من آمن ب ( محمد ) فقد كفر ( 2 )
الإيمان ليس بشخص محمد،ولكن بما ( أنزل على محمد)
تدبر في آيات سورة الأعراف ( 156 : 158 )
مجرد ملاحظة
1 ـ حين نقول ( من آمن ب ( محمد ) فقد كفر ) نقصد الإصلاح السلمى بتوضيح حقائق القرآن عن ماهية الإسلام وماهية الكفر . نريد في كل ما نكتب أن يتحول ( المحمديون / أُمّة محمد كما يقولون ) الى مسلمين لا يقدسون بشرا ولا حجرا . هذا هو معنى ومقصد التكفير عندنا ، أما التكفير عندهم فيعنى القتل بتهمة الردة والزندقة .
2 ـ نتابع موضوعنا :
أولا : السياق للآيات الكريمة
1 ـ كان هذا حوارا بين رب العزة جل وعلا ورسوله موسى عليه السلام في جبل الطور بسيناء ، بعد أن عبد قومه العجل ، وَاخْتَارَ مُوسَىٰ من قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِ مع رب العزة جل وعلا فأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ. عندها قال موسى : ( رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ ۖ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ۖ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ ۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴿١٥٥﴾ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ) وجاءه الردُّ من رب العزة : ( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٥٦﴾ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٥٧﴾. ثم بعده جاء الخطاب المباشر من رب العزة الى خاتم النبيين عليهم جميعا السلام : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٥٨﴾ الأعراف ) هنا تبشير مقدما بالقرآن الكريم وبالانجيل في عهد موسى ، تبشير بالرسول النبى الآمى خاتم النبيين
2 ـ. ونتوقف بالتدبر في الآيات الكريمة الثلاث مع ثلاث قضايا في موضوعنا ( من آمن ب ( محمد ) فقد كفر/ الإيمان ليس بشخص محمد،ولكن بما ( أنزل على محمد) .
أولا : الإيمان بالقرآن وليس يشخص محمد
1 ـ قال جل وعلا عن رحمته : ( ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٥٦﴾ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ) : فالذين يتقون ويؤتون الزكاة هم الذين يؤمنون بالآيات الإلهية وهم الذين يتبعون الرسول النبى الأمى . ليس إيمانا بشخص محمد ولكن بكونه رسولا نبيا ، أي برسالته ونبوته ، والإتباع هنا ليس إتباعا لمحمد البشرى ولكنه إتباع للنور القرآنى الذى أُنزل معه .
2 ـ وقال جل وعلا عن المؤمنين :( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿١٥٧﴾ ). آمنوا به ليس بشخصه وكينونته البشرية ، ولكن بالرسالة وكونه نبيا رسولا نزل عليه الكتاب ، والإتباع هنا ليس إتباعا لمحمد البشرى ولكنه إتباع للنور القرآنى الذى أُنزل معه .
3 ـ ( فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٥٨﴾ . هنا أمر إلاهى بالإيمان ليس بشخص محمد ولكن بكونه رسولا نبيا أميا . تكرر ثلاث مرات تحديد الإيمان ليس بشخص محمد البشرى ولكن بنبوته ورسالته . هذا في السياق المحلى للآيات الثلاث .
4 ـ السياق الموضوعى في القرآن الكريم كله يحتاج مجلدات من التدبر ، وسنعرض لبعضه في مقالات قادمة بعون الله جل وعلا ، ولكن نشير في عُجالة الى قضية الإتباع ، وأنه ليس إتّباعا لشخص محمد الذى كان يخطىء ويأتيه اللوم والعتاب ، ولكن الإتّباع للكتاب ، للرسالة الإلهية . ونعطى ملامح سريعة :
4 / 1 : محمد البشر كان مأمورا بإتباع الرسالة . أمره ربه جل وعلا أن يعلن :
4 / 1 / 1 :( قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّـهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴿الأنعام: ٥٠﴾ أمره ربه جل وعلا أن يعلن أنه لا يعلم الغيب ، وأن يؤكد بإسلوب القصر أنه يتبع القرآن الكريم
4 / 1 / 2 : ( قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿الأعراف: ٢٠٣﴾. هنا تأكيد بأسلوب القصر أنه يتبع القرآن الكريم وفقط ، ووصف للقرآن الكريم بأنه : بصائر وهدى ورحمة للمؤمنين .
