تدبرقرآنى
المحكم والمتشابه فى القرآن الكريم

مصطفى اسماعيل حماد في الإثنين ٢٠ - ديسمبر - ٢٠٢١ ١٢:٠٠ صباحاً

سأبدأ فى نشر مقالات سبق أن نشرتها على الفيس،وبالطبع البون شاسع بين المستوى هنا والمستوى على الفيس فأنا هنا أقف موقف المتعلم الذى يتوقع تصحيحا ممن هم أكثرمنه علما لذلك سأنشر وكلى يقين بأن ورائى ظهيرا
سيصلح ما قد أقع فيه من أخطاء وسأبدأ بموضوع :-
المحكم والمتشابه فى القرآن الكريم
فى هذا المقال أحاول مستعينا بالله أن أطرق موضوعا جاء ذكره كثيرا على الفيس وتباينت فيه الآراء واشتط البعض حيث وصف الآيات المتشابهات وصفا لاأجرؤ على ذكره ،لهذا أنشر هذا المقال فإن أصبت فبفضلٍ من الله وإن أخطأت فليغفر لى الله ،وأرجو ممن هو أعلم منى أن يصحح خطئى.
-القرآن الكريم كله محكم أى كلام فصيح الألفاظ صحيح المعانى كما تدل آيتى هود ولقمان
الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ‎﴿١﴾‏هود
الم ‎﴿١﴾‏ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ‎﴿٢﴾‏لقمان
2-وكله متشابه وذلك لتشابه معانيه في الصحة والإحكام ، والبناء على الحق والصدق ومنفعة الخلق ، وتناسب ألفاظه ، وتجاوب نظمه وتأليفه في الإعجاز والبلاغة والبيان،قال الله تعالى فى سورة الزمر:اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ‎﴿٢٣﴾‏
ويصدق بعضه بعضا كما تفيد آية النساء- أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ‎﴿٨٢﴾‏
3-بعضه محكم وبعضه متشابه كما جاء فى آية آل عمران- هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ‎﴿٧﴾‏
كلمة محكم أى وثيق فالمحكم هو الذى يُعتبرقطعى الدلالةلايختلف عليه اثنان وهى آيات الأحكام والعبادات والتشريع أى هى منهج الحياة فى الإسلام ولا يستعصى فهمها على أحد كما لا يُعذر أحد فى الجهل بها.
والمتشابه استنبطت منه أربعة أقسام ،وقد يكون هناك أقسام أخرى لم أهتد إليها:-
1-أن يكون هناك احتمالات متشابهة لتفسيرالآية بحيث يصعب التمييز بينها أي ليس قطعى الدلالة، كالآيات التى تفيد أن المشيئة يمكن أن تكون لله وحده أو للعبد أيضا مثل:
كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ ‎﴿٥٤﴾‏ فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ ‎﴿٥٥﴾‏ وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ‎﴿٥٦﴾‏
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ‎﴿٢٧﴾‏ لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ‎﴿٢٨﴾‏ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ‎﴿٢٩﴾‏
هذه نردها إلى المحكم الذى يؤكد أن العبد مسئول مسئولية كاملة عن أعماله وأن الله لايظلم أحدا:
يقول الله تعالى فى سورة هود: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ ‎﴿١٠١﴾‏
ويقول فى سورة النجم: وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ‎﴿٣٩﴾‏ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ‎﴿٤٠﴾‏ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ ‎﴿٤١﴾‏
ويقول جل شأنه فى سورة الزلزلة: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ‎﴿٧﴾‏ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ‎﴿٨﴾‏وآيات أخرى كثيرة تؤكد العدل الإلهى.
ب-ومن المتشابه أيضا أن تأتى آيات توهم بصفات لاتليق بجلال الله تعالى.
أمثلة :يقول تعالى- وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القول فدمرناها تدميرا، هذه الآية متشابهة لأنها توهم أن الله يأمر بالفحشاء والمنكر،بينما يقول تعالى فى آية محكمة فى سورة البقرة : قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ‎﴿٢٨﴾‏ ويقول فى سورة النحل إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ‎﴿٩٠﴾‏
هنا نرد المتشابهة إلى المحكمة ويكون تفسير الآية الأولى، وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا بالقسط والعمل الصالح فلم يستجيبوا بل فَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القول فدمرناها تدميرا وهذا ما يسمى بلاغة الإيجاز بالحزف، ومن أمثلتها فى القرآن أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ‎﴿٧٩﴾‏ فلوكان يأخذ كل السفن لأخذسفينة المساكين أيضاولكنه تركها لأنها كانت معيبة إذن هناك كلمة محزوفة ويكون السياق : يأخذ كل سفينة صالحة غصبا،وبالمثل يكون السياق فى آية الإسراء أمرنا مترفيها بالإستقامة ففسقوا فيها .
