نقد كتاب عقيدة أبي طالب

رضا البطاوى البطاوى في الإثنين ١١ - نوفمبر - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

نقد كتاب عقيدة أبي طالب
الكتاب تأليف طالب الحسيني الرفاعي وموضوعه كما قال :
"لقد كثر الكلام واحتدم الجدال في قضية إيمان شيخ بني هاشم أبي طالب عم الرسول (ص) وكتب في هذا الموضوع جماعة من أهل السنة والشيعة على السواء كتبا ذهب فيها أصحابها إلى القول بإيمانه "
موضوع الكتاب ليس حكما من أحكام الإسلام ولا علاقة له بالعقيدة فى الإسلام فإسلام أى شخص أو كفره أمر يعود له وحسابه عليه هو ولا حساب على من يعتقد فيه خيرا أو شرا لأن الله لم يصرح بأسماء المسلمين جميعا أو الكفار جميعا فالأسماء الصريحة هى أسماء بعض الرسل وأسماء بعض الكفار الكبار ومن ثم فعقيدة المسلم هى موالاة كل المسلمين والدعاء لهم ومعاداة كل الكفار ولعنهم دون ذكر أى أسماء
وقد ذكر الله عقيدة اليهود والنصارى فى إبراهيم(ص) وأولاده واختلافهم فيهم فنهى الله الناس عن الخوض فى هذا الأمر مبينا أنهم ماتوا وليس عليهم من حساب الناس شىء وليس على الناس من حسابهم شىء وهذا يعنى أن لا فائدة من مناقشة أمر إسلام أو كفر شخص ما مات ولم يعاصره احد ممن يتناقشون فى أمره وفى هذا قال تعالى :
"ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا أنتم مسلمون أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون
تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون"
استهل طالب الكتاب بالتالى:
"أبو طالب بن عبد المطلب:
بعد عبد المطلب تولى زعامة قريش ابنه أبو طالب ويسترعي النظر في هذه ثلاثة أمور تلابس أبا طالب، وهي أنه:
1 ـ لم يكن أكبر أخوته، مع أن السن كان له حينئذ وزنها في تحديد المواقع وتقويم الرجال
2 ـ كان فقيرا لا مال له، مع أنه لم يكن يتبوأ سدة الزعامة في قريش في الجاهلية إلا من كان مستندا إلى ثراء وغنى كبيرين، وظاهرين
3 ـ كان بين إخوانه من هو، فعلا على غنى وثراء واسع وهو العباس بن عبد المطلب

وكل هذه أمور تجعل أبا طالب فذا في زعامته لقريش، مما يؤكد أنه كان على مواهب وصفات ألغت التأثير المعاكس لكل هذه العوامل الثلاثة بالنسبة له، وأتاحت له أن يتصدر قومه ويسودهم دون منازع، فقد كان له من مكارم الصفات، ومعالي السجايا والأخلاق، ما جعله محل احترام الجميع ومحبتهم "
ما ذكره طالب هنا ليس مسلما به فى التاريخ المعروف فأبو طالب كان كغيره تاجرا من تجار قريش يقود القوافل أحيانا كما فى رحلته للشام مع النبى(ص) وهو صغير والتى التقى فيها الراهب بحيرا كما قال طالب فى فقرة قادمة " ما سمعه أبو طالب من بحيرى الراهب، اذ قال له: ((ارجع بابن أخيك إلى بلده، وأحذر عليه يهود، فوالله لو رأوه، وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا، فانه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به إلى بلاده" وحسب التاريخ والقرآن فالعباس لم يكن أغناهم وإنما أبو لهب كما قال تعالى :
" تبت يدا أبا لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب"
ثم بين اسم الرجل وسيادته فقال:
"اسمه:
عبد مناف بن عبد المطلب لقبه: أبو طالب وقد غلبت عليه هذه الكنية حتى لم يعرف أن أحدا كان يناديه باسمه الأصلي (عبد مناف ) أبدا
سيادته في قومه:

كانت شخصية أبي طالب القوية تسيطر على النفوس بطهارتها واستقامتها وترفعها عن الدنيا، إلى أنه مع ذلك، كان شاعرا مجيدا، فأضاف إلى تأثيره بالشخصية تأثيره باللسان وسحر البيان
ولقد خلف أبو طالب أباه عبد المطلب في كل مناصبه ومكانته، ولكن ضيق حالته المالية جعله يكل إلى أخيه العباس شأن السقاية وأعباءها نظرا لما كان له من ثراء واسع، يعينه على أن ينهض بمهمتها بصورة أحسن تتناسب مع ما اعتاده بنو هاشم من إكرام وتكريم ضيوف البيت الحرام من الحجيج ومما يؤثر عن حكمته وحسن تقديره أنه كان أول من سن القسامة في العرب قبل الإسلام وذلك في دم عمرو بن علقمة، ثم جاء الإسلام فأقرها "

الخطأ فى الفقرة هنا هو إقرار الإسلام القسامة وهى دفع عدد معين من أهل المنطقة التى قتل فيها القتيل ولم يعرف قاتله دية القتيل فهو حكم يتعارض مع قوله تعالى :
"ولا تزر وازرة وزر أخرى"
فدفع الدية هنا هو تحميل الوزر لغير القاتل الحقيقى
والخطأ الثانى أن السقاية كانت للعباس وهو ما يناقض أن سقاية وعمارة المسجد الحرام كان تقوم بها قريش وقد اعتبرها كفارهم فى مقابل الإسلام فنهاهم الله عن ذلك فقال :
"أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن أمن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيل الله لا يستوون عند الله"
ثم ناقش كفالته للنبى(ص) فقال:
"كفالته للنبي (ص):
كان أبو طالب الأخ الشقيق الوحيد لعبد الله (والد النبي) وقد عهد إليه والده عبد المطلب بكفالة النبي (ص)، فكان عند حسن الظن به، حدبا عليه، وانعطافا إليه، ورعاية له وعناية به، حيث لم يجعله فقط، كواحد من أبنائه، بل كان يقدمه عليهم أجمعين وكان مما زاد في اعزازه عنده، واهتمامه بشأنه وحرصه عليه أن جميع الدلائل كانت ترهص بأن له شأنا في المستقبل ومن ذلك:
1 ـ ما يرويه ابن اسحاق من أن ((رجلا عائفا من لهب، كان اذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم، ويعتاف لهم فيهم، فأتاه أبو طالب بالنبي ـ وهو غلام ـ فنظر إليه ثم قال ـ بعد فترة ـ ردوا على هذا الغلام الذي رأيت آنفا، فو الله ليكونن له شأن… فلما رأى أبو طالب حرصه عليه، غيبه عنه))