4 / 1 / 3 : ( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿يونس: ١٥﴾. رفضوا القرآن الكريم وطلبوا تبديله بقرآن على هواهم ، وهو ما فعله المحمديون فيما بعد بأحاديثهم الشيطانية التي نسبوها لإله صنعوه وأسموه محمدا . الله جل وعلا أمر رسوله أن يعلن لهم : ( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) ، أي هو متبع للقرآن الكريم الذى يرفضونه .وجاء هذا بأسلوب القصر أيضا .
4 / 1 / 4 : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴿الأحقاف: ٩﴾. هذا في التأكيد على أنه ليس متميزا على الرسل وأنه لا يعلم الغيب. وجاء بأسلوب القصر أنه يتبع القرآن الكريم وفقط .!
4 / 2 : الأمر بإتّباع الكتاب نزل للجميع . قال جل وعلا :
4 / 2 / 1 : ( وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿الأنعام: ١٥٣﴾. هذه هي الوصية الأخيرة من الوصايا العشر . وهى أمر بإتّباع الكتاب ونهى عن إتباع غيره . . أمر ونهى معا . أي قضية لا توسط فيها .
4 / 2 / 2 : ( وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿الأنعام: ١٥٥﴾. في إتّباع الكتاب رحمة .
4 / 2 / 3 : ( كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿٢﴾ اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴿٣﴾ الأعراف ). هنا أمر بإتّبع الكتاب ونهى عن إتباع غيره . أمر ونهى معا . أي قضية لا توسط فيها .
4 / 3 : إتباع الكتاب هو إتّباع للرسول أو للبصائر أو البصيرة . أمر الله جل وعلا رسوله أن يعلن : ( قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿يوسف: ١٠٨﴾. هنا المساواة في إتّباع الكتاب بين النبى والمؤمنين من أتباعه ( أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ).
ثانيا : ( الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ )
هنا معرفة أهل الكتاب بالقرآن الكريم قبل أن ينزل على خاتم النبيين . فالتوراة ذكرت القرآن الكريم ، ثم ذكره الإنجيل . الكلام هنا عن الكتاب ، وليس عن شخص محمد . وهنا نتوقف مع ثلاثة ملامح :
الملمح الأول : معرفتهم بأن القرآن هو الحق من رب العزة جل وعلا . قال جل وعلا :
1 ـ ( وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴿١٤٤﴾ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ۚ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ۚ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴿١٤٥﴾ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿١٤٦﴾ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴿١٤٧﴾ البقرة ) يعرفون الكتاب كما يعرفون أبناءهم .!
2 ـ ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ ۘ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٢٠﴾ الانعام ) يعرفون الكتاب كما يعرفون أبناءهم .!
3 ـ ( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٩٢﴾ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴿١٩٤﴾ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴿١٩٥﴾ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴿١٩٦﴾ أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿١٩٧﴾ الشعراء ). بعد أوصاف متعددة للقرآن الكريم جاء الحديث عن العرب الأميين الذين لم ينزل عليهم كتاب : ( أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ).!
الملمح الثانى : إيمان بعض أهل الكتاب بالقرآن وليس بشخص محمد .
قال جل وعلا :
1 ـ ( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴿١٠٥﴾ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا ﴿١٠٦﴾ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ﴿١٠٧﴾ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ﴿١٠٨﴾ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ۩ ﴿١٠٩﴾ الاسراء ). هنا حديث عن القرآن الكريم ، ثم بعده حديث عن العلماء المؤمنين من أهل الكتاب ، حين تُلى عليهم القرآن الكريم خرّوا للأذقان سجّدا ، بمثل ما فعل السبعون رجلا الذين حضروا ميقات ربهم مع موسى ، ورفع الله جل وعلا فوقهم جبل الطور ، وشاهده فوق رءوسهم فكانوا يسجدون على أذقانهم وهم ينظرون هلعا للجبل المرفوع فوقهم ( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ ) ﴿١٧١﴾ الآعراف ) أولئك العلماء المؤمنون إستعادوا نفس اللحظة وتذكروها فخروا للأذقان سجدا يبكون ، إذ عاشوا وقت تحقق الوعد الذى وعد به رب العزة من قبل . هؤلاء لم يأت في ذكرهم رؤية النبى محمد بشخصه ، وإنما المفهوم أن القرآن قد تُلى عليهم . أي هو الكتاب . وحتى لو كان النبى هو الذى تلاه عليهم فإن إيمانهم هو بالكتاب الذى تلاه النبى محمد عليهم .
