خوفي على مصر من الإخوان المسلمين

محمد عبد المجيد في الأحد ٠٨ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

رسالة مفتوحة إلى المرشد العام

أوسلو في 13 مايو 2005

فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين،

دعني أعترف لك أولا بقناعاتي أنَّ في كل مصري جزءاً من الإخوان المسلمين حتى لو كان على الطرف النقيض الآخر ، أو عضواً في الضباط الأحرار، أو قائدا لثورة يوليو، أو ماركسيا يخاطب العمال نهارا ويقرأ رسائل انجلز قبل النوم، أو علمانيا يرفض الدولة الدينية ويولي وجهه شطر مباديء الثورة الفر&aumte; الفرنسية.
كنت مراهقا يجمع التناقضات، فأذهب إلى قصر الثقافة بالأنفوشي لأقرأ دواوين البحتري وأبي تمام، أو أتوجه إلى نادي السينما لمشاهدة فيلم يناقشه معنا بعد عرضه مصطفى درويش، أو ألتقي مع أستاذنا رئيس قسم العقائد في الإخوان المسلمين.
وفي احدى المرات كان موعدنا معه لنتدارس كتاب ( النبوة والأنبياء ) لأبي الحسن علي حسني الندوي، وغاب أستاذنا الكبير منذ ذلك اليوم ولست سنوات في غيابات السجن، وترك لنا حيرة شديدة احتاجت لزمن طويل للتعامل معها وتحويلها إلى يقين مضاد عكس ما أراده تماما.
كنا نقرأ معه مباديء الإخوان حتى اصطدمت عيناي بالمبدأ التاسع الذي يقول ( احرص على أن لا يقع القرش إلا في يد أخيك المسلم )، وأسَرْتُها في نفسي فقد كنت صغيرا ولم أعرف أنها دعوة عنصرية طائفية تُفَرّق بين أبناء الوطن الواحد، وتُشْعِل على مَهَل فتنةً طائفية قد تؤتي أكُلَها بعد عقدين أو ثلاثة أو أكثر.
في عيد ميلادي الثامن عشر تلقيت هدية من ثاني اثنين من أصدقاء الطفولة وكان ( معالم في الطريق ) لسيد قطب، ثم توالت قراءاتي والتهمت كل كتبه وظلال القرآن وكتابات شقيقه محمد قطب وأبي الأعلا المودودي، ولكن ظل الشيخ محمد الغزالي هو الأقرب لعقلي، واستقبلني عندما قطعت شوطا في كتاب لم أكمله عن مقارنة الأديان.
وبدأتْ قراءاتي تنحو في اتجاهات أكثر توسعا وعمقا من دائرة كادت تضيق بي، ولكن حيرتي مع الإخوان المسلمين ظلت قائمةً ومتأرجحة بين اقتراب وابتعاد كأنها قصة حب فيها نفور، أو حكاية خوف يحاول أن ينتزع ما علق في الصدر من تأثير في سن غضة صغيرة!
في جنيف قمت بزيارة للمركز الإسلامي( 1973)، واستقبلني الأستاذ سعيد رمضان، العقل المالي المدبر للجماعة والممول في أوروبا، وجرى حوار رقيق جدا، ثم اهداني كتيبين من تأليفه، وقام بتقبيل رأسي، وكانت تلك المرة الأخيرة التي أراه فيها، رحمه الله.
وأول بيت خليجي استضافني في ديسمبر عام 1982كانت دار الشيخ عبد الله العلي المطوع رئيس جمعية الاصلاح الاجتماعي في الكويت، أي ممثل الإخوان المسلمين في الديرة، وتحدثت مع ضيوفه عن هموم المسلمين في النرويج.
والأربعة الذين تأثرت بهم وهم مصطفى صادق الرافعي والشيخ محمد الغزالي ومالك بن نبي ومحمد أسد، كان ثلاثة منهم متأثرين بالإخوان المسلمين أو تلامذة للمرحوم حسن البنا.
ولكن الزمن المصاحب للمعرفة والقراءة والاطّلاع والتجارب لسنوات طويلة وضع لمساته ببطء وعقلانية ومنطق على أفكاري وآرائي، حتى انتهى إلى رسم المشهد الأخير لتطوري الفكري ليضعني في الجانب الآخر من الإخوان وعلى مسافة لاترى نهايتَها العينُ المجردة.
رغم كراهيتي الشديدة للنظام الارهابي الفاسد والمستبد للرئيس حسني مبارك، ولعلك، فضيلة المرشد العام تابعت حملتي للعصيان المدني التي انتهت إلى الفشل، إلا أن خوفي من وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم تنزل الرعب في قلبي خوفا على مصرنا، ويقينا أن مستقبلا مُلاّليا مظلما ينتظر هذا البلد الصابر المسكين، وأن الخمسة والعشرين ألف معتقل سياسي واسلامي القابعين حاليا في سجون الرئيس مبارك، سيستبدل بهم الإخوان المسلمون ناصريين ويساريين وشيوعيين ومستقلين وعلمانيين.