2 ـ ما سمعه أبو طالب من بحيرى الراهب، اذ قال له: ((ارجع بابن أخيك إلى بلده، وأحذر عليه يهود، فوالله لو رأوه، وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا، فانه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به إلى بلاده))
3 ـ ولقد سبق أن سمعه أبو طالب من والده عبد المطلب في شأنه ثم صدقه كلام العائف والراهب من بعد ـ فكان لهذا أثره الكبير في أنه صار على أتم الثقة من أنه سيكون له شأن عظيم

4 ـ ولقد ظل محمد(ص) في بيت عمه أبي طالب، محل الإعزاز والإكرام والاهتمام والعناية إلى أن انتقل إلى بيت الزوجية حيث بنى بخديجة بنت خويلد احدى كرائم مكة، ومعالم ثرائها في تلك الأيام ولعل مما يشير إلى مكانة النبي عند أبي طالب،وتقديره له أن نستمع إليه ـ وهو يخطب في حفل زواج النبي من السيدة خديجة اذ يقول: ((إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله، من علمتم قرابة وهو لا يوزن بأحد الا رجحه: شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، فان كان في المال قل، فان المال ظل زائل، وعارية مسترجعة وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك وما أحببتم من الصداق فعلي، ومحمد ـ بعد هذا ـ له نبأ عظيم، وخطر جليل))
على أن أبا طالب لم يكن يصدر ـ في تقديره لمحمد (ص) عن مجرد الحب والقرابة بينهما، أو مجرد الإعجاب بمحامد الصفات، وجميل السجايا، وكريم الأخلاق، التي كان يتحلى بها النبي، وإنما كان عن إكبار وإجلال وتقدير واحترام ـ على ما كان بينهما من فارق السن ودرجة القرابة ـ لشخصية النبي، فكان، وهو كافله وحاميه، يمدحه بالقصائد التي لا يمدح بمثلها الا الملوك والعظماء من مثل قوله:
وتلقوا ربيع الأبطحين محمدا *على ربوة من فوق عنقاء عطيل
وتأوى إليه هشام إن هاشما *عرانين كعب، آخرا بعد أول
وبمثل قوله:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يطوف به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل

ويقول علي بن يحيى البطريق في بيان سر ذلك ((لولا خاصة النبوة وسرها، لما كان مثل أبي طالب ـ وهو شيخ قريش ورئيسها وذو شرفها ـ يمدح ابن أخيه محمدا (ص)، وهو شاب قد ربى في حجره، وهو يتيمه ومكفوله، وجار مجرى أولاده فان هذا الأسلوب من الشعر لا يمدح به التابع من الناس، وإنما هو مديح الملوك والعظماء، فإذا تصورت أنه شعر أبي طالب، ذلك الشيخ المبجل العظيم، في محمد (ص) ـ وهو شاب مستجير به، معتصم بظله من قريش، قد رباه في حجره… علمت موضع خاصة النبوة وسرها، وأن الله تعالى أوقع في القلوب والأنفس له منزلة رفيعة ومكانا جليلا ولم يكتف أبو طالب بهذا وإنما وقف حياله (ص) منذ بعثته، يعينه وينصره ويحميه، دون أن يلقى بالا لما يترتب على ذلك من مشاق ومتاعب مادية ومعنوية، وظل على ذلك حتى انتقل إلى أخراه
وحينما تألبت قريش كلها ضد ابن أخيه، وواجهوا أبا طالب في هذا، لم يلن ولم يهن، ودعا بني هاشم وبني عبد المطلب إلى مشاركته في منع الرسول والقيام دونه، فأجمعوا إليه، وقاموا معه، فسر بذلك وطابت نفسه، وتفجرت شاعريته يمدحهم، ويفخر بهم، وذلك اذ يقول:
اذا اجتمعت يوما قريش لمفخر *فعبد مناف سرها وصميمها
وان حصلت أشراف عبد منافها *ففي هاشم أشرافها وقديمها
وان فخرت يوما فان محمدا *هو المصطفى من سرها وكريمها
وحينما أحس روح الشر التي سيطرت على قريش قد تجاوزت حدودها، بعد أن ذاع أمر النبي بين القبائل وخشى أن تنضم دهماء العرب ورعاعها إلى المخالفين من قومه، مما لا قبل له به، توجه، مع وفد من بني هاشم، إلى البيت متعوذا بحرمته ومكانته، مما يصوره بقوله:

