعتها لجنة ذات ميول لتيارات الإسلام السياسى، ويحذر من خطورة تحول مصر إلى النظام البرلمانى بعد سيطرة الإسلاميين على البرلمان، وأفكار أخرى تتضمن حلولاً وتصنع توافقاً، مصر تحتاجه.. فإلى التفاصيل: ■ منذ انضمامك إلى المجلس الاستشارى ما الذى تراه صوابا وما تراه خطأ من قبل المجلس العسكرى فى إدارة البلاد؟ ـ الخطأ بدأ منذ ١١ فبراير ٢٠١١، فقد كانت البداية لمسلسل من الأخطاء، لأنه فى حالة الانتقال من نظام إلى نظام فى ظل ثورة أو انتفاضة، هناك بديلان لا ثالث لهما، إما بديلاً قانونياً حيث تتم عميلة الانتقال وفقا للأطر القانونية الموجودة، وإما بديلاً ثورياً يطيح بجميع هذه الأطر القانونية ويصطنع لنفسه الأطر الخاصة به، ويبدأ فى الاستجابة لمطالب الثوار كغطاء فكرى يعمل من خلاله، ما حدث عندنا أن التحول بدأ خروجا على الأطر القانونية، ثم بدأت بعد هذا محاولة إحداث عمليات ترقيعية، لاستجلاب أطر قانونية غير موجودة. ■ كيف..؟ ـ عندما أراد «مبارك» أن يغادر السلطة غادر دون أن يحترم الدستور النافذ، كلف المجلس الأعلى للقوات الأعلى بإدارة شؤون البلاد، والدستور لا يتضمن أى نص عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لأن دستور ٧١ نصه واضح وصريح أنه فى حالة تخلى رئيس الجمهورية يتولى رئيس مجلس الشعب، وإذا كان هناك مانع يتولى رئيس المحكمة الدستورية إدارة شؤون البلاد، لكن «مبارك» أطاح بكل هذه النصوص. ■ هل مبارك وحده المسؤول عما حدث؟ ـ الظاهر أمامنا أن الرئيس السابق تخلى عن الحكم وأسند الحكم إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو ما يعنى أن هناك اتجاهاً للعمل خارج الأطر الدستورية، وتأيد ذلك بحكم صادر من المحكمة الدستورية العليا، عندما رفع أحد المحامين ببطلان دعوة الناخبين للاستفتاء على أساس أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يملك هذه السلطة، قالت المحكمة إن المجلس يستند إلى واقع الثورة وإن الثورة هى مصدر الشرعية، وإذا تحدثنا عن أن الثورة هى مصدر الشرعية فإن كل الأطر القانونية والدستورية الحاكمة قبل الثورة يجب تخطيها وتجاهلها، لأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة جزء متمم للنظام السابق وركن ركين من النظام السابق، ولم يستطع أن يتفهم حقيقة أنه يستند فى ممارساته إلى واقع الثورة وليس إلى نصوص قانونية سابقة، فكان شيئا غريبا للغاية أن يسلك مسلك «مبارك» ويشكل لجنة لتعديل الدستور بدلا من أن يقوم بوضع دستور جديد يلبى متطلبات الثورة، وجاءت لجنة تعديل الدستور وتناولت فى التعديل المواد نفسها التى طلب الرئيس السابق من اللجنة التى شكلها فى عهده تعديلها، لجنة تعديل الدستور هذه عليها كثير من علامات الاستفهام، وهناك ظنون قوية أن السيناريو الذى بدأ يتحقق الآن فى وصول أغلبية التيار الإسلامى إلى مقاعد مجلس الشعب تم التخطيط له داخل لجنة تعديل الدستور. ■ تتحدث عن لجنة طارق البشرى؟ ـ كان فيها طارق البشرى وعضو من جماعة الإخوان المسلمين و٣ أو ٤ أعضاء ذوو ميول إسلامية، جاءت اللجنة وقامت بوضع مادة غريبة جدا هى المادة ١٨٩ مكرر، قالت إن الأعضاء المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى يجتمعون ويشكلون لجنة من داخله أو من خارجه دون أى ضوابط، تقوم بوضع الدستور الجديد. ومن بعد التنحى فى فبراير حتى نهاية الأشهر الستة التى أشار إليها المجلس العسكرى فى بيانه كان مطلوبا من قوى الثورة تشكيل أحزابها، وكان مطلوبا من الأحزاب القديمة التى كانت مقموعة فى عهد الرئيس السابق أن تعيد التفاعل مع الشارع، لتنافس تجمعات سياسية ذات طابع دينى ضاربة بجذورها فى التربة السياسية المصرية، فالإخوان المسلمون منذ العشرينيات، والسلفيون ليسوا قوى سياسية جديدة لكنهم قوى سياسية قديمة كامنة، وكانت تتعاون وتلقى تأييدا ودعما من النظام السابق، وكانت محصورة داخل المساجد وعندما سقط النظام خرجت من المساجد لكى تكون لها أجندة سياسية شديدة المحافظة، ترتب على هذا السيناريو أن السلطة التشريعية أصبحت فى يد القوى الدينية المحافظة بأجنحتها المختلفة سواء حزب النور أو حزب الحرية والعدالة، وقوى الثورة أصبحت بعيدة عن عملية صنع القرار التشريعى، وفى ظل هذا الحضور للإسلاميين فإن النظام البرلمانى خطر شديد على مصر، وفى خلال هذه الفترة ما بين كتابة السيناريو وتحقق السيناريو، شهدت هذه المرحلة ارتباكات متعددة دفع ثمنها الوطن. ■ ما هذه الارتباكات؟ ـ الارتباك الأول عدم التعامل بجدية شديدة مع حالة الثأر الشخصى بين جهاز الأمن السابق وقوى الثورة، وإذا كانت هناك ثورة وثورة مضادة، فالثورة هى ثورة الشباب، والثورة المضادة هى قوى الأمن التى كانت تقف موقف العداء المباشر من هذه الثورة التى ألحقت بها هزيمة نكراء، كان لابد على المجلس العسكرى بعد توليه الحكم أن يجعل فى مقدمة أولوياته إعادة بناء جهاز أمن حقيقى فى دولة ديمقراطية حقيقية، ويقيم الموازنة بين أمرين موجودين فى العالم الديمقراطى ـ وهذا ما قلته من قبل فى حضور المشير طنطاوى ـ الموازنة بين أمن الوطن والمواطن واحترام كرامة الإنسان وحقوقه، وما حدث منذ فبراير حتى الآن هو أنه لم يتم بناء جهاز الأمن، والدولة المصرية عارية من جهاز مختلف للحفاظ على أمنها، وأخشى أيضا أن تكون عارية من جهاز ذكى يقوم على جمع المعلومات التى تبنى عليها القرارات الأمنية، أى جهاز أمن وطنى وأمن دولة وجهاز مخابرات له قدرة على تجميع معلومات. ■ من أين تسرب إليك هذا الخوف؟ ـ الخشية جاءتنى لأننا ليست لدينا قدرة على التنبؤ بما هو قادم، رغم أن التنبؤ فى مكنة أى شخص أو أى مجموعة تبذل مجهودا فى توقع المستقبل، يبدو أن مصر السياسية الرسمية ومؤسساتها أصبحت تلاحق فقط الأحداث وليست لديها قدرة على حد أدنى من توقعها للأحداث، وهذا ليس له تفسير إلا أن أجهزة الذكاء السياسى فى مصر هى الأخرى سقطت مع سقوط جهاز الشرطة. ■ وهل تم هذا عن عمد؟ ـ أخشى أن تكون الإجابة بنعم، نتيجة ثأر شخصى بين جهاز الأمن فى عهد «مبارك» والثورة والثوار، بل ثأر مع الشعب المصرى كله. ■ إثارة قضية التمويل وإلحاق التهم ببعض حركات الثورة.. هل يرتبط بفكرة الثأر الشخصى بين الأمن والشعب؟ ـ فكرة التمويل الخارجى مفتوحة منذ زمن وتحدثت عنها من قبل، التمويل يحدث وفق علم الحكومة المصرية، لأنه وفق اتفاقات دولية وقعت عليها الحكومة من قبل، ولا أعتقد أن التمويل الأجنبى سبب فى حالة اللبس والفوضى التى نحن فيها الآن، لكن من الممكن أن يستخدم هذا الملف كذريعة لتشويه الحركات الثورية الموجودة الآن.وبطبيعة الحال هناك تصميم على هذا الملف كتبرير لعجز الجهاز الأمنى بتشويه قوى الثورة. ■ نعود للحديث عن الارتباكات؟ ـ إذن الارتباك الأول هو ارتباك التعامل مع الملف الأمنى، فمصر بعد انهزامها فى ٦٧ بعدة أسابيع نجحت فى إغراق المدمرة إيلات، ونجحنا فى خوض معركة رأس العش التى أذلت الجيش الإسرائيلى، اليوم عشرة أشهر من سقوط قوات الأمن ولم ننجح فى بناء نظام أمنى جديد للحفاظ على أمن مصر رغم وجود مقترحات عديدة، لكن لم يتم تبنيها. ■ هل هذا يعنى أنه لا توجد إرادة لبناء جهاز شرطة جديد؟ ـ قد لا توجد إرادة، أو أن هناك عدم إدراك بخطورة المشكلة، أو يوجد ارتباك لكثرة الملفات المفتوحة. ■ لماذا حضرت هذه الإرادة فى تأمين الانتخابات؟ ـ لأن القوات المسلحة هى التى تصدت مباشرة لتأمين لجان الانتخاب. ■ وما هو الارتباك الثانى؟ ـ الارتباك الدستورى والتشريعى، وهو من أخطرها، فالمجلس العسكرى قام بإجراء تعديلات لدستور ٧١ فهذا يعنى إعادة دستور ٧١ إلى النفاذ، لكنهم حين فكروا فى إعادة دستور ٧١ إلى النفاذ اكتشفوا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سيصبح فاقدا شرعيته، لأن دستور ٧١ ليس به نص يتضمن صلاحيات للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهى مسألة فى غاية الغرابة، وكان بوسع لجنة تعديل الدستور أو من وضع الإعلان الدستورى أن يضع مادة حول اختصاص القوات المسلحة، وقاموا بعمل إعلان دستورى، بعض مواده استفتى عليها وأغلبها لم يستفت عليها، وبعض المواد التى استفتى عليها الشعب تم تجاوزها فى الإعلان الدستورى، وقتها قلت إن إلزامية هذا الإعلان الدستورى لا تستند إلى استفتاء الشعب، لأن استفتاء الشعب فى مارس تم تجاوزه، وأن الإلزامية تستند إلى وجود سلطة تحكم البلاد بحكم الأمر الواقع وبالتالى بقول قولا واحد «يستطيع المجلس أن يعدل هذا الإعلان الدستورى»، وقلت هذا الكلام لأننى كنت أطالب بأن يتم تشكيل لجنة لوضع الدستور وتعديل المادة ٦٠ من الإعلان الدستورى المأخوذة من المادة ١٨٩ مكرر التى تم الاستفتاء الشعبى عليها، ولكن جاء الإخوان المسلمون وقالوا إنه من غير المسموح الالتفاف على نتائج الاستفتاء، فقلت إن الإعلان الدستورى لا يستند إلى الاستفتاء، فردوا بأن هذا الكلام غير قانونى، فقلت لهم إما أنتم على حق وإما أنا على حق، وجلست مع أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وطلبت منهم أن يسألوا مجلس الدولة وفقاً لقانون مجلس الدولة فإن المادة ٣٢ من قانون مجلس الدولة تقول «إنه لرئيس الجمهورية أو لرئيس الوزراء أو لوزير العدل أن يأخذ رأى الجمعية العمومية فى الفتوى والتشريع فى المسائل الدستورية»، وقلت لهم اسألوا مجلس الدولة «هل من حقنا تعديل المادة ٦٠ من الدستور أم لا؟ وما مصدر إلزامية الإعلان الدستورى؟»، المجلس العسكرى التفت عن هذا الاقتراح، وعلى ذلك علامات استفهام، والإخوان المسلمون قاوموا أيضا هذا الاقتراح. ■ لماذا قاوم الإخوان؟ ـ لأن السيناريو كان معداً لكى نصل إلى ما وصلنا إليه حتى ينفردوا بوضع الدستور، والدكتور يحيى الجمل حينما دعا إلى مؤتمر «الوفاق القومى» وقف فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر وقال إنه أرسل للدكتور محمد بديع لكى يشارك الإخوان فى المؤتمر فرد عليه قائلا: «إنتو مستعجلين ليه؟ الانتخابات هتحصل، وهييجى البرلمان أغلبيتنا فيه، وإحنا اللى هنعمل الدستور ومتشكرين على حسن تعاونكم»، وبدأ إعداد هذا السيناريو لانفراد التيارات الإسلامية بوضع الدستور وبدأ بالتعديلات الدستورية التى أعدتها لجنة المستشار طارق البشرى، وطالبت بتعديل المادة ٦٠ من الدستور وقلت إن الاستفتاء تم تجاوزه، وطالبت بسؤال مجلس الدولة ولكنهم لم يسألوا، فى حين أن الإخوان أول من تحدثوا عن المبادئ الحاكمة للدستور ويسئل فى هذا الدكتور عبدالجليل مصطفى، فممثلو الإخوان المسلمين فى الجمعية الوطنية للتغيير وعلى وجه التحديد أحمد أبوبركة ومحمد البلتاجى وسعد الحسينى اشتركوا فى مجموعات لوضع مبادئ حاكمة للدستور، وبعد هذا أصبحت المبادئ الحاكمة كفرا وزندقة وخروجاً على نتيجة الاستفتاء، لأن هناك نية مبيتة للانفراد بوضع الدستور، وشاهدنا مليونيات الحفاظ على الهوية ومليونيات تطبيق الشريعة، فى ظل هذا السيناريو المرتبك من حق الثوار أن يسألوا أنفسهم لقد قدمنا الشهداء وقدمنا الضحايا فى سبيل أن تسقط الثمرة فى يد من؟ كان فى البداية الطرف المستفيد متردداً أينخرط فى الثورة أم لا؟ وفى النهاية هناك ثلاثة ارتباكات: اقتصادى وقانونى وأمنى. ■ من المسؤول عن الارتباك القانونى والتشريعى؟ ـ لا أعلم، ويسئل فى هذا المجلس العسكرى، لا أعلم هل اللواء ممدوح شاهين هو الوحيد المسؤول عن هذا الملف أم أن هناك مجموعة من الخبراء والاستشاريين وضعوا هذا السيناريو الذى نعانى منه الآن؟ لا أعلم.. هناك علامات استفهام كبيرة لا أستطيع الرد عليها. ■ فى ظل هذه الارتباكات لماذا انضممت إلى المجلس الاستشارى طالما أن هناك سيناريو معد سلفا؟ ـ ليس دفاعاً عن المجلس الاستشارى، فأنا مستعد الآن أن أتقدم باستقالتى من المجلس الاستشارى إذا اقتنعت أن المجلس الاستشارى عبء على الحياة السياسة، أو مجرد ديكور لا يراد منه إلا تجميل ما يراد تجميله، ولا يوجد إنسان يتنكر لتاريخه بقرار غير مدروس إلا إذا كان شخصاً مختل العقل، ولابد أن أضع أمامك مجموعة من الحقائق، كان دائما فى ذهنى المقارنة بين كيف أدار التونسيون ثورتهم وكيف أدار المصريون شؤون ثورتهم، المصريون أدخلوا أنفسهم فى مجموعة ارتباكات تحدثت عنها من قانونى لأمنى لاقتصادى، أما التونسيون فبمجرد ما قامت الثورة أدركوا أن الاحتكام إلى الرأى العام وإلى مجموعة السياسيين والمثقفين عند اتخاذ القرارات المهمة عاصم من الوقوع فى الخطأ، وأنشأوا لجنة اسمها «هيئة حماية أهداف الثورة»، هذه اللجنة يؤخذ رأيها الإلزامى فى أى قرارات