نقد كتاب بسط الكف في إتمام الصف

رضا البطاوى البطاوى في الثلاثاء ٢٨ - يناير - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد كتاب بسط الكف في إتمام الصف
مؤلف الكتاب هو عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) وسبب تأليفه سؤال له كما قال فى المقدمة:
"فقد (سئلت عن عدم إتمام الصفوف)والشروع في صف قبل إتمام صف فأجبت بأنه مكروه لا تحصل به فضيلة الجماعة ثم وردت إلي فتوى في ذلك فكتبت عليها ما نصه:
لا تحصل له الفضيلة وبيان ذلك بتقرير أمرين أحدهما أن هذا الفعل مكروه الثاني أن المكروه في الجماعة يسقط فضيلتها
فأما الأول فقد صرحوا بذلك حيث قالوا في الكلام على التخطي يكره إلا إذا كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي فإنهم يقصرون بتركها إذ يكره إنشاء صف قبل إتمام ما قبله ويشهد له من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم أتموا الصفوف ما كان من نقص ففي المؤخر رواه أبو داود وفي شرح المهذب في باب التيمم لو أدرك الإمام في ركوع غير الأخيرة فالمحافظة على الصف الأول أولى من المبادرة إلى الإحرام لإدراك الركعة وأما كون كل مكروه في الجماعة يسقط الفضيلة فهذا أمر معروف مقرر متداول على ألسنة الفقهاء يكاد يكون متفقا عليه هذا آخر ما كتبت"
السيوطى هنا يتحدث عن سقوط فضيلة بضع وعشرين درجة بعدم إتمام الصف وهو ما وضحه قوله:
"وقد أوردت في هذه الأوراق تحرير ما قلت بعد أن تعرف أن الفضيلة التي نفيتها هي التضعيف المعبر عنه في الحديث ببضع وعشرين لا أصل بركة الجماعة وسيأتي تقرير الفرق بين الأمرين ثم الكلام أولا في تحرير أن هذا الفعل مكروه من كلام الفقهاء والمحدثين"
وحكاية فضيلة بضع وعشرين أو سبع وعشرين درجة فى الرواية :
" صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"
حكاية واهية تناقض القرآن فى أمرين :
الأول أن الصلاة سواء فردية أو جماعية أجرها واحد بلا تفاضل كما قال تعالى "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"
فالأجر واحد لأن هناك صلاة جماعية واحدة هى الواجبة وهى الصلاة يوم أى نهار الجمعة ومن ثم لا يمكن وجود تفاضل
الثانى أن درجات الجنة كلها درجتين واحدة للمجاهدين وهم المقربون وواحدة للقاعدين عن الجهاد وهم أهل اليمين وفى هذا قال تعالى :
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ومن ثم فالمسألة كلها والكتاب بنى على باطل يعارض كتاب الله وقد نقل السيوطى نقولا لتأييد رأيه المعارض لكتاب الله فقال:
"قال النووي في شرح المهذب في باب الجماعة اتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب سد الفرج في الصفوف وإتمام الصف الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه إلى آخرها ولا يشرع في صف حتى يتم ما قبله هذه عبارته
ولا يقابل المستحب إلا المكروه فإن قيل يقابله خلاف الأولى قلت الجواب من وجهين أحدهما أن المتقدمين لم يفرقوا بينهما وإنما فرق إمام الحرمين ومن تابعه الثاني أن القائلين به قالوا هو ما لم يرد فيه دليل خاص وإنما استفيد من العموميات والمكروه ما ورد فيه دليل خاص وهذا قد وردت فيه أدلة خاصة فضلا عن دليل واحد فمن ذلك الحديث المذكور في الفتوى وقد رواه أبو داود من حديث أنس"
أولا رواية "أتموا الصفوف ما كان من نقص ففي المؤخر" التى فى الفتوى لم تتحدث عن الأجر ولا عن فوائد الجماعة ولا شىء وإنما تحدثت عن وجوب إتمام الصفوف وان النقص يكون فى أخر صف ولا يمكن تحميل العبارة أكثر من هذا
ثانيا أدخلنا السيوطى فى تفريع المستحب والمكروه وكونهما متقابلين ثم ذكر خلافات الفقهاء فى كونهما متقابلين أم لا وهى تقسيمات تخالف كتاب الله فالحكم إما حلال وإما حرام والحلال على نوعين الفريضة وهى واجبة على الكل والأقرب للتقوى وهو قضية يكون فيها لله حكمين أحدهما واجب والأخر غير واجب ولكنه الأفضل مثل حكم طلاق المخطوبة التى فرض لها مهر فحكم الله المفروض أن لها النصف من المهر والحكم الأفضل هو أن ترد النصف الثانى مع ألأول الواجب من باب الفضل الذى يسمونه المستحب
ثم نقل السيوطى أقوال وروايات فى الموضوع فقال:
"قال النووي في شرح المهذب بإسناد حسن ومن ذلك ما رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم بإسناد صحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أقيموا الصلاة وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله ومعنى قطعه الله أي من الخير والفضيلة والأجر الجزيل
وقال البخاري في صحيحه باب أثم من لا يتم الصفوف وأورد فيه حديث أنس ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف فقال الحافظ ابن حجر يحتمل أن البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله سووا ومن عموم قوله صلوا كما رأيتموني أصلي ومن ورود الوعيد على تركه فترجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب ومع القول به صلاة من خالف صحيحة لاختلاف الجهتين
وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف وبما صح عن سويد بن غفلة قال كان بلال يسوي مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة فقال ما كان عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الواجب
قال ابن حجر وفيه نظر لجواز أنهما كانا يريان التعزيز على ترك السنة
وقال ابن بطال تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب إليها التي يستحق فاعلها المدح عليها دل على أن تاركها يستحق الذم وهذا صريح في أنه لا يحصل له الفضيلة
وفي الصحيح حديث لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم قال شراح الحديث تسوية الصفوف تطلق على أمرين اعتدال القائمين على سمت واحد وسد الخلل الذي في الصف
واختلف في الوعيد المذكور فقيل هو على حقيقته والمراد بتشويه الوجه تحويل خلقه عن وضعه بجعله موضع القفا
قال الحافظ ابن حجر وعلى هذا فهو واجب والتفريط فيه حرام قال وهو نظير الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام ويؤيد ذلك حديث أبي أمامة لتسون الصفوف أو لتطمسن الوجوه رواه أحمد بسند فيه ضعف
قلت وإذا كان هذا نظير مسابقة الإمام في الوعيد فهو نظيره في سقوط الفضيلة وهو أمر متفق عليه كما سيأتي ومنهم من حمله على المجاز قال النووي معناه توقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب
وفي الصحيح أيضا حديث أقيموا صفوفكم وتراصوا قال الشراح المراد بأقيموا اعتدلوا وبتراصوا تلاصقوا بغير خلل وفيه أيضا حديث سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة استدل به الجمهور على سنة التسوية وابن حزم على وجوبها لأن إقامة الصلاة واجبة وكل شيء من الواجب واجب
أخرج أبو يعلى والطبراني عن جابر رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من تمام الصلاة إقامة الصف وأخرج أحمد بسند صحيح عن ابن مسعود قال رأيتنا وما تقام الصلاة حتى تتكامل الصفوف
وأخرج الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والفرج يعني في الصلاة
وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تراصوا الصفوف فإني رأيت الشياطين تتخللكم
وأخرج الإمام أحمد بسند حسن عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سووا صفوفكم وسدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيما بينكم
وأخرج الطبراني عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نظر إلى فرجة في صف فليسدها بنفسه فإن لم يفعل فمن مر فليتخط على رقبته فإنه لا حرمة له
والأحاديث في ترك الفرج وتقطيع الصفوف كثيرة جدا وفيما أوردناه كفاية"
النقول السابقة عن وجوب سد الفرج فى الصفوف كلام لا يمكن أن يحدث فمهما تلاصق المصلون لابد من فرج إما بين رجلى المصلى وإما بين جسم كل مصلى والمصلى الأخر فمن المعروف أن أطوالهم مختلفة كما أن الجسم عند الصدور أعرض مما عند البطون وعند الأفخاذ أضخم مما عند السيقان والأقدام ومن ثم لابد أن توجد ثلاث فرج على الأقل فرجة عند تلاقى القدمين والساقين وفرجة بين الركبة والفخذ وفرجة بين البطون وفرجة بين الرقبتين ومن ثم فسد الخلل غير ممكن على الإطلاق كما أن الكلام عند وجود شياطين أو شيطان واحد عن الفرجة هو ضرب من الخبل الذى يعارض أن الشياطين هى نفسها الإنس أنفسهم كما قال تعالى "وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن"فكيف يكون الشياطين بين الإنس إلا إذا كان المصلون بعضهم هم الشياطين "