ولما رأيت القوم لا ود فيهم *وقد قطعوا كل العرى والوسائل
وقد صارحونا بالعداوة والأذى *وقد طاوعوا أمر العدو المزابل
وقد حالفوا قوما علينا أظنة *يعضون غيظا خلفنا بالأنامل
صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة *وأبيض عضب من تراث المقاول
وأحصرت عند البيت رهطي واخوتي *وأمسكت من أثوابه بالوصائل
أعوذ برب الناس من كل طاعن *علينا بسوء أو ملح بباطل
وبالبيت حق البيت من بطن مكة *وبالله، أن الله ليس بغافل
فهل بعد هذا من معاذ لعائذ *وهل من معيذ يتقي الله عاذل
ولقد كان آخر سهم في جعبة قريش ضد أبي طالب، ومن معه في حماية النبي (ص) هو فرض الحصار والمقاطعة لبني هاشم، لا يتناكحون معهم، ولا يبايعونهم، فقبل بنو هاشم ذلك التحدي وانحازوا الي شيخهم وكبيرهم أبي طالب في شعبه، ولم يشذ منهم ـ في ذلك ـ الا شقيهم أبو لهب واستمر الحال على ذلك ثلاث سنوات صمدوا خلالها وثبتوا رغم الجوع والإملاق الذي أصابهم حتى هيأ الله من أنهى هذا الحصار استمرت مناصرة أبي طالب للنبي منذ بعثه الله تعالى ـ لا وهن فيها ولا تخليا بحال من الأحوال
حتى لفظ أنفاسه الأخيرة من الدنيا وذلك في السنة الثالثة قبل الهجرة وكان ذلك بعد الحصار المشار إليه بسنة ونصف تقريبا، بل أنه لم ينس ـ وهو في آخر رمق من حياته ـ أن يمارس نصرته للنبي (ص)، فقد التفت إلى المحيطين به قبيل وفاته، فأوصاهم بالنبي قائلا ((أُوصيكم بمحمد خيرا، فانه الأمين في قريش، والصادق في العرب، والجامع لكل ما أُوصيكم به… والله لا يملك أحد سبيله إلا رشد، ولا يهتدي بهديه إلا سعد، ولو كان في العمر بقية لكففت عنه الهزاهز، ورفعت عنه الدواهي أن محمد هو الصادق فأجيبوا دعوته، واجتمعوا على نصرته، فانه الشريف الباقي لكم على الدهر)) "

والملاحظ فى الفقرة أن كفالة أبو طالب للنبى(ص) لم تستمر طويلا فمن المعروف ان فى البيئات الحارة أن الشباب يعملون فى سن مبكرة بعد الخامسة عشر أو قبلها خاصة مع عدم وجود تعليم
وفاته ومن ثم فقد عمل تاجرا فأغناه الله كما قال تعالى :

"ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك عائلا فأغنى"
وقد استمر فى العمل بعد المبعث فى مكة تاجرا بدليل قوله تعالى :
"وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق"
ومن ثم فلا داعى لكى نصدق روايات التاريخ عن كونه اغتنى بفضل مال خديجة وإنما أغناه الله عن طريق عمله ولا داعى لأن نصدق روايات التاريخ عن فقر أبى طالب وقيام النبى(ص) بتربية على فى بيته لأنه لو كان رباه فعلا ما تبنى زيد فى الجاهلية لأن الأولى به هو ابن عمه الذى رباه
كما أن حكاية الحصار الاقتصادى فى شعب أبى طالب لا ذكر لها فى القرآن ولو حدثت فعلا لكان ذكرها كما ذكر جوع النبى(ص) ومن معه فى أول هجرته للمدينة بقوله :

"ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين"
ثم ذكر الرجل عقيدة أبو طالب فقال:
"عقيدته:
وهذه الوصية وحدها كفيلة بأن تنبىء عن حقيقة عقيدته في محمد (ص) ودعوته، ولكن خلافا نشب حول هذه العقيدة فيما بعد البعثة النبوية، وان اتفق الجميع على أنه كان قبلها من المتألهين الحنفاء، وانه لم يعرف عنه أنه هام بصنم أبدا، أو سجد لصنم قط فالشيعة وبعض المعتزلة وبعض السنة، يرون أنه آمن بمحمد (ص) وبدينه وان كان لم يعلن ذلك لأسباب كثيرة، ترجع كلها لمصلحة الدعوة الوليدة، وامكان الاستمرار في حمايتها، باعتبار أن المرحلة الأولى لها كانت تقتضي هذا التكتيك(الخطة)ويستشهدون لذلك ـ ضمن ما يستشهدون به:
1 ـ بمواقفه في مؤازرة النبي (ص)، مما أسلفنا الاشارة إلى بعض منه
2 ـ وبما روى عنه من أشعار كثيرة تنبىء عن ذلك، ومنها
قوله:
ولقد علمت بأن دين محمد *من خير أديان البرية دينا
وقوله:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا *نبيا كموسى خط في أول الكتب

وقوله :
فأيده رب العباد بنصره *وأظهر دينا حقه غير باطل
وقوله :
لقد علموا أن أبننا لا مكذب *لدينا ولا يعني بقوله الأباطل

فمن مثله في الناس الا مؤمل *اذا قاسه الحكام عند التفاضل
وقوله :

والله لن يصلوا اليك بجمعهم *حتى أوسد في التراب دفينا
فأصدع بأمرك ما عليك غضاضة *وابشر وقر بذاك منك عيونا
فهو في هذه الأبيات كلها ـ يصدق محمدا (ص)، ويؤمن بنبوته وبدينه، ومن ثم تصدى لنصرته بكل مرتخص وغال
3 ـ وبما روي في الأخبار الثابتة من أنه:
(أ) لم ينكر على ابنه علي ايمانه بدين محمد (ص)، ولم يزجره على ذلك، أو ينهه عنه، بل أقره عليه، مع ما يعلمه بما يعرضه ذلك للمتاعب والأهوال
(ب) لما رأى النبي (ص) وعليا يصلي خلفه عن يمينه ـ وكان معه ولده جعفر ـ قال لجعفر: صل جناح ابن عمك، فصل عن يساره ، مما يدل دلالة واضحة على إسلامه فعلا، والا لما أقر ابنه عليا على إسلامه وصلاته، ولما أمر ابنه الثاني جعفرا بأن ينضم إلى أخيه في الصلاة، وهي عمود الإسلام فالولد هو أعز ما يحرص الانسان على تنشئته وفق آرائه ومعتقداته، بل وعاداته، وبخاصة في ذلك العصر من الزمان، وكذلك البيئة القبلية من المكان، بل كان هذا هو ديدن ناس ذلك الأوان، كما سجله، كذلك، القرآن ـ حكاية عنهم ـ يقول الله تعالى ((انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون
ويزيد هذا تأكيدا أن أبا طالب أنشد، حينئذ، شعرا سجل فيه سعادته بذلك، يقول فيه:
ان عليا وجعفرا ثقتي *عند ملم الزمان والنوب
لا تخذلا، وأنصرا ابن عمكما *أخي لأمي، من بينهم، وابي
والله لا أخذل النبي، ولا *يخذله من بني ذو حسب