الثأر من العهد الناصري ورجاله سيكون من أولويات حكم الإخوان المسلمين، وفرز المواطنين على أساس مقياس درجة القرب من الفكر الديني سيحمل الفكر الحر إلى جيتو منعزل وخائف من مسرور السياّف، فتاريخ الجماعة مع صور الاجتهاد اختلافا أو اتفاقا يشي بقبضة حديدية تصغر بجانبها الفاشية.
عندما يحكم مصرَ الإخوان المسلمون، لا قدر الله، فإنَّ إعصاراً هائلا من الكراهية سيطيح بكل القوى المخالفة والمناوئة، وقطعا سيخرج للعلن المبدأ التاسع ( احرص على أن لا يقع القرش إلا في يد أخيك المسلم ) ليتم القضاء على ما بقي من ظواهر الألفة والمودة التي تخفي فتنة طائفية لو راجعت المواقع الإسلامية والقبطية لشاهدْتَها بوضوح وظننت أن الحرب الطائفية قامت بالفعل، فإذا استمعت للبال توك فلن تصدق أذناك أن لغتنا تتسع لهذا القدر من الكراهية، وإذا دلفت إلى موقع أقباط الولايات المتحدة فستظن أنه لن يأتي فجر اليوم التالي قبل أن تقوم القيامة من هول الشتائم والافتراءات القبيحة والبذيئة عن الاسلام وقرآنه المقدس ونبيه الكريم.
والإخوان المسلمون يثيرون الرعب في قلوب من اختاروا العقل والاجتهاد طريقا للمعرفة، فإذا أصبح سيّدُ القصر إخوانيا فإن عالَما جديدا من التقسيم المواطني سيُدخل مصر في متاهات مستقبل مظلم ولو حمل رايةً روحية.
وتاريخ الإخوان المسلمين كلعبة السُلَّم والثعبان، فقد كانوا في الفترة الأولى للغزو العراقي للكويت مع البعث الصدامي، وهم الذين أداروا ظهورهم لمحاكمات المفكرين الذين طردتهم اجتهادات الفاشية الجديدة باسم الخروج على النصوص المقدسة،وابتهجوا لشركات توظيف الأموال والاحتيال على الشعب، وتحالفوا مع النظام قبيل اكتشافهم أنه على وشك السقوط، ورفضوا العصيان المدني من القوى الأخرى لكي ينسبوه لاحقا إلى أنفسهم وقوتهم، وأصدروا عشرات البيانات والاشارات المتناقضة التي يفسرها كل طرف وفقا لمزاجه، فهم مع الأقباط في عضوية الجماعة لكنهم أيضا مع الفكر الرجعي للتمييز بين المواطنين على أسس دينية، وهم ضد أمريكا ويغازلونها، وضد مبارك ولا مانع من تجديد ولايته الارهابية لمرة خامسة أو صعود نجله الشاب فوق رقاب أبناء شعبنا.
أمامي مشهد مفزع لحكم مصر، وشباب فرَّغْته الفتاوى الفجة من العقل والمنطق والثقافة لتلصقه بعالم النقل والنصوص الصفراء لفقهاء القرن الثالث الهجري، وتجديد المودودية، وهيمنة فكرة سيد القطب بأن جنسية المسلم عقيدته، وسذاجة المثقفين الذين يظنون أن جيلا جديدا من الإخوان المسلمين يرفع شعار الوسطية هو الذي سيحل محل أسرة مبارك.
والبسطاء يظنون أن عضوية الجماعة صَكُّ براءة وادخال ملائكة جدد مع التوقيع، لكن الحقيقة أن مئات الآلاف من قوى الشباب المتطرف سترفع أيضا شعارات دينية، وستنضوي تحت لواء الإخوان المسلمين لتحيل الوطن إلى محكمة تفتيش في الصدور والعقول ومعارض الكتب وملزمات أساتذة الجامعات والإعلام والسياحة والاقتصاد والبنوك والحرب والسلام والعلاقات مع العالم الخارجي.
الإخوان المسلمون جماعة قوية ومنظمة وعسكرية، ويطيع أعضاؤها توجيهات المرشد العام كما تطيع الماشية عصا الراعي، وهي الوحيدة الآن القادرة على الاطاحة بالنظام المترنح وزعيمه الهارب في شرم الشيخ.
في نفسي احترام شديد لكل مناهضي الحكم المستبد في مصر، وأخص بالذكر الدكتور محمد عباس صاحب الكتاب الرائع ( اغتيال أمة) وأحد أهم المقاومين والمناضلين ومعه مجدي أحمد حسين، ولا أنكر اطلاقا أن في الجماعة عبقريات علمية وكفاءات ورجالا ونساء يستطيعون أن يمدوا الحكم القادم بدماء نقية جديدة.
