هجرة الأٌقباط.. دوافع إقتصادية يعززها الخوف من حكم الإسلاميين

في الجمعة ٠٩ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

8

الأقباط شاركوا في الثورة المصرية

تشير تقديرات إلى أن عشرة آلاف قبطي في مصر تقدموا بطلبات هجرة إلى الخارج في أعقاب فوز الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية، فيما يعتقد البعض أن هناك حملات منظمة من بعض الدول لتشجيع الأقباط على الهجرة للخارج.


 مع ظهور مؤشرات إكتساح الإسلاميين المرحلة الأولى من الإنتخابات البرلمانية في مصر، ومع تصاعد حدة تصريحات بعض قيادات التيار السلفي المتشدد تجاه العديد من القضايا مثل المرأة والأقباط والسياحة، عادت من جديد للواجهة قضية هجرة الأقباط إلى خارج، خوفاً من  المستقبل الغامض الذي ينتظرهم.

ونشرت تصريحات صحافية على لسان بعض قيادات الكنيسة تشير إلى أن نحو عشرة آلاف مسيحي تقدموا بطلبات للهجرة إلى دول أوروبية وأميركية بعد ظهور نتائج المرحلة الأولى من الإنتخابات التي أسفرت عن فوز الإسلاميين ب65% من مقاعد البرلمان. لكن خبراء يرون أن الرغبة في الرقي الإجتماعي والتغلب على الظروف الإقتصادية الصعبة بالداخل وراء الهجرة، وأشار آخرون إلى أن الأمر لا يخلو من أبعاد سياسية تستهدف إظهار مصر بمظهر المضطهد للمسيحيين، مما يعزز مطالب خارجية بفرض الحماية عليها، تمهيداً لإنشاء دولة جنوبية لهم على غرار السودان. إضافة إلى الخوف من الإضهاد.

موجات هجرة الأقباط
بدأت أولى موجات هجرة الأقباط للخارج بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 مباشرة، ومع صدور قانون التأميم، لاسيما أن الأقباط كانوا أكثر المصريين ثراء، وبعد إنتزاع بعض أملاكهم سارعوا للهجرة إلى دول أميركا وأوروبا وكندا، ثم توالت الموجات مع إندلاع أي حادث له صبغة طائفية، وشهدت الفترة التي حكم الرئيس الراحل أنور السادات فيها العديد من موجات الهجرة، غير أنها زادت في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، لاسيما بعد تردي الأحوال الإقتصادية، وكان هذا هو السبب الأساسي، بينما كان السبب الظاهري المعاناة من الإضطهاد الديني.

اللوبي القبطي
مع زيادة أعداد الأقباط في الخارج تكون ما يمكن وصفه ب"اللوبي القبطي"، ضد السلطات المصرية، ومارس أقباط المهجر ضغوطاً قوية على الأنظمة الغربية، لإتخاذ مواقف متشددة ضد مصر، أثناء الحوادث ذات الصبغة الطائفية، حتى بات نظام حسني مبارك يقيم لهم وزناً ، ويخشى نفوذهم. لدرجة أن نظامه لجأ للحاور معهم في الفترة التي سبقت إنهياره بعدة أشهر، في سياق التمهيد لتوريث نجله جمال الحكم، لاسيما أن أقباط الخارج كانوا يتفقون مع الداخل في معارضته لهذا السيناريو.

100 ألف طلب هجرة
ليست هناك أية أرقام حقيقية لعدد الأٌقباط المصريين في الخارج، لكن المركز المصري لحقوق الإنسان الذي يترأسه المستشار نجيب جبرائيل محامي الكنيسة يقول إن تعدادهم يصل إلى نحو 120 ألف شخص، موزعين كالتالي: الولايات المتحدة 42 ألفا، و17 ألفا في كندا وفي استراليا 14 ألفا، وينتشر حوالي 25 ألفا في باقي الدول الأجنبية. ونسبت لهذا المركز أيضاً إحصائية أطلقها في أعقاب احداث ماسبيرو في 9 سبتمبر الماضي، قال فيها إن 100 ألف مسيحي تقدموا بطلبات للهجرة للخارج، منذ إندلاع الثورة.

ووفقاً لحديث المستشار نجيب جبرائيل ل"إيلاف" فإن هذه الأقارم أستقاها من خلال مكاتب المركز في شتى الدول التي يتركز فيها الأقباط، مشيراً إلى أن الأٌقباط صار لديهم خوف شديد على حياتهم، لاسيما أن معدل الحوداث الطائفية أرتفع جداً بعد الثورة، وأضاف "أن ما لديه من معلومات من خلال قيادات الأقباط في الخارج التي أستقلوها من خلال وزارات الخارجية في الدول المقيمين بها تشير إلى أن  أكثر من 100 ألف قبطي طلبوا الهجرة منذ شهر مارس الماضي، وتحديداً بعد وقوع حادث كنيسة أطفيح، وزادت الأعداد في أعقاب حادث إمبابة، ثم ماسبيرو".
وأشار جبرائيل إلى أن هناك نحو 10 آلاف طلب تقدم بها أقباط للهجرة بعد ظهور نتائج المرحلة الأولى من الإنتخابات التي أكدت فوز الإسلاميين بنحو 65% من مقاعد البرلمان والسيطرة عليه في المستقبل، ولفت إلى أن تصريحات قيادات التيار السلفي الذي حل في المركز الثاني من حيث عدد الأصوات أثارت القلق، بل الرعب في قلوب الأقباط، لاسيما أنها تعلن صراحة معاداتهم، وتعتبر أنهم ليسوا من أهل البلاد، وتدعو لفرض الجزية عليهم، وتصفهم بأنهم كفار، وتابع قائلاً: ماذا ينتظر الأٌقباط بعد كل هذا؟ هل يتنظرون أن يستحلوا دماءهم؟