2 ـ ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴿٨٣﴾ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ﴿٨٤﴾ فَأَثَابَهُمُ اللَّـهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ﴿٨٥﴾ المائدة ). هنا مؤمنون ( سمعوا ما أنزل الى الرسول محمد ) . سواء كان النبى هو الذى أسمعهم أو كان غيره ، فإن المسموع هو القرآن الكريم ، فأعلنوا إيمانهم ليس ب ( محمد ) ولكن ( ب ) ( الله) و( ب) ما جاءهم من الحق، أي إيمانهم ب ( القرآن الكريم ) .
الملمح الثالث : دعوة أهل الكتاب لأن بؤمنوا ليس بمحمد ، ولكن ب ( القرآن الكريم ) الذى نزل مصدقا ومؤيدا لما معهم .
قال جل وعلا لهم :
1 ـ ( وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴿البقرة: ٤١﴾
2 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم ) ﴿النساء: ٤٧﴾
وقال جل وعلا عن الكافرين منهم ب ( القرآن ) :
1 ـ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ ) ﴿البقرة: ٩١﴾
2 ـ ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّـهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّـهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿١٠١﴾ البقرة )
ثالثا : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ )
1 ـ هذا عن عمومية الرسالة الإلهية الخاتمة ، وأنها للجميع ، حتى للإنس والجن ، من عهد خاتم النبيين الى آخر جيل من البشر ، إذ نزل القرآن مصدقا لكل ما جاء من رسالات إلاهية ، ومهيمنا عليها ويقصُّ على بنى إسرائيل أكثر الذى هم فيه يختلفون ( إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿٧٦﴾ النمل )
2 ـ محمد البشر هو محدود ومحدد بالزمان والمكان . بالزمان هو مولود عام كذا ومات في سنة كذا ، وحين كان حيا يسعى قال له ربه جل وعلا في خطاب مباشر له وعن خصومه يساوى بينهم في إستحقاق الموت والتخاصم يوم الحساب : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ﴿٣٠﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ﴿٣١﴾ الزمر ). أي هو مجرد رسول مصيره الموت ، قال جل وعلا : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ﴿١٤٤﴾ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ) ﴿١٤٥﴾ آل عمران ). ليس خالدا كما يزعم المحمديون حياته في قبره . قال له جل وعلا : ( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴿٣٤﴾ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿٣٥﴾ الأنبياء )
ثم هو محدود محدد في المكان ، لا علم له بالشعوب الأخرى في وقته من الصين واليابان الى سكان الأمريكيتين.
3 ـ بالتالى فإن القرآن ( وليس محمد ) هو الذى يكون :
3 / 1 : ( رحمة ) للعالمين الذين يتبعونه ، من عهد النبى الى الجميع في كل زمان ومكان . قال جل وعلا ( إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ﴿١٠٦﴾ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴿١٠٧﴾ الأنبياء )
3 / 2 : نذيرا للعالمين أيضا . قال جل وعلا : ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴿١﴾ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴿٢﴾ الفرقان )
4 ـ وقوله جل وعلا في سورة الأعراف : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ) يعززه قوله جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٢٨﴾ سبأ ). فهو مُرسل بالقرآن الكريم .
5 ـ أكثر من هذا . فالقرآن الكريم هو الرسالة للجن . الله جل وعلا أرسل نفرا من الجن الى النبى محمد يسمعون القرآن . لم يرسلهم اليه ليسمعوا أخباره الشخصية بل القرآن ، وهو لم يرهم ، لأنه لا يستطيع ذلك . وقد آمنوا ثم عادوا الى قومهم منذرين . قال جل وعلا :
5 / 1 : ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ﴿١﴾ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴿٢﴾ وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ﴿٣﴾ الجن) ( وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ ۖ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا ﴿١٣﴾ الجن )
5 / 2 : ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ ﴿٢٩﴾ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿٣٠﴾ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّـهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٣١﴾ وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّـهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ ۚ أُولَـٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٣٢﴾ الاحقاف ).