أو قوانين تصدر فى المرحلة الانتقالية، وبعدها انتقلوا إلى مرحلة أكثر تقدما، فانتخبوا الجمعية التأسيسية والتى من شأنها وضع الدستور والقيام بوظيفة البرلمان حتى يتم انتخاب البرلمان القادم، واتخذوا خطوة أكثر رشداً وانتخبوا رئيس جمهورية مؤقت، وهو جهد حقيقى فى سبيل بناء مؤسسات يشارك فيها المدنيون على نحو منتظم، وهذا الجزء لابد أن نضع عليه كثيراً من الخطوط، القوى السياسية فى مصر تعودت على أن تطلب مطالب الحد الأقصى فإن لم تتحقق تدير ظهرها وتنصرف، دائما يحدث هذا حتى فى أيام مبارك، مسألة الوصول إلى صياغات تراعى المواءمة دون تنازل عن الأهداف العامة لا يعرفها المجتمع السياسى المصرى. ■ المجلس الاستشارى هل كان محاولة للحاق بتونس؟ ـ كان لى حظ الجلوس مع المجلس العسكرى أربع مرات بتشكيل مختلف، فى آخر مرة حضرت وكان معى عدد من رؤساء الأحزاب وعدد من المفكرين السياسيين فى حضور المشير، وكان فى ذهنى كل هذه المبادرات التى حدثت فى تونس، وكان فى ذهنى عملية الارتباك القانونى التى صاحبت التشريعات المنظمة للانتخابات، فتساءلت لماذا لا تكون هناك مجموعة من الخبراء الذين يمثلون جميع القوى السياسية يحيطون بهم ويستشارون قبل اتخاذ القرار؟ المشير على الفور وافق على الفكرة، وعقد اجتماعاً آخر برئاسة الفريق سامى عنان لكى تخرج الفكرة إلى حيز التنفيذ، وشارك فى كل هذه الاجتماعات الإخوان المسلمون ممثلون فى محمد مرسى وأسامة ياسين، وناقشوا القانون وناقشوا تشكيل المجلس الاستشارى واقترحوا تشكيله، ما أريد قوله إن فكرة المجلس الاستشارى لم تكن طرحاً قدمه المجلس الأعلى للقوات المسلحة ولكنه كان اقتراحاً قدمته مجموعة من المفكرين والسياسيين فى حضور المشير وتم الاقتناع به وتبنيه وهذه حقيقة يسئل فيها كل من شارك فى هذه الاجتماعات. ■ بالنسبة لآخر مشهدين: البيان رقم ٩٢، والحديث عن مخطط إسقاط الدولة هل تحدث فيه المجلس العسكرى معكم؟ ـ لا طبعا، الناس فاهمة مهمتنا غلط. ■ أقصد هل تحدثتم عن المخطط هذا من قبل؟ ـ نعم تحدثوا معنا من قبل عن مخطط، ولكن لم نتحدث عن البيان. ■ متى حدث ذلك؟ ـ خلال الأسبوع الماضى سمعت من أعضاء المجلس العسكرى أكثر من مرة أن مصر يراد بها شر، وأن هناك مخططات تريد أن تستغل حالة الاحتقان الموجودة فى مصر لمصلحتها، وأنا لا أستبعد ذلك، ولكن يجب ألا يدعونا إلى تجاهل حقيقة أن هناك أسباباً حقيقية للاحتقان الموجود فى الشارع. ■ مهمتكم كمجلس استشارى يثور حولها الكثير من التساؤلات؟ ـ عملنا كما هو مكتوب فى قانون إنشاء المجلس الاستشارى أمران، إبداء الرأى فى مشروعات القوانين، وإبداء الرأى فى الاتفاقات الدولية وما يستجد على الساحة السياسية من متغيرات يستدعى تدخله، عملنا عمل تنظيم حسب تصورنا للمرحلة وحسب تصور القوات المسلحة، عملنا الترتيبات التنظيمية للمرحلة الانتقالية حتى تسليم السلطة فى ٣٠/٦. وفوجئنا بأول هجوم من الإخوان المسلمين وانسحابهم، وقالوا إننا ننازع السلطة التشريعية فى اختصاصاتها، رغم أن ذلك غير صحيح، وهم يعلمون أن هذا غير صحيح، لأننا جهة مشورة وليس جهة تشريع. ■ وماذا حدث فى اجتماعكم الذى حضره المشير؟ ـ عقدنا أول اجتماع للمجلس وبدأنا نحدد الملفات التى سنتعامل معها ونوزع المهام، فوجئنا يوم الجمعة بانفجار الأحداث أمام مجلس الوزراء، ووقتها كنت فى إجازة وكنت أتابع المعركة الانتخابية فى الشرقية، جاءتنى اتصالات هاتفية بما حدث، والمطلوب هو اجتماع عاجل فى المجلس الاستشارى، فعقدنا اجتماعاً بمقر المجلس الاستشارى عرض فيه انتهاكات حقوق الإنسان فى حق المواطنين وحق النساء، وعمليات القتل التى تمت بواسطة ضباط الشرطة العسكرية فى حق المواطنين، وقررنا تجميد عمل المجلس الاستشارى وتعليق أعماله، حتى يتم الاعتذار عما حدث وتشكيل لجنة تحقيق قضائية وإعلان نتائج التحقيق فى أقرب فرصة ممكنة، وثانى يوم تمت الاستجابة لما حدث، وقالوا فى بيان عبروا فيه عن أسفهم وشكلت لجنة تحقيق قضائية، وأقر فى رأيى بعدم اللجوء إلى العنف وعلى الآخرين أيضا ألا يقوموا بتخريب ممتلكات الدولة. ولكن فى وضع ملتحم مثل هذا، متظاهرون يرشقون القوات بالحجارة وقوات خاصة تتبع المواطنين وتقتلهم، هذا خارج عن اختصاصات المجلس، نحن مجلس يقدم خبراته لتسهيل ترتيبات المرحلة الانتقالية وليس لفض الاشتباك فكان لابد من توضيح ذلك، فاجتمعنا مرة أخرى فى وجود السيد منصور حسن وأكدنا مجموعة من المبادئ، المبدأ الأول: وقف العنف، الثانى: احترام حقوق الإنسان، الثالث: تقديم المسؤولين إلى المحاكمة، الرابع: الاعتراف بحق التظاهر السلمى بشرط ألا يترتب عليه تعطيل المصالح العامة أو تخريب ممتلكات الدولة. ■ كيف؟ ـ التحقيقات موجودة أمام النيابة العامة منذ أن حدثت أولى الحوادث، منذ مسرح البالون والأحداث التى تلتها «ماسبيرو ومحمد محمود وأمام مجلس الوزراء»، النيابة العامة أخذت التحقيقات وأرسلتها لمستشار التحقيقات، التحقيقات فيها أكثر من طرف، فيها أطراف مدنية مجنى عليها بعضها جرى قتله بالرصاص، وبعضها أصيب وبعضها الآخر دهس، وبعضها متهم بإلقاء الحجارة وتخريب ممتلكات، وهناك أطراف عسكرية علينا استجوابها وأن نواجهها بتهم القتل وبتهم إحداث الإصابة، ولاية النيابة العامة وفقاً للقانون على الأطراف المدنية ولا ولاية لها على الأطراف العسكرية لأن لدينا قانون ٢٥ لسنة ٦٦ يجعل مساءلة العسكريين ومحاكمتهم أمام القضاء العسكرى، فما يحدث أن التحقيقات جميعها تتناول فقط ما يخص المدنيين من جرائم دون أن تتطرق إلى ما فعلته القوات المسلحة من انتهاكات وهو ما يؤدى إلى مزيد من احتقان الناس، المشكلة أنك تدير الجوانب القانونية الخاصة بالثورة المصرية التى اندلعت فى ٢٥ يناير بقوانين ضد مصلحة الثورة.. القوانين التى يحاكم بها مبارك ورجاله، وهى قانون العقوبات والكسب غير المشروع، هى قوانين للظروف العادية، وأغلب المتهمين سيحصلون على البراءة من هذه التهم، والقوانين التى يحاكم بها أو يحقق بها مع من ارتكب جرائم القتل فى الأحداث الأخيرة قوانين لا تسمح باتهام المتهمين العسكريين، فأنا لا أتوقع أن توجد عدالة بالمعنى الأخلاقى، هناك عدالة بالمعنى القانونى وفقا للقانون الظالم المطبق، فيزيد الأمر من الاحتقان. |