ثم روى ما يلى من الأحاديث وسوف نتناولها:
"وحديث من سد فرجة في صف رفعه الله بها درجة وبنى له بيتا في الجنة رواه الطبراني في الأوسط عن عائشة بسند لا بأس به وأخرجه ابن أبي شيبة عن عطاء مرسلا "
الخطأ وجود درجات كثيرة فى الجنة وهو ما يعارض أن درجات الجنة كلها درجتين واحدة للمجاهدين وهم المقربون وواحدة للقاعدين عن الجهاد وهم أهل اليمين وفى هذا قال تعالى :
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
"وحديث إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف رواه الحاكم وغيره"
والخطأ أن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف وهو ما يناقض أنهم يصلون على كل المؤمنين كما قال :
"هو الذى يصلى عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما"
"وحديث ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم قالوا وكيف تصف الملائكة قال يتمون الصف المقدم ويتراصون في الصف أخرجه النسائي"
الخطأ العلم بالغيب الممثل فى طريقة صف الملائكة وهو غيب لأنه لم يشاهد سوى جبريل (ص) كما قال تعالى " ولقد رآه نزلة أخرى" وفى هدم علمه قال تعالى على لسانه"ولا أعلم الغيب"
"وأخرج عن ابن جريج قال قلت لعطاء أتكره أن يقوم الرجل وحده وراء الصف قال نعم والرجلان والثلاثة إلا في الصف قلت لعطاء أرأيت إن وجدت الصف مزحوما لا أرى فيه فرجة قال لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وأحب إلي والله أن أدخل فيه"
هذا الكلام من التقعر فالمزاحمة تلهى عن الخشوع حيث أن كا واحد يكون متضايق من المكاتفة
16" - وأخرج عن النخعي قال يقال إذا دحس الصف فلم يكن فيه مدخل فليستخرج رجلا من ذلك الصف فليقم معه فإن لم يفعل فصلاته تلك صلاة واحدة ليست بصلاة جماعة"
الخطأ التفرقة بين صلاة الفرد وصلاة الجماعة وكلاهما واحد الأجر والرواية هنا تبيح أن يكون الصف غير مكتمل بسحب واحد منه
"وأخرج عن ابن جريج قال قلت لعطاء أيكره أن يمشي الرجل يخرق الصفوف قال إن خرق الصفوف إلى فرجة فقد أحسن وحق على الناس أن يدحسوا الصفوف حتى لا يكون بينهم فرج ثم قال {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص} فالصلاة أحق أن يكون فيها ذلك"
الخطأ الاستشهاد بآية القتال على الصلاة فالمفروض الاستشهاد بشىء فيه ذكر الصلاة وليس أمر بعيد عنها
"وأخرج سعيد بن منصور في سننه وابن أبي شيبة والحاكم عن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصف الأول ثلاثا وعلى الذي يليه واحدة"
الخطأ أن الصف الأول أفضل فى الصلاة عليه من غيره فى الأجر ويخالف هذا أن كل حسنة أى عمل صالح مثل حضور نداء الصلاة بعشر حسنات وفى هذا قال تعالى "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها".
"وأخرج سعيد بن منصور عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول قالوا يا رسول الله وعلى الثاني قال إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول قالوا يا رسول الله وعلى الثاني قال إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول قالوا يا رسول الله وعلى الثاني قال سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ولينوا في أيدي إخوانكم وسدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الحذف"
"وأخرج عن إبراهيم النخعي قال كان يقال سووا الصفوف وتراصوا لا تتخللكم الشياطين كأنهم بنات الحذف"
الخطأ المشترك بين الروايتين هو أن الشيطان يدخل بين الصفوف وهو ما يخالف أن الله عرفنا كل سلطان الشيطان هو الوسوسة وليس الوقوف بين الصفوف وفى هذا قال تعالى "وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى "فكيف يدخل الشيطان بين صفوف المصلين فى الفتحات وهو لا يملك غير قوة الدعوة ؟
"وأخرج عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال ما خطا رجل خطوة أعظم أجرا من خطوة إلى ثلمة صف ليسدها"
