من تاريخ اصلاح الازهر

في الثلاثاء ٠٨ - أبريل - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

إصلاح الأزهر ـ د. محمد عمارة
. محمد عمارة : بتاريخ 7 - 4 - 2008
في النصف الأول من القرن التاسع عشر تجددت ـ بمصر ـ كثير من مؤسسات العلم والتعليم والفكر والإدارة لكن التيار المحافظ ـ وخاصة أهل الجمود والتقليد ـ في الأزهر الشريف وقفوا سدا منيعا دون تجديد الأزهر فظل على حاله التي كان عليها إبان الحقبة المملوكية العثمانية.. حتى أن مناهجه قد خاصمت ورفضت علوم الحساب والجبر والجغرافيا والتاريخ.
ولقد كانت الرسالة الإصلاحية للأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده ذات جناحين : إصلاح مناهج الفكر، وتنمية التجديد والاجتهاد.. وإصلاح المؤسسات الكبرى التي تصوغ العقل المسلم والحياة الإسلامية.. وفي المقدمة منها الأزهر الشريف ـ ومعه المساجد والقضاء ـ والأوقاف والمدارس..
لكن أهل الجمود والتقليد ـ من شيوخ الأزهر ـ وقفوا لهذه الدعوة الإصلاحية بالمرصاد.. خوفا من تسرب "التغريب" في ركاب "التجديد" حينا.. وسوء ظن بكل ألوان التجديد في غالب الأحايين!.. الأمر الذي أحبط كل المساعي الإصلاحية للشيخ محمد عبده، حتى لقد استقال من المجلس الأعلى للأزهر، ومن منصب المفتي.. ومات كمدا في يوليو سنة 1905م.
وكان سعد زغلول باشا [1273 ـ 1346هـ ـ 1857 ـ 1923 م] من أنجب تلاميذ الشيخ محمد عبده الذين تعلموا بالأزهر.. ورغم أنه قد أصبح زعيم الأمة، فلقد ظل محجما عن الاقتراب ـ بالإصلاح ـ من ساحة هذا المعهد العتيد، وذلك إيثارا للسلامة، وحتى لا يصطدم بأهل الجمود والتقليد.. لقد حقق حلم أستاذه في تجديد القضاء الشرعي، لكنه صنع ذلك خارج الأزهر، عند إنشاء مدرسة القضاء الشرعي سنة 1907م، لتكون ـ مع دار العلوم ـ منابع الاجتهاد والتجديد..
ولقد حاول الشيخ رشيد رضا [1282 ـ 1354هـ ـ1865 ـ 1935م] إغراء سعد زغلول باقتحام ميدان الإصلاح للأزهر، لفتح باب النهضة، وتحقيق حلم أستاذه الشيخ محمد عبده.. فقال الشيخ رشيد لسعد زغلول :
ـ "إنني سمعتك مرارا تقول : إنه لا يرضى نهوض المسلمين إلا بإصلاح ديني ـ وفاقا لما كان يقوله شيخنا الأستاذ الإمام، وأستاذ الجميع حكيمنا جمال الدين الأفغاني ـ وتستدل على ذلك ـ كما كانا يستدلان ـ بأن أوربة لم تتمكن من النهوض المدني العلمي إلا بعد القيام بالإصلاح الديني، الذي دعا إليه "لوثر" [1483 ـ 1546م] وأقرانه، إذ ما دام المسلمون يفهمون الإسلام فهما خرافيًا، أو يلبسونه كالفرو مقلوبا ـ كما قال سيدنا علي كرم الله وجه ـ فلا يرجى أن يصلح لهم شأن في علم ولا عمل"
ـ فقال سعد زغلول للشيخ رشيد : "نعم، لا أزال أرى هذا، فالترقي المدني مع المحافظة على الإسلام يتوقف على الإصلاح الديني الذي تترك به الخرافات والأوهام..
ـ فقال الشيخ رشيد : "إذا لابد أن تعمل في سبيل هذا الإصلاح شيئا، ولديك الأزهر"!
ـ فقال سعد زغلول : "لا ، لا ، إذا كان شيخنا ـ محمد عبده ـ لم يقدر على إصلاح الأزهر، فماذا علي أن أفعل أنا"؟!..
هكذا .. أعلن سعد زغلول ـ وهو زعيم الأمة ـ عجزه عن الاقتراب بالإصلاح من ساحة هذا المعهد العتيد..
ولقد ظل الحال على هذا النحو حتى تولى مشيخة الأزهر الشيخ محمد مصطفى المراغي [1298 ـ 1364 هـ ـ 1881 ـ 1945م] في سنة 1928م أي في العام التالي لوفاة سعد زغلول.. فكانت بدايات الثورة الإصلاحية للأزهر الشريف ، على يد الشيخ المراغي ـ أنجب تلاميذ الشيخ محمد عبده ـ ومن معه من تلاميذ الأستاذ الإمام، الأمر الذي انتقل بالأزهر من العصور المملوكية إلى العصر الحديث!


اجمالي القراءات 3571