وهل أبوحنيفة كافر أيضا؟!

في الأحد ٢٣ - أكتوبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 ضلّ «الجهاديون» .. تصدروا للفتوي وقالوا إنهم يعلمون .. ثم اشتدوا علينا، فكفرونا فيما يسطرون .. لكنهم لا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون .. قالوا إن الفتاوي في مصر - دون مراعاة المقامات - تصدر عن هوي .. وأن مفتي الديار المصرية ضلّ وغوي (!) 

ورغم أن المقام هنا ليس الدفاع عن أشخاص بأعينهم لكنه - ولعله من نافلة القول - انتصار لما نحسبه يقينًا «روح الإسلام» وجوهر تعاليمه.. نذكّر به .. لعل الذكري تنفع «الجهاديين»، والمخطئين ومن اتخذ سبيله للفقه «عجبا» (!) فما قالت به دار الإفتاء المصرية من جواز بناء الكنائس في الإسلام لم تخترعه اختراعا .. أو تبتدئه ابتداءً حتي يخرج «محدِثو الفقه» ليقولوا لنا أنها خرجت عن الملة وخالفت «الإجماع» .. وأنَّ علينا كمسلمين أن نسد آذاننا عن فتاواها ثم نرميها بالابتداع (!) 

دار الإفتاء قالت : لا يوجد أي نص في القرآن الكريم أو السنة النبوية يحض علي هدم الكنائس أو الاعتداء عليها أو يحرم بناء الجديد منها .. والقيادي بتنظيم «الجهاد» أسامة قاسم قال: إن الفتوي .. ارتكاب لخطيئة «الضلالة» كونها تبدّل أحكام الله .. وافتراء علي الله ورسوله لإرضاء أقوام ليرضوا وهم لن يرضوا مصداقا لقوله تعالي: «ولن ترضي عنك اليهود ولا النصاري حتي تتبع ملتهم» (!) .. وما قالته الفتوي من أن الإسلام لا يفرّق بين مسلم ولا مسيحي، يخرج من أصدر الفتوي عن «حظيرة الإسلام»، كونه ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة (!) 

لكن من نصّب قاسم والذين معه أوصياءً علي المؤمنين، أو أعطاهم توكيلا للحديث باسم الدين (؟!) 

ثم لو فرضنا جدلا أنهم بلغوا من العلم مبتغاه، وأنهم مؤهلون للتعقيب علي فتاوي دار الإفتاء «التفصيل» .. فماذا يمكن أن يقولوا عن إمام أهل السنة الأكبر «أبي حنيفة النعمان» ألم يقل هو الآخر بإباحة بناء الكنائس في قري الكوفة- وكانت تحت إمرة المسلمين - لان احتياجات مسيحييها آنذاك كانت تقتضي هذا (؟) 

ثم ماذا عن أشهر فقهاء مصر «قاطبة» وعالم عصره «الليث بن سعد»، نظير إمام دار الهجرة «مالك بن أنس» (؟) 

فالليث اعتبر أن الاعتداء علي الكنائس اعتداءً علي مساجد الله التي يجب أن يرفع فيها اسمه .. وهي فتوي جديرة بالتوقف لمن يريد أن يستشعر حقيقة الإسلام وسماحته. 

فعندما تعرض أحد ولاة مصر للكنائس كتب «الليث» للخليفة، مطالبا بعزل الوالي لأنه مبتدع، يخالف روح الإسلام مستشهدا بقوله تعالي: 

«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وسَعَي فِي خَرَابِهَا» (البقرة، الآية: 114)، فعزل الخليفة الوالي بجريمته. 

وكان أن استقبل الفقيه المصري الوالي الجديد بأن طلب إعادة بناء ما تهدّم من الكنائس، وأن يبني كنائس جديدة كلما طلب ذلك المسيحيون ، إذ إن رسول الله (ص) قال: «استوصوا بالقبط خيرا». 

وأوضح الليث أن أكثر الكنائس التي كانت قائمة بمصر بناها الصحابة ممن قادوا جيش الفتح. وأن إجماع مثل هذا العدد من الصحابة - لا الإجماع الذي تحدث عنه تنظيم الجهاد - في قوة السنة، فما كانوا ليجمعوا علي أمر إلا لأنهم تعلموه من الرسول.

وتابع : إن عمر بن الخطاب أبي أن يصلي في الكنيسة ببيت المقدس كيلا يصنعها مسلم بعده ولكي تظل للكنائس حرية العبادة فيها، واستقلالها.. ثم إن عمر بن الخطاب عاهد المسيحيين في بيت المقدس علي حماية أنفسهم وأموالهم وعقيدتهم وكنائسهم وأوقاف هذه الكنائس وأموالها، وأقر الصحابة بالإجماع، فهذا الصنيع حجة علي المسلمين إلي آخر الزمان. 

ومن قبل عمر، حذر الرسول صلي الله عليه وسلم من إيذاء أهل الذمة، وهم أصحاب البلاد المفتوحة من أهل الكتاب الذين لم يدخلوا الإسلام بل احتفظوا بدينهم. فهم ذمة الله ورسوله. وفي الحديث الشريف: «من أذي ذميا حٌدَّ (عوقب) يوم القيامة بسياط من نار». 

وفي حديث آخر: «من أذي ذميا فأنا خصمه». 

--

ما قاله الليث ومن قبله أبوحنيفة النعمان عن جواز بناء الكنائس في الإسلام، لما يكونا وحدهما - أيضا - من دار في مضماره، إذ سار علي نفس النهج العديد من الفقهاء وأهل الفتوي .. قال به «قاضي مصر» الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة .. والإمام محمد بن القاسم تلميذ الإمام مالك.. ولمسنا آثاره - كذلك - في منهج الشيخ الإمام محمد عبده . 

عرفنا شيئا من قبسه فيما أنتجه الأزهري النابه مجتهد عصره الشيخ «عبدالمتعال الصعيدي».. ثم انحازت له دار الإفتاء المصرية عبر أكثر من مرحلة تالية .. ربما كان أحدثها ما قال به مفتي الجمهورية الأسبق د. نصر فريد واصل بحسب فتوي د.علي جمعة الأخيرة. 

تبناه الشيخ القرضاوي وأجازه الإمام الأكبر «الراحل» د. محمد سيد طنطاوي.. وما كان لنا - إن أردنا التعداد - أن نستبعد أيا من نبهاء مدرسة الفقه الوسطي (المصري) عن القائمة .. فلماذا لا يكفر السيد «قاسم» ورفاقه كل هؤلاء أيضا، كما فعل مع فتوي دار الإفتاء الأخيرة ومن صدّق عليها(؟!). 

لكنّا - في المقابل - نتحداه قبل أن يفعل أن يأتي لنا بحديث واحد «سلم من الجرح» عند علماء الحديث .. يقول بحرمة بناء الكنائس في الإسلام .. وإنّا لمنتظرون (!)

اجمالي القراءات 6716