مستقبل غامض
ورغم أنه محامي، وصحافي إلا أن عادل توماس يرى أن مستقبل الأقباط في مصر صار غامضاً بعد صعود السلفيين، وقال ل"إيلاف" إنه بدأ بالفعل في إتخاذ إجراءات جدية للهجرة إلى أميركا، وأضاف توماس أن التصريحات التي يطلقها قيادات السلفية حول تكفير الأقباط، وفرض الجزية عليهم ومعاملتهم كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية تؤكد أن الأمور تسير من سيء إلى أسوأ، منبهاً  إلى أن الأزمة ليست في الأٌقباط فقط، بل في المرأة أيضاً، وقال إن المرأة المصرية سوف تعيش أسود وأصعب أيامها خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن السلفيين يريدون العود بها إلى عصر الإماء والجواري.

الحياة في الخارج أفضل
لكن الأمر لم يكن كذلك لدي وصفي عبد الملاك، وهو فني كهربائي يعمل في مجال تصليح الأعطال والأجهزة الكهربائية في منطقة أم المصريين بالجيزة، وقال ل"إيلاف" رغم أنه يتمنى الهجرة للخارج، إلا أن دوافعه ليست في فوز الإسلاميين، أو الشعور بالإضطهاد، بل لأن الحياة في مصر صارت صعبة جداً، وفي المقابل هي في الخارج أفضل بكثير، وسوف يجني الكثير من الأموال، ويجنب أطفاله حياة الفقر القاسية، وأشار عبد الملاك إلى أن الفقراء في مصر عموماً يشعرون بالاضطهاد ويعانون من ظروف معيشية صعبة، لكن الأغنياء لا يستطيع أحد إضطهادهم.

الكنيسة لا ترحب
غير أن قيادات الكنيسة لا ترحب بهجرة الأقباط للخارج، وتعتبرها نوعاً من الهروب يصل إلى حد خيانة الوطن، وقال الأنبا مرقس أسقف شبر الخيمة إن هناك بالفعل عمليات شحن طائفي ضد الأٌقباط من قبل بعض التيارات الإسلامية المتطرفة، لكن السواد الأعظم من المصريين من المعتدلين، ويعيشون مع إخوانهم الأقباط في سلام ومحبة. وأضاف ل"إيلاف" أن الكنيسة لا تشجع الأقباط على الهجرة للخارج، معتبراً أن من يترك وطنه بهذه الطريقة رغم وجاهة الأسباب يعتبر خائن له". وقال إن الحل ليس في الهروب للخارج، بل في مواجهة الرأي بالرأي والحجة بالحجة، والتحاور والنقاش. ودعا مرقس الدولة إلى ضرورة كبح جماح التيارات المتطرفة التي تقوم بعمليات شحن طائفي ضد المسيحيين بصورة غير مقبولة.

أسباب أقتصادية وسياسية
جمال أسعد المفكر القبطي، الذي  يرفض هذا الوصف، ويصر على أنه مفكر مصري، له رأي مغاير، وقال في تصريحات له إن الهدف من تهافت الأقباط على الهجرة للخارج، ليس الشعور الإضطهاد، ولكن الرغبة في الحياة الأفضل في أوروبا وأميركا وإستراليا، وأضاف أنهم يستغلون الحوداث الطائفية في تقديم طلبات الهجرة للخارج، لاسيما أن في ظل خلق حالة من التعاطف في أعقاب كل حادث، وترويج أقباط المهجر أقاويل مفاداة أن الأقباط في مصر يعانون من إضهاد منهجي. ولفت أسعد إلى أن دولا خارجية تشجع الأٌقباط على الأقبال على الهجرة وتمنحهم تسهيلات واسعة، لاسيما أصحاب المهن المرموقة، ورجال الأعمال منهم.

ويتبني أسعد نظرية المؤامرة فيما يخص التسهيلات، قائلاً إن هناك مخطط خارجي يستهدف تقسيم مصر على أساس طائفي إلى دولتين على غرار السودان، تكون الدولة المسيحية في الجنوب، والإسلامية في الشمال، ومنح التسهيلات و التأشيرات بكثرة للأقباط بهدف الترويج لوجود إضطهاد ممنهج ضد الأقباط تمهيداً لخطة التقسيم.

تخوف مبالغ فيه
ووفقاً للدكتور رفعت سيد أحمد رئيس مركز يافا للدراسات والأبحاث فإن التخوف القبطي من فوز الإسلاميين في الجولة الأولى من الإنتخابات مبالغ فيه، وإن كان هناك ما يبرره، وقال ل"إيلاف" إن الأغلبية البرلمانية لن تستطيع تغيير ثوابت المجتمع، ولن تستطيع ممارسة القهر والإضطهاد ضد أي جزء منه، لأن الشأن الداخلي لأية دولة لم يعد كذلك، حيث صارت حقوق الإنسان جزء من إهتمامات جميع دول العالم. ونبه أحمد إلى أنه هناك فرق كبير بين ما يقال أثناء الدعاية الإنتخابية وما يتم تنفيذه بعد الوصول للسلطة. ولم يستبعد سيد أحمد الأسباب الإقتصادية في عملية التوجه للهجرة للخارج، لاسيما أن هناك تسهيلات كبيرة تمنح للأقباط من دول أوروبا وأميركا.

اجمالي القراءات 3373