لكن وصول الجماعة للحكم، والسيادة على مقدرات الأمة، واقامة نظام إيراني سوداني أفغاني يأخذ من المودودي وسيد قطب وخلخالي هو كابوس أخشى على مصرنا منه، وما أسهل أن يستشهد الشيطان بآيات من كل الكتب المقدسة، وأن يصدر رجل الدين حكما بقطع رقبة مفكر بعد استتابته لأنه خالف ابن تيمية أو الجوزي أو اكتشف أخطاء في الشيخين، مسلم والبخاري، فرأى أن أحدَهما لم يتحقق بما فيه الكفاية من وسائل المعرفة آنئذ.
قلبي مع الإخوان المسلمين عندما يتظاهرون ضد مبارك، وقلبي على مصر كلما اقتربوا من حُكم أم الدنيا.
ولأن قوى المعارضة الأخرى رضعت من ثدي الحكومة، فإن احتمالات وصولكم للحكم كبيرة جدا، ولعل قوى التزلف والنفاق والوصولية تتمسح بكم، ويستعد رجال كل العهود لتغيير نبرة الصوت لتصبح دينية ولا مانع من زبيبة صلاة جديدة وسبحة من الحرم الشريف ورفع شعار ( الإسلام هو الحل ) فوق محل لأحد المرتشين واللصوص، فالشعارات الدينية مجانا، والنصوص يتم نقلها مثلما ينقل شباب الانترنيت المقالات عن طريق نسخ ولصق.
فضيلة المرشد العام،
تلك هي بعض خلجاتي أضعها أمامك، وفيها من الخوف على بلدي الكثير، وأخشى الفتنة الطائفية في النظرة الاستعلائية للاخوان تجاه أقباطنا شركاء الوطن، ولعلك تتذكر كيف اتسعت الفجوة بين التوتسي والهوتو في رواندا بسبب نفس قضايا التفرقة المواطنية فكانت النتيجة عام 1994 مليونا من القتلى.
وكان لبنان قبيل الحرب الأهلية غارقا في نفس قضايا التفرقة الطائفية على أسس دينية فكانت النتيجة وحشية أهلية امتدت أربعة عشر عاما وحصدت مئة ألف قتيل ودمرت وطنا بكامله.
المواطنة الكاملة لأقباط الوطن لن يكون لها نصيب من الواقع لو تولى الإخوان المسلمون حكم أرض الكنانة، وأنتم مطالبون بكشف حساب لكل المواقف الانتهازية والوصولية التي لجأ إليها الإخوان المسلمون قبل أن يحدث صدام مستقبلي مع كل قوى الشعب التي ساهمت في التخلص من الرئيس حسني مبارك فجاءها الإخوان المسلمون ليحصدوا نجاح اليساريين والناصريين والشيوعيين والعلمانيين والمستقلين والأقباط وغير المنتمين وحتى حركة ( كفاية).
على الرغم من أنني مسلم أعتز بإسلامي وعلاقتي برب العزة ويقيني بديني ومعرفتي الجيدة به، ومؤمن إيمانا لا يتزعزع بالمساواة الكاملة مع شركاء الوطن أقباطنا، وأدافع عن حقوقهم في كل وقت ومكان، إلا أن معظم الشتائم والسباب والانتقادات البذيئة والتهديدات الحمقاء تأتيني من الجماعات الاسلامية والقبطية على حد سواء، فكيف لي أن آمن على نفسي وفكري وحريتي في ظل صكوك مقدسة يملكها المرشد العام وهو يجلس في قصر العروبة؟
أحيي فيكم، وخاصة أبطال صحيفة الشعب، النضال والمقاومة ورفض الديكتاتور، لكنني أدعو الله تعالى أن لا يتولى الإخوان المسلمون حُكم مصر، وأحاول أن أبعد عن مخيلتي مشهدا مستقبليا تقطع فيه رؤوس بعد استتابة اصحابها لأنهم خالفوا توجيهات ولي الأمر .. الخليفة .. والمرشد العام ونائب الله على الأرض.
فضيلة المرشد العام،
أما إذا أراد الإحوان المسلمون حلا لقضايا وطنهم فينبغي أن يتعاونوا مع كل القوى الأخرى، وأن لا يلعبوا من وراء الظهر، وأن لا يبعثوا بإشارات حمراء وخضراء في نفس الوقت، وأن ينتزعوا الغل من الصدور ضد مخالفيهم، وأن يصرحوا عمليا ونظريا بحق المساواة الكاملة مع شركاء الوطن .. أقباط مصر، وأن يستمروا في نهج التربية بعيدا عن التفرد بحكم مصر والحلم بالسيطرة على أكبر دولة عربية على أساس ديني.
وسلام الله على مصر.

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو  النرويج

اجمالي القراءات 15378