كل يوم، بل كل لحظة، نسمع فى الميديا ووسائل التواصل أن «كورونا» مؤامرة أمريكية، وأحياناً صينية، تمت صناعتها فى معامل عسكرية، ويتم الاستشهاد بمسلسلات تنبّأت وروايات حكت ورؤساء ماتوا سجلوا بأصواتهم أن «كورونا» قادمة، وتم خداع الناس تارة بالفوتوشوب، وتارة بحجب معلومات مهمة، وكان القاسم المشترك الأعظم هو غياب صوت العلم، واستغلال جهل الناس، وضعف ثقافتهم العلمية والاستهواء والإغواء الطبيعى لنظرية المؤامرة، وإذا أردنا سماع صوت العلم، ولو مرة واحدة فى حياتنا، تم قبل كتابة تلك السطور بساعات حسم هذا اللغط تماماً وقولاً واحداً من خلال أحدث وأقوى المجلات العلمية المعترف بها كمرجع فى مثل تلك الأمور، وهى مجلة «Nature medicine»،
https: //www.eurekalert.org/pub - releases/2020-03/sri-tcc031720.php
أظهرت النتائج التى نشرتها المجلة، أنه لم يجد العلماء فى تحليل بيانات تسلسل الجينوم العام من «SARS-CoV-2» والفيروسات ذات الصلة، أى دليل على أن الفيروس تم صُنعه فى مختبر أو هندسته بأى شكل آخر.
قال كريستيان أندرسن، الأستاذ المساعد فى علم المناعة والأحياء الدقيقة فى سكريبس ريسيرش، والمؤلف المقابل لها: «من خلال مقارنة بيانات تسلسل الجينوم المتاحة لسلالات الفيروس التاجى المعروفة، يمكننا أن نُحدد بحزم أن «سارس - CoV - 2» نشأ من خلال العمليات الطبيعية».
وبالإضافة إلى «أندرسن»، هناك مؤلفو الورقة البحثية «الأصل القريب لـSARS-CoV-2»، وهم روبرت ف. جارى، من جامعة تولين، وإدوارد هولمز، من جامعة سيدنى، وأندرو رامباوت من جامعة إدنبره، ودبليو إيان ليبكين، من جامعة كولومبيا.
ماذا قيل فى الورقة البحثية؟، قيل إنه بعد وقت قصير من بدء الوباء، قام العلماء الصينيون بتسلسل جينوم «السارس - CoV - 2» وجعلوا بياناته متاحة للباحثين فى جميع أنحاء العالم، وأظهرت بيانات تسلسل الجينوم الناتجة أن السلطات الصينية اكتشفت بسرعة الوباء، وأن عدد حالات «COVID-19» فى تزايد بسبب انتقال الفيروس من الإنسان إلى الإنسان، لكن من أين أتى إلى أول مصاب؟ استخدم «أندرسن» والمتعاونون فى الكثير من مؤسسات البحث الأخرى بيانات التسلسل هذه لاستكشاف أصول وتطور «السارس - CoV - 2»، من خلال التركيز على الكثير من الميزات الفريدة للفيروس، فقام العلماء بتحليل النموذج الجينى للبروتينات، والتجهيزات الموجودة على السطح الخارجى للفيروس، الذى يستخدمه للتغلغل إلى الجدران الخارجية للخلايا البشرية والحيوانية، بشكل أكثر تحديداً، واعذرونى على استخدام مصطلحات علمية، العلماء ركزوا على سمتين مهمتين لما يُسمى spike protein:
1 - مجال ربط المستقبلات (RBD)، وهو نوع من خطاف يمسك بالخلايا المضيفة.
2 - موقع الانقسام، وهو عبارة عن فتاحة علب جزيئية تسمح للفيروس بإحداث شقوق ودخول الخلايا المضيفة.
وجد العلماء أن جزء RBD من بروتينات «السارس CoV-2» قد تطور ليستهدف بشكل فعّال سمة جزيئية على السطح الخارجى للخلايا البشرية تُسمى «ACE2»، وهو مستقبل يشارك فى تنظيم ضغط الدم، استنتج العلماء أنه نتيجة للانتقاء الطبيعى وليس نتاج الهندسة الوراثية.
تم دعم هذا الدليل على التطور الطبيعى ببيانات عن العمود الفقرى لـ«SARS-CoV-2»، أى هيكل الفيروس الجزيئى الشامل، إذا كان شخص ما يسعى إلى هندسة فيروس تاجى جديد كممرض، لكان قد أنشأه من العمود الفقرى لفيروس جاهز ومعروف من العائلة نفسها أنه يُسبّب المرض، لكن العلماء وجدوا أن العمود الفقرى لـ«SARS-CoV-2» يختلف اختلافاً كبيراً عن ذلك الموجود فى الفيروسات التاجية المعروفة بالفعل، وشبّه فى الغالب الفيروسات ذات الصلة الموجودة فى الخفافيش وأكل النمل الحرشفى.
قال «أندرسن»، بناءً على تلك التجارب: «هاتان السمتان للفيروس، والطفرات فى الجزء RBD من spike protein وعموده الفقرى المميز، تستبعد المعالجة المختبرية كأصل محتمل لسارس - CoV - 2».
وقال جوزى جولدنج (دكتوراه)، رئيس الأوبئة فى ويلكوم ترست ومقرها المملكة المتحدة، إن النتائج التى توصل إليها أندرسن وزملاؤه «ذات أهمية حاسمة فى تقديم نظرة مبنية على الأدلة ودحض الشائعات التى تم تداولها حول أصول الفيروس SARS-CoV) -2)»، ويضيف «جولدنج»: «الفيروس هو نتاج تطور طبيعى، وانتهت أى تكهنات بشأن الهندسة الوراثية المتعمدة».
لكن ما أصول الفيروس المحتملة؟
استناداً إلى تحليل التسلسل الجينومى، خلص أندرسن ومعاونوه إلى أن الأصول الأكثر احتمالاً للإصابة بـ«سارس - CoV - 2»، لا تخرج عن أحد السيناريوهين المحتملين، السيناريو الأول أن الفيروس وصل إلى حالته المرضية الحالية من خلال الانتقاء الطبيعى فى مضيف غير بشرى، ثم قفز إلى البشر، هذه هى الطريقة التى ظهر بها تفشى الفيروسات التاجية السابقة، واقترح الباحثون أن الخفافيش هى المستودع الأكثر ترجيحاً لـ«سارس - CoV - 2»، لأنها تشبه إلى حد كبير فيروس الخفافيش التاجى، لكن لا نستطيع توثيق حالات مؤكدة للانتقال المباشر بين الخفافيش والبشر، مما يشير إلى أن مضيفاً وسيطاً من المحتمل أن يكون متورطاً بين الخفافيش والبشر.
فى هذا السيناريو، كان من الممكن أن تتطور كلتا السمتين المميزتين لبروتين ارتفاع «سارس- CoV-2»، الجزء RBD، الذى يرتبط بالخلايا وموقع الانقسام الذى يفتح الفيروس، إلى حالتهما الحالية قبل دخول البشر، وفى هذه الحالة، ربما كان الوباء الحالى قد ظهر بسرعة بمجرد إصابة البشر، حيث كان الفيروس داخل الوسيط قد طور بالفعل الميزات التى تجعله ممرضاً وقادراً على الانتشار بين الناس.
فى السيناريو المقترح رقم 2، قفزت نسخة من الفيروس من مضيف حيوانى إلى البشر، ثم تطورت إلى حالتها المرضية الحالية داخل البشر بين السكان، على سبيل المثال، تحتوى بعض الفيروسات التاجية من البانجولين أو أكل النمل الحرشفى، والثدييات الشبيهة بالآرماديلو الموجودة فى آسيا وأفريقيا، على بنية RBD تشبه إلى حد كبير هيكل «سارس - CoV-2»، ربما كان من الممكن أن ينتقل فيروس تاجى من بانجولين إلى الإنسان، إما مباشرة أو من خلال مضيف وسيط، مثل حيوان الزباد أو النمس، ثم كان من الممكن أن يتطور موقع spike protein المميز الآخر لـ«SARS-CoV-2»، موقع الانقسام، داخل مضيف بشرى، ربما عن طريق غير مكتشف فى السكان قبل بداية الوباء. ووجد الباحثون أن موقع انقسام «سارس - سى أو فى - 2» يبدو مشابهاً لمواقع انقسام سلالات إنفلونزا الطيور التى ثبت أنها تنتقل بسهولة بين الأشخاص، كان من الممكن أن يكون «سارس - CoV-2» قد طور موقعاً للانقسام الفيروسى فى الخلايا البشرية، وسرعان ما بدأ الوباء الحالى، حيث ربما أصبح الفيروس التاجى أكثر قدرة على الانتشار بين الناس.
وحذّر المؤلف المشارك فى الدراسة أندرو رامباوت من أنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، معرفة أىٍّ من السيناريوهات على الأرجح فى هذه المرحلة، إذا دخل «سارس - CoV - 2» البشر فى شكله المرضى الحالى من مصدر حيوانى، فإنه يثير احتمال تفشى المرض فى المستقبل، حيث يمكن أن تنتقل سلالة الفيروس المسبّبة للمرض بين الحيوانات، وقد تقفز مرة أخرى إلى البشر، الاحتمال الأقل هو دخول الفيروس التاجى غير الممرض إلى السكان البشر، ثم تطور خصائص مشابهة لـSARS-CoV-2.
هذا هو ملخص البحث العلمى، وليس الهرى الفيس بوكى لمن يريد أن يعرف.