الخطأ تفاضل الخطا فى الأجر وهو ما يخالف أن كل الخطا أجرها واحد ما دامت فى شىء غير مالى فكلها بعشر حسنات كما قال تعالى "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" فإن كانت فى عمل جهادى قهى أفضل كما قال تعالى" ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون "
"وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تغبرت الأقدام في مشي أحب إلى الله من رقع صف يعني في الصلاة"
والخطأ أن أفضل العمل هو المشى للصلاة ويخالف أن أفضل العمل الجهاد حيث رفع أهله على الكل درجة فى الجنة وفى هذا قال تعالى "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم وسدوا الفرج فإني أراكم من وراء ظهري"
والخطأ حدوث معجزة أى آية الرؤية من الخلف وهو ما يخالف منع الآيات وهى المعجزات بقوله تعالى "وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون "
ثم أورد السيوطى نقولا من بطون الكتب فى الموضوع فقال:
"ومما يناسب ذلك أيضا ما رواه البخاري في الصحيح باب الصلاة بين السواري في غير جماعة ثم أورد فيه حديث ابن عمر عن بلال في الصلاة في الكعبة
قال الحافظ ابن حجر إنما قيدها بغير الجماعة لأن ذلك يقطع الصفوف وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوب
وقال الرافعي في شرح المسند احتج البخاري بهذا الحديث على أنه لا بأس بالصلاة بين الساريتين إذا لم يكن في جماعة
وقال المحب الطبري كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد عن ذلك ومحل الكراهة عند عدم الضيق والحكمة فيه انقطاع الصف
فهذا الذي أوردناه من الأحاديث وكلام شارحيها من أهل المذهب وغيرهم صريح في كراهة هذا الفعل وفي بعضها ما يصرح بسقوط الفضيلة"
وهو هنا يتعرض لعدم عمل صفوف بين السوارى وهى الأعمدة وهو كلام لا أساس له فالصفوف تكون فى أى مكان خاصة عندما يضيق المسجد بالمصلين فلا يجدوا سوى عمل صفوف بين الأعمدة
ثم ذكر نقولا أخرى فى مكروهات الصلاة من كتب المذهب فقال:
"ولنذكر الآن ما وقع في كتب المذهب من المكروهات التي لا فضيلة معها فأول ما صرحوا بذلك في مسألة المقارنة قال الرافعي رحمه الله في الشرح قال صاحب التهذيب وغيره ذكروا أنه يكره الإتيان بالأفعال مع الإمام وتفوت به فضيلة الجماعة
وكذا قال النووي في الروضة وشرح المهذب وابن الرفعة في الكفاية
قال الزركشي في الخادم: الكلام في هذه المسألة في شيئين: أحدهما في كون المقارنة مكروهة الثاني تفويتها فضيلة الجماعة فأما الأول فقد صرح بالكراهة البغوي وتابعه الروياني وكلام الإمام وغيره يقتضي أنه خلاف الأولى وأما الثاني فعبارة التهذيب إذا أتى بالأفعال مع الإمام يكره وتفوت به فضيلة الجماعة ولكن تصح صلاته
وقال ابن الأستاذ في هذا نظر فإنه حينئذ ينبغي أن يجري الخلاف في صحة صلاته إلا أن يقال تفوته فضيلة الأولوية مع أن حكم الجماعة عليه
قال التاج الفزاري في كلام البغوي نظر فإنه حكم بفوات فضيلة الجماعة وحكم بصحة الصلاة وذلك تناقض وتبعه أيضا السبكي وصاحب المهمات والبارزي في توضيحه الكبير
قال الزركشي وهذا كله مردود فإن الصحة لا تستلزم الثواب بدليل الصلاة في الثوب الحرير والدار المغصوبة وإفراد يوم الجمعة بالصوم والحكم بانتفاء فضيلة الجماعة لا يناقض حصولها بدليل ما لو صلى بالجماعة في أرض مغصوبة فالإقتداء صحيح وهو في جماعة لا ثواب فيها قال ومما يشهد لانفكاك ثواب الجماعة المسبوق يدرك الإمام بعد الركوع من الركعة الأخيرة فإنه في جماعة قطعا لأن اقتداءه صحيح بلا خلاف وإلا لبطلت صلاته ومع ذلك اختلفوا في حصول الفضيلة له قال وكذلك كل صلاة لا تستحب فيها الجماعة كصلاة العراة جماعة فإنه يصح الاقتداء ومع ذلك لا ثواب فيها لأنها غير مطلوبة قال والحاصل أن النووي نفى فضيلة الجماعة أي ثوابها ولم يقل بطلت الجماعة فدل على أن الجماعة باقية وأنه في حكم المقتدي "
الكلام هنا عن مسائل أخرى لا علاقة لها بالصفوف وهو قبول الصلاة ورفضها وشرط قبول الصلاة أن تكون نية المصلى طاعة الله مع استيفاء أركانها من طهارة وقراءة وإذا كانت نيته لغير الله أو ارتكب ذنبا أو لم يتم الأركان فلا صلاة له عند الله فلابد من إتمام أركانها والنية الخالصة لله وألا يكون ارتكب ذنبا قبلها من قريب أو من بعيد لك يتب منه

اجمالي القراءات 3610