يقول الله تعالى فى سورة طه: قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ‎﴿٨٥﴾‏
هذه متشابهة لأن الله لايفتن أحدا وحكمها أنه اختبرهم فلم يجد لهم عزما.
آية تنسب النسيان إلى الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- ولاتكونوا كالذين نسواالله فَنَسِيَهُمْ -هذه متشابهة.
وآيات محكمات أخرى تقول وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً-فى كتاب لاَ يَضِلُّ رَبّى وَلاَ يَنسَى والحكم فى الآية الأولى أنه تعالى أسقطهم من هدايته ورحمته ويؤيد هذا التفسير الآيات الآتية:
الذين اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ‎﴿٥١﴾‏الأعراف
فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(14) السجدة
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ ‎﴿٣٤﴾‏الجاثية
فهل حقا نسيهم الله أم حاسبهم وأذاقهم عذاب السعير؟
ج-وكل الآيات التى توهم بالتجسيم والتشبيه كأن تذكر أن لله وجها أويدا أوساقا أو يجلس محمولا على عرش أو يأتى أويجيء ،هذه الآيات كلها نعتبر فيها المجاز فلا تخيل ولاتجسيم مطلقا.
د-من المتشابه أيضا الحروف المقطعة فى أوائل السور فلا يعلم تفسيرها الحق إلا الله تعالى.
هذه نبذة موجزة عن المحكم والمتشابه. ولابد أن نعلم أن هناك من المتشابه ما لانستطيع له تفسيرا ربما لقصور فى أفهامنا أولأن أوان الكشف عن مكنونه لم يأت بعد، لأن القرآن سيظل يكشف عن أسراره إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،بل إن تأويله لن يأتى إلا بعد البعث- هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ‎﴿٥٣﴾‏الأعراف
وهنا يتوقف الراسخون فى العلم مؤمنين موقنين قائلين -كلٌّ من عند ربنا- ،ولاحظوا دلالة تذييل الآية بالعبارة الكريمة- وما يتذكر إلا أولوا الألباب.
ويبقى سؤالان:
1-لماذا لم يتنزل القرآن كله محكما؟
والجواب أنه لو كان القرآن كله محكما قطعى الدلالة سهل المنال لما كان هناك حاجة لإعمال العقل والتفكر والتدبر والتأمل فى آيات الله ولما كان هناك تفاوت أو تفاضل بين من يقدح ذهنه ويبحث لكى يرد المتشابه إلى المحكم ويزيل التناقض الموهوم بين المتشابهات ويجلو الغامض على الأفهام وبين من هو فى شغل عن ذلك كله.
2- هل يمكن الوقف بعد عبارة والراسخون فى العلم؟أو بعبارة أخرى هل يعلم الراسخون فى العلم تأويله؟الشيعة يؤكدون أن الأئمة يعلمون تأويله وهذا غير صحيح للبراهين الآتية:
1-طبقا للآية المذكورة من سورة الأعراف فإن تأويله لن يأتى إلا بعد البعث والحساب.
2- أن الله مدح الراسخين في العلم بأنهم يقولون آمنا به، فهؤلاء الراسخون لو كانوا عالمين بتأويل ذلك المتشابه لما كان لهم في الإيمان به مدح ، لأن كل من عرف شيئاً على سبيل التفصيل فإنه لا بد وأن يؤمن به.
3- وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ( كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا)العبارة الكريمة كل من عند ربنا تعنى أنهم آمنوا بما عرفوه على التفصيل ، وبما لم يعرفوا تفصيله وتأويله ، فلو كانوا عالمين بالتفصيل في الكل ما بقى لهذا الكلام فائدة.
قال الله تعالى : إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا،صدق الله العظيم.
اجمالي القراءات 3708