فهو لا يكتفي بأمرهما بالصلاة خلف النبي (ص) فحسب، وإنما هو يمدحهما ويثني عليهما في ذلك، يأمرهما بنصرته وعدم خذلانه، ويقسم على ألا يصدر منه، ولا من أحد بنيه، خذلان له أبدا
(ج) أن زوجته فاطمة بنت أسد، (أم علي ـ وجعفر)، كانت ثاني امرأة تدخل في الإسلام ، بعد خديجة الكبرى، زوجة رسول الله، مع ما هو معلوم من تأثير كل أم على بنيها ـ ذكورا وإناثا ـ ومع ما هو معلوم، أيضا، من أن تقاليد ذلك الزمن كانت تقضي بألا يقر الزوج زوجته إذا خرجت عن عقيدته إلى عقيدة أخرى ومن ثم فكيف يتصور ـ أن يقرها أبو طالب ـ وهو من هو في قومه ـ على إسلامها بينما يكون هو باقيا ومصرا على أن يكون على غير الإسلام ؟
(د) لما علم أن قريش علمت على الدس لدى نجاشي الحبشة ضد مهاجري المسلمين إليها كتب إليه كتابين من الشعر، نبهه في أحدهما إلى هذا الدس، وأغراه بأن يكون على الأمل في شهامته وبسط جواره على كل من يلجأ إلى حماه، وذلك اذ يقول فيه:
تعلم أبيت اللعن أنك ماجد *كريم، فلا يشقى لديك المجانب
تعلم بأن الله زادك بسطة *وأسباب خير كلها بك لازب
وانك فيض ذو سجال غزيرة *ينال الأعادى نفعها والأقارب
ويدعوه في ثانيهما إلى الإسلام ، كما جاء فيه، من قوله:
تعلم مليك الحبش أن محمدا *نبي كموسى، والمسيح ابن مريم
أتى بالهدى مثل الذي أتيا به *فكل، بأمر الله، يهدي لمعصم
وانكم تتلونه في كتابكم *بصدق حديث، لا حديث المرجم
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا *فان طريق الحق ليس بمظلم
فهل من يدعو إلى الإسلام يكون غير مسلم؟
(هـ) لما علم بتظاهر قريش على الرسول قال :
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا *نبيا كموسى خط في أول الكتب
فلسنا ورب البيت نسلم أحمدا *لعزاء من عض الزمان ولا كرب

(و) لما بلغه أن أحد المشركين، وضع أقذاره على ظهر النبي (ص)، وهو ساجد في الصلاة، وأنه يسخر من حركاته فيها، ويظاهره في هذه السخرية بعض الحاضرين، جاء مسرعا مغضبا إلى حيث يوجد النبي حينئذ، وسأل من فعل به هذا، فلما علم أنه الشاعر ابن الزبعري لطمه لطمة أدمته، وألقى عليه نفس القاذورات، ولوث بها لحييه، ثم توجه إلى النبي (ص) ـ في عطف وحنان ـ فقال له: أرضيت؟ ولم يلبث أن جادت قريحته بشعر يتحدي فيه كل من يقف في وجه النبي (ص)، ودعوته إلى دينه، يقول فيه:
أنت النبي محمد *قدما أعز مسود
أني تضام ولم أمت *وأنا الشجاع العربد
وبطاح مكة لا يرى *فيها نجيع أسود
وبنو أبيك كأنهم *أسد العرين توقدوا
نعم الأرومة أصلها *عمرو الحطيم الأوحد
ولقد عهدتك صادقا *بالقول لا تتزيد
ما زلت تنطق بالصوا *ب وأنت طفل أمرد "
هذه الحكاية لم تحدث فالرسول(ص) كان معصوما أى محميا من أذى الكفار الجسدى كما قال تعالى :

"والله يعصمك من الناس"
ثم قال:
4 ـ وبما روي عن العباس أنه سأل النبي (ص) بالمدينة، فقال: يارسول الله، ما ترجو لأبي طالب؟ فأجابه (ص) بقوله: ((أرجو له كل الخير من الله عز وجل فهل يرجو رسول الله (ص) الخير ـ بل كل الخير لأحد، وجهت إليه دعوة الإسلام ، ولم يستجب إليها؟ ويرى بعض المعتزلة وأكثر الجمهور من السنة أن أبا طالب مات على غير الإسلام وأن نصرته وحمايته للنبي كانت بسبب القرابة العائلية، ومن قبيل النخوة والقبلية، ويستشهدون لذلك ـ ضمن ما يستشهدون به له:
1 ـ بأبيات كثيرة من شعره تؤيدهم فيما ذهبوا إليه، ومنها:
قوله:
فوالله، لولا أن أجيىء بسبة *تجر على أشياخنا في المحافل
لكنا أتبعناه على كل حالة *من الدهر جدا غير قول التنازل
وقوله:
لولا الملامة أو حذارى سبة *لو جدتني سحا بذاك مبينا
ويلاحظ على هذين القولين أنه، يجد الحرج في الاعلان عن، إسلامه، ولكنه يؤكد بهما حقيقة ايمانه ومن ثم كيف يقال: أنه مات على ما كان عليه قبل الإسلام ؟
2 ـ وبما رواه ابن اسحاق من أنه (ص) طمع في إسلام أبي طالب لما رأى منه قبل وفاته، فجعل يقول له: ((أي عم، قلها ـ أي كلمة التوحيد ـ استحل لك بها الشفاعة يوم القيامة، فأجابه أبو طالب: يا ابن أخي، والله ـ لولا مخافة السبة عليك وعلى بني أبيك من بعدي، وأن تظن قريش أنني إنما قلتها فزعا من الموت، لقلتها، ولا أقولها الا لأسرك بها ، فلما تقارب الموت من أبي طالب، نظر العباس إليه فوجده يحرك شفتيه، فأصغى إليه بأذنيه ثم قال: يا ابن أخي لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها، فقال رسول الله (ص): لم أسمع)) فهو هنا مؤمن، ولكنه يخاف ـ من إعلان إسلامه ـ السبة على محمد (ص) وعلى بني أبيه
ولعمري كيف يمكن أن يكون ‘سلام أبي طالب سبة على محمد (ص) وهو نبي الإسلام ، الداعي إليه، متحملا من الإيذاء في سبيله ما لا قبل لغيره به، اذا سلمنا، جدلا، أنه يكون سبة على بني أبيه؟ بل هل يدعو النبي إلى ما فيه سبة عليه؟ وكيف يتصور أن يكون إسلام أبي طالب على بني أبي محمد (ص)، حينئذ سبة، وقد كان علي وجعفر وعمهما حمزة، كلهم في ذلك الوقت مسلمين فعلا بصورة علنية؟

على أنه كيف يتصور أن يهتم العباس بأن يتابع شفتي أبي طالب، حينئذ، ويتسمع إليه بأذنيه ـ ليتأكد مما يقول في شأن هذا الذي أمره به النبي (ص) وهو لما يعرف عنه الإسلام بعد، والتاريخ يذكر أنه ظل على موقفه من الإسلام بعد، والتاريخ يذكر أنه ظل على موقفه من الإسلام حتى شهد بدرا في صفوف المشتركين، وكان من أسراها؟
وحينئذ كيف يتصور إذا كان إسلام أبي طالب سبة على بني أبي محمد (ص) أن يحقق العباس هذه السبة، فيقول للنبي: ((يا ابن أخي، لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها))؟ وكيف يتصور ـ إذا كان ذلك قد حدث فعلا ـ أن يقول النبي ((لم أسمع))، مع أنه هو الذي أمره أن يقولها، وأخبره عمه بنطقه بها؟
3 ـ وبما روي عن ابن عباس في تفسيره لقول الله تعالى: ((وهم ينهون عنه، وينأون عنه أنه قال: أنزلت في أبي طالب كان ينهى المشركين عن أن يؤذوا رسول الله (ص) ويتباعد عما جاء به)) فكيف يتفق هذا مع ما سبقت روايته عن ابن عباس نفسه من أن رسول الله (ص) يرجو لأبي طالب كل الخير من ربه؟ لابد أن إحدى الروايتين مكذوبة على ابن عباس
4 ـ وبما روي أن عليا جاء إلى رسول الله (ص) ـ حين مات أبو طالب ـ فقال: إن عمك الضال قد مات، فقال اذهب فغسله، وكفنه، وواره فكيف يتفق هذا مع ما سبقت روايته عن الإمام علي نفسه من أنا أبا طالب ما مات حتى أعطى رسول الله (ص) من نفسه الرضا؟ وإذن فلابد أن إحدى الروايتين مكذوبة أيضا على علي

ولو سلمنا جدلا، أن أبا طالب لم يعلن إسلامه قبل مماته، فهل ينكر أحد أنه لم يدع وسيلة لنصرة النبي وحماية دعوته إلا وأتبعها؟
وهل من كان هذا شأنه يستحق من ابنه المسلم، أن يقول عنه ـ حين مماته ـ لرسول الله أن عمك الضال قد مات؟
أفلا كان يكفيه، وهو ربيب النبي (ص)، والمنشأ على أخلاق الإسلام وعفة اللسان ـ أن يقول، حينئذ: ان عمك قد مات، دون أن يصفه بالضلال؟وهل هذا من بر الوالدين الذي نزل به القرآن من مثل قول الله تعالى: (وصاحبهما في الدنيا معروفا، واتبع سبيل من أناب الي)
وعلى ما تقدم كله، نتساءل:
إلى أي مدى يمكن اعتبار ما نسب إلى أبي طالب من الشعر ـ على تعارضه ـ دليلا على أنه أسلم بالفعل أو لم يسلم؟وإلى أي مدى يمكن اعتبار الروايات التي استعرضناها ـ على تعارضها أيضا ـ دليلا لهذا الفريق أو ذاك؟ لا شك أن النظرة الملية إلى الظروف التي أوحت بهذا الشعر أو ذاك وبهذه الرواية أو تلك، والي البيئة النفسية، التي أنتجت كلا منهما، وإلى التيارات السياسية التي تقاذفتهما سنين طويلة عبر قرون زاخرة بالتعصب المذهبي الذي فرض نفسه على الأفكار والآراء على صعيد العالم الإسلام ي كله، طولا وعرضا… كل ذلك ينبغي أن يكون في الاعتبار عند النظرة إلى هذا الشعر أو ذاك، وإلى هذه الرواية أو تلك، عن إسلام أو عدم إسلام أبي طالب، الذي شاء له القدر ـ بلا نزاع من أي من الفريقين ـ أن يكون كافل النبي (ص) طفلا، وراعيه يافعا، وحاميه عند مبعثه، حيث لم يكن له بين الناس حام سواه
وإذا كان مما لا خلاف فيه، أيضا، أن ما جرى لأهل البيت خلال القرون المتوالية على الأمة الإسلامية من جحود وقطيعة ـ عقب وفاة النبي (ص) ـ كان كفيلا بأن يحول بين صفحات التاريخ وبين أن تخط فيها كلمة انصاف يكتبها قلم، أو تنطقها شفتان، تثنى عليهم أو تعترف بفضلهم…
فلقد كانت الحرب ـ ولا تزال بصورة أو بأخرى معلنة عليهم في كل زمان ومكان ولقد تعقبوا في النفس والولد والمال والسمعة، ولاحقتهم الأحقاد باللعن والسب والإساءة… وحل بهم التنكيل والتقتيل في كل مكان ولم يكن عجبا ـ والحالة هذه ـ أن يتناولهم كثير من الكتاب، ورواة الأنباء والأخبار بما يستجيب ويتمشى مع النزعات السياسية والمذهبية المخالفة، بما يثلبهم ويقدح فيهم، ويحرف الحقيقة في شأنهم، وأن يكون موقف ذوي الضمير من هؤلاء، وهؤلاء متمثلا في إهمال أمرهم، وعدم التعرض لذكرهم بسلب أو بإيجاب، خشية من أن ينالهم ما ينالهم من الأذى والنكال والعقاب، مما كان يحل بكل من اتخذ الموقف الحق منهم، وفي أحداث تاريخنا المعاصر ما يمدنا بالأمثلة الصارخة، والمتعددة، مما يحدث للمعارضين للحكام

ومن ثم فاذا تسرب الينا ـ من خلال هذا الحصار والإعسار ـ شيء من سيرتهم المضيئة، أو قبس من أقوالهم ومواقفهم المعبرة عن حقيقة الإسلام ، أو شعلة من معالم سلوكهم الرشيد، فلا شك أنه حدث في غفلة من الطغاة وأعوانهم، وعلامة صحية على أن العقيدة ـ حين تملك على الإنسان وجدانه وسلوكه ـ تدعوه لأن يتحدى الأوضاع، ليتغلب عليها بقدر الإمكان وهذا هو الذي ظهر، فيما بعد، أنه كان حتى أصبح مادة لما نقوله الآن"

لقد وصل الينا ـ رغما عن كل الموانع والعوائق ـ شعر يحدثنا عن إسلام أبي طالب، منسوبا إليه، وروايات تاريخية تؤكد ذلك منه، أفلا يكون هذا مرجحا لما روي من هذا أو ذاك، على ما روي في الجانب الآخر النافي لإسلامه؟"
كل ما نقله الرجل من نقول فى صالح عقيدته ومن نقول أخرى فى غير صالحه فندها كما يظن يقابلها فى القرآن آيات تنفى وجود أعمام النبى(ص) كافة عدا واحد وهذا العم كان له بنات أسلمن وهاجرن مع النبى(ص) وفى هذا قال تعالى :
"يا أيها النبى إنا أحللنا لك أزواجك اللاتى أتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتى هاجرن معك"
فطبقا للآية كان له عم واحد وخال وواحد وعمات وخالات متعددة ولو اعتبر أبو لهب عمه فكلام سورة المسد ينطبق على هذا العم الذى لم ينجب بنين لقوله " ما أغنى عنه ماله وما كسب "
فلم يذكر وجود أولاد لهذا الرجل كما ذكر فى آيات أخرى تتعلق بزعامات قريش قوله تعالى:
"ذرنى ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا"
وقوله:
""أفرأيت الذى كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع على الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا"
ومن ثم فنحن أمام خرافات تاريخية طبقا للقرآن ومن ثم تصبح الكثير من المسائل التى تدور حولها الكثير من العقائد فى مهب الريح فمعظم ما روى فى التاريخ والسيرة طبقا للقرآن هو كذب وافتراء
ولخص طالب أدلته فقال:
"‘ن الأمر ـ حينئذ، والحالة هذه ـ ان لم يرق إلى رتبة الدليل، فانه، بلا شك، لا ينزل عن مرتبة القرينة القوية التي تصل بانضمام غيرها من القرائن إلى مرتبة الدليل القوي، والبرهان الجلي، دون أن يعني هذا تهوينا من نسبة هذا الشعر إلى أبي طالب، أو صحة تلك الروايات، بما فيها من دلالة صريحة على إسلامه، فقد ورد ذكرهما في كثير من الكتب والمراجع التاريخية المعترف بوثاقتها، وصحة نقلها مثل: تاريخ ابن كثير، وسيرة ابن هشام، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ومستدرك الحاكم ومن ثم فإننا نضم إلى تلك القرينة القوية غيرها من القرائن الآتية، وسنجد أنها كلها يأخذ بعضها برقاب بعض، مؤكدة إسلام أبي طالب، حتى لا يبقى في ذلك مجال للشك، وذلك أنه من المعلوم:
1 ـ أن رابطة الدين هي أقوى الروابط الاجتماعية، وأمامها تذوب، بل تزول وتتلاشى، سائر الروابط النسبية والسببية، أيا كان نوعها، وأيا كانت درجة كل نوع منها، حتى لقد يبلغ من قوة تأثيرها أن تدفع الأخ لأن يحارب ـ في سبيلها ـ أخاه، بل وابنه وأباه، وأنها تمنع التوارث بمجرد اختلافها، وأن الولاء والتناصر يتحققان بين المتفقين فيها، مهما تباعدوا نسبيا، أو تفاوتوا اجتماعيا ومن ثم لا يمكن أن يقال: ان رابطة القرابة كانت سبب نصرة أبي طالب لرسول الله وحمايته له من أعدائه، تلك الحماية التي لولاها لما أمكن للدعوة الإسلام ية أن تأخذ مسارها نحو الشيوع والانتشار، وإلا فقد كان أبو لهب أيضا ـ وبنفس المقدار ـ جديرا بنفس النصرة والحماية، فكلاهما عم لرسول الله، ولكن أبا لهب على العكس من أبي طالب كان حربا عوانا على محمد (ص) ودينه وأتباعه، بكل أصناف الحرب وأنواع الإيذاء…وإذن فالعقيدة هي الأولى أن تكون عامل التفرقة بين الرجلين فأبو لهب ملكت عليه عقيدته كل آفاق تفكيره فلم ير شيئا غيرها جديرا بالنظر والاعتبار، فكانت وقفته المتحدية لله ولدين الله ولرسول الله، لا يرعى في ذلك رحما أو قرابة، حتى عرض ابن أخيه للهلاك واهدار الدم، بينما أبو طالب، اذ أخذت عليه عقيدة الإسلام كل آفاق تفكيره ـ بعد أن اقتنع بها، انطلاقا من تجربته لصدق محمد (ص)على طول عمره قبل البعثة ـ فرآها جديرة بالاعتبار بل والانتصار، ومن ثم اندفع يؤيدها بكل مرتخص وغال، معرضا نفسه للمتاعب والأهوال، مما سنعرض لطرف منه في الفقرات التالية: فالرجلان (أبو طالب وأبو لهب) من قرابة محمد (ص) متماثلان، ومن ثم لم يكن اختلاف موقف كل منهما عن الآخر منه (ص) إلا تبعا لعقيدة كل منهما فيه وفي دينه فكان أحدهما إلى اليمين وكان الآخر إلى اليسار"
حماية أبو طالب فى روايات التاريخ وليس فى الحقيقة ليس بالضرورة بسبب إسلامه غير المعلن فقد قص الله علينا أن سبب عدم إيذاء القوم لشعيب(ص) كان رهطه أى أسرته القوية وفى هذا قال تعالى:
"قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز"
إذا العصبية للعائلة كانت مانعا من إيذاء رسول من رسل الله وهو شعيب(ص) ورهطه كانوا كفرة
ثم قال:
"2 ـ أن أبا طالب كان يرى بطلان عقيدة قومه من مبعث محمد (ص) بالإسلام ، فقد ثبت ـ كما سبقت الإشارة ـ أنه كان من المتألهين الحنفاء، الذين لم يهيموا بصنم قط، ولم يسجدوا لوثن أبدا، كما كان على ذلك أبوه عبد المطلب تماما "

3 ـ أن أبا طالب أقر ابنه عليا على متابعته لمحمد (ص)، والابن أهم ما يحرص الأب على الحفاظ على عقيدته، ودينه، وأمنه وسلامته، فكيف اذن كان هذا الدين يعرض من يتبعه لصنوف من الإيذاء والآلام؟ وهل يكون ذلك من غير مسلم؟
4 ـ أن أبا طالب رأى النبي يوما يصلي وعن يمينه ابنه علي، وكان معه ابنه جعفر فأمره أن يدخل في الجماعة، قائلا له: ((صل جناح ابن عمك، فصل عن يساره))، مما يدل على أن جعفرا كان مسلما من قبل، ويعرف الصلاة الإسلامية، وأن أبا طالب كان يعرف أحكامها كذلك وهو بذلك يقدمه مع أخيه قربانين لهذا الدين في مناخ كله حرب عليه وشجب له، فهل يكون ذلك من غير مسلم؟
5 ـ أن أبا طالب ظل على موقفه من نصرة النبي (ص) وحمايته له ولدعوته طول حياته ولم يسلمه ـ تحت أي ظرف ـ إلى خصومه وأعدائه أبدا
6 ـ أن أبا طالب صمد لتحدي قريش بالمقاطعة الاقتصادية والاجتماعية، مقيما بشعبه في مكة، ثلاث سنوات متواصلة مع بني هاشم، عانوا خلالها جميعا من الشظف والمسغبة والحرمان مما تعجز الكلمات عن وصف مداه وتقدير عنائه، دون أن يتطرق إليه الوهن أو الضعف أو التردد، فهل يكون ذلك لمجرد القرابة دون أن يكون للعقيدة مدخل فيه؟

7 ـ أن أبا طالب لم يتردد في تصديق النبي (ص) حينما أخبره أن الأرضة قد أكلت وثيقة المقاطعة المودعة بالكعبة ولم يبق فيها إلا اسم ((الله)) فقط، فخرج إلى قريش متحديا بذلك وكان الأمر كما أخبر الرسول تماما، فهل يكون ذلك من غير مسلم؟ أو هل يبقى بعد ذلك غير مسلم، لو لم يكن مسلما من قبل؟
8 ـ أن النبي ظل مقيما بمكة يدعو إلى الإسلام ، آمنا على حياته" طيلة حياة أبي طالب، ولم تضق عليه الأرض بمكة إلا بعد أن فقده بموته، فكان أذن الوحي له بالهجرة، لأن البقاء في مكة بعد أبي طالب لم يكن يعني فقط إجهاض الدعوة، وإكراه المؤمنين بها على الارتداد عنها، وإنما كان يعني أيضا الإجهاز على الإسلام نهائيا من الأساس لو تعرض النبي للقتل وهذا هو ما خطط له القرشيون بالفعل، وعلى رأسهم عمه أبولهب، وكانت ساعة الصفر في نفس الليلة التي أذن النبي فيها بالهجرة، من مكة إلى المدينة، فهل من كان وزنه بالنسبة للدعوة الإسلامية أن حياته في مكة حياتها وحياة نبيها، وأن مماته بمكة تعريض لهما إلى الضياع والفناء، يكون على غير دين الإسلام ؟
9 ـ و أخيرا وليس آخرا إننا نجد التاريخ لا يسجل، ولو لمرة واحدة، أن أعدى أعداء على ابن ابي طالب ـ وهو معاوية بن أبي سفيان ـ يطعن في إسلام أبي طالب، مع أنه لم يكن يرعى عهدا ولا ذمة في الطعن على علي والادعاء عليه بما ليس فيه والانتقاص منه بنسبة ما هو متأكد من براءته منه، حتى لقد بلغ من حقده عليه أنه
(أ) أمر بلعنه على منابر المساجد، وأوصى باستمرار ذلك من بعده
(ب) تتبع كل من يوالونه ليكرههم على البراءة منه أو يقتلهم أن امتنعوا من ذلك
(ج) أمر بوضع الأحاديث التي تنسب إليه ما يشينه من جهة، والتي تضفى على غيره ما خصه به رسول الله (ص) من صفات ومزايا من جهة أُخرى

ومع كل هذا فلقد كان علي يهاجمه بما فيه أمه هند، وأبيه أبي سفيان، من مذام ومثالب، فهل كان معاوية ـ وقد صار الأمر إلى الآباء والأمهات ـ يعف عن أن يرمي عليا في أبيه بتهمة الكفر، لو كان لذلك ظل من الشبهة، فضلا عن الحقيقة، نكاية في علي، وردا على نيله من أبويه ؟
لا يقولن أحد ما يدريك لعل ذلك قد كان من معاوية، فها هي رسائل معاوية كلها إلى علي ـ كما يسجلها التاريخ ـ لا تنطوي واحدة منها على كلمة تشير ـ من قريب أو من بعيد ـ إلى أن أبا طالب لم يكن ـ حين مات ـ على غير الإسلام ، مما يؤكد أن قضية التشكيك في إسلام أبي طالب لم تكن مطروحة حتى زمن تمرد معاوية على علي ، وإلا اهتبل معاوية فرصتها، وكال لعلي، في هذا الباب، مقابل الصاع صاعين
ولا أدل على ذلك من أن معاوية، حينما دخل عليه، بالشام، عقيل بن أبي طالب، في زمن خلافة أخيه علي ، وأراد أن يقلل من شأن عقيل، (إسلاميا، بما ينسحب، تبعيا، إلى الإمام علي فقال له: أين عمك أبو لهب يا عقيل، فكان جواب عقيل الفوري عليه يا معاوية، اذا دخلت النار فمل عن يسارك قليلا، تجده مفترشا عمتك أم جميل فما الذي كان يحوج معاوية إلى أن يعدل ـ في هذا الإحراج ـ إلى أبي لهب، فيحيق به مكره كما حدث له، ويترك أبا طالب لو أن هناك أدنى شك في إسلامه، حيث كان، حينئذ، سيضرب عصفورين بحجر واحد، يحرج عقيلا، ويشهر بخصمه الألد علي دون أن يدع لعقيل فرصة الرد عليه بما يفحمه كما حدث بالنسبة لأبي لهب أفلا يدل هذا وحده دلالة أكيدة على أن كل ما روي في شأن عدم إسلام أبي طالب ـ فيما بعد ـ كان من قبيل الوضع، وتزييف الحقيقة، والإفتيات على الواقع؟

أما بعد:
فهذه قرائن تسع، تكفي كل واحدة منها حين تنضم إلى ما روي من شعر منسوب إلى أبي طالب يثبت إسلامه، أو روايات المؤرخين في هذا الشأن لأن تقيم الدليل القاطع، الذي لا يدفع، على أن أبا طالب إنما مات على الإسلام ، فكيف بها مجتمعة، متضافرة، ومتكاملة، يأخذ بعضها برقاب بعض، نحو غاية واحدة، ونتيجة مؤكدة، وهي أن أبا طالب ـ حين مات ـ إنما مات على الإسلام ، لا أقول الإسلام الذي وقع حينئذ فقط، وإنما الإسلام الذي كان، منذ بداية بعثة النبي (ص) دون جدال
وفي ضوء ما تقدم جمعه يثور تساؤل ملح يتلخص في أنه ما هو السر في هذا اللغط، الذي دار ـ ولا يزال يدور ـ حول إسلام أبي طالب، نفيا واثباتاً؟
ولا أرى تعليلا لذلك الا أن السياسة شاءت ذلك، فكان لها من أعوانها وحاشيتها من الكتاب والمؤرخين والرواة ما شاءت، ذلك أن أبا طالب هو أبو علي الإمام، وكنز الأئمة وحق علي ـ والأئمة من بعده ـ في ولاية أمر الأمة، سياسيا واجتماعيا، دون غيرهم، هو معتقد الشيعة، وقد صار أمر الأمة إلى غيرهم، فكانت مصلحة الحاكمين ـ وخاصة في العصر العباسي
ـ ملاحقة هؤلاء الأئمة بالتنكيل والتحريف والتشويه بشتى الوسائل، طالما كانت قلوب الناس تطوف حولهم وتعطف على مظلوميتهم ومن ثم لم يدع الحكام فرصة لثلب مزايا الأئمة، ونفي محاسنهم، وشل مفاخرهم، الا واهتبلوها ولقد كان في مقدمة مفاخر آل البيت موقف أبي طالب من الرسول (ص) ودينه منذ بدأ، رعاية وحماية، ودفاعا مجيدا، لا يقف عند حد، ولا يتقيد بقيد، بما لولاه لما تمكن أن يأخذ هذا الدين طريقه إلى نور الحياة فضلا عن أن ينتشر ثم ينتصر ومن ثم كان أبو طالب من أهداف هذه الحملة السلطوية الشنعاء ضد أهل البيت، فكانت الأشعار المنحولة، والروايات الموضوعة المدخولة، لنفي إسلامه، حتى لم يتورعوا، في هذا المجال، عن أن ينسبوا بعض الروايات تارة إلى علي نفسه، وأخرى إلى ابن عباس وما رأينا مثل هذا الجدل ثار حول إسلام كثير من المنافقين، وبخاصة من الذين قال الله تعالى فيهم لنبيه: (لا تعلمهم، نحن نعلمهم) ولكنه ثار حول إسلام أبي طالب، لا لشيء الا لأنه أبو علي الإمام، أبي الإمامين، وجد الأئمة، متمثلا في التشكيكات التي حيكت لها الأشعار والروايات، تنفيرا للناس، وصرفا لهم عن قضية الأئمة، ونشرا للضباب حولها، حتى لا تكون الحقيقة واضحة جلية أمام الرعية، فيطمئن الحكام إلى استقرار ملكهم، واستمرار حكم أسراتهم ولكن الله كان بالمرصاد، فقد أشرقت شمس الحقيقة، فبددت سحائب الضباب المصنوع، حيث شاء الله تعالى أن تذهب ـ إلى غير رجعة ـ عصور العصبية المذهبية والعداوة العائلية لأهل البيت، وسادت الحرية الفكرية، فانطلق الحق يأخذ طريقه إلى الوضوح والأسفار عن وجهه الصحيح ومن ثم فان الغد القريب أو البعيد سيشهد ـ باذن الله تعالى ـ تصحيح كثير من المفاهيم، وانصاف كثير من المظاليم، واذابة الثلوج بين القائلين بإسلام أبي طالب والقائلين بعدم إسلامه، لا بالنسبة لهذا الموضوع فحسب، ولكن بالنسبة لكثير من المعتقدات المدعاة والمفتراة"

ما ينبغى قوله أنه طبقا للقرآن لا توجد الفتن التى حكاها التاريخ فى عصر الخلفاء ولا توجد مظلوميات كما أن دولة بنى أمية وبنى العباس كلها خرافات اخترعها الكفار فى الكتب التى كتبوها ونشروها بعد هدم دولة المسلمين الأخيرة لكى يختلف الناس فيعتقد كل فريق مذهبه والأغرب أن يقود كل تلك الفرق بعض الأسر الكافرة التى هدمت دولة المسلمين تحت مسميات مختلفة كالسادات والأشراف والنبلاء والأمراء والسلالة الشريفة

اجمالي